علي سعد الموسى
علي سعد الموسى
كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية

الذين كذبوا على النبي

آراء

وصلت (الآن) للصفحة الرابعة بعد المئة من كتاب (تاريخ العرب من العصر البرونزي إلى صدر الإسلام) لمؤلفه روبرت هلند، ولاحظوا معي من العنوان مجرد شيئين: الفترة المؤرخ لها وكذا اسم العجمة في المؤلف. وحينما أقرأ على الدوام تتملكني فانتازيا ما فوق القراءة.

أشعر وأنا أقرأ هذا الكتاب، بالفترة والمؤلف، أن العرب حينما يكتبون تاريخ مجتمعاتهم وحضاراتهم وشعوبهم إنما يصنعون ماكينة تجهيل وتضليل، مثلما أشعر أن أباطرة التأليف التاريخي وأقسامه الأكاديمية آلات زيف تستطيع معها أن تقول بثقة إن تسعة أعشار تاريخنا المكتوب كذبة تستحق الإعدام من أجل حياة العقل. حتى مع المقدس الثابت الذي يفترض ألا نختلف عليه، كذب تدوين هذا التاريخ على أشرف الأنبياء وتقول عليه المدوِّنون ما لم يقله.

وصلنا للحظة التي نرى فيها عالم حديث فاضلاً يثبت كذبة عشرة آلاف حديث ليس لها من وجود وسند، وبدلاً من أن نرى جناية هذه الكذبة التاريخية على أشرف الخلق عاراً وخزياً نظرنا إلى تمحيص هذه الأحاديث المكذوبة عملاً يستحق الثناء والإجادة، وهو كذلك يستحق. وقرأت لكم فيما قبل كتابين من أشهر مؤلفات العرب التاريخية التي تناولت فترة واحدة: العواصم من القواصم، لابن العربي، ومن ثم، الحقيقة الغائبة، لفرج فودة. نسختان متناقضتان في السرد والشواهد والاقتباس والتحليل. وكما هي حالة العربي مع تاريخه فكل قصة من قصص الكتابين تروى بصورة مختلفة وهي نقيض للأخرى بصورة سافرة. والمهم، أنني نشأت في ثقافة تحذر من ثقافة – الاستشراق – وتنبه من خطورته.

أدركت لاحقاً أن أخطر أنواع الغزو الفكري هو أن تغزى من – الداخل – بكذبة تاريخية ثم تقرأ نقيضها في الكذبة المناقضة فلا تدري إلى أي من الكذبتين تكون أكثر اطمئناناً إلى ما تقرأ. وإذا كانوا قد استسهلوا الكذبة على النبي فكيف يكون هؤلاء صادقين مع من دونه؟ لاحظوا أن الذي اختلق رواية آلاف الأحاديث عن النبي المصطفى هم من العرب، وأن الذي دوّن الصحاح في – علم الرجال – هم تلك القامات التاريخية من بين الأعاجم. وحين شككت في بعض مثالب الاستشراق، وقعت عيني على كتاب لمؤلف ياباني سماه (العرب بعيون يابانية) وكان أبلغ ما قرأت في تشريح الحالة العربية. وللذين مازالوا يودون إضافة شيء من أوراق تاريخنا إلى كل ما هو مطبوع: اقرؤوا كتاب روبرت هلند.

المصدر: الوطن اون لاين