د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

الهيئات الشرعية وصناعة الاقتصاد الإسلامي

الجمعة ١٣ مايو ٢٠١٦

لاتزال صناعة الاقتصاد الإسلامي تحث الخُطى نحو التمكن في الأرض ونفع الناس، لأنها الصناعة التي تنفع الناس وتمكث في الأرض، وتحمي الإنسان من محاربة الملك الديان، وها هي تنتشر في الأرض وتقبل عليها البشرية لملاءمتها لحاجاتهم، وتحقق لهم النفع والإفادة. وقد عقدت هيئة المحاسبة والمراجعة (أيوفي) مؤتمرها 25 في المدينة المنورة، برعاية أميرها الكريم، فيصل بن سلطان، وفي رحاب جامعة طيبة، الذي خصصته لمراجعة شاملة لمسيرة المصرفية الإسلامية في عقدها الأربعين، وقد كان الرعيل الأول من صُنَّاع هذه الصناعة، كالأمير محمد الفيصل وصالح كامل والحاج سعيد لوتاه، بنيابة ابنه البار صالح؛ حاضرين ومستحضرين مراحل تكوينها وتطورها ومعوقاتها واستشرافها، ولم يتورعوا عن نقدها التقويمي، وكان أبرز ما فيه أنها لم تتحول إلى استثمار حقيقي، بل بقيت في إطار المصرفية البنكية، وفي منتجات محدودة، لا تلبي طلب السوق، ولا تستوعب أبواب الاقتصاد الأخرى، ومع أهمية الاقتصاد في وضعه المصرفي وكبير نفعه، لأن مصارفه هي الوحيدة التي تماسكت وابتعدت عن عاصفة الانهيارات والأخطار التي لحقت بالبنوك التقليدية الأخيرة، عامي 2007-2008م، فحمت البلدان التي اتخذت منهجيته من كوارث الإفلاس. إلا أن الاقتصاد الإسلامي هو أشمل من ذلك وأعم، والحاجة إلى جميع جوانبه ماسة، فكان الواجب أن تتحول بنوكه إلى بنوك استثمارية، وليس لإدارة السيولة، كما ناشد بذلك الشيخ صالح كامل، الذي شكا من محاكاة…

دعائم الاقتصاد في الإسلام

الجمعة ٠١ أبريل ٢٠١٦

للاقتصاد دعائمُ لا يقوم إلا بها، وهي التجارة والزراعة والصناعة واستخراج المعادن، وقد أولاها الإسلام عنايته الفائقة؛ لأنها تمكِّن البشر من العيش السوي، والقيام بواجب الاستخلاف في الأرض، وتعتبر التجارة عمودَ الاقتصاد الأول؛ لأنها تنهض بالأمم وتحقق الاستغناء عن الناس، ولذلك حث الشارع عليها أكثر من غيرها، وجعل الكسب بها من أطيب المكاسب إذا كانت عن تراضٍ وبعد عما حرم الله تعالى من الربا والبيوع الفاسدة، فقد سُئل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أي الكسب أطيب أو أفضل؟ قال: «عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور» وروي عنه، صلى الله عليه وسلم، قوله: «تسعة أعشار الرزق في التجارة»، قال الراوي: وكسب العشر الباقي في السائمة، يعني الغنم، وقال صلى الله عليه وسلم: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين، والصديقين، والشهداء»، وما انتفع الإسلام والمسلمون في سائر عصورهم كما انتفعوا بالتجارة، فمياسير الصحابة الذين نهضوا بالإسلام ونفعوا المسلمين كأبي بكرالصديق - قبل هجرته - وعثمان بن عفان، وعبدالرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنهم، كان نفعهم للمسلمين بالتجارة عظيماً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أتاه سائل حثه على التجارة ولو بالاحتطاب، ويقول له: «اذهب فاحتطب وبِعْ، ولا أرِيَنَّك خمسة عشر يوماً»، فيذهب الرجل يحتطب ويبيع، ثم يجيء وقد أصاب عشرة دراهم، فيقول…

الوقف باب لسعادة الإنسان

السبت ٢٦ مارس ٢٠١٦

مما يسعد الإنسان وقف الأعيان، الذي ينتفع به الإنسان والحيوان، وقد كان من سبق الإسلام وأولوياته، إذْ لم يكن من الشرائع السابقة، فشرعه لما له من نفع عظيم للواقف والموقوف عليه؛ أما الواقف فلما له من أجر جزيل عند الله تعالى، يجري له في الدنيا من بركة في الرزق، وحفظ للنفس والمال، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة، كما ورد. وفي الآخرة أجر عظيم دائم غير منقطع، ما دام الوقف منتفعاً به، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، وورد في حديث آخر تعدادٌ لبعض ما يكون فيه النفع الدائم، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته»، فإن هذا النفع ما يكاد يسمعه المسلم الموسر حتى يبادر لكسبه وادخاره، كما كان من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذين لم يبقَ أحد منهم ذو مقدرة إلا وقف، وكما فعل أبوطلحة الأنصاري في أحب أمواله إليه «بئر حاء»، التي وقفها في الأقربين، كما أشار إليه…