الجمعة ١١ سبتمبر ٢٠٢٠
وجوه كفانا الله شرها، وغدرها، وكدرها، ومكرها، وسبرها، وجبرها، وكبرها، وسحرها، وضيرها، وبحرها، وبرها، وحذرها، وخدرها. وجوه تطلع عليك، مثل الأعشاب الشوكية، تعرقل سفرك، وتعيق طريقك، وتفرغك من إنسانيتك، وتكسر أغصان أشجارك، وتميت فيك السنابل والمفاصل، والفواصل والجداول، وتجعل الحياة في عينيك مثل الأرض الخراب، وتشيع في خاطرك الشؤم، واللؤم، والسقم، وتثلم أطباق لقمتك، وتجرح شفة سعيك، وكلما دهمتك شعرت أن نهاية العالم قد قربت، وأن الأرض تشققت، والسماء ادلهمت، والبحار سجرت، والجبال مادت، ومارت، والطيور نتفت ريشها، واقتعدت التراب تبحث عن مصيرها، والكائنات الوديعة برزت لها أنياب من شرور، وحرور. وجوه لو نظرت إليها غشت غمامة سوداء، واعترتك قشعريرة الرمق الأخير، وانتابتك رعشة نفخة الموت، وطوتك حشرجة الروح الزائلة. وجوه لا قدّر الله لو هيأ لها حكم العالم لنفخت في صوره، وعبثت في مصيره، وعصفت في دهره، ونسفت أصله وفصله، وخسفت في ملته وحلته، وأطاحت خيره وفضيلته. وجوه هكذا خلقت مثل الطحالب والطفيليات وظيفتها تشويه الحياة، والتسويف والإسفاف، والاستخفاف، بكل ما هو جميل في الحياة. وجوه نشأت على تحويل الأبيض إلى أسود، وتغيير لون سجادة الحياة الناصع إلى الفاقع، وجوه خلقت هكذا، وباء ينشر الكراهية، ويثير العدمية، ويبسط العبثية، ولا ينمو إلا في المناطق القذرة. وجوه وظيفتها تحويل الحلم الزاهي إلى وهم يتراكم على الأفئدة مثل غبار الأراضي السبخة،…
الثلاثاء ٠١ سبتمبر ٢٠٢٠
مَن للطيبين، مَن لهذا العالم من نور تزهو به الدنا، وتزدهر الحياة؟ مَن.. مَن لفلسفة الحياة بابن رشد جديد يقول: (كل الأديان صحيحة إذا عمل الإنسان بفضائلها؟ من للإنسانية بروسو جديد يقول: «ينبغي أن نعلي من شأن العواطف السوية، وأن نعزز العلاقات الحميمية الصادقة المباشرة بين الناس، ودونما اعتبار للعرق والطبقة والجنس والدين». مَن لهذه الكتلة الصّلبة التي تحكّمت في النفوس، والرؤوس، غير هذه الأرض التي انطلقت منها وثيقة إنسانية محمّلة بكل العطر، والبوح السليم، وافية كافية، متعافية من درن أو شائبة، لا إيمان لها إلا بالخلاص، وتنقية الماء من الشوائب حتى تصفو الأرض، وتتعافى الزهرة من الغبار، وتسمق أغصان الشجرة. قال طاليس العظيم: «إذا كانت الأشياء جاءت من الماء، فلننق الماء.. وإذا كانت الحياة قد جاءت من الأفكار، فلننق الأفكار»، ولا حياة، ولا تطور، ولا رقي من دون التعافي من الأنا، وما شابها من تورّم، وتأزّم، وتمزّق، وتفرّق، وتشتّت، وتزمّت، وتعنّت. من هذه الأرض، نبتت نخلة السموق، غافة البسوق، ومن هذه الأرض ارتفع الصوت عالياً منادياً هيّا إلى فلاح القريحة، هيّا إلى صلاح الفكرة، ومن هذه الأرض اتسمت فكرة التصالح مع النفس أولاً، مع الآخر، وانطلقت السفينة عابرة البحار، وهي تخوض معركة المصير، بأن نكون أولاً نكون، ولا بد للنفرة بأن تؤتي ثمارها، طالما هناك القناعة بأنه لا مكان…
السبت ٢٩ أغسطس ٢٠٢٠
ربما يشعر البعض بعقدة النقص والدونية، عندما يرتفع صوت الإمارات في منطقة ما من العالم، ليعلي صوت الحق، ويلامس شغاف الحقيقة. فهذه مسألة طبيعية، فكل شذاذ العالم، وكل المنحدرين من سفوح الضآلة ينتابهم هذا الشعور، ويؤذي أفئدتهم ويملؤها بالكدر، ويكابدون غصّة تحرق صدورهم، وتكوي قلوبهم، فنجدهم يصابون بالسّعار، ويبتلون بهستيريا تقض مضاجعهم، عصاب قهري يجعل أظافرهم لباناً تمضغه أضراسهم. مسألة طبيعية أن يعاني هؤلاء مرض الرعاش عندما يسمعون عن الإمارات بأنها حققت إنجازاً مهماً على الصعيد العلمي، أو الاقتصادي، أو السياسي، لأن الحواس الخمس لديهم تصاب بخلل في التوازن الحسي فتضيع منهم البصيرة، ويخسرون قدرتهم على تقدير الأمور، ويعتقدون أن النجاح في الإمارات هو انكسار لعصا الإشارات الدلالية التي تقودهم إلى منطقة التطور والتقدم. نحن نعلم ذلك، ولكننا لا نقدره، ولا نحترمه، لأنه إحساس بغيض، وأناني، ومجرد من أي حس سليم ولا يحمل في طيّاته سوى أحلام أشخاص فكّروا في لحظة غبش بأنهم كبار، ولكن الواقع يقول عكس ذلك، والواقع أيضاً يقول إن الشخص، أو الدولة يكبران، بقدر ما يتسع الوعي في أذهانهم، بقدر ما تصبح صدورهم حقول أزهار، ونفوسهم منابع أنهار. لن يكبر الصغار لمجرد كابوس يسطو على رؤوسهم، لن يكبر هؤلاء لأنهم أخطأوا طريق الحقيقة، ولأنهم تحوّلوا إلى كتل من نار، والنار مهما اشتعلت، وعلت ألسنتها، وارتفعت فلابد…
الخميس ٢٠ أغسطس ٢٠٢٠
6 ملايين فحص «كورونا» في الدولة، نسبة عالية في الفحوص، وأعلى في الشفاء، تدل على ارتفاع هامة الوعي الصحي التي تقوم به الجهات الصحية في بلادنا مدعومة بقوة، وبأيدٍ صارمة من جهة القيادة الرشيدة، والتي وضعت صحة الإنسان في مقدمة اهتماماتها، وأولوية رؤاها التنموية، لبلد وضع نصب عينيه هامات النجوم، وسار يحلق بأجنحة الجد من أجل مجد، تتجدد به الطاقات، وتعمر الأمنيات، وتزدهر الطموحات، وتزهو الأحلام، وتنجح الرهانات على طاقم وطني يجوب ميادين الحياة في مختلف مؤسساتها، ويثبت أنه الأجدر، والأقدر على تبوء مواقع المرحلة والذهاب، بعيداً بالمكتسبات الوطنية لتصبح في مواقع الشمس المضيئة، وعند وجه اللجين، وقامة السحاب، متحدّين بذلك كل الصعاب، وكل ما يكدر ويعوق، مؤكدين أنهم مثل الموجة، كلما عتت الرياح، علا هديرها، وازداد زئيرها، وابيضت نواصيها، وأمتعت سواحل القلوب ببهجة النجاح، وفرحة تعقب كل ما يزعج، ودحره، والانتصار عليه بكل ثقة وثبات، وحزم، وجزم. هذه هي جهاتنا الصحية الممثلة في وزارة الصحة، والدائرة الصحية في أبوظبي، تقومان كتفاً بكتف، وساعداً بساعد، على مساحة الجغرافيا الإماراتية، متحزّمتان بأدق تفاصيل التقنيات العلمية في الفحوص، متأزّرتان بالتصميم على تنظيف الصدور من الغث والرث، وفي إصرار لا مثيل له، قامت المؤسستان الوطنيتان، بإدارة الظرف الاستثنائي، بحنكة ومهارة، فطنة ومثابرة، من أجل أن تصبح الإمارات خالية من هذا الداء الوباء، ومن…
الخميس ٣٠ يوليو ٢٠٢٠
القماشة العالمية بفعل ريح الجائحة، إلا أن قارب الإمارات ظل مطمئناً ويعبر المحيطات بشهامة الأوفياء للإنسانية، وكرامة النبلاء الذين لا تعيقهم جائحة ولا يعرقلهم وباء، في الوصول إلى الحقيقة. منذ أن انتشر الوباء في أصقاع العالم والإمارات تضمد الجروح، وتساند المجروح بالدواء والأطباء، وتعمل جاهدة لأجل أن يستعيد العالم عافيته، وأن تكسب الشعوب صحتها، وأن تتخلص الأسرة البيضاء من رائحة المرض اللعين. بالأمس، واليوم، وغداً، وإلى ما لا نهاية، الإمارات تبذل ما بالوسع من أجل تخفيف الآلام، وتهدئة النفوس، وترطيب القارب بلقاح الحب، مشفوعاً بالمساعدات، والمساهمات التي لم تكف عن التواصل، والوصول إلى المحتاجين والذين يواجهون الفاقة، وأذى الوباء، وطائرات تحمل اسم الإمارات ترفع راية السلام، وفي أحشائها تضم ما يشبع ويقنع ويمنع الجوع والمرض، ويدفع الخطب عن الذين عجزت قدراتهم عن مواجهة أخطر وباء مر على الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. وإلى جانب الكفاح المستمر الذي يقوم به أبطال الإمارات في الصفوف الأولى، على صعيد الداخل، فإن أيدٍ أخرى بروح التفاني والتضحيات تقوم بأداء واجبها الإنساني وتعمل ليل نهار في سبيل إضاءة خيوط الأمل في عيون الذين أسغبهم الداء الوبال، والذين أتعبهم المرض العضال، والإمارات في هذا الظرف، في هذه المحنة العالمية شدت الرحال إلى الأقصى والأدنى، وحملت على عاتقها مسؤولية حماية أعين الضعفاء من دمعة فراق لعزيز، وتحملت…
الإثنين ٢٠ يوليو ٢٠٢٠
الإمارات اليوم في خطوة استثنائية مشرقة تفتح دفاتر التاريخ ليقرأ العالم أجمع الرؤية الواضحة والصريحة وليتهجى العالم حروف النهوض الحقيقي باتجاه سياسة إنسانية لا تفرق ولا تمزق ولا تحرق، وباتجاه اقتصاد كوني يضع الإنسان في مقدمة أولوياته ويقدم الحرية على كل البديهيات. وبهذا الحضور المشرق، يبقى مسبار الأمل رسالة الإمارات التي تجوب العالم شرقاً وغرباً لتحرك مكامن القلوب وتفتح الدروب، وتكسر حاجز الصوت من أجل صوت واحد يلهج بالألفة والمحبة، والتآلف والتكاتف والتضامن ضد كل ما يعكر المياه الكونية، وكل ما يفسد الأحلام الجميلة. وبهذا الحضور المشرق، يتسع فضاء الحكمة القيادية في الإمارات باتساع الرؤية، وصبوة الفرسان على جياد الخير، رافعين راية السلام من أجل عالم يتحد من أجل الحب، والعطاء، ويتقد من أجل إشعال شمعة تنير الكون وتضيء التضاريس. وبهذا الحضور المشرق، الطموح الإماراتي يسرج خيل المحبة باتجاه دول العالم إحقاقاً للحق بأن تكون الإمارات رائدة في هذا المجال بما تحمله من مقومات وطاقات إبداعية في فن السياسة وما يتضمنه تاريخها الإنساني وإرثها الاجتماعي من وشائج القربى مع جميع دول العالم وشعوبها المحبة للسلام. وبهذا الحضور المشرق، يصل العرب إلى المريخ، وتبقى قائمة التواصل متصلة، متأصلة في ضمير كل فرد من أفراد هذا الشعب النبيل. المصدر: الاتحاد
الإثنين ١٥ يونيو ٢٠٢٠
ليل يذهب، وفجر يطل، وعالم يستيقظ على بؤرة خطر، تنبه فيه الحاجة إلى مصل يرتب وجدان السياسة، ويزيل عن كاهلها غبار العصاب، ويفتح نافذة لاتحاد عالمي ضد كارثة لم تفرق بين يمين أو يسار، ولا بين شرقي أو غربي، فالجميع في المصاب سواسية وهذه هي سنة الطبيعة، إنها لا تميز، ولا تتحيز، فهي الطلقة التي تذهب إلى حيث يكمن ضعف الإنسانية، وجهلها بأهمية الاصطفاف حول كلمة سواء، والخروج من تأتأة الارتياب والشك، والريبة، واضطراب المشاعر، وتفجر الأنا بحيث تصبح أشد ضراوة من الوباء نفسه. في آونة المصاب الجلل الذي حلّ بالبشرية، تكشفت كريات دم ضعيفة أصابت الجسم البشري بالعجز، في مواجهة وباء العصر، وصار لزاماً على الجميع وضع سماعة جس النبض على القلوب، لتحاشي أي انزلاق في هبوط ضغط الدم، وفقدان السيطرة على التوازن الأخلاقي، وانحسار الضمير البشري، والإصابة بعد ذلك بفقدان الوعي. نحن اليوم بحاجة إلى التضامن أكثر من وقت مضى، نحن بحاجة إلى التخلص من الأنا، والإمساك بقوة بال (نحن) والسير معاً إلى المستقبل متكاتفين، متعاونين، متحدين، متخلين عن العنجهية، والتزمت، والتعنت، والتفتت، والدخول في غرفة العمليات، معاً لمراقبة ما يحدث، ومعرفة أسباب ما حدث، ومن البحث عن الدواء الذي يشفي المرض، وتنتهي البشري من هذه الأسئلة الوهمية، والتي لن تعود إلا بالضرر على الجميع، وبعدها لن يفيد…
السبت ٢٥ أبريل ٢٠٢٠
الأزمات تحكي قصة معادن الرجال، وتفصح عن جوهر الذين يخبئون في الكينونة نفائس الإنسان الصادق، ويبرزون المعنى في حب الآخر. في الفترة التي تمر بها الدولة، كما هي سائر الأوطان، وفي حمى الكفاح من أجل الظفر بعافية الناس جميعاً، شعرنا أن هناك قوة مثالية، ونموذجية، تستحق أن نقول عنها، إنها جيشنا الأبيض الذي وضع الأيدي على زناد الإرادة، واستطاع أن يقف نداً قوياً في مواجهة الوباء اللعين، وأن يعلن هذا الجيش العرمرم، تصديه للقوة الغاشمة، بكل بسالة وتحد، وأن تقف مؤسستنا الطبية، وقفة رجل واحد، والدفاع عن صحة الإنسان، والحفاظ على حياته، بجرأة الشجعان، فعندما نرى أولئك الناس الأوفياء، رجالاً ونساءً، يحومون حول مرضاهم، كما هي الفراشات الحميمة، ويقدمون أرواحهم فداء لمن ناموا على أسرة الألم ينتابنا الفزع، والخوف على أرواح أطبائنا والممرضين والممرضات، أكثر من غيرهم، لأنهم في الحقيقة يقومون بفعل جهادي، وفدائي حقيقي، كون هذا الوباء يحمل في طياته من الفيروسات الفتاكة، والتي من الممكن أن تتشبث بحسد أي إنسان يقترب من مصاب، ولكن أبناء المهنة الرحيمة يقومون بالواجب بقلوب مؤمنة بأن الحياة لا تقبل أنصاف الحلول، فإما أن نكون أو لا نكون، ولن نكون إلا بتعاضدنا وتراحمنا وتضحياتنا، من أجل مجتمع صحيح معافى من درن كل ما يعيق صحة الناس أجمعين. هذا المشهد الخيالي يثير في النفس…
الجمعة ٢٠ مارس ٢٠٢٠
الإمارات بإمكانياتها البشرية والمادية جاهزة لأن يصبح فيها مركز أبحاث طبية. الإمارات رائدة في كل مفاصل الحياة، ولديها القدرة على الريادة في مجال البحوث الطبية، وهي أساسية، وضرورية، لبلد أصبح في المواجهة لكل ما يعتري العالم من ملمات، ومفاجآت، تأتي من الطبيعة، ترهب، وتعذب، وتطيح بالفرح الإنساني. نطرح هذه الفكرة ونحن على ثقة من أن بلادنا قادرة وبكل قوة على صناعة مستقبل يملك مقومات النجاح، والظفر بمكتسبات تضيف إلى انتصار الإنسان على كثير من العقبات، انتصاراً جديداً يتمحور في تقصي محدثات الدهر، ووضع الكوابح التي تمنع الضرر عن البشر. الإمارات قادرة على فعل ذلك، وبإمكانها مفاجأة العالم بقدرات مدهشة، لأن لديها العقول اللامعة الأذهان الصاحية، والإرادة القوية. اليوم ونحن نواجه وباء الكورونا، أثبتت كوادرنا الوطنية أنها تملك مخزوناً معرفياً هائلاً، ما يؤهلها لأن تقيم مركزاً بحثياً يسمع العالم بأن هنا في الإمارات مخزناً للإبداع، ومرفقاً ثقافياً يستطيع أن يصبح في المستقبل موئلاً للخبرات العالمية، وقبلة لكل من يريد أن يستزيد من معارف تفيد البشرية. نثق بهذا الدور الذي من الممكن أن تتبوأه الإمارات، طالما وجدت على دفة المركب قيادة تبذل النفس والنفيس من أجل خدمة الإنسانية، والارتقاء بها إلى مصاف النجوم، وعند تخوم السحابات الشامخة. الإمارات قادرة على فعل ذلك، وهي بحاجة إلى هذه الصروح التي تقدم ما ينفع، وتدرأ…
السبت ٢٢ فبراير ٢٠٢٠
الشخص المستبد، مستمد قوته من ضعفه، ومن الزجاجة المهشمة في داخله. عندما تجد شخصاً يقتل آخر بدم بارد، ويفتح شدقيه بابتسامة واسعة، تقول إن هذا الشخص شجاع إلى حد الصرامة، قوي إلى حد الحزم، حازم إلى حد الجزم. ولكن عندما تتأمل وجه هذا القاتل، وتتقصى التجاعيد على جبينه، ثم تتعرف على تاريخه الشخصي، تكتشف أنه إنسان مكتنز بمشاعر أشبه بنثار الغبار، أشبه بحثالة قهوة باردة، أشبه بنخالة بذور تالفة. القاتل يعاني من تشوهات تربوية، ومن شروخ في الوجدان، ومن طفح في الذاكرة ومن نتوءات في الثقافة، ومن بثور في الأحلام. هذا الشخص مثبت عند مرحلة مأساوية في حياته، هذا الشخص يواجه مأزقاً أخلاقياً، وأزمة معتقد. لا يقدم على القتل إلا من واجه قتلاً في تطلعاته، وطموحاته، إنه شخص مكبوح، وقد غطست أجنحته في بقعة زيت هيضت قدرته على الطيران، ومسخت قدرته على التحليق. هذا الشخص واجه في مرحلة من مراحل العمر، كتلة صخرية، أصابته بالدوار، مما جعله يسير في العالم بلا بوصلة توازن فهمه للعلاقة مع الآخر. هذا الشخص محتقن بصدمة نفسية قاسية، جعلت أفكاره مثل فرائس فرت من قسورة، جعلت من قناعاته مثل رمال متحركة، جعلته خائفاً لا يستطيع أن يثق بنفسه ولا بالآخر، مما يضطره إلى التخلص من الآخر، وكلما أقدم على جريمة نكراء، كلما انتابته قشعريرة الفوز،…
الخميس ٢٠ فبراير ٢٠٢٠
يقول فولتير: «من يجعلك تؤمن بالسخافات والخرافات، يستطيع أن يجبرك على ارتكاب الفظائع». فلا نستغرب أبداً عندما نرى كائناً بشرياً يقوم بتفجير نفسه، وسط حشد من الناس الأبرياء في سوق أو مركز تجاري. لا نستغرب في أن يقدم وحش بشري على طعن امرأة مسنة، لا ذنب لها إلا أنها مرّت في الطريق الذي يكمن فيه هذا الوحش. الخرافة تجعلك مثل الجهاز المسيّر بالريموت كونترول، تجعلك تمضي في الحياة مثل عربة بلا فرامل، تجعلك الخرافة في اليقين الأعمى، فتقتل لأن المقتول لم يرق إلى مزاجك، أو أنه يخالف فكرتك، أو أنه جلس إلى جوارك من دون أن يحييك بابتسامة تريحك، أو أنه نسي أن يفسح لك مكاناً في الحافلة! الخرافة كاميرا قديمة، تصور الوجوه، والأشياء على غير طبيعتها، فتبدو هذه شائهة، لا تروق للخرافي. الخرافة ترسلك إلى العالم مثل طائرة ورقية، توهم الناس بأنها طائرة، ولكنها ليست بطائرة. الخرافة تبرز في الوجود عندما يختفي المنطق في جلباب قديم، مرقع بالأفكار الشائهة. الخرافة تأتيك عندما تكون معمماً بخرقة الجهل! الخرافة تستولي عليك عندما تكون في قفص الكبت، وحولك ببغاوات تردد ما قاله مدع كذاب، ومعتد أثيم، ومشّاء بزنيم! الخرافة لا تسكن إلا في بيت مؤثث بكومة من النفايات، وبقايا كائنات نافقة، وصناديق معدنية صدئة، ودواليب خشبية عاثت في أضلاعها الرمة. الخرافة يسوقها…
السبت ٠٨ فبراير ٢٠٢٠
البعض يعتقد أن النوايا الحسنة، سذاجة، أو ضعف، أو هوان. لذلك ذهب غاندي ضحية نواياه الحسنة، فاغتيل ظلماً وبهتاناً. لماذا؟ فقط لأنه أراد أن تكون الهند العظيمة ملكاً للهنود وليس للطائفيين، والمتقوقعين عند «الأنا» المتعجرفة. قتل غاندي على يد أحد من طائفته الهندوس، فقط لأن غاندي تجاوز نفسه، ودخل في المحيط، واستطاع بوعيه أن يعبر بحيرة التزمت والتعنت، واختار الخروج من محارة التعصب الديني. وهو هكذا فعل كما قال ابن رشد، إن الأديان كلها صحيحة إذا عمل الإنسان بفضائلها. ولم يكن روسو خارج هذه السماء الواسعة حين أكد أن الأفكار المسبقة مفسدة للعقل. وقد أبدى بروتاغوراس، وعياً بأهمية سعة الإدراك، حين قال: «إذا كان العقل مستبداً، فالصحوة مستحيلة». اليوم وبعد أن قطع العقل البشري ردحاً من الزمن، لم يزل البعض يغط في سبات العقل المستبد، والوعي الضحل، لأن الرثاثة تتشبث بالأنا، وتقبض على مرفق العقل إلى درجة أن إنسان اليوم «المتحضر»، يحمل في ثناياه، بقايا عصر الغاب، كما قال سيجموند فرويد. عندما يستأنف الإنسان حياته بالانقباض، وتتحكم في تصرفاته ذات مستلبة، لا تستطيع التنفس إلا من دخان الأنانية، ولا يستطيع التحرك، ألا تحت سطوة أغلال الأنا المتأزمة. في ظل هذا التسرب المستمر للأخلاق، يبقى الإنسان أسير سوء النية، ويبقى عداؤه مستمراً ضد كل ما هو مخالف للونه أو عرقه ودينه،…