الأربعاء ١٨ أكتوبر ٢٠١٧
تابعت كلمة حاكم قطر، في مجلس الأمن، وشعرت أنني أمام صلاح الدين الأيوبي في العصر الحديث. الرجل تحدث بلغة مرتبكة ومتشنجة عن قضايا الدنيا الفانية، وأسهب، واستطرد، وأفاض حول وضع الإنسان المظلوم في فلسطين، وأدان بشدة الاحتلال الإسرائيلي، وأعماله التعسفية وتنكيله بالشعب الفلسطيني، ثم تطرق إلى الإرهاب، وسعي حكومته في مجابهة هذا الطاعون في العصر الحديث. حقيقة لم أكن أصدق أن هذا الرجل هو تميم بن حمد الذي نعرف جيداً علاقته بالكيان الصهيوني، كما واحتضان بلاده لأعتى فلول الإرهاب، وأشدها ضراوة على الإنسانية. شعرت أن هذا الرجل لا يعيش في زمن الفضاءات، المفتوحة، والتي لا تخبئ شيئاً في معطفها، ولا أسراراً يمكن أن تخفى على الناس، فالإناء مكشوف، ودخان الطبخات السرية يتطاير في كل الاتجاهات، والرائحة تزكم الأنوف، ولا شيء يمضي من دون جلجلة، فالأرض التي يمشي عليها تميم، وعرة وغير مرصوفة، والضجيج يصم الأذان، والغبار يغشي الأعين والسمعة نزلت إلى الحضيض. الممثل الذي استطاع على حين غرة أن يجذب الناس صار يمضغ نصاً مسرحياً ركيكاً وممجوجاً، ولا معنى له في زمن أصبح المواطن العربي، قد تشبع من النصوص الهزيلة والتي لم تعد صالحة، في زمن الوعي العربي، زمن أصبح فيه الكذب فقاعات، تذهب بها الرياح إلى أبعد عن سواحل الواقع. أمر مضحك أن يكذب الإنسان ولا يصدق كذبته إلا…
الجمعة ١٣ أكتوبر ٢٠١٧
في ليلة ليلاء، توقفت عند إحدى المحطات التلفزيونية التي تبث برنامجاً دينياً أسبوعياً، واستمعت إلى حوار بين رجلين، أحدهما يسأل ليفهم، والآخر يجيب ليوضح ما التبس على صاحب السؤال. المفزع في الأمر، والذي يبعث الألم في النفس، أن الشخص صاحب السؤال في بداية الأمر كان مهذباً وهادئاً، ويردد كلمات نعم يا شيخ، جزاك الله يا شيخ وفجأة، فإذا به يتحول إلى كائن آخر، يسب، ويشتم، ويكيل النعوت البذيئة على محدثه ويتهمه بألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان. في الحقيقة استوقفني هذا الحوار غير المتكافئ، حيث السائل يقتحم الشاشة عبر صوت الهاتف ويواري كل أخلاقه المصطنعة التي أظهرها في بداية الأمر، ليتحول إلى كتلة من الجحيم تلقى في وجه رجل الدين وتحول الحوار، إلى مرافعة، ومحاولة يائسة من الرجل الجالس خلف الشاشة، لتهدئة روع السائل، والتخفيف من شططه، ولغطه، وغلطه، ولكن لا جدوى، بل إن السائل صار، يرعد ويزبد ويصب جام غضبه في وجه محدثه، وكأن ما بينهما ثأر قديم. عندما نفكر في مثل هذه الحالات، يبرز أمامنا سؤال، وهو: هل كان الرجل جاء ليسأل، وليفهم؟ أم ماذا؟ أتصور ومن خلال متابعتي لكلامه الناري، والمحتقن، والمتشظي والذي جاء بأسوأ الألفاظ المعجمية، وكأن الرجل الذي جاء يسأل، لم يتعلم لا في البيت، ولا في المدرسة شيئاً اسمه أدب الحوار. ولم يتشرب…
السبت ٣٠ سبتمبر ٢٠١٧
إذا أردت أن تنعم بالسعادة، فضع حداً للوقت، ولا تدع عقلك يذهب بك في أعماق الماضي، أو يسافر بك نحو المستقبل. كن حاضراً بقوة الذات، وانتمِ إلى نفسك. في هذه الحالة سوف تتفرغ نفسك من المواد السامة التي خلفها الماضي، بالتعاون مع عقلك الذي سهل الاحتفاظ بهذا الكم الهائل من الأحداث والمواقف، وسوف تشعر أنك طائر بأجنحة الفرح، ونفسك نقية وصافية من الشوائب، وجسدك خفيف، مثل فراشة تحلق عند نعيم الأزهار اليانعة. الوقت مشغول بتراكم الأفكار، وأنت عندما تذعن للوقت تصبح محملاً بأوزار التاريخ والناس، ومن خلال هذين البحرين، تهاجمك ضوارٍ ومفترسات، أنت لا تستطيع مقاومتها لأنك تصبح محاطاً بهذه الأسوار التي يصنعها الوقت. لو أنك تخلصت من الوقت، سوف تحس أنك في الفضاء، ولا ترتطم بالأرض، ولن تخذلك التضاريس الوعرة. خذ نصيبك من الوقت، ودعه يمر، دعه يعبر، ولا تضع الفواصل عند كل جملة تمر عليها عيناك، لا تفكر، لماذا فعل زميلك في العمل هكذا، ولماذا لم ترد أنت على الشخص الذي أخطأ في حقك. مثل هذه المحطات، متعبة، وتجعلك وكأنك تملك الزمان والمكان. أنت خارج الوقت، مثل جنين يخرج من أحشاء الأم، سوف ترى الحياة مشرقة، وتفيض بالنشاط، أنت هنا خارج العتمة والسكون، وأنت في المحيط البشري، تعانق عيناك الوجود لأول مرة، وتنفتح على الكون، مثل بتلة الورد،…
الجمعة ٢٩ سبتمبر ٢٠١٧
تجاوز تناقضاتك، وكن واحداً، كن في الصفاء، كن في مركز الدائرة، ولا تخرج باتجاه المحيط، حتى لا تسقط في الهامش. دع قلبك مثل الوردة، يهفهف فرحاً، ولا تدعه مثل الجناح يرفرف مرتجفاً. عندما تكون في خضم التناقض، تصبح شيئا من الأشياء التالفة، شيئا بلا معنى ولا مغزى، ولا هوية. هويتك في واحديتك، في فردانيتك، في وجودك على قمة الجبل، لا في الحضيض. الحب وحده، يصفيك، ويبرزك، ولا يخفيك، الحب وحده يرفعك، ولا يدفعك إلى قعر الحياة، الحب مثل النسيم، يحيي خلاياك ولا يتلف أوراقك. عندما تكره، تصبح أنت في وسط العاصفة، تكون ورقة تالفة، تكون حكاية سالفة، عليها من الغبار، ما يجعلها، باهتة لا معنى لها ولا قيمة. التناقض، يسلبك ذاتك، يجعلك، خارج السرب، في زحمة الفراغ، التناقض يجعل تفكيرك، مثل غثاء السيل، فيه من النفايات، ما يكدر ماءه، ويغشي صفاءه، التناقض، يحرمك من السير في الطريق من دون عصا تتوكأ عليها، كي لا تقع، ويلتهمك التيه. التناقض يسرق منك رأيك، ويبعدك عن الحقيقة، فتكون مثل الأعمى يبحث عن أشيائه، ولا يجد غير الفراغ. تخيل أنك تعيش الآن في وسط تناقضك، وأنت مقبل على مشروع مهم مثل العلاقة الزوجية، في هذه الحالة كيف يمكنك كسب ود الطرف الآخر، وأنت تتحدث من خلف ستار واق للحقيقة؟! وأنت تغوص في عمق التناقض،…
الأربعاء ٢٧ سبتمبر ٢٠١٧
يقول المسيح عليه السلام، إنه يحب المذنبين، لأنهم يحتاجون إلى المزيد من الحب. قد نستغرب هذا القول، لأننا لم نتعلم كيف نحب، وكيف ننشر الحب، وكيف نتعاطى الحب مع الآخر. لو تخيلنا أن شخصاً ارتكب خطأ ما ووقفنا في وجهه، مؤنبين، موبخين مقرعين، لائمين، ماذا ستكون النتيجة؟ هذا الشخص قد يمتنع عن تكرار ما فعله على العلن، لكنه في الخفاء، وتحت لحاف الخوف سوف يمارس الفعل نفسه، وبتماد، لماذا؟ لأننا في التوبيخ لمسنا الأنا، واستفززنا الشخص، إلى درجة أننا أحسسناه بأننا لا نلومه لأنه أخطأ، بل لأننا أردنا أن نقول له إننا الأحسن منه، وإنه الدوني، والناقص. كما أننا أوصلنا له رسالة مبطنة، فحواها، أننا نكرهه. هذا الإحساس يؤدي بكل مخطئ لأن يشمر عن ذات حمقاء، وعنيفة، وضدية، تنذر نفسها للدفاع والحماية، وردع العدو. نجد مثل هؤلاء الأشخاص الذين يواجهون مثل هذه الظروف، أشداء في العناد، فقد يذعنون ظاهرياً، لكنهم في الخفاء يحاولون معاقبة من أنبهم بكل صرامة وجسارة، مقتنعين أن ما يفعلونه هو الأمر الصحيح، وأن ما يواجهونه من عيون حمراء، ما هي إلا كبر وتعنت. ولكن عندما يدخل الحب غرفة الرعاية والحماية، فإنه يهمس همس النسيم، ويلمس لمس الورود، وينثر عبيره بمرش الود والملاطفة، فيصل العبق إلى قلب المخطئ، فتنفتح له شرايين القلب، وتطير له الروح مثل فراشة…
الخميس ١٤ سبتمبر ٢٠١٧
تقف في شرفة بناية من تلك السامقة، أمام السواحل، وتنظر إلى البحر الأخضر، تنظر إلى الرمل الذهبي، تنظر إلى بياض الطبيعة، وهي تحضن أرواح الناس، تنظر وتشعر أن هذا الشاطئ، منذ متى لا تدري، وهو يلملم شتات مشاعر الناس، ويحتوي الأجساد بعفوية، وشفافية، وحيوية، وأريحية، وبنعومة الرمل، وخصوبة الماء، يحيي رميم الآتين من هنا وهناك، وكان البحر، طهور الناس، وبخورهم، وذخرهم، وفخرهم، كان النديم الحليم، كان السديم، يفتح مسامات الحلم ليرتفع النشيد، ويطلق الموال، أنغامه، وأنسامه، وأقلامه، ليكتب العشاق أحلى ما يجيش في الخواطر، وأجمل ما يسكن في المشاعر. اليوم تنظر إلى الساحل، وتشعر بشيء ما يداهمك، تشعر بأنك ترتكب الخطيئة عندما تنظر، بإمعان، لأنك لا ترى شيئاً، إنك ترى الفراغ، لأن ثقافة ما حلت مكان ثقافة، واحتلت منطقة الوعي، صار الوعي مسكوناً بالغرف المغلقة، صار المواطن، يهوى العيش، في المنطقة المطوقة، بالجدران والساحل مفتوح، الساحل طريق إلى الاتساع، والعشق، والناس هنا لا يبالون، بأنفسهم بل منشغلون، بالخارج كثيراً، منهمكون في تلوين حياتهم بالمادة بينما الروح، غائصة في تراكمات القلق اليومي، الروح منغمسة في نفايات ماذا سيكون الغد؟ هذه معضلة العصر والكثيرون متورطون، بهذا الساحل النفسي المزدحم ببقع الزيت. بقع واسعة تغزو النفوس ولا مجال للانفكاك من لوثتها. ثقافة الأماكن المغلقة، زجاج السيارات مغلق، نوافذ البيوت مغلقة، المولات، المتاجر، ساهمت…
السبت ٠٩ سبتمبر ٢٠١٧
عندما تنغمس الصحافة في الإسفاف، والاستخفاف، والالتفاف على الحقيقة، فإنها تنتقل من منطقة، الوعي إلى اللاوعي. اليوم نقرأ في الصحافة القطرية كلاماً أشبه بزبد البحر، نقرأ كلاماً بذيئاً لا يرقى إلى مستوى العقل، والذين يكتبون، تشعر وكأنهم يلهثون وراء من يريدون نفخه، وإذكاء النار في قلبه، ليزداد انتفاخاً وتورماً، وتضخماً وحتى يحققوا ما يريدون الوصول إليه، فإنهم يقذفون الآخرين بالسباب، والشتائم وأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان. ما وجهته صحافة قطر من اتهامات لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة يندى سذاجة أولاً، ويعبر عن رغبة جامحة باتجاه خيانة المهنة الصحفية، والانحراف بالقلم نحو مستنقعات، لا يمكن أن يخرج منها حبراً نظيفاً. الخلاف وارد، كما هو الاختلاف، ولكن عندما يصل الأمر إلى البهتان، والفجور، في نعت الناس النبلاء، فإن كرامة الكلمة تهدر، وشهامة الرأي تلقى في سلة المهملات، ويصبح، الكلام مثل سيل عرم يحمل في طياته الحثالة، والنخالة. كنّا نتمنى أن تلتزم هذه الأقلام المسعورة حدود الأدب في تناول شخصية إماراتية إنسانية، شهد لها القاصي والداني ببراعة الخلق، ونزاهة السجية، ونقاء السريرة، وفطنة العقل، وحكمة الرأي، والشفافية في التعاطي حتى مع ألد المختلفين. كنَّا نتمنّى أن تتخلص هذه الأقلام من الأنا المتورمة، وأن تقول الله حق وأن تنطق بما يليق…
الخميس ٠٧ سبتمبر ٢٠١٧
عبد الواحد نور، سوداني من دار فور، يعلن نبوءته، في زمن الهلوسات، زمن اللاعقل زمن «داعش»، و«النصرة» وأخوتهما، في عالم يتدحرج، باتجاه اللاوعي، ونحو الخربشة على جدران القيم، والشيم، والنعم، بأصوات نشاز، تشمئز منها النفس، ومن جهلها وغيها، وسعيها إلى التشويه، والتشويش، والنبش في القبور، والمزابل والنفايات. يقول هذا المعتوه، إنه مرسل من السماء، لهداية البشر، وكأن العالم ينقصه المجانين ليأتي هذا المتخلف عقلياً، ويطرح نفسه كمصلح سماوي، بعد أن ضجت الأرض بأمثاله، ومادت الجبال من فوضى العقل وعشوائية الكون البشري. ويبدو أن الأخ وجد التربة صالحة لأمثاله، ومهيأة لامتصاص مثل هذه الترهات، بعدما أصبحت التنظيمات الإرهابية، تصول، وتجول، في العالم، مدعومة من دول، خدعت العالم بشعارات جوفاء، وروجت للديمقراطية، المفصلة على مقاس القرضاوي، وعزمي بشارة، وما انكشف الغطاء، حتى فاحت رائحة الخبث والحنث، وبان المستور، وعرف العالم كيف تدار هذه الدول، وكيف تحاك من داخلها، الأساليب الخبيثة من أجل إشاعة، الدمار في العالم ونشر أدواء العنف في كل مكان. نعم سينبت أمثال عبد الواحد نور، وسوف تعم مثل هذه الجراثيم طالما هناك من يقتنع بجماعات اتخذت من الدين ستاراً، وطالما هناك دول تخفت خلف عقد النقص، ومركبات الدونية، ونصبت نفسها حارساً لتهشيم البنيان العالمي تحت ذرائع وحجج ومسوغات زائفة وطموحات وهمية لا تتناسب مع حجم هذه الدول وموقعها في…
الثلاثاء ١٥ أغسطس ٢٠١٧
في اليوم الذي أذيع فيه رحيل عملاق الفن العربي، الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، كانت المشاعر أشبه بأعشاب برية، عصفت بها رياح شتوية، قصفت الجذور، ونسفت البذور. كانت ليلة ليلاء، أصبح للغياب فعل الجحيم، وفعل النار في الهشيم؛ لأن هذا الفنان أسعد الناس بفنه الرفيع، ولوّن وجدان محبيه بالفرح، وهم كثر، هذا الفنان عالج قضايا مختلفة الوجوه، بقلب صافٍ، وروح شفافة ونفس نقية طاهرة، إنه دخل في كل بيت كما ولج كل وجدان، مثل النسمة التي ترتب المشاعر بلمسات خفيفة، عفيفة، معافاة من درن الاصطفاف والاستخفاف، إنه الفنان الذي لم يستبد به العقل، بل كان العقل لديه الحصان الذي جر العربة إلى أرصفة الحب، والعطاء اللامتناهي. وكم شعرت بالأذى وأنا أقرأ تغريدة، فاحت من كلماتها، قمة البذاءة والجهل والاستخفاف والالتفاف على الحقائق، ودمغها بعفن القيم البالية والأفكار السوداوية، ومشاعر الحزن التاريخي الذي لا يزال يستوطن ضمائر بعض المشعوذين والهستيريين، والذين سيطرت على أذهانهم آفة الحقد والكراهية لكل ما هو جميل في الحياة. عبدالحسين عبدالرضا، لم يصطف إلا باتجاه فنه الذي أعطاه من عمره لما يقارب الخمسين عاماً، فعندما يأتي شخص نكرة، ويلقي بقذاراته في نهر هذا الفنان الكبير، ليس لشيء، فقط من أجل أن يكرس بذرة شيطانية. في دورة الحياة، وأمثال هذا الكائن، متخصصون لإشاعة الأفكار الملوثة بأدران الماضي، وهم يعتاشون…
الجمعة ١١ أغسطس ٢٠١٧
طلب السعادة، صعود، نحو المرتفعات الشاهقة، ولكي تحقق صعودك، لا بد وأن تواجه المخاطر. في داخل أي إنسان هناك كائن مخاتل، يصعب مجادلته، ومن العسير محاورته، لأنه يملك من القدرات الفائقة، ما يجعلك تقاوم وحشاً كاسراً. هذا الكائن هو العقل، بما يتسلح به من رواسب، وموروث اجتماعي هائل. السعادة تنبت من الفطرة، والتعاسة تنبت من العقل، ولكي تخرج من فوهة البركان عليك أن تتحرر من الأنا، والتي هي بناء عقلي بحت، جاء من سراديب المفاهيم الموروثة، والتي تبني هضابها العالية لكي لا يتجرأ الإنسان من الاقتراب من قلاعها الحصينة. ما الحل إذاً؟ يقول الفلاسفة إن الجوهر يسبق الوجود، وهذا ما بَنى عليه داروين نظريته باعتبار أن الإنسان كائن حيواني، وهي النظرية التي تغالط، الفكرة الوجودية. فعندما نقول إن الإنسان كائن حيواني، فبذلك نحن نجرد الإنسان من حريته، وهي المطلق الذي يتفرد به الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى. فالحيوان والطير وسائر المخلوقات جوهرها يسبق وجودها، كونها كائنات، مبرمجة ضمن حركة نشوئية لا مجال فيها لحرية الاختيار، بينما الإنسان فوجوده سابق لجوهره لأنه كائن يمتلك حرية اختيار وجوده. الأمر الذي يجعله حراً في اختيار السعادة أو التعاسة. لذلك عندما نقول إن السعادة أمر خطير لأنها تحتاج إلى الإرادة، وتحتاج إلى قدرة الإنسان على الخروج، من كهف التعاسة إلى فضاء السعادة. ويسبق ذلك…
الثلاثاء ٠٨ أغسطس ٢٠١٧
بعضهم لا يحب الجمال، بل لديه مناعة قوية بحجم الجبال، ضد الجمال، لأنه بلا قلب ولا روح ولا حياة. هؤلاء الأشخاص أموات لم يسكنوا القبور. بل إن قبرهم الأوسع هي الأرض. هؤلاء الأشخاص قد يديرون مؤسسات، أو دولاً، مصير الملايين متعلق بإرادتهم، وإرادتهم أصبحت في الحضيض، لأنهم ارتضوا أن يكونوا قيحاً في جسد الوجود. عندما تجد قائداً مثل حاكم قطر، يصر على أن يكون دملاً في خاصرة أشقائه، وأن يعمل على تلقيح هذا الجسد، بالبؤس والشقاء، والتعاسة والفوضى والقلق وعدم الاستقرار، فلا تستغرب أبداً. هذا الشخص يشعر أن لا وجود له في هذا العالم، إلا بإشاعة الضجر في أوساط الآخرين، بل ويتلذذ عندما يرى الآخر سئم من تصرفاته، لأن هذا الإحساس يعطيه الضخامة والفخامة وكبر الحجم. هذا الشخص لا يشعر بحجمه إلا عندما تكون هناك مشكلة عند الآخرين بسببه. هذا الشخص يرى في القبح، جمالاً، وجلالاً، وكمالاً، لشخصيته الناقصة، ويرى النشاط والحماس لطاقته المحبوسة في كنف مركبات عقد النقص. إنه الكائن المسجون في كهف الدونية، المقبوض عليه من جهة العقل المأزوم بالضجيج والعجيج وتصفيق المغرضين، والمتربصين، والمتلصصين، والمتسللين، والمتسولين، والمتوسلين. هذا الشخص وقع في فخ البارانويا، الذي أطاح بقيمه ومبادئه وجعله أداة طيعة للعدوان على الأقربين قبل الأبعدين. هذا الشخص ضحية نفسه، وفريسة طموحاته المريضة، والمبتلاة بالفوقية التي لا يبررها…
الجمعة ٢١ يوليو ٢٠١٧
أن تحب شيئاً وتؤديه.. فذلك وازع داخلي جاء من القلب، القلب لا يكذب، ولا يخون ولا يتذمر من فعل شيء. عندما تحب شيئاً، فإنك تصبح ملتزماً به أمام قلبك، وقلبك حاضر معك، هو فيك، وحولك، ومنك، ولك، فلا تستطيع الابتعاد عنه، والاختباء خلف الحجب، كي تتهرب من فعل ما تعهدت بفعله. لو قلت لامرأة، أنا أحبك وكانت الكلمة نابعة من القلب، فلن تحيد يوماً عن هذا الشعور، لأن رقيبك قلبك، لأنك قلت هذا الكلام، أمام قلبك الذي يسكنك. عندما تحب فإنك تصغي إلى قلبك، وأنك تنثر عطر المشاعر من داخله، وأنك لم تشترِ زجاجة عطر من أفخر محلات بيع العطور لتغري من وعدتها بالحب، بل أنت نزفت العطر من قارورة قلبك الذي ينزف العطر من دمك، ودمك هو سر وجودك على الحياة، وعندما يندمج الدم بعاطفة القلب فإنه لا سبيل للنفاق، ولا مجال للإخفاق، بل إن كل ما يخرج من القلب يصل إلى القلب. عندما يبرز الحب، تضيء السماء كل مصابيحها، وتفتح الأرض شرايينها، وتتدفق الجداول، ويلتقي نور السماء، وعذوبة الماء، يلتقيان ويندمجان، وينغمسان في الوجود، ويحققان الكينونة. عندما يبزغ الحب في القلب، يضيئك كما يضيء القمر العتمة، وعندما يتدفق الحب داخلك، فإنه يطوقك بجداول الانفتاح، يجعلك مثل النهر لك بداية، ولكن ليس لك نهاية، تكون أنت الكلي، تكون أنت…