الخميس ١٤ سبتمبر ٢٠١٧
تقف في شرفة بناية من تلك السامقة، أمام السواحل، وتنظر إلى البحر الأخضر، تنظر إلى الرمل الذهبي، تنظر إلى بياض الطبيعة، وهي تحضن أرواح الناس، تنظر وتشعر أن هذا الشاطئ، منذ متى لا تدري، وهو يلملم شتات مشاعر الناس، ويحتوي الأجساد بعفوية، وشفافية، وحيوية، وأريحية، وبنعومة الرمل، وخصوبة الماء، يحيي رميم الآتين من هنا وهناك، وكان البحر، طهور الناس، وبخورهم، وذخرهم، وفخرهم، كان النديم الحليم، كان السديم، يفتح مسامات الحلم ليرتفع النشيد، ويطلق الموال، أنغامه، وأنسامه، وأقلامه، ليكتب العشاق أحلى ما يجيش في الخواطر، وأجمل ما يسكن في المشاعر. اليوم تنظر إلى الساحل، وتشعر بشيء ما يداهمك، تشعر بأنك ترتكب الخطيئة عندما تنظر، بإمعان، لأنك لا ترى شيئاً، إنك ترى الفراغ، لأن ثقافة ما حلت مكان ثقافة، واحتلت منطقة الوعي، صار الوعي مسكوناً بالغرف المغلقة، صار المواطن، يهوى العيش، في المنطقة المطوقة، بالجدران والساحل مفتوح، الساحل طريق إلى الاتساع، والعشق، والناس هنا لا يبالون، بأنفسهم بل منشغلون، بالخارج كثيراً، منهمكون في تلوين حياتهم بالمادة بينما الروح، غائصة في تراكمات القلق اليومي، الروح منغمسة في نفايات ماذا سيكون الغد؟ هذه معضلة العصر والكثيرون متورطون، بهذا الساحل النفسي المزدحم ببقع الزيت. بقع واسعة تغزو النفوس ولا مجال للانفكاك من لوثتها. ثقافة الأماكن المغلقة، زجاج السيارات مغلق، نوافذ البيوت مغلقة، المولات، المتاجر، ساهمت…
السبت ٠٩ سبتمبر ٢٠١٧
عندما تنغمس الصحافة في الإسفاف، والاستخفاف، والالتفاف على الحقيقة، فإنها تنتقل من منطقة، الوعي إلى اللاوعي. اليوم نقرأ في الصحافة القطرية كلاماً أشبه بزبد البحر، نقرأ كلاماً بذيئاً لا يرقى إلى مستوى العقل، والذين يكتبون، تشعر وكأنهم يلهثون وراء من يريدون نفخه، وإذكاء النار في قلبه، ليزداد انتفاخاً وتورماً، وتضخماً وحتى يحققوا ما يريدون الوصول إليه، فإنهم يقذفون الآخرين بالسباب، والشتائم وأوصاف ما أنزل الله بها من سلطان. ما وجهته صحافة قطر من اتهامات لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة يندى سذاجة أولاً، ويعبر عن رغبة جامحة باتجاه خيانة المهنة الصحفية، والانحراف بالقلم نحو مستنقعات، لا يمكن أن يخرج منها حبراً نظيفاً. الخلاف وارد، كما هو الاختلاف، ولكن عندما يصل الأمر إلى البهتان، والفجور، في نعت الناس النبلاء، فإن كرامة الكلمة تهدر، وشهامة الرأي تلقى في سلة المهملات، ويصبح، الكلام مثل سيل عرم يحمل في طياته الحثالة، والنخالة. كنّا نتمنى أن تلتزم هذه الأقلام المسعورة حدود الأدب في تناول شخصية إماراتية إنسانية، شهد لها القاصي والداني ببراعة الخلق، ونزاهة السجية، ونقاء السريرة، وفطنة العقل، وحكمة الرأي، والشفافية في التعاطي حتى مع ألد المختلفين. كنَّا نتمنّى أن تتخلص هذه الأقلام من الأنا المتورمة، وأن تقول الله حق وأن تنطق بما يليق…
الخميس ٠٧ سبتمبر ٢٠١٧
عبد الواحد نور، سوداني من دار فور، يعلن نبوءته، في زمن الهلوسات، زمن اللاعقل زمن «داعش»، و«النصرة» وأخوتهما، في عالم يتدحرج، باتجاه اللاوعي، ونحو الخربشة على جدران القيم، والشيم، والنعم، بأصوات نشاز، تشمئز منها النفس، ومن جهلها وغيها، وسعيها إلى التشويه، والتشويش، والنبش في القبور، والمزابل والنفايات. يقول هذا المعتوه، إنه مرسل من السماء، لهداية البشر، وكأن العالم ينقصه المجانين ليأتي هذا المتخلف عقلياً، ويطرح نفسه كمصلح سماوي، بعد أن ضجت الأرض بأمثاله، ومادت الجبال من فوضى العقل وعشوائية الكون البشري. ويبدو أن الأخ وجد التربة صالحة لأمثاله، ومهيأة لامتصاص مثل هذه الترهات، بعدما أصبحت التنظيمات الإرهابية، تصول، وتجول، في العالم، مدعومة من دول، خدعت العالم بشعارات جوفاء، وروجت للديمقراطية، المفصلة على مقاس القرضاوي، وعزمي بشارة، وما انكشف الغطاء، حتى فاحت رائحة الخبث والحنث، وبان المستور، وعرف العالم كيف تدار هذه الدول، وكيف تحاك من داخلها، الأساليب الخبيثة من أجل إشاعة، الدمار في العالم ونشر أدواء العنف في كل مكان. نعم سينبت أمثال عبد الواحد نور، وسوف تعم مثل هذه الجراثيم طالما هناك من يقتنع بجماعات اتخذت من الدين ستاراً، وطالما هناك دول تخفت خلف عقد النقص، ومركبات الدونية، ونصبت نفسها حارساً لتهشيم البنيان العالمي تحت ذرائع وحجج ومسوغات زائفة وطموحات وهمية لا تتناسب مع حجم هذه الدول وموقعها في…
الثلاثاء ١٥ أغسطس ٢٠١٧
في اليوم الذي أذيع فيه رحيل عملاق الفن العربي، الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، كانت المشاعر أشبه بأعشاب برية، عصفت بها رياح شتوية، قصفت الجذور، ونسفت البذور. كانت ليلة ليلاء، أصبح للغياب فعل الجحيم، وفعل النار في الهشيم؛ لأن هذا الفنان أسعد الناس بفنه الرفيع، ولوّن وجدان محبيه بالفرح، وهم كثر، هذا الفنان عالج قضايا مختلفة الوجوه، بقلب صافٍ، وروح شفافة ونفس نقية طاهرة، إنه دخل في كل بيت كما ولج كل وجدان، مثل النسمة التي ترتب المشاعر بلمسات خفيفة، عفيفة، معافاة من درن الاصطفاف والاستخفاف، إنه الفنان الذي لم يستبد به العقل، بل كان العقل لديه الحصان الذي جر العربة إلى أرصفة الحب، والعطاء اللامتناهي. وكم شعرت بالأذى وأنا أقرأ تغريدة، فاحت من كلماتها، قمة البذاءة والجهل والاستخفاف والالتفاف على الحقائق، ودمغها بعفن القيم البالية والأفكار السوداوية، ومشاعر الحزن التاريخي الذي لا يزال يستوطن ضمائر بعض المشعوذين والهستيريين، والذين سيطرت على أذهانهم آفة الحقد والكراهية لكل ما هو جميل في الحياة. عبدالحسين عبدالرضا، لم يصطف إلا باتجاه فنه الذي أعطاه من عمره لما يقارب الخمسين عاماً، فعندما يأتي شخص نكرة، ويلقي بقذاراته في نهر هذا الفنان الكبير، ليس لشيء، فقط من أجل أن يكرس بذرة شيطانية. في دورة الحياة، وأمثال هذا الكائن، متخصصون لإشاعة الأفكار الملوثة بأدران الماضي، وهم يعتاشون…
الجمعة ١١ أغسطس ٢٠١٧
طلب السعادة، صعود، نحو المرتفعات الشاهقة، ولكي تحقق صعودك، لا بد وأن تواجه المخاطر. في داخل أي إنسان هناك كائن مخاتل، يصعب مجادلته، ومن العسير محاورته، لأنه يملك من القدرات الفائقة، ما يجعلك تقاوم وحشاً كاسراً. هذا الكائن هو العقل، بما يتسلح به من رواسب، وموروث اجتماعي هائل. السعادة تنبت من الفطرة، والتعاسة تنبت من العقل، ولكي تخرج من فوهة البركان عليك أن تتحرر من الأنا، والتي هي بناء عقلي بحت، جاء من سراديب المفاهيم الموروثة، والتي تبني هضابها العالية لكي لا يتجرأ الإنسان من الاقتراب من قلاعها الحصينة. ما الحل إذاً؟ يقول الفلاسفة إن الجوهر يسبق الوجود، وهذا ما بَنى عليه داروين نظريته باعتبار أن الإنسان كائن حيواني، وهي النظرية التي تغالط، الفكرة الوجودية. فعندما نقول إن الإنسان كائن حيواني، فبذلك نحن نجرد الإنسان من حريته، وهي المطلق الذي يتفرد به الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى. فالحيوان والطير وسائر المخلوقات جوهرها يسبق وجودها، كونها كائنات، مبرمجة ضمن حركة نشوئية لا مجال فيها لحرية الاختيار، بينما الإنسان فوجوده سابق لجوهره لأنه كائن يمتلك حرية اختيار وجوده. الأمر الذي يجعله حراً في اختيار السعادة أو التعاسة. لذلك عندما نقول إن السعادة أمر خطير لأنها تحتاج إلى الإرادة، وتحتاج إلى قدرة الإنسان على الخروج، من كهف التعاسة إلى فضاء السعادة. ويسبق ذلك…
الثلاثاء ٠٨ أغسطس ٢٠١٧
بعضهم لا يحب الجمال، بل لديه مناعة قوية بحجم الجبال، ضد الجمال، لأنه بلا قلب ولا روح ولا حياة. هؤلاء الأشخاص أموات لم يسكنوا القبور. بل إن قبرهم الأوسع هي الأرض. هؤلاء الأشخاص قد يديرون مؤسسات، أو دولاً، مصير الملايين متعلق بإرادتهم، وإرادتهم أصبحت في الحضيض، لأنهم ارتضوا أن يكونوا قيحاً في جسد الوجود. عندما تجد قائداً مثل حاكم قطر، يصر على أن يكون دملاً في خاصرة أشقائه، وأن يعمل على تلقيح هذا الجسد، بالبؤس والشقاء، والتعاسة والفوضى والقلق وعدم الاستقرار، فلا تستغرب أبداً. هذا الشخص يشعر أن لا وجود له في هذا العالم، إلا بإشاعة الضجر في أوساط الآخرين، بل ويتلذذ عندما يرى الآخر سئم من تصرفاته، لأن هذا الإحساس يعطيه الضخامة والفخامة وكبر الحجم. هذا الشخص لا يشعر بحجمه إلا عندما تكون هناك مشكلة عند الآخرين بسببه. هذا الشخص يرى في القبح، جمالاً، وجلالاً، وكمالاً، لشخصيته الناقصة، ويرى النشاط والحماس لطاقته المحبوسة في كنف مركبات عقد النقص. إنه الكائن المسجون في كهف الدونية، المقبوض عليه من جهة العقل المأزوم بالضجيج والعجيج وتصفيق المغرضين، والمتربصين، والمتلصصين، والمتسللين، والمتسولين، والمتوسلين. هذا الشخص وقع في فخ البارانويا، الذي أطاح بقيمه ومبادئه وجعله أداة طيعة للعدوان على الأقربين قبل الأبعدين. هذا الشخص ضحية نفسه، وفريسة طموحاته المريضة، والمبتلاة بالفوقية التي لا يبررها…
الجمعة ٢١ يوليو ٢٠١٧
أن تحب شيئاً وتؤديه.. فذلك وازع داخلي جاء من القلب، القلب لا يكذب، ولا يخون ولا يتذمر من فعل شيء. عندما تحب شيئاً، فإنك تصبح ملتزماً به أمام قلبك، وقلبك حاضر معك، هو فيك، وحولك، ومنك، ولك، فلا تستطيع الابتعاد عنه، والاختباء خلف الحجب، كي تتهرب من فعل ما تعهدت بفعله. لو قلت لامرأة، أنا أحبك وكانت الكلمة نابعة من القلب، فلن تحيد يوماً عن هذا الشعور، لأن رقيبك قلبك، لأنك قلت هذا الكلام، أمام قلبك الذي يسكنك. عندما تحب فإنك تصغي إلى قلبك، وأنك تنثر عطر المشاعر من داخله، وأنك لم تشترِ زجاجة عطر من أفخر محلات بيع العطور لتغري من وعدتها بالحب، بل أنت نزفت العطر من قارورة قلبك الذي ينزف العطر من دمك، ودمك هو سر وجودك على الحياة، وعندما يندمج الدم بعاطفة القلب فإنه لا سبيل للنفاق، ولا مجال للإخفاق، بل إن كل ما يخرج من القلب يصل إلى القلب. عندما يبرز الحب، تضيء السماء كل مصابيحها، وتفتح الأرض شرايينها، وتتدفق الجداول، ويلتقي نور السماء، وعذوبة الماء، يلتقيان ويندمجان، وينغمسان في الوجود، ويحققان الكينونة. عندما يبزغ الحب في القلب، يضيئك كما يضيء القمر العتمة، وعندما يتدفق الحب داخلك، فإنه يطوقك بجداول الانفتاح، يجعلك مثل النهر لك بداية، ولكن ليس لك نهاية، تكون أنت الكلي، تكون أنت…
الأربعاء ١٩ يوليو ٢٠١٧
تعلّم كيف تفرح، ستطير مثل الفراشات، وتحلّق مثل الطيور، وتزهو مثل الورود، وتنمو في داخلك أعشاب قشيبة، ويصبح قلبك فناءً واسعاً، مضاءً بالنجوم، تعلّم كيف تفرح وتخلّص من الماضي بكل أدرانه وأحزانه، وتأكد أنك لن تغير شيئاً في الزمن، ولن تعيد السنوات مهما بلغت من ذكاء وفطنة. الزمن الماضي، مثل الماء عندما تسكبه في أرض رملية، فإنك لا تستطيع استعادته، مهما بذلت من جهد فهو ضائع لا محالة. لا تفكر في المستقبل، فهو بعيد ومجهول، ولو حاولت الركض إلى الأمام من أجل المستقبل، فإنك تلاحق السراب، والسراب وهم الصحراء القاحلة. كن في اللحظة، كن في الآن، واللحظة هي الأبد، وعندما يكون الأبد بين يديك، وحاضراً فيك، فلماذا تبحث عن اللاشيء؟ في الماضي حزن إن لم يكن كله، فالجزء الأكبر منه في المستقبل، شك وريبة، وتوجس وقلق، لماذا إذاً تذهب إلى المتاعب؟ لماذا تغمس إصبعك في النار؟ لو فكرت في الماضي، سوف تستدعي شخصاً أساء إليك وتحزن، وتتأسف أنك لم تعاقبه بما يستحق، لو فكرت في المستقبل، سوف تسحب خيطاً مخيفاً، وتقول: هل سيكبر ابني ويكون رجلاً مهماً في المجتمع، ويشار إليه بالبنان؟! أم سيفشل في حياته ويصبح عبئاً عليَّ، وأفكار ستأتيك ما بين الزمنين، الماضي والمستقبل، سيكون قطار اللحظة قد مرّ، ومعه مرّت الفرحة التي كان بإمكانك أن تقتنصها، وسوف…
الثلاثاء ١٨ يوليو ٢٠١٧
لابد أن تكون الــ (أنا) عندك أكثر شعرية، ولكن غصت في الشاعرية، أصبحت أكثر شبهاً بالحب، وأبعد عن العقل. في قاع الشاعرية يختفي كل الوضوح، ويصبح كل شيء أصيلاً، يصبح كل شيء بالغ الغموض، وتصبح أنت المميز. نحن في الوجود قصيدة نحن الشعر المكلل، بقافية الجمال، نحن الجمال، المجلل بأجمة الزهور المدلل بتغريد الطيور. نحن في الوجود أحلام بأجنحة النجمة، وشفافية الغيمة، نكون خيوط الشمس مدلاة، على جبين الحياة، نكون أنسجة الحرير تهفهف على وجنات تواصلنا مع الآخر. الآخر هو ضفة النهر التي تسبح إليها أرواحنا، هو هناك، وهو هنا، هو في عمق الخليقة يضاء بمحبتنا والشعاع هو هذا الحب، عندما يصبح الآخر أولاً نكون قد أنجزنا مشروع التلاحم، يكون الانسجام هو الوصول إلى المقلة، والقبلة، لحن الفرح الذي يذهب السغب ويعيد للكون تكامله، ويعيد لنا تداخلنا مع الوجود.. لو تساءلنا ما سر النبتة التي لم تتفتح إلا بعد أن يدنو منها الماء، لتصير شجرة وارفة الظل؟ ومن الماء خلق الله كل شيء حي، من الماء تخرج البذرة، من باطن الأرض لتحيي الوجود، وتقول للناس إن للعذوبة طعم الحياة وأن الحياة هي الأصل، والموت حق طارئ، الذين يعشقون الحياة هم الأوفياء، لأن الله خلق الناس كي ينجزوا مشروع الحب، وليطردوا الشيطان من جنتها، ولو أن وردة ذبلت في بستان فاعلم…
الإثنين ١٧ يوليو ٢٠١٧
الكراهية لص يتسلل إلى غرفة عقلك عندما يكون مظلماً. فدعه مضاءً بمصباح الوعي ولن يحدث ذلك إلا عندما تكون مدركاً لما يحدث لك، الكارهون مذنبون، وكل مذنب مخطئ، ولا يخطئ إلا من ترك الغرفة مظلمة، ومن خلالها يتوغل الحقد إلى خلاياك، يتحكم بك، تصبح أنت فقط الأداة التي تنفذ ما يمليه عليك عقلك المستعبد من قبل وعيك المشوش. الكارهون يكذبون، ويحيكون القصص الخيالية حول ما يدبرونه من مكائد ضد الآخرين. لماذا؟ لأنهم لكي يهربوا من تأنيب الضمير، فإنهم يضعون المبررات ويسوقون الحجج، يفعلون لذلك كي يتخلصوا من التفكير في الجريمة، ولكي يتابعوا في ارتكاب جريمة أخرى. وهكذا عندما يغط الوعي في السبات، ويصبح الإدراك من قبله قد قطع تذكرة وسافر إلى اللا شعور، يصبح بيت العقل مهجوراً ومظلماً، فلا تخاف الأنا من دفع الشخص من فعل الخطأ، فما الذي يحصل عندما يغيب الوعي؟ يتوحش الإنسان ويخسر إنسانيته، والحياة بالنسبة له ليست سوى فرصة، فيقول في نفسه إذا درت نياقك فاغتنمها، وفعلاً يحصل هذا، وتفرز الأنا مضادات حيوية سامة أشد فتكاً من سموم الأفاعي، مما يجعل الشخص يقوم بأفعال لا يدرك مدى خطورتها على الآخرين. الملايين الذين يقتلون، والفقراء والأبرياء الذين يموتون، ومدن وبلدان تباد عن بكرة أبيها، كل ذلك يحدث لأن الوعي إندس خلف جدران سميكة، ولم تدرك، فماذا يهم…
الجمعة ١٤ يوليو ٢٠١٧
هكذا يقول جبران خليل جبران، لابد من فسحة بين الناس حتى لا تضيق الأرض بما رحبت. المتطرف، والمنعزل، والانطوائي، والمرتجف، يريد أن يكون كل الناس يشبهونه، في الصفات، والتصرفات، ما يجعل الحب غير ممكن. الزوج يريد من الزوجة والأولاد، وكل من يحيطون به أن يشبهونه. الزوجة كذلك تفعل بالمثل، ما يجعل الحياة مستحيلة، ومرة. العلاقة بين الأفراد مثل مجرى النهر إن سددت طريقه، فإنه يفيض، ويغرق ما حوله، ويؤدي إلى كوارث لا يحمد عقباها. نحن بحاجة إلى الفسح كي يمر الهواء من خلالها، ونستفيد من الهواء النقي. الانغلاق يؤدي إلى العتمة، وهذه تقود إلى العمى، والعمى يدفع إلى التعثر، وأحياناً قد تكون العثرات مهلكة، وهذا ما يحصل لكل متطرف، فإنه يريد الناس أن يحذو حذوه، وطريقه شائك ومميت، الأمر الذي يجعل الناس يتعوذون منه، وينفضون عنه، نائين بأنفسهم عن شروره. ولكن المتطرف المحتقن يتحول فجأة من متزمت إلى بغيض، وناقم، وإرهابي، لأنه لا يملك أداة أخرى غير أداة التخلص من الآخر. هذا الكائن المتعجرف، أشبه بقط شرس، محبوس في زاوية مغلقة، فهو لن يسالم بل سيهاجم، ويستخدم مخالبه الفتاكة ليقضي على خصمه. لأنه لا يملك الفسحة العقلية، التي تبيح له التفكير برصانة، ورزانة، هو كائن مفلس، وقد فرغت جعبته من الحلول المنطقية، فلجأ إلى اللا عقل ليفض اشتباكه مع الآخر.…
الأربعاء ١٢ يوليو ٢٠١٧
الذهاب إلى الحب كمن يذهب إلى النهر ليغتسل، وإنْ لم تذهب إلى الحب ستبقى عالقاً في (أناك)، مثبتاً عند نقطة التجمد، التوقف عن الحب مثل توقف النهر عن الجريان، وإنْ تم ذلك، فإن الماء يأسن، ويتعفن، ويصبح غير صالح للاستعمال الآدمي. عندما يتوقف الإنسان عن الحب، فإنه يتوقف عن التنفس، يتوقف عن الحياة، إنه يذهب إلى العدمية، ومن سنن العدمية فهي تدفع بالفرد إلى التمحور حول الذات، وكره الآخر. فلا يقدم إنسان إلى قتل الآخر إلا إذا كان أنانياً، لا يرى غير نفسه، ومن لا يرى غير نفسه، لا يرى غيره، فهو أعمى يسير في الطريق، وكأنه هو وحده في هذا المكان، وبالتالي لا يضيره إنْ داس على رأس الآخر وهشمه، بل إنه يشعر باللذة حين يسمع شخصاً ما يصرخ متألماً من الأذى، لأنه يمارس في هذه الحالة، فعل التأثير على الآخر، أي أنه يريد أن يقول للآخر إنني الوحيد الموجود في هذا العالم، ولا أحد سواي هنا. البحث عن الوجود من خلال سحق الآخر هي الصفة المميزة للشخص العالق بالأنا، لأنه مثل الإنسان الأول الذي اعتقد أن الأرض هي مركز الكون، وأنه لا سواه يتحكم بمسيرة الوجود، لكونه يتربع على عرش الكون، إلى أن جاء كوبر نيكس وأجهض هذه الفكرة، وقيض من مشاعر الفوقية لدى الإنسان. إذاً نحن نحتاج…