الثلاثاء ٠٧ يوليو ٢٠١٥
من ولد في بداية السبعينات الميلادية، فقد كان في الثالثة من عمره حين وقعت حرب أكتوبر، في الخامسة، رأى هلع الناس باستشهاد الملك فيصل، يرحمه الله، التلفزيون كان للتو قد أكمل عشر سنوات منذ دخوله للسعودية. أتذكر شخصيا أول تلفزيون اشتراه والدي، وكنا والجيران نلتفّ حواليه في غرفة واحدة. في عام 1979 كان عمري ست سنوات، وفي ذلك العام وقعت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل (اغتيل على إثرها السادات لاحقا) وقامت الثورة الخمينية، ووقعت أحداث الحرم. وانعكست هذه الأحداث علينا. حوصرت الحياة العامة، وتغير التلفزيون وأقصيت الفنون، ضُيق كثيرا واستغل الإخوان فالسروريون الوقت لتنفجر كارثة اسمها "الصحوة". وفي 15 عاما، كحد أقصى، كانت قد استولت على كل شيء، بكم مهول من الخطب والمحاضرات والكاسيت وكتب الغلو والتكفير. وفي آخر شهر من 79 السيئ وقعت الحرب السوفيتية الأفغانية، وعلى مدى تسع سنين كأن تلك الحرب لم تكن على بعد آلاف الأميال منا، بل كانت وكأنها على حدودنا، وبعض شبابنا طاروا إليها بالآلاف، بقصص وأسرار لم تعد أسرارا، ومن لم يقتل منهم انتهى به الأمر إلى طالبان والقاعدة فداعش وغيرها، أو السجون، أو مطارد في قوائم المطلوبين، أذكر كيف احتفل أئمة المساجد بسقوط (كابل) وكأنها في الحيّ المجاور. في بداية الثمانينات وقعت الحرب العراقية الإيرانية، وقد كلفتنا الكثير، في الـ90 غزا صدام…
الثلاثاء ١٤ أبريل ٢٠١٥
المادة العلمية وحدها، وعلى قدر أهميتها، يقيد رواجها الثقل، وتبقى بعيدة ومحدودة التناول، وفي الغالب لا يعمد إليها إلا الباحثون المختصون. وحتى تتحرر من ضيقها هذا لا بد أن تخرج إلى صياغات تنمو فيها الدهشة، أن تصير لها روح، جسد، لسان، يدان وقدمان، وقصص وذاكرة، تتجاوز بها المعلومة جمودها، وتعبر إلى القارئ. تلمسه وتقدح في نفسه وذهنه سحريتها وعمق أثرها، لتغدو ذاك النوع الهائل من الكتب، الذي يجذبك ويعلّمك في الوقت نفسه. كتاب "جبال مكة، قراءة تاريخية" لمؤلفه د. عدنان عبدالبديع اليافي الذي صدرت طبعته الأولى في عام 2014، جاء على هذا النحو البارع. فإضافة إلى مادته التاريخية الرصينة والمهيبة، وسبقه وفرادته في تناول جبال مكة، فقد زخر هذا العمل بالقصص والمرويات الموثقة، بالآيات القرآنية والأبيات الشعرية والعظمة، بالصور والرحلات والخرائط واللحظات المؤثرة، والعديد من الشخصيات، وعشرات المصادر. بدأ د. عدنان بين يدي كتابه بمحبته للجبال بعموم، وجبال مكة بشكل خاص منذ كان طفلا، مرورا بشبابه، وعمله نائبا لمدير عام مركز أبحاث الحج، لتجيء هذه الكتابة بعد تجارب ومعرفة وخبرات طويلة، مشيرا إلى أنه اقتصر في اشتغاله على الشوامخ فقط من جبال مكة، فهي –أي جميع الجبال- كما نقل العلامة عبدالله الغازي قول القطبي عنها "إنها لا تُعد". تناول الكتاب جبل حراء "النور" وغاره الشهير، مهبط الوحي، وجبل ثور وغاره…
الثلاثاء ٠٧ أبريل ٢٠١٥
"نظائر ومفارقات.. استكشافات في الموسيقى والمجتمع"، هذا عنوان كتاب جمع بين اثنين من أوسع الأسماء صيتا وأثرا، وتربطهما صداقة طويلة، أولهما بروفيسور اللغة الإنجليزية والأدب المقارن بجامعة كولمبيا، إدوارد سعيد، ترجمت كتبه إلى ست وثلاثين لغة، منها: الاستشراق، الثقافة والإمبريالية، السلطة والسياسة والثقافة. الطرف الآخر في الكتاب هو دانيال بارنبويم، مدير الشؤون الموسيقية لأوركسترا شيكاغو، ثم لدار الأوبرا الألمانية. أدار الحوار بينهما آرا غوزيليمان. الكتاب صدر في طبعته الأولى من دار الآداب اللبنانية في العام 2005 وقامت بترجمته نائلة حجازي. هذا عمل مليء بالمتعة والمعرفة والآراء والنوافذ على الموسيقى والمجتمع والثقافة. أضع منه هذين المقطعين باختصار: دانيال: أعتقد أن كل عمل فني عظيم ذو وجهين، الأول موجه نحو زمنه، والآخر نحو الأزلية، بكلمات أخرى هنالك ميزات معينة في سيمفونيات أو أوبرات موتسارت، مرتبطة ارتباطا واضحا بزمانها، وليس هناك ما يجمعها بالحاضر. "حق السيد" الذي يتمتع به "الكونت" في فيغارو محصور تماما بزمانه، لكنّ هنالك أمرا لا زمنيّ في هذه الموسيقى، وهذه الناحية يجب أن تعزف بنوعٍ من الإحساس بالاستكشاف. إدوارد: لكن لماذا تطلق عليها صفة الخلود أو الخروج عن الزمان! أنت في زمن محدد، لست خارج الزمان، لذلك يمكن تحديثها، هذا ما تريد أن تقوله، نوعا ما. دانيال: إنها خارج الزمان بمعنى أنها غير محصورة بذلك الزمان، إنها دائمة العصرية،…
الثلاثاء ١٠ مارس ٢٠١٥
للأشياء، للأجساد، والبلاد علامات وحدود. الحدود نفسها علامات بدءٍ وانسجام وثقة، وهي أيضاً علامات اشتباك وخصام، وأخيرا علامات النهاية والقطيعة. من يلمس حدودك – أياً كان – فإنه يكون قد دنا منك حتى المكان الذي لا عودة منه. وهكذا تبدأ القصص كلها وهكذا قد يضربها الغبن فتنتهي. وفي هذه المساحة التي لا يرجع منها أحد.. تتساوى الحكايات، لا يهم كم تطول أو تقصر، كم تحلو أو تختنق بالمرارة! إنها أخيرا تنقطع، ويتحلل الانسجام والثقة شيئا فشيئا حتى يذهبان إلى العدم. ما من شيء ينمو وليس له وسم وسمات تسبق شكله النهائي. خذ مثلاً.. السلامات الباهتة، البشاشات التي لا تعني غير الارتياب والحنق، وخذ في اعتبارك المسافة في اختيار التواريخ والطاولات. هل رأيت يوما تحصينات الحواجز وانتشار الجند؟ هل حدث ولاحظت قلة المشي والكلام بين اثنين أو بيتين أو بلدين؟ أليس هذا شيء تكبر فيه الوحشة!. قبل أن تطيح السفوح الممتدة في الاصفرار والكآبة لا بد أن شيئا ما لم يعد كفاية. قبل أن يوصد باب، فإن كابوسا قد تراءى وراءه، لكن أحدا لم يطرده. قبل أن يتشتت الصوت والنشيد الوطني، كانت السواعد قد فقدت حيْلها، وقبل أن تتداعى أرض وبلاد بأكملها، لا بدّ أن قويا ومتنفذا فيها لم يأبه خرابها، ذاك الواحد الفاسد، ذلك الذي تمكّن من مصير الناس، لكنه…
الثلاثاء ٣٠ ديسمبر ٢٠١٤
والآمال معقودة على قيادات وزارة التربية والتعليم اليوم أن تعيد صياغة سياسات التعليم وتوجهاته وواقعه من الجذور، لتجعله لائقاً بهذا العصر وبهذا البلد، ولأجل تحقيق هذا فإنه لا بدّ من قراءة تجارب الذين اصطلوا بناره. هذه مجرد إضاءة على تجربة واحدة من تعليم البنات، وكنت أقول إنه لطالما نظرت إلى السنوات التي مررت بها في مدارس البنين كسنواتٍ من الجحيم، لكني حين قرأت كتاب أميمة الخميس "ماضي مفرد مذكر" أيقنت أن النساء مررن بقاع الجحيم. الكتاب رصدت فيه أميمة مشاهد من تجربتها الشخصية في التعليم، طالبةً في المراحل الثلاث، ثم عاملةً بالقطاع نفسه، مع إلماحات نقدية وفكرية مهمة ومعبرة، ويا لعالم تعليم البنات المروّع والمحاصِر لأبجديات وجودها، نعم مُكنت المرأة من التعليم، لكن بطريقة تضاعف محوها! الرياض كانت مكان هذا الكتاب، وقس ما الذي يمكن أن يحدث في الضواحي والمدن الصغيرة، المبالِغة في الامتثال بحثاً عن القوة، حيث تأخذ هذه الهيمنات الطامسة مستغِلةً الأنظمة والتعاميم والمنهج، أشكالاً أكثر استقواءً ووحشيةً وإلغاءً لأي معنى يتصل بالكينونة الإنسانية، بدءاً من مسؤولي الوزارة، لمسؤولي إدارات التعليم، وصولاً للمشرفات ومديرات المدارس والمعلمات، وانتهاءً بحارس المدرسة، المثال البسيط والواضح حتى اليوم كل ظهيرة، على هذا التواطؤ، حيث يصير حتى اسم الفتاة شاهداً في حلقات إلغائها، الحلقات الذكورية المتصلة والطويلة، وكما العادة.. باسم الدين والأعراف، تلك…
الخميس ٢٥ ديسمبر ٢٠١٤
الشخصيات التي مرت بهذه البلاد، وسجلت بكدحها وسيرتها مكاناً بالغ الأهمية في العملين الحكومي والثقافي معاً، الشخصيات المتقدمة على عصرها.. أفكر ماذا لو أن رؤاها كانت هي التي قادت دفة المجتمع، بدلاً من تسليمه بشكلٍ كامل للذين تلذّذوا بخنقه والتقليل من شأنه، والطعن في قِيَمه وقدرته على أن ينمو طبيعياًّ، وعملوا على محاصرته في كل صغيرة وكبيرة، تحت ذرائع تكشّفت وتتكشّف عوراتها يوماً إثر يوم، الذين بلغ بهم الأمر في إهانة الناس.. أن قالوا إنه لولاهم لامتلأت الأرصفة باللقطاء. حين تكبر أجيال وهي لا تكاد تعرف شيئاً عن - على سبيل المثال - ناصر المنقور، وعبدالله الطريقي، وأحمد زكي يماني، وعبدالعزيز بن محسن التويجري وعفت الثنيان.. وآخرين، وصولاً إلى زمننا القريب مثل غازي القصيبي، الذي ناله من مواجهة التطرف ما ناله، فإن ذاكرتها ومُثلها العليا تُركت - ويا للأسف - لتمتلئ بمئات ومئات الأسماء من الدعاة والوعاظ، الذين لم يحسن كثيرٌ منهم لا للبلاد ولا للناس، إلى جانب أسماء من هنا وهناك في مجالات لا تنتج في نهايتها قيمة تُذكر. جرب واسأل عشوائياًّ، أياً من أبناء اليوم، عن هذه الأسماء الوطنية وغيرها، بل اسأله عما حدث في هذا البلد، وأكثر من هذا اسأله حتى عن تاريخ البقعة التي ولد فيها وجاء منها، وافرح كثيراً إن وجدت ربع جواب. وتأمّل من…
الجمعة ١٤ نوفمبر ٢٠١٤
الهاجس بالدهشة والمفاجأة، الانشغال بالجمالي والعميق والبعيد، هي الاستيعاب الوحيد الذي يمكن من خلاله للفنّان أن يبقى حيًّا، ليس حيّاً بالمعنى المجازي فقط، في نموّ فنّه، بل وبالمعنى المباشر. دون هذا الهاجس والانشغال سيموت.. ستفارق روحه جسده فوراً، سيذهب جثمانه للمقبرة، وروحه ستذهب للعماء. هذا النوع من الهاجس والانشغال يمنح الأشياء بُعداً آخر، مفاجئاً وسحرياً، حيث لا تغدو الأشياء كما هي عليه في ظاهرها، بُعداً لم تره فيما يحيط بك، لكن عازفاً، أو شاعراً، أو روائياًّ، أو موسيقياًّ، أو رساماً، أو لاعباً في رياضةٍ ما، أو أو.. الخ، حكّ مكاناً غير مأهولٍ في ذهنك، فانتبهت،. وقلت: يا الله! يا سلاااام! من الأشياء التي لا أملّ من العودة إليها، تلك الكتابة الشهيرة، من ثمانية مقاطع، التي دوّنها محمود درويش، عن.. وإلى فلتة كرة القدم العالمية مارادونا، وكانت قد نشرتها مجلّة اليوم السابع قديماً. (الرسالة موجودة كاملة بمواقع عدة على النت). أذكر أني حين سمعت عنها أول مرة فكرت؛ ما الذي يمكن أن يكتبه شاعرٌ عن لاعب كرة قدم؟ بدقة أقرب؛ ما الذي يمكن أن يكتبه درويش عن مارادونا؟. تأملت الاسمين، فوجدتهما بشكلٍ ما، اللعنة والعبقرية ذاتها، لكنها ظهرت على هيئة صيغتين وعالمين. نعم، أحدهما يُفضي بالضرورة للآخر.. إليكم هذه، من كتابة درويش لـ مارادونا، وفي ختام آخر مقطع: "مارادونا.. يا بطلي،…
الثلاثاء ١١ نوفمبر ٢٠١٤
بعد كل حادثة لدينا تخرج كلمة "مثيرو الفتنة"، تُستخدم هذه الكلمة المواربة؛ لتشير بشكل قد يضيق، فتعني بوضوح أشخاصا نفذوا عملا تخريبيا، كحادثة الأحساء مؤخرا، وقد تتسع حتى تدخل فيها شخصيات ذات ثقل ووزن وجماهيرية، دون إدانة أو إجراء تصحيح جاد للخطاب، ولنفترض مثلا أن هناك ستة أسئلة أساسية، يمكن من خلالها رسم تلك الشخصية التي صنعت وتصنع "الفتنة"، ومن حين لآخر تحاول أن تثير المجتمع ضد نفسه، وضد بعضه البعض، وهي أسئلة بسيطة، جميعها تبدأ بـ"من؟"، وتنتهي بـ"لماذا؟"، وما دام أنه ليس هناك عمل كاف وحازم لتغيير الأفكار، فهي بلا ترتيب من حيث الأهمية: - من الذين يقفون ضد أي عملية تطوير في قطاع التعليم؟ ولماذا؟ - من الذين يناهضون برنامج الابتعاث ولا يتركون فرصة ولا حادثة إلا ويحاولون استغلالها لتعطيله؟ ولماذا؟ - من هم الذين يستعدون وجود وحقوق آخرين غيرهم "مذهبيا، أو فكريا" في الوطن؟ ولماذا؟ - من الذين يغضبهم أي قرار يصب في توسيع حقوق المرأة وتعليمها وعملها وأهلياتها القانونية والاجتماعية كافة؟ ولماذا؟ - من الذين يربكهم مشروع تطوير القضاء وهيلكته وتقنينه؟ ولماذا؟ - من الذين يُجن جنونهم عند أي خطوة باتجاه ضبط وتنظيم دور هيئة الأمر بالمعوف والنهي عن المنكر؟ ولماذا؟ يمكنك أيضا أن تضيف عشرات الأسئلة كهذه، التي هي جميعها، وفي النهاية، تنويعات وإعادة صياغات،…
الثلاثاء ٢٩ يوليو ٢٠١٤
يقدّر تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية (سوفان جروب) أن عدد المقاتلين السعوديين في صفوف داعش 3000، التقرير بعنوان "المقاتلون الأجانب في سورية"، ونشرت نتائجه وسائل الإعلام. حسناً، لنقل شيئاً هذه المرة عن جانب آخر فيما يخص السعوديين، غير مسؤوليتي الأداء السياسي والديني، وبالطبع لا يمكن فصله عنهما، حيث هو مصبّ مباشر لما يفعلانه. لنتحدث عن البيوت. هناك أزمة حقيقية في فهم فكرة "البيت" لدى العديد من الناس، إخفاق ممنهج ورهيب في وعي الوالدين ابتداء بما يلزم حقاً حيال معنى العائلة وأفرادها، يظهر هذا جلياً في نسب العنف الأسري، بدءاً من قسوة اللفظ والمعاملة، مروراً بالضرب، وانتهاءاً بحالات عنف، تصل أحياناً إلى القتل. إليكم هذه النسب، وهي على الموقع الرسمي لهيئة حقوق الإنسان السعودية الحكومية، وأنقلها بالحرف، مع ملاحظة أن هذا لم يكن قبل قرن من الزمان، حيث يُعذر الناس، بل السنة الماضية 1434: "أوردت دراسة حديثة، حول انتشار العنف الأسري في المجتمع السعودي أن 45 في المائة من الأطفال السعوديين يتعرضون لصور من الإيذاء في حياتهم اليومية، فيما وصل 83 في المائة من الحالات التي تتعرض للعنف الأسري إلى دور الملاحظة والتوجيه والرعاية عن طريق الشرطة، وأن 72 في المائة من الضحايا يصلون عن طريق أحد الوالدين. وهناك دراسات أخرى توضح أن آثار العنف الأسري غالباً ما تظهر بعد سن البلوغ،…
الثلاثاء ٠٨ يوليو ٢٠١٤
الفيلسوف الهندي؛ "تشاندرا موهان جاين"، أو كما يُسمى بالمعلم "أوشو"، رأى أن الثقافات والإجابات والتقاليد التي أنتجها الإنسان منذ عشرة آلاف سنة لم تزد إلا من تعاسته وضياعه، وأنها نفسها لن تستطيع علاجه لعشرة آلاف سنة قادمة أيضاً، لأن البشر لم يكونوا جريئين بالقدر الكافي لنقدها، وتنقيتها مما يدفع بالإنسان بالتعفّن والشرّ. في رسالة "ناتيساسترا" المطولة، وهي أحد أقدم الموروثات التي عرفها الإنسان في تاريخه، وتعود إلى ما قبل القرن الثالث قبل الميلاد، تحدثت عن تعب الإنسان. تذكر الأسطورة، في مبتدأ الرسالة، أنه لمّا كانت البشرية قد تورطت في ضلالها وانحطاطها، كان لا بدّ من إيجاد شيء يتدارك انهيار الإنسان ويعيد تأهيله، فوضع "براهما" سفر "العرض"، ونقل إلى "بهاراتا" الإنسان، كي يقوم وأولاده المئة وعدد من الراقصين الذين أرسلهم "براهما" من السماء بمساعدة الإنسان في تجاوز تعبه ولمّ حطام روحه المرهَقة، وفي الوقت نفسه رفع أخلاقه وتربيته. إذاً فالقصة هي نفسها، وكل ما قام به الإنسان من الفلسفة والأفكار والديانات والعلوم الطبيعية والفنون والحضارات لم تكن إلا لمواجهة تعبه ورعبه، تيهه وأوساخ قلبه. تلك الأوساخ التي صارت استبداداً واستحواذاً، وصارت حروباً ومجازر واقتتالاً، وصار الذين يملكون قدرةً أكبر على الضغينة، هم من يتصدر الشعوب، وهم من يملأ وجدانها بالخراب، هم من يمنحون الجرائم والكراهية والطغيان بجميع أشكاله قداسةً وشرعيّة. قبل…
الثلاثاء ٠١ يوليو ٢٠١٤
بين هذا الدم العارم الذي تطفح به بلدان العرب، تفتش عن نبأ جميل، عن شيء يسحبك ولو قليلاً من هذه الدوامة الخانقة من الهراء القاتل، الذي يجلّلون عوراته بمئزر الدين. لا الأغاني والليل والعزلة، ولا الأمل والروايات تُسعفك أمام هذا القبح المستشري. تهرب إلى خيالٍ ما.. وسرعان ما تُشوّش الصورة تحت عينيك المغمضتين، وهما تلمحان في العتمة ظُلماً يلاحق حتى الخيالات.. ويُخمدها! من ورّطنا في كل هذا القلق.. من!. شمّ يديك! تمسّك بخلوّهما من مصائر الآخرين، هذه هي رائحة الإنسان الأولى والوحيدة. فيما لو شممت فيهما دماً أو قهراً ألحقته بالناس، فأي بحار – بالله عليك – يمكنها أن تعقّم قلبك!. تفكر.. فترى الواقع، بمن وما فيه، يضطر من يتشبّثون بتفادي الوحل اضطراراً للخروج منه. يتحوّلون إلى كائنات صامتة ومتأوهة ومنتظرة. واقعٌ يرغمك على أن تكون طرفاً في دم وخصام، أو ابق هناك. صه!. الأيام الندية بانتظارنا، لنا بلاد، ونريد أن نعمرها بأقل ما يمكن من النزاع والفرقة، تعبنا كثيراً. هكذا تقول في نفسك، فتسمع أحداً هنا وهناك يرفع صوته حتى أعلاه بالخراب، ويكاد الفرح يتقادح من عينيه وهو يمجّد "الدواعش"، ويستلهم بحماسة مقولات حزّ الرؤوس والطائفيين، وخطب المطرودين أو الممنوعين من الدخول إلى بلاد القانون، بينما هم يصولون ويجولون على أرضنا، ويمشون سراً وعلانية بالنفير والقتال. هذا النفير الذي…
الأربعاء ١٨ يونيو ٢٠١٤
قد يقال عن سارة "أبو شعر"، في مقطع اليوتيوب، وهي تلقي خطاب الطلاب الخريجين من جامعة هارفرد، أنها خرجت هكذا بفضل امتياز ظروفها العائلية، والتي مكنتها من أن تكون هذه الشخصية، بمعنى أنها ابنة والدين منفتحين ومتعلمين، ونشأت في حال اعتباري خاص، وتلقت تعليماً نوعياً، لا يتلقاه الملايين في طول الوطن العربي وعرضه، وأخيراً كان لها، بفضل هذا التأسيس الأسري والتعليمي المختلف، أن تكون مؤهلةً لدخول عالم جامعة هارفرد، والذي كانت كلمتها تدور حوله، وحول أثر تلك الجامعة في نفسها، والذي وجدت فيه المثال لتعيش معنى كونها إنساناً ينظر إلى نفسه بوصفه يملك القدرة على التأثير في واقعه، بل وفي العالم كله. وقد يكون بعض ما في هذه الـ"يقال" صحيحاً نسبياً، أما ما هو واقع فلم يعد بالإمكان تجاهله ولا القفز عليه أبداً، إن سارة وجيلها العشريني، ومن سيأتي بعدهم، يحملون فكرة أخرى عن الحياة والعالم، عن كينونتهم ووجودهم، وأن هذه البلدان، العربية بالذات، في ورطة الاتكاء على خطابات التخلف الرسمية القامعة، التي لم تعد فقط مقنعةً بأية حال لهذه الأجيال، بل محطّ سخريتها ونقمتها، والارتداد عليها. كثير مما قالته سارة أبو شعر، في خطابها، وفي حوارها في جريدة الشرق الأوسط، الاثنين 16/ 6/ 2014 هو ذاته، وإن اختلفت مستويات عمقه، وطريقة صياغاته وتعبيراته واتجاهاته، بما في ذلك العنيفة والمؤدلجة،…