الأربعاء ٢٢ نوفمبر ٢٠١٧
ربما تكون مصر الناجية من بين الدول العربية التي أصابها الخريف العربي أو الربيع العبري، والسبب واضح، أولاً، هو أن الشعب المصري بطبيعته شعب ودود لا يؤمن بالعنف، ومحب لأرضه.. ثانياً، أن النسيج الاجتماعي المصري أكثر تماسكاً من غيره في الدول العربية الأخرى.. ثالثاً، أن النظام السياسي في مصر له جذور عميقة في الالتحام مع الشعب.. رابعاً، أن الدولة المصرية مهما بلغ فيها من التواريخ الحزبية إلا أن السلطة الأبوية لم تزل راسخة في الوجدان المصري، وهي مرتبطة بالتاريخ الفرعوني العريق، وكل هذه العوامل أسست بنياناً قوياً وصارماً في مواجهة النزعات الفردية والأيديولوجية، لذلك رأينا كيف فشل تنظيم الإخوان، وكيف سقط أمام الثوابت المصرية الراسخة، رغم كل ما يمتلكه هذا التنظيم من شعارات تتلاعب بالوجدان الديني. ورغم كل ما فعله هذا التنظيم من أجل تأكيد أهليته في الاستيلاء على السلطة، وكل ذلك ذهب أدراج الرياح، وأصبح مجرد أضغاث أحلام لم تتسق مع الواقع المصري الذي بني على التلاحم، وعدم تقبل الأجسام الغريبة والأفكار النافرة. اليوم ونحن نشهد الجرائم التي تحدث في مصر، على أيدي عصابات العنف والتكفير، ونشعر بالقلق على مصر، ونحن على يقين بأن ما يحصل هو زبد سيذهب جفاء، وأن ما يفكر فيه الإخوان هي فقاعات لن تصمد أمام الإصرار المصري في قطع دابر الشر، وإحباط هذه…
السبت ١٨ نوفمبر ٢٠١٧
يترجل ناصر جبران، وفي مخبئه الجميل تكمن حكايات البحر، وموال الكلمة التي لم يبح بمثلها إلا هو. مثل حلم مباغت، جاء الخبر ليطوق الأعناق، ويغرق الأحداق بالدهشة الصادمة، ويملأ فضاء القلب بأسئلة الموت المجلجلة، ويسكب في بحر الآهة مزيجاً من وشوشات الموجة المتفاقمة، وكأنك يا ناصر أردت برحيلك الصامت أن تثير في رمل صحرائنا صفير العواصف، وأن تغرقنا بمزيد من الفقدان المزلزل، وكأنك يا ناصر وددت أن تحرك فينا ما سكن، وتوقظ الأنا المتقوقع في محارة العزلة، ليصغي إلى ما يسرده النورس إلى البحر، وما ترسله لمعة الأسماك إلى النجمة الغافية عند سواحل اللانهائي، ثم تغفو أنت، ثم يصحو العالم لرحيل طائر كان لجناحيه لون الأشرعة، وكان لكلمته عطر الوردة، وكان لصوته سحر الموجة، وكنت أنت كلك سيدي نهر العذوبة، وتدفق العبارة على ضفاف الألم الوجودي. اذهب سيدي إلى حيث العود الأبدي، فأنت هنا وليس هناك، أنت، أنت اخترت رحيلك، أنت اخترت حريتك، أنت ذهبت إلى الصمت، لكنه ليس الصمت الأبدي، فأنت في الأبد أيقونة، تحرك فينا نزعة الحلم، وجلال الرحيل، أنت سيدي هنا وليس هناك، لأنك كامن في المعنى، وفي العبارة المبللة برضاب الموجة، عندما يكون البحر زعنفة مرفرفة، وتكون السواحل قماشة الحرير، التي حبكت عليها قصة العمر، ولونتها من بياض سريرتك، وصرخت صامتاً، هذه القماشة من نسق الصحراء،…
الخميس ٠٢ نوفمبر ٢٠١٧
في يوم العلم، يوم فيه تستيقظ الهامات، وتنهض الشيم، وتعلو راية الوطن، تعلو القيم. في يوم العلم، يوم الوطن والناس والأرض والنخلة، والغافة، على كثيب الحلم، فوق جبال الهمم. في يوم العلم، نجد الطالب، والموظف، والعامل، والتاجر، يرفعون، الساريات يرفعون ما جادت به أخلاق الأولين، والمؤسسين، والذين، لونوا أوراق الشجر، بالفرح، واللون الأخضر. الذين، كتبوا على نجمة السماء، اسم دولة، فاقت في النبوغ، كل الأمم. في يوم العلم، تخب نوق، وتثب جياد، ويغرد الطير، نشواناً، طرباً، بهذا البلوغ، وهذا النسق الإنساني منحدراً، من نخوة الذين، طوقوا، أعناق الإنسان، بقلائد، من حب، وفرائد، من تفرد، وامتياز. في يوم العلم، تخفق القلوب وهجاً، وتتفتح، أكمام الأزهار، وتغني الموجة عند مهاد البحر وتوشوش، والنشيد عربي، من بوح الصحراء، من نثر الفيافي، والنجود، السامقات، اليافعات اليانعات وجداً، ووجوداً. في يوم العلم، تنسج الشمس قماشة الحلم، وتحيك شرشف الحياة، وتمضي في اتجاه الأفق، بسفينة، شراعها، إرادة الرجال، الذين صنعوا المجد من كد وعرق وبثوا في ناي الصحراء، شهيق الطير، وهو يحلق، في الفضاء، ويحدق في عيون الكائنات البديعة، ويمضي، مرفرفاً، وكأن الجناحين، علمان، للماضي أحدهما، والآخر للحاضر، وما بين الماضي والحاضر، يوجد إنسان، لم يزل، في المنطقتين، لا يبرحهما، ولا يغادر، إلا إلى المستقبل، وفي نفسه، ماض، مزدهر، وحاضر، يزرع أشجار، المستقبل، لتزهو الأجيال، وتستمر،…
الثلاثاء ٣١ أكتوبر ٢٠١٧
في حضرة الشباب الواعد، والخارج من بوتقة الوعي إلى فسيح الإبداع، نجد أنفسنا في المنطقة الآمنة، وفي فصل الدرس الثقافي والقيمي، الذي تكرسه القيادة لأجل صياغة مجتمع النبوغ، وبلاغة الحلم، وانفتاح الأنا على فضاء الآخر، والذهاب إلى العالم بعقول مثل الأنهار، وقلوب مثل الأزهار، ونفوس مثل الأشجار، ووعي لا تحده الجغرافيا، ولا تصده المراحل التاريخية. نحن اليوم في عصر التنوير، وشبابنا هم المصابيح التي تضيء أحلامنا، وهم الأقلام التي تسطر تاريخنا، وهم الأجنحة التي ترفرف بعزة الوطن، وكرامته وتميزه وتفرده ووقوفه عند هامات النجوم، وملامسته، شغاف المجد المجيد. يقدم مجلس أبوظبي للشباب، القدوة والمثال والنموذج في وضع شباب الوطن في مكانهم الصحيح، في الوقت المناسب، ليتبوأوا، مكانتهم، ويأخذوا امتيازهم، ويمشوا على أديم الأرض، بخفاف ثقيلة، تسمع من به صمم، وتطرق أبواب المستقبل بثقة وثبات ونواصع الشيم، ونوابع القيم، وبنخوة الأصفياء الذين يعيشون الحياة بكاملها بقلوب مزدهرة بالحب وأرواح أشف من قطرات الندى، وأرق من زغب القطا، وأجمل من حلم البراءة. مجلس أبوظبي للشباب، مركز الدائرة التوعوية ومحيطها وقطرها، وهو نواة الأمل الذي تنطلق منه شذرات الطموح، وشعاع التطلع نحو غد زاهٍ ومزدهر بالعطاء والولاء لوطن تتدفق جداوله بالحب، لكل من يبذل جهداً، من أجل الارتقاء بالمنجز الحضاري، والسير به نحو الشأن الرفيع، والمقام الأنيق. من شرنقة هذا المجلس، ستبدو الخيوط…
السبت ٢٨ أكتوبر ٢٠١٧
من يريد أن يفهم لماذا نقول إن ديموقراطيتنا هي لنا ومن هنا، وهي مفصلة على مقاس قيمنا وأخلاقنا ومبادئنا، وشيم الآباء ونخوتهم وشهامتهم. الديموقراطية هنا لم تأت من بعيد، لتهب علينا برياح وجراح، إنها من قلب المكان، ومن روح التاريخ. ولو رجعنا إلى محفظة الماضي، وفتحنا الصندوق القديم، سنجد فيه من هذه العطور الزكية، سنجد العبق الطيب من القيم التي زرعها الأولون بعفاف السريرة، وشفافية المخيلة، ونقاء الطوية، وصفاء الثنايا والنواياa. في الإمارات، عندما تجد الحاكم يقف جنباً إلى جنب، وكتفاً بكتف، مع الكبير والصغير من أبنائه المواطنين، فإنك لا تعجب أبداً، لأنه لم يختلق شيئاً جديداً، وإنما هو غرف من معين التاريخ التليد، وجلب من الكنز الثري ما فاض، وملأ السهول والوديان. عندما ترى هذا السلوك القويم، فإنك لا تفعل شيئاً غير أنك تقلب صفحات التاريخ، وتقرأ وتشبع ناظريك بما أسداه هذا التاريخ من نواهل الخير، على ضمير الإنسان الإماراتي. وعندما نتذكر من فصول التاريخ فقرات وشذرات، نرى أن ما يحدث اليوم من إبداع سلوكي، ما هو إلا من ذاك النهر العظيم الذي روى ربوع الأخلاق، وسقى بساتين القيم، حتى صارت الربوع مروجاً مشيدة، وصار الإنسان طائراً يغرد باسم الحب، ويحلق عالياً، ويحدق في السماء، ليرى النجوم من فوقه تتراقص طرباً بهذا المنجز الإنساني، والذي لا مثيل له ولا…
الثلاثاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٧
في غياب المشروع العربي، تنصلت القضايا الكبرى من مبدئها، وتحولت إلى شذرات ونثار في وسط الطريق. الآن ونحن في خضم المعترك الوجودي، أصبح كل من يريد أن يرفع عقيرته أن يفعل ما يشاء، ولا يخاف لومة لائم، فلا من حسيب ولا من رقيب، لأن المياه ساحت، والتهمت اليابس والأخضر، ولم يعد هناك من يقف في وجه المنحرف والمتطرف والمخرف والمجدف. الأشياء تدخل في بعضها، والتناقض وصل إلى ذروته. في موضوع اليمن، نجد العرب من يقف متفرجاً ويصفق للغالب، ومنهم من يتوعد وينتظر، ماذا تسفر عنه النتائج، وبقي الذين يناضلون من أجل الحقيقة صامدون في وجه البغي والطغيان، المشكلة في هذه القضية المحورية، أن بعض العرب يعتقدون أن الحرب الدائرة هناك، هي بين الحوثيين والحكومة الشرعية، فغضوا الطرف عن الحدث وانتظروا لما تكون الغلبة، ليصففوا للغالب ويلعنوا المغلوب. ونقول لهم: لا يا سادة، انتبهوا وامسحوا الغبار عن المرايا، فالأمر لا يتعلق بالحوثيين، كفئة ضلت الطريق، بل إن الحوثيين هم أداة طاحونة كبيرة، هم مخلب لكائن عدواني يريد أن يتغذى على ضعف الآخرين، ويكبر على حساب ما يحصل بينهم من خيانات وتفريط بالمبادئ الوطنية والقيم الإنسانية، هذا الكائن التاريخي الذي يحمل من موروثات اللاشعور، وعدائه لكل ما هو عربي، هو إيران التي لم تعرف يوماً للجيرة حق، ولا للعلاقات بين الدول، إيران…
السبت ٢١ أكتوبر ٢٠١٧
الطريق إلى الحياة يبدأ من فتح مجرى النهر للشباب، كي ترتوي أشجارهم بالعذوبة، وتستمر الأزهار في بث العطر. هكذا هي الإمارات أصبحت اليوم حقلاً مزروعاً بالورود، والعذوبة هي هذا النسيج المنسجم بين القيادة الرشيدة، لأجل أن تنقي الموجة سواحل الأمل، ويمضي الركب باتجاه المستقبل، مكللاً بالفرح مجللاً بالحياة الهانئة. إطلاق أفضل مركز للشباب يأتي منسجماً مع روح الانتماء إلى حضارة اليوم، وتاريخ الأمس، وتطلعات الغد، لإقامة صرح التقدم، وتشذيب الشجرة من الأوراق الصفراء. نحن اليوم نعيش عصر التنوير الحقيقي بفلسفة الخروج من دائرة الانغلاق إلى فضاء الانفتاح والانغماس بالعالم كجزء من هذا الوجود. وما يجعل الحركة مستمرة هو وجود الشباب في قلب المشهد كسواعد بانية وعقول تنشد المجد مدعومة من قيادة آمنت بالحلم كغاية، وبالعلم كوقاية، وبالقلم كبداية لكتابة جملة الوعي على صفحات العقل، من أجل أن تسير القافلة مطمئنة، آمنة، لا يخضها خضيض، ولا يرضها رضيض، بل هي في المعنى كتيبة السعي إلى مدى لا يقف عند حدود، ولا تنخفض له نجود، هو الامتداد الراسخ في وعي الناس النبلاء الذين نهلوا من إرث المؤسس الراحل، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي نحت السطور الأولى في الذاكرة، ووضع الشباب أمام مسؤولياتهم التاريخية والتزامهم الأخلاقي تجاه الوطن. فهم عماده وسداده وامتداده، ورشاده، هم شعلته وشمعته، هم قلادة…
الأربعاء ١٨ أكتوبر ٢٠١٧
تابعت كلمة حاكم قطر، في مجلس الأمن، وشعرت أنني أمام صلاح الدين الأيوبي في العصر الحديث. الرجل تحدث بلغة مرتبكة ومتشنجة عن قضايا الدنيا الفانية، وأسهب، واستطرد، وأفاض حول وضع الإنسان المظلوم في فلسطين، وأدان بشدة الاحتلال الإسرائيلي، وأعماله التعسفية وتنكيله بالشعب الفلسطيني، ثم تطرق إلى الإرهاب، وسعي حكومته في مجابهة هذا الطاعون في العصر الحديث. حقيقة لم أكن أصدق أن هذا الرجل هو تميم بن حمد الذي نعرف جيداً علاقته بالكيان الصهيوني، كما واحتضان بلاده لأعتى فلول الإرهاب، وأشدها ضراوة على الإنسانية. شعرت أن هذا الرجل لا يعيش في زمن الفضاءات، المفتوحة، والتي لا تخبئ شيئاً في معطفها، ولا أسراراً يمكن أن تخفى على الناس، فالإناء مكشوف، ودخان الطبخات السرية يتطاير في كل الاتجاهات، والرائحة تزكم الأنوف، ولا شيء يمضي من دون جلجلة، فالأرض التي يمشي عليها تميم، وعرة وغير مرصوفة، والضجيج يصم الأذان، والغبار يغشي الأعين والسمعة نزلت إلى الحضيض. الممثل الذي استطاع على حين غرة أن يجذب الناس صار يمضغ نصاً مسرحياً ركيكاً وممجوجاً، ولا معنى له في زمن أصبح المواطن العربي، قد تشبع من النصوص الهزيلة والتي لم تعد صالحة، في زمن الوعي العربي، زمن أصبح فيه الكذب فقاعات، تذهب بها الرياح إلى أبعد عن سواحل الواقع. أمر مضحك أن يكذب الإنسان ولا يصدق كذبته إلا…
الجمعة ١٣ أكتوبر ٢٠١٧
في ليلة ليلاء، توقفت عند إحدى المحطات التلفزيونية التي تبث برنامجاً دينياً أسبوعياً، واستمعت إلى حوار بين رجلين، أحدهما يسأل ليفهم، والآخر يجيب ليوضح ما التبس على صاحب السؤال. المفزع في الأمر، والذي يبعث الألم في النفس، أن الشخص صاحب السؤال في بداية الأمر كان مهذباً وهادئاً، ويردد كلمات نعم يا شيخ، جزاك الله يا شيخ وفجأة، فإذا به يتحول إلى كائن آخر، يسب، ويشتم، ويكيل النعوت البذيئة على محدثه ويتهمه بألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان. في الحقيقة استوقفني هذا الحوار غير المتكافئ، حيث السائل يقتحم الشاشة عبر صوت الهاتف ويواري كل أخلاقه المصطنعة التي أظهرها في بداية الأمر، ليتحول إلى كتلة من الجحيم تلقى في وجه رجل الدين وتحول الحوار، إلى مرافعة، ومحاولة يائسة من الرجل الجالس خلف الشاشة، لتهدئة روع السائل، والتخفيف من شططه، ولغطه، وغلطه، ولكن لا جدوى، بل إن السائل صار، يرعد ويزبد ويصب جام غضبه في وجه محدثه، وكأن ما بينهما ثأر قديم. عندما نفكر في مثل هذه الحالات، يبرز أمامنا سؤال، وهو: هل كان الرجل جاء ليسأل، وليفهم؟ أم ماذا؟ أتصور ومن خلال متابعتي لكلامه الناري، والمحتقن، والمتشظي والذي جاء بأسوأ الألفاظ المعجمية، وكأن الرجل الذي جاء يسأل، لم يتعلم لا في البيت، ولا في المدرسة شيئاً اسمه أدب الحوار. ولم يتشرب…
السبت ٣٠ سبتمبر ٢٠١٧
إذا أردت أن تنعم بالسعادة، فضع حداً للوقت، ولا تدع عقلك يذهب بك في أعماق الماضي، أو يسافر بك نحو المستقبل. كن حاضراً بقوة الذات، وانتمِ إلى نفسك. في هذه الحالة سوف تتفرغ نفسك من المواد السامة التي خلفها الماضي، بالتعاون مع عقلك الذي سهل الاحتفاظ بهذا الكم الهائل من الأحداث والمواقف، وسوف تشعر أنك طائر بأجنحة الفرح، ونفسك نقية وصافية من الشوائب، وجسدك خفيف، مثل فراشة تحلق عند نعيم الأزهار اليانعة. الوقت مشغول بتراكم الأفكار، وأنت عندما تذعن للوقت تصبح محملاً بأوزار التاريخ والناس، ومن خلال هذين البحرين، تهاجمك ضوارٍ ومفترسات، أنت لا تستطيع مقاومتها لأنك تصبح محاطاً بهذه الأسوار التي يصنعها الوقت. لو أنك تخلصت من الوقت، سوف تحس أنك في الفضاء، ولا ترتطم بالأرض، ولن تخذلك التضاريس الوعرة. خذ نصيبك من الوقت، ودعه يمر، دعه يعبر، ولا تضع الفواصل عند كل جملة تمر عليها عيناك، لا تفكر، لماذا فعل زميلك في العمل هكذا، ولماذا لم ترد أنت على الشخص الذي أخطأ في حقك. مثل هذه المحطات، متعبة، وتجعلك وكأنك تملك الزمان والمكان. أنت خارج الوقت، مثل جنين يخرج من أحشاء الأم، سوف ترى الحياة مشرقة، وتفيض بالنشاط، أنت هنا خارج العتمة والسكون، وأنت في المحيط البشري، تعانق عيناك الوجود لأول مرة، وتنفتح على الكون، مثل بتلة الورد،…
الجمعة ٢٩ سبتمبر ٢٠١٧
تجاوز تناقضاتك، وكن واحداً، كن في الصفاء، كن في مركز الدائرة، ولا تخرج باتجاه المحيط، حتى لا تسقط في الهامش. دع قلبك مثل الوردة، يهفهف فرحاً، ولا تدعه مثل الجناح يرفرف مرتجفاً. عندما تكون في خضم التناقض، تصبح شيئا من الأشياء التالفة، شيئا بلا معنى ولا مغزى، ولا هوية. هويتك في واحديتك، في فردانيتك، في وجودك على قمة الجبل، لا في الحضيض. الحب وحده، يصفيك، ويبرزك، ولا يخفيك، الحب وحده يرفعك، ولا يدفعك إلى قعر الحياة، الحب مثل النسيم، يحيي خلاياك ولا يتلف أوراقك. عندما تكره، تصبح أنت في وسط العاصفة، تكون ورقة تالفة، تكون حكاية سالفة، عليها من الغبار، ما يجعلها، باهتة لا معنى لها ولا قيمة. التناقض، يسلبك ذاتك، يجعلك، خارج السرب، في زحمة الفراغ، التناقض يجعل تفكيرك، مثل غثاء السيل، فيه من النفايات، ما يكدر ماءه، ويغشي صفاءه، التناقض، يحرمك من السير في الطريق من دون عصا تتوكأ عليها، كي لا تقع، ويلتهمك التيه. التناقض يسرق منك رأيك، ويبعدك عن الحقيقة، فتكون مثل الأعمى يبحث عن أشيائه، ولا يجد غير الفراغ. تخيل أنك تعيش الآن في وسط تناقضك، وأنت مقبل على مشروع مهم مثل العلاقة الزوجية، في هذه الحالة كيف يمكنك كسب ود الطرف الآخر، وأنت تتحدث من خلف ستار واق للحقيقة؟! وأنت تغوص في عمق التناقض،…
الأربعاء ٢٧ سبتمبر ٢٠١٧
يقول المسيح عليه السلام، إنه يحب المذنبين، لأنهم يحتاجون إلى المزيد من الحب. قد نستغرب هذا القول، لأننا لم نتعلم كيف نحب، وكيف ننشر الحب، وكيف نتعاطى الحب مع الآخر. لو تخيلنا أن شخصاً ارتكب خطأ ما ووقفنا في وجهه، مؤنبين، موبخين مقرعين، لائمين، ماذا ستكون النتيجة؟ هذا الشخص قد يمتنع عن تكرار ما فعله على العلن، لكنه في الخفاء، وتحت لحاف الخوف سوف يمارس الفعل نفسه، وبتماد، لماذا؟ لأننا في التوبيخ لمسنا الأنا، واستفززنا الشخص، إلى درجة أننا أحسسناه بأننا لا نلومه لأنه أخطأ، بل لأننا أردنا أن نقول له إننا الأحسن منه، وإنه الدوني، والناقص. كما أننا أوصلنا له رسالة مبطنة، فحواها، أننا نكرهه. هذا الإحساس يؤدي بكل مخطئ لأن يشمر عن ذات حمقاء، وعنيفة، وضدية، تنذر نفسها للدفاع والحماية، وردع العدو. نجد مثل هؤلاء الأشخاص الذين يواجهون مثل هذه الظروف، أشداء في العناد، فقد يذعنون ظاهرياً، لكنهم في الخفاء يحاولون معاقبة من أنبهم بكل صرامة وجسارة، مقتنعين أن ما يفعلونه هو الأمر الصحيح، وأن ما يواجهونه من عيون حمراء، ما هي إلا كبر وتعنت. ولكن عندما يدخل الحب غرفة الرعاية والحماية، فإنه يهمس همس النسيم، ويلمس لمس الورود، وينثر عبيره بمرش الود والملاطفة، فيصل العبق إلى قلب المخطئ، فتنفتح له شرايين القلب، وتطير له الروح مثل فراشة…