الإثنين ١٢ أغسطس ٢٠٢٤
ربما تتذكرون تلك السيدة الاسكتلندية «سوزان بويل» التي ظهرت بشكل مفاجئ في برنامج اكتشاف المواهب الشهير (بريطانيا جوت تالنت) عام 2009، بدت تلك السيدة يومها مثالاً واضحاً لامرأة قروية تقليدية جداً وفي أواخر أربعينياتها، حتى إن رئيس اللجنة يومها عاملها بتهكم وسخرية معتادة لديه، عمّا جاءت تفعله في البرنامج!! عندما صدحت بويل بالغناء، وتردد صوتها السوبرانو الساحر في أرجاء الاستوديو الشاسع، أصيب الجميع بسكتة ذهول حقيقية، تجاوزت بعدها جدران الاستوديو وحدود بريطانيا لتصبح مطربة عالمية بكل معنى الكلمة وتفوقت على نجوم كبار. لقد ذهبت أبحث في حافظة صور بويل على شبكة الإنترنت بعد سنوات من الشهرة والأضواء، فلم أجد ذلك التغيير الذي توقعته أن يحصل لنجمة اختيرت للغناء أمام ملكة بريطانيا بمناسبة اليوبيل الماسيّ لتولي الملكة عرش بريطانيا عام 2012، أي بعد أقل من أربع سنوات من انطلاقها في عالم الغناء!! ألا يبدو ذلك غريباً بالنسبة لامرأة أصبحت تمتلك ثروة تقدر بـ 35 مليون دولار؟! نتوقع كمعجبين وجمهور أن نحظى ببعض الصور التي تثير التعليقات ومكامن الدهشة فينا، لأن هذا ما تعودنا عليه في عالمنا العربي على الأقل، فالبدناء يجرون جراحات عاجلة لإنقاص أوزانهم، وعمليات تجميلية للحصول على وجوه أجمل وأصغر وأكثر نضارة وشباباً، تلك متطلبات الشهرة والوجود تحت الأضواء، لماذا بقيت بويل على بساطتها إذن؟ ربما لأن سوزان بويل…
الثلاثاء ٠٦ أغسطس ٢٠٢٤
من الواضح أن مشاعر التطرف والعنصرية الموجهة بسبب العرق أو الدين، آخذة في التصاعد يوماً بعد يوم لأسباب لم تعد خافية على أحد، هذه المشاعر التي باتت تعبر عن نفسها بقوة في الميادين والشوارع الرئيسية العامة في عدد من دول العالم وخاصة في أوروبا، ستفرض على حكومات هذه الدول مراجعة سياسات وأنظمة التعليم والعمل والهجرة وقوانين الحريات، كما ستفرض على طالبي اللجوء ومحبي السفر والسياحة أن يتمهلوا وهم يختارون وجهات سفرهم في المرة المقبلة. لقد ظلت شعوب العالم العربي ودول العالم الثالث تنظر بشيء من الحسرة أو الدونية لنفسها وهي تقارن حقوق المواطن في دول أوروبا بمن (ليس) لديها من حقوق وحريات، ففي أوروبا يختار الناس كل شيء بدءاً بالرئيس وصولاً لأصغر التفاصيل، إنهم ينتخبون ويتظاهرون ويعلنون رأيهم في كل شخص وكل شيء، في السياسة والاقتصاد وسياسات الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي والكنيسة والدين والعلمانية وتوجهات الإعلام... ليس هناك شخص أو فكرة فوق النقد أو الهجوم. حدث ذلك منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى اليوم، فلا تزال الحريات في الغرب مصانة والقانون هو الفيصل، لكن لا يمكن الرهان على ثبات الأوضاع، بعد أن تحول العالم إلى قرية صغيرة متواصلة فعلياً وافتراضياً. إضافة إلى أن الحروب والنزاعات والديكتاتوريات السياسية، وانهيار الأوضاع في العديد من بلدان العالم الثالث، أدى إلى تزايد أعداد…
الأحد ٠٤ أغسطس ٢٠٢٤
أصبح اسم الملاكمة الجزائرية إيمان خليف مثيراً للجدل على منصات التواصل الاجتماعي، وفي أروقة عالم الرياضة الأيام الماضية، بعد فوزها على الملاكمة الإيطالية، إثر لكمة قوية وجهتها لها لم تحتمل الاستمرار بعدها في المباراة، فانسحبت منها باكية بعد مرور 46 ثانية فقط! الضجة التي أثارتها الملاكمة الإيطالية ضد زميلتها تتلخص في تأكيدها أن اللكمة ليست لكمة امرأة، لذلك فهي تطالب بالعدالة! حيث لا يحق للملاكمة الجزائرية من وجهة نظر الإعلام الغربي المشاركة في مباريات النساء، لأنها في الأصل رجل متحول جنسياً، جاء هذا الاتهام الذي لا أساس له من الصحة بناء على القدرات الجسدية الخارجية للاعبة، والذي نفته اللجان الرياضية الرسمية في أولمبياد باريس، موضحة أن الأمر يعود لزيادة في إفراز هرمون التستوستيرون لدى اللاعبة! الغرب الذي منذ عدة سنوات يفرض علينا أجندته المتعلقة بالشذوذ الجنسي، وحرية التحول الجندري وحقوق المتحولين، التي أولها الزواج والعمل والحقوق السياسية، يمارس تنمره البشع على اللاعبة، مرتكزاً على ادعاءات لا أساس لها من الصحة، ساخراً من الطبيعة الجنسية للاعبة، بينما هو أول من يدعي رفضه لذلك، لا لشيء إلا لأن إيمان عربية، وقد حققت انتصاراً كاسحاً على نظيرتها الأوروبية! يثبت الغرب وبشكل واضح، وعلى مستوياته السياسية والرياضية والإعلامية أنه يتراجع عن أصالة أفكاره، التي يأتي على رأسها العدالة واحترام الاختلاف وموضوعية الأحكام، ومنهجية التفكير،…
الأحد ٢٨ يوليو ٢٠٢٤
صدّق أو لا تصدّق: يمكن أن ينتهي الزواج بسبب فنجان قهوة بارد! ومع أنها نهاية لا تبدو مقبولة للناس؛ للمحيط أو للعائلة، إلا أنها تحدث بالفعل، لكنني على ثقة من أن هذه النهاية سبقها مواقف وتشنجات وصراخ، وتمرير أخطاء كثيرة أكثر سخفاً ومللاً ولا معقولية من فنجان القهوة البارد، سببها الخلافات اليومية، والتداخلات التي رعتها أم الزوج، ووالدة الزوجة والصديقات والأخوات، كل ذلك شكّل أحمالاً إضافية غير مرئية للآخرين، لكنها كسرت ظهر الزواج بسبب «قشة» تافهة في حجم فنجان قهوة! إن التنافر في طرق التفكير بين الزوجين أمر قد لا يظهر بوضوح في بداية الزواج، وحتى لو تفاجأ أحدهما أو كلاهما بهذه الاختلافات التي لا يتقبّلها، فإن صوتاً في داخله يهمس له وقتها: لا عليك، سيتغير ـ أو ستتغير ـ مع الأيام، أو يقول: أنا كفيل بتغييره! وبالتأكيد فإن ذلك لا يحدث، لأن أحداً لا يمكنه تغيير أحد بهذه السهولة المتخيلة، وإذا حدث فإنه لا يحدث دائماً! إن بعض الاختلافات الجذرية التي لا يمكن التكهن بها، كما يستحيل قبولها أو تغييرها، هي الرصاصة الأولى في نعش الزواج! ما لم يحظَ هذا الزواج بشركاء عقلاء جداً، أو بواحد منهما يأخذ الخسائر على حسابه الخاص لأجل إنجاح الزواج، وهذا الشخص لا شك سيعاني كثيراً! إن عدم تفهّم الفارق بين خيالات الحب ومسؤوليات…
السبت ٢٧ يوليو ٢٠٢٤
يطرح البعض هذا السؤال دائماً: لماذا تنتهي علاقات الحب تلك النهايات الباهتة التي لا تتسق مع حجم العاطفة الذي ساد تلك العلاقات؟ وباختصار لماذا لا تدوم العلاقات؟! لماذا يبدو للبعض أن الأزواج ينهون زيجاتهم بسهولة ولأسباب تبدو من الخارج تافهة وغير مقبولة أو غير منطقية؟ ولننتبه إلى أن جبل الجليد الذي أغرق سفينة التايتانيك العملاقة لم يظهر إلا رأسه في النهاية، أما امتداده الهائل الذي تسبب في الكارثة فبقي غير مرئي تحت الماء! يبدو عدم الاتفاق في أنماط التفكير بين الأزواج إلى درجة التضاد والتنافر أحد أهم أسباب عدم الاستمرار في العلاقات الزوجية وحتى العاطفية، فالحياة تحت سقف واحد ومواجهة حقائق الأمر الواقع في متطلبات الحياة والبيت والزوج و... إلخ، أمور مختلفة نهائياً عن رومانسيات الحب وأحاديث التليفونات وكلمات الأغاني، الحياة الواقعية بكل تحدياتها تخلق واقعاً مغايراً أمام الزوجين. حيث تضعهما على محكات تجارب عنيفة أحياناً وقاسية أحياناً أخرى، وتتطلب الكثير من التضحية والحكمة وعدم الأنانية، وهذا كله يعود لنمط التربية والتفكير الذي تلقاه كل من الرجل والمرأة في أسرته! إن اختلاف الطباع والأخلاق والسلوكيات لا يقل تأثيراً عن اختلاط أنماط التفكير، فالرجل الأناني لا يمكنه أن يتنازل في أي موقف من أجل أن تمر الأزمة ويعبر الاثنان العاصفة بسلام، وتظل أنانيته تثور في كل موقف وتبدو نرجسيته المتفاقمة أخطر…
الإثنين ٢٢ يوليو ٢٠٢٤
يقول الكاتب البريطاني نيل جايمان: «الكتابة تشبه الطبخ كثيراً، أحياناً لا تنفش الكيكة التي تعدها مهما حاولت، لكن من وقت إلى آخر ستجد أن طعم كعكتك أحلى من كل توقعاتك وأحلامك بها»! ولقد أصاب الهدف تماماً، وعليه ليس غريباً إذا سمعت صحفياً يحدثك عن مطبخ الجريدة، باعتباره المكان الذي يضم كبار الصحفيين من أهل الحرفة والخبرة، حيث تتخذ القرارات الخاصة بكل ما سيظهر في الجريدة صباح الغد. لذلك فمن الملاحظ جداً براعة الكثير من الكتاب والصحفيين في فن الطهي، وشغفهم به والتفاتهم الدقيق لمضامين وتفاصيل الوصفات، الخلاصة إذن: إن الكتّاب يطبخون كما يكتبون تماماً، لأن الكتابة عندهم تشبه الطبخ كثيراً، ولكلا الفنين أسرار ومعادلات لا يعرفها إلا أصحابها! يؤكد الكاتب المصري محمد عبدالنبي في كتابه «الحكاية وما فيها» أن أي شخص يهتم بالكتابة لا بد أن يكون مهتماً بالطبخ كذلك، ولو على سبيل الفضول، لأن إنتاج طعام طيب وشهي ومفيد لا يبتعد كثيراً عن إنتاج عمل فني طيب وشهي ومفيد! ولعل الكاتبة المكسيكية «لاورا إسكيبيل» أشهر من زاوج بين الكتابة الروائية وفن الطهي في روايتها الشهيرة «كالماء للشيكولاته»، وكذلك الروائية المعروفة «إيزابيل الليندي» في كتابها «أفروديت»، الذي تحدثت فيه كاختصاصية عن فن الطعام وتأثيراته على الجسد والمزاج والميولات الشخصية. وكما لا يمكن للكاتب أن يكتب مقالاً أو رواية عظيمة في…
الإثنين ١٥ يوليو ٢٠٢٤
أفتح صفحات أصدقائي على الفيسبوك، أو على منصة إكس، فأجدهم إما غارقون في خلافات ومعارك عبثية، يسمونها خطأ خلافات ثقافية، أو أنهم يشتكون ويتذمرون من كل شيء تقريباً: ارتفاع الأسعار، انقطاع الكهرباء، الكلفة الباهظة لقضاء العطلة، الزحام، ضغوطات الحياة، يشتكي الرجال من طلبات النساء، والنساء يشتكين من سلبية الرجال وتحرشاتهم، الآباء والأمهات يشتكون من ضغوطات امتحانات الثانوية على أبنائهم، وتعقيدات التقدم للجامعات، الأبناء متمردون دائماً، و.. وهكذا كل يغني على ليلاه! أما أصحاب الخلافات الثقافية، التي تعكس صراعات شخصية في الأساس، فإنهم يُذكّرونني بعبارة تنسب للروائي «غارسيا ماركيز»، الذي يقول: «عندما لا تكون السياسة ممكنة، تحوَّل إلى الثقافة»، ما يعني أن كل خلاف أو معركة ثقافية، هي في أصلها محاولة للوصول إلى مطالب واحتياجات وانتقادات ومعارضات وأهداف سياسية، فشل أصحابها في الوصول إلى ما يريدون، فتحولوا بها إلى الثقافة، لتكون المعارك بذلك محاولة تنفيس لمآزق سياسية ليس إلا، وباختصار، كما قال ماركيز (ما لا تستطيعه في السياسة، حققه بالثقافة)! أما فريق المتذمرين في هذه الأيام، التي تشهد معدلات فلكية لارتفاع درجات الحرارة، فإن تذمرهم الأساسي مرده للطقس، للحر اللاهب، خاصة في تلك المدن التي تشهد ساعات انقطاع طويلة للتيار الكهربائي! والحق، فإنني ألتمس العذر لهؤلاء في تذمرهم وغضبهم، ذلك أن معدلات الحرارة التي تشهدها الأرض، تجعل الحياة لا تطاق في…
الأربعاء ٠٣ يوليو ٢٠٢٤
ما الذي تعنيه مفردة الحرب، وأن يعيش الإنسان في حالة حرب؟ أن تُشن عليه حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، حيث يصبح ويمسي طوال عمره في مرمى الموت، فلا يتذكر من طفولته ومراهقته وشبابه وحتى كهولته إلا الحرب وأثرها، الحرب هي القنبلة التي تدمر كل شيء تماماً ظاهراً وباطناً! إن الحرب سلوك وحشي لجأت إليه معظم شعوب العالم في جزء أو مرحلة من تاريخها، إما مضطرة أو متعمدة، سواء في الماضي أو الحاضر، عندما كانت الحرب مبررة لسبب امتلاك القوة الغاشمة، أو عندما كان الناس يعيشون ضمن مجموعات صغيرة أو قبائل متنقلة ومتناحرة تتقاتل لتوسيع أملاكها وطمعاً في موارد الطبيعة التي بيد الآخرين! عندما كوّن الإنسان دولاً وممالك وإمبراطوريات عظمى لم يتوقف ولم يكتفِ، بل على العكس تماماً، كان شرط بقاء هذه الإمبراطوريات أن تغزو وتتوسع وتهيمن وتخضع الآخرين، حتى إن بعض المؤرخين نظروا لفترة التوسع والانتصارات باعتبارها مرحلة القوة والازدهار في تاريخ تلك الدول. إذن، فالكل حارب، والكل تعرض للاعتداء وفرضت عليه الحرب فرضاً! كان الإنسان طوال تاريخه ولا يزال بين حالين: إما ذئباً يفترس بوحشية، أو شاة تُلتهم باستكانة، لذلك فغالباً ما تطمح الشاة لأن تصبح ذئباً ذات يوم، وتخوض حربها هي الأخرى، وهو ما عبر عنه الشاعر والروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله عندما قال: «لم يخلق…
الخميس ٢٧ يونيو ٢٠٢٤
أول الأسئلة التي ألحت علي وأنا أسبر غور هذه الرواية التي تذكر بأفلام الإثارة النفسية، يخص الأثر والتأثير، فمن يأتي قبل الآخر: هل يتصرف الشخص بوحشية وسادية لأنه ولد مجرماً في أصله؟ أم أن الظروف القاهرة والتعديات التي يتعرض لها هي ما تخلق منه وحشاً في نهاية المطاف؟ هل نأتي للدنيا محملين بالأخطاء والخطايا مخبوءة في حاوياتنا الجينية؟ أم أن الدنيا تتلقانا أنقياء أبرياء وهي من تصوغنا كما تشاء؟ أم أن إرادتنا من تتكفل بمصائرنا؟ هذه أسئلة كبيرة وقديمة جداً طرحها الفلاسفة والحكماء ورجال الدين وأطباء ومنظرو علم النفس ولا يزالون، وهي ما تدور حولها رواية «عمر الغريب» للروائية المغربية سلمى مختار أمانة الله، الصادرة عام 2022، والتي تصدت فيها وبذكاء لرسم شخصية البطل بلغة شاعرية مثيرة للإعجاب (أفرطت فيها أحياناً) دون أن تتورط مباشرة في عملية التفكيك أو التبرير، تاركة لقارئها حرية أن يطرح أسئلته ويرى الحكاية بمنظور فكره وتوجهاته! لم تلجأ سلمى (كروائية) لتقنية الراوي العليم الذي يعرف كل شيء ليحكي لنا مسيرة عمر مذ كان طفلاً جاء الحياة نتيجة غلطة، فألقته أمه على باب أحد المساجد متخلصة من ذنبه لتضعه بين يدي رجل فقيه سيضع ابنها على طريق الله القويم فينقذه (أو تنقذه هي كما ظنت) من مآلات كارثية لو بقي عندها، فخيب آمالها ودمر حياة عمر،…
الأربعاء ٢٦ يونيو ٢٠٢٤
يعتبر القلق واحداً من المشاعر البغيضة، التي تسمم حياة الإنسان أينما كان، لأن القلق كالاكتئاب والوحدة والريبة من المشاعر المنتشرة بين سكان المدن المعاصرة، هذه المدن الكبيرة التي بقدر ما تشغلها فكرة التطور وجودة الحياة ورفاهية الفرد، بقدر ما يتخبط سكانها في دوائر من القلق، والعزلة، والاغتراب، والريبة إزاء الآخرين، والوحدة، والجريمة المخيفة. ولقد ثبت من تحقيقات الشرطة أن اضطراب الشخصية الحاد، الذي يعاني منه المجرمون في معظم جرائم القتل المتسلسل سببه كوارث التربية في الطفولة أو أزمات العيش في المدن الكبيرة الباردة، وهذا لا يعني أن كل من يعيش في مدينة كبيرة يصبح قاتلاً متسلسلاً، لكن أمراض المدن المعاصرة تصيب الإنسان في مقتل، وخاصة أولئك الانطوائيين، الذين يعانون من الهشاشة، وعوامل النقص المركبة. في الفيلم الأمريكي، الذي تم تصويره في العاصمة الأرمينية بوخارست نتابع حياة الشابة الأمريكية، التي تنتقل من نيويورك لتنضم إلى زوجها في مدينة والدته، تبدو سعيدة في البداية، لكنها سرعان ما تكتشف اتساع هوة الاغتراب والوحدة، ودون تعقيدات حوارية نكتشف اغترابها سريعاً، عبر تخبطها في فهم اللغة والتخاطب بها حتى في أضيق الحدود، ثم شعورها بالضيق لاضطرارها التواجد مع أصدقاء زوجها، الذين يتحدثون لغة لا تفهمها، وتدريجياً تبدأ بالتسكع في المدينة وحيدة، ومع شعور الوحدة لانشغال زوجها طيلة الوقت في عمله تبدأ مأساتها الأخرى. رجل غريب…
الأربعاء ١٩ يونيو ٢٠٢٤
يقول الله في قرآنه الكريم: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا..) والحكم يمكن تطبيقه قياساً على الكثير من المستجدات التي اختلطت فيها الفوائد بالأضرار حتى ما عاد الإنسان قادراً على أن يجتنبها أم يستخدمها فيما ينفعه ويجتنب منها ما يؤذيه، كمواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي والمدونات والإنترنت... إلخ، ففيها الكثير من المعرفة والثقافة وحرية النقاشات وسرعة الوصول إلى أكثر المعلومات أهمية وسرية أحياناً. لمواقع التواصل الاجتماعي إمكانيات اتصالية هائلة، قادرة على حشد الناس حول موضوع معين وجعله بؤرة اهتمامهم لأيام، وربما لعدة أشهر، بحسب ما يحققه ذلك من مكاسب ومنافع حتى وإن وجد فيه أصحاب نظرية (نظام التفاهة) الكثير من الآثام والمخاطر الأخلاقية والقيمية، إلا أن تلك الميزة التي لم يكن عالمنا العربي تحديداً يتوقعها ربما تمحو جميع السيئات، وأقصد هنا المساحة الهائلة للنقاشات الممتدة وإبداء الرأي بحرية بين أشخاص لا يربط بينهم سوى هذا الإصرار والاهتمام بتوسيع نطاقات حرية التعبير في جهات العالم الأربع وبنفس المقدار. المهم في خبر قيام عمرو دياب بصفع المعجب الذي أراد التقاط صورة معه، ليس في محدودية الحدث، ولكن في عاصفة الآراء التي تعددت وتشعبت وتعدت مسألة لاأخلاقية تصرف المطرب والمعجب معاً، إلى ما هو أكثر، صارت الصفعة بحد ذاتها فضاء سباق كبير يدلي فيه الجميع…
السبت ١٥ يونيو ٢٠٢٤
في كتاب بعنوان (القارئ الأخير) ترد بعض التساؤلات حول القارئ، ما هو أو من هو هذا الذي نسميه القارئ؟، ما الذي يقرؤه على وجه الدقة ليحمل هذا الاسم أو هذا اللقب؟، ماذا يحدث له حين يقرأ وبعد أن يقرأ؟، من يمنحه الحكاية التي يتباهى بها كونه شخصاً مختلفاً، كونه قارئاً مطلعاً؟، في هذا الكتاب هناك من يقول لك إن قراءة الأدب فقط هي القراءة الوحيدة التي تمنح القارئ اسماً وحكاية، وليس أي قراءة أخرى، فلماذا الأدب دون غيره؟. لأن الأدب معني ومنشغل على الدوام بأسئلة الإنسان الأولى والكبرى حول كل ما يحيطه، حول ما يعرفه وما هو مجهول بالنسبة له، حول الحياة وما خلفها وحول الوجود وأسراره، وحول الإنسان وصراعاته.. الأدب هو الميدان الذي تتبارى فيه المعارف وتطرح على ساحته كل الأسئلة في محاولة قد لا تنجح أحياناً في العثور على الإجابات. ليس من مهام الكاتب أن يقدم وصفات شافية للحيرة وإجابات منقذة من الارتباك الإنساني حيال أسئلة الوجود والحياة، ولكن أعظم مهامه تتلخص في قدرته على التعبير عن هذه الحيرة وهذا الارتباك والتعبير عنها بوضوح دون مواربة أو تهرب، هذا أهم ما يقدمه الأدب للإنسان في كل حالاته وتقلباته، وبذلك يضع الأدب الإنسان في مواجهة نفسه وذاته والواقع والآخر والمخاوف وجميع التحديات، وفي كل ذلك يتخلص الإنسان من كثير…