الجمعة ١٤ سبتمبر ٢٠١٢
ظل (أبو جهاد) يناضل لأفكاره اليسارية ويبشر بها في المجتمع السعودي الموغل في رأسماليته. المتعاقب الدوري على ناتج محلي بتريليون ريال في العام الواحد. لم يكن أبو جهاد ذلك اليساري الذي يمشي وحده في فلك هذه الأفكار المنقرضة، لكنه كان اليساري الوحيد الذي عرفته على الحافة النهائية من نقطة اليسار. كان ـ مثلاً ـ يلعن الفكرة الاشتراكية لأنها تهجين وتخفيف لأفكار اليسار، ولأنها ـ كما يرى ـ مؤامرة كبرى لحذف آلاف الأسطر الحمراء من النظرية الماركسية. وفي المجتمع السعودي ظل أبو جهاد مثل من يحاول أن يسحب بذراعيه الهزيلتين شاحنة هائلة من قاع الوادي، إلى حيث يراها أن تكون: في أعلى الجبل. لكنه ـ وللحق ـ ظل علامة كبرى على تسامحنا مع الأفراد من حملة الأفكار، فلم يعاقب ولم يسجن ولم يحاكم رغم أنه عاش لعقود يوزع (بطاقة أعماله) على الآلاف في المنتديات والمعارض الثقافية وأروقة الجامعات، وحتى مقاهي الشباب المختلفة. ربما لأنه أوغل في (يساريته) لدرجة أن أحداً لم يأخذه بذرة شاردة من الجد، أو أنهم رأوا فيه شخصاً منفصماً ببرهان بيولوجي. حتى في هيئته ومظهره، كان يلبس بدلة رديئة وحذاء جلدياً حافاً بلا جوارب، ويسير بسيارة صنعت منذ ثلاثين عاماً مثلما اختار أن يسكن في حي "العمل"، وربما كان محظوظاً أن يجد في مدينته حياً بهذا الاسم المنقرض.…
الإثنين ٠٣ سبتمبر ٢٠١٢
تابعت الأسبوع الماضي، بكل التفاصيل، خمس حلقات حوارية باسم ـ المراجعات ـ مع شيخ العلم والطريقة، محمد سرور بن زين العابدين الذي قضى بين ظـهرانينا سـنوات طـويلة، وربما كان من القلائل إن لم يكن الأوحد الذي جاء إلينا فرداً وغادرنا وهو بقـائمة أتباع تحولت بالفعل إلى مدرسة لا ينكرها أحـد وتـحت اسمه؛ حيث تنتسب إليه المدرسة (السرورية). وعلى يديه، وهو ثابت لم ينفه، استطاع محمد سرور أن يأخذ أتباع مدرسته إلى المنطقة الوسطى الجديدة ما بين مزج الفكر السلفي التقليدي في الخليج مع الفكر الإخواني، مستغلاً خدمة عامل التوقيت الذي جاء به في بواكير العمل الصحوي. ويحمد للشـيخ سعة أفقه وصـدره طوال أسئلة المراجعات وتأكيده على مبدأ الحوار والنقاش، بل والإصرار على الانفتاح على الجميع. وما يلفت نظري ـ ولهذا كتبت اليوم ـ هو السؤال الأخـير من السـلسلة الذي أعـتبره صـلب السـؤال الجـوهري بين كـل أسـئلة المراجعـات وهو يقول: (إن المرء الذي لا يتغير ولا يسـتدرك ليعيد النظر في آرائه ومواقفه مع الزمن إنما هو ـ فكر ـ جامد وأنا وقد بلغت السبعين لا بد ألا أنسى هذه القاعدة في المنطلقات الفكرية). وطالما أن الشيخ قبل الحوار بل أكد على صيرورته وضرورته أقول له إنه لم يأخذ مشـهدنا الفكري، وبالخصوص الدعوي والديني، إلى الأزمة الخانقة مثلما أخذته فكرة ـ التراجع…
السبت ١٨ أغسطس ٢٠١٢
بودي أن يؤكد لنا جميعاً، معالي وزير العمل، ذلك الرقم المجلجل الذي قاله قبل يومين، وفيه أشار إلى أن برنامج ـ نطاقات ـ للتوظيف والسعودة قد أضاف في العام وحده 250 ألف وظيفة (سعودية) لشبان سعوديين، وهو رقم مثلما قال معاليه: يفوق ما استطاعته خمس سنوات من قبل. أشعر أن الذي نقل المعلومة من فم معالي وزير العمل قد أضاف صفراً كاملاً إلى يمين الرقم، ولكنني قرأت الخبر من مصادر مختلفة وشاهدته مطبوعاً على العنوان الأول في أكثر من صحيفة. صاحب المعالي: أنا ومعي الآلاف نريد تأكيد الأرقام أو نفيها حتى لا أكون وأمثالي أداة لتضليل الجمهور لأنني وبكل صدق ما زلت مندهشاً لضخامة الرقم الخرافي عن ربع مليون وظيفة في عام واحد. ولمعاليه سأقول صادقاً إننا وإن تشبعنا من لغة الأرقام وضخامتها إلا أنه ما زال لبعضها فروق. سنبلع يا معالي الوزير نفي إدارة البلدية في مدينتي أنها بنت دورة مياه بتكلفة ربع مليون مثلما سنقبل أيضاً، وبالمشعاب، ترسية إنارة نفق بقيمة 300 ألف ريال للشريحة الشمسية الواحدة، وسنسكت عن إعلاء سور مدرسة في المدينة نفسها بقيمة مليون ونصف المليون ريال، وسنغض الطرف أيضاً عن الأسرة الصحية المضروبة التي اشترتها الوزارة بنصف مليون للسرير، ولكن سنقف طويلاً أمام هذه المعلومة عن ربع مليون وظيفة في عام واحد. وعلى مسؤوليتي،…
الخميس ٠٩ أغسطس ٢٠١٢
وصلت (الآن) للصفحة الرابعة بعد المئة من كتاب (تاريخ العرب من العصر البرونزي إلى صدر الإسلام) لمؤلفه روبرت هلند، ولاحظوا معي من العنوان مجرد شيئين: الفترة المؤرخ لها وكذا اسم العجمة في المؤلف. وحينما أقرأ على الدوام تتملكني فانتازيا ما فوق القراءة. أشعر وأنا أقرأ هذا الكتاب، بالفترة والمؤلف، أن العرب حينما يكتبون تاريخ مجتمعاتهم وحضاراتهم وشعوبهم إنما يصنعون ماكينة تجهيل وتضليل، مثلما أشعر أن أباطرة التأليف التاريخي وأقسامه الأكاديمية آلات زيف تستطيع معها أن تقول بثقة إن تسعة أعشار تاريخنا المكتوب كذبة تستحق الإعدام من أجل حياة العقل. حتى مع المقدس الثابت الذي يفترض ألا نختلف عليه، كذب تدوين هذا التاريخ على أشرف الأنبياء وتقول عليه المدوِّنون ما لم يقله. وصلنا للحظة التي نرى فيها عالم حديث فاضلاً يثبت كذبة عشرة آلاف حديث ليس لها من وجود وسند، وبدلاً من أن نرى جناية هذه الكذبة التاريخية على أشرف الخلق عاراً وخزياً نظرنا إلى تمحيص هذه الأحاديث المكذوبة عملاً يستحق الثناء والإجادة، وهو كذلك يستحق. وقرأت لكم فيما قبل كتابين من أشهر مؤلفات العرب التاريخية التي تناولت فترة واحدة: العواصم من القواصم، لابن العربي، ومن ثم، الحقيقة الغائبة، لفرج فودة. نسختان متناقضتان في السرد والشواهد والاقتباس والتحليل. وكما هي حالة العربي مع تاريخه فكل قصة من قصص الكتابين تروى بصورة…
الأحد ٠٥ أغسطس ٢٠١٢
أولى وأدهى طوام مثالب التمييز الاجتماعي في الحياة الفكرية ليس إلا أن ينطلق المؤلف من رصيد ظني ومن معلومات خاطئة ومغلوطة ثم يسيء بقصد أو بغير قصد إلى الشرائح الاجتماعية التي يظن بحسن نية أنه يتصدى لتأليف مرحلة من مراحل سيرها الاجتماعي. والمناسبة، أنني أكملت للتو قراءة كتاب (المسيرة لداعية جنوب الجزيرة) عن الإصلاحي المجدد فضيلة الشيخ الكبير الراحل عبدالله بن محمد القرعاوي، رحمه الله، لمؤلفه بندر بن فهد الأيداء، وبه من التوصيف الاجتماعي ما يبعث على الحزن الشديد لسبب جوهري: لأن المؤلف لم يسئ فحسب إلى البيئة الاجتماعية التي كان فيها جهاد الشيخ القرعاوي الطويل في ميدان الدعوة، بل من حيث ظن أنه قد أحسن وهو يشوه هذه المسيرة. وبدءاً، ولمن لا يعرف، فإن فضيلة الشيخ الراحل، رحمه الله، كان من القلائل الذين نذروا أنفسهم وحياتهم، بل وحتى أموالهم في التصدي الطوعي احتساباً في سبيل الدعوة. هو أحد الرواد في هذا المجال الحيوي، وقد أتى إلى جنوب المملكة متخذاً من منطقة جازان منارة انتشار لمئات المدارس الدينية في منتصف القرن الهجري الماضي، وذاع صيته وعم خيره إلى الآلاف الذين انتفعوا بعمله وعلمه، ولا ينكر هذا إلا جاحد متكبر على حقيقة واضحة. وأنا هنا لا أناقش مطلقاً أثر فضيلة الشيخ عبدالله القرعاوي ولا سيرة حياته الدعوية الخالصة بقدر ما أناقش…