عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

حوار صحفي ناجح!

الثلاثاء ١٥ أغسطس ٢٠٢٣

في كتاب بعنوان (كيف تكتب الرواية) يضم مزيجاً من القصص القصيرة وردت، وعدداً من المقالات الصحفية كتبها الروائي الشهير ماركيز في بدايات سنوات عمله في الصحافة، إنه واحد من أجمل الكتب الذي إذا قرأته فإنك لن تمل العودة إليه ثانية، في مقال تحت عنوان «لنتحدث عن الأدب»، يروي تفاصيل مقابلة صحفية استمرت لمدة أربع ساعات متواصلة كان قد أجراها معه المحرر الأدبي لمجلة «تايم» دون أن يبدي ماركيز أي تذمر أو تعب. المعروف أن ماركيز ذكر هذه المقابلة كثيراً بطريقة تدل على الإعجاب والرضا التام، لسببين، الأول هو أن المحرر وطوال مدة المقابلة لم يتطرق لغير الأدب ولم يجعل ماركيز يتحدث في موضوع خارج نطاق الأدب، وأما الأمر الثاني فهو أن المحرر جاء إلى مقابلة ماركيز وهو مستعد تماماً، وهذا ما علينا مناقشته في إطار ما يعرف بمعايير المهنية الصحفية! يصف ماركيز المحرر بأنه قرأ جميع ما كتبه وبتسلسله الزمني، كما ذهب إلى أكثر من ذلك فاجتهد في قراءة مجموعة المقابلات التي أجريت مع الروائي ! لماذا؟ ليتجنب الوقوع في تكرار الأسئلة، التي غالباً ما تغضب ماركيز وتثير نفوره، إن واحدة من أكثر السلوكيات الخاطئة والمملة هي حين يحضر إليك صحفي لإجراء مقابلة اقتطعت من وقتك لأجلها، ثم تكتشف أن أسئلته ليست سوى نقل واقتطاع لأسئلة جاءت في مقابلات قديمة!…

الصور ذاكرة الأيام!

الإثنين ١٤ أغسطس ٢٠٢٣

من يسكن الآخر: هل تسكننا الصور التي نلتقطها، أم نحن من نسكن الصور؟ لماذا يلتقط الناس الصور بكل هذا الحرص والإصرار؟ ففي كل الأمكنة والمواقف واللحظات، قد ينسى الناس أموراً ذات أهمية لكنهم ينتبهون دائماً لالتقاط الصور! في الأسفار، في حفلات الزفاف وأعياد الميلاد، في المطارات والطائرات، في شوارع المدن البعيدة، في الحدائق والمطاعم، وفي كل مكان! يصور الناس أنفسهم، أصدقاءهم، مقتنياتهم، يصورون الأزهار والأشجار والأطفال، والكتب وزملاء العمل، والأمكنة التي يزورونها حين يسافرون، يصورون البحار والأنهار والغرائب والطرائف ... يصور الناس كل شيء، لأن التصوير حسب ظني له ارتباط وثيق بإشكالية عميقة هي علاقة الإنسان بمفهومي الخلود والزمن! نحن نلتقط الصور ونحتفظ بها، قديماً نحتفظ بنسخ مطبوعة منها، اليوم حل الهاتف محل الكاميرا والفيلم التقليدي وصارت كل صورنا وذكرياتنا في أحشاء الهاتف، إذا فقدناه شعرنا بالحسرة ليس على جهاز الهاتف ولكن على محتوياته التي لا تقدر بثمن وخاصة صورنا! صورنا بصحبة أهلنا وأحبتنا وأصدقائنا، صور ذكرياتنا وأسفارنا ومنجزاتنا وأجمل لحظات حياتنا، صورنا التي هي باختصار ذاكرتنا التي نخلدها بمحبة ونحافظ عليها بحرص، لأننا نعلم أنها ليست مجرد انعكاس ضوئي فيزيائي لأشكال ووجوه وخيالات! بل هي مرايانا الحقيقية والجميلة، خزانة اللحظات التي تدخرها الأيام التي سنجلس لنستعيد ما كان، هذه الصور هي لحظات أفراحنا وأعمارنا التي تمكنا من اقتناصها في…

إلى متى؟

الأحد ١٣ أغسطس ٢٠٢٣

أتساءل كما كثيرون غيري، لماذا يتصرف بعض شباب العرب هذه التصرفات التي أقل ما يقال عنها إنها استفزازية وبعيدة عن الذوق السليم والالتزام بالقانون وتحديداً حين يسافرون لبلدان الاصطياف؟ هل للأمر علاقة بنظرتهم لأنفسهم وللآخرين، حيث يعتقدون أنهم فوق القانون مثلاً؟ أم أن السبب يعود لتكرار تصرفاتهم تلك دون أن يواجهوا بعقوبات رادعة؟ أم لظنهم أن ما يقومون به مجرد مزاح لا أكثر؟! وقد يتصرف البعض في الطريق والمطعم والمقهى والسوق والمطار بطريقة قد لا يبدو فيها اعتداء مباشر على الآخرين، لكن فيها من الفجاجة وانعدام الذوق الكثير: كالحديث والضحك بصوت عال، وإثارة الفوضى في المكان، ومشاهدة روابط ومقاطع الأفلام والأغاني بصوت عال وجرجرة الكراسي وإزعاج رواد المكان بلا مبالاة...؟ لماذا هذا الإصرار على ترك بصمة سيئة لدى الآخرين تضر بآلاف غيرك لا ذنب لهم أبداً؟ يحاجج البعض قائلاً: إذا كنا متخلفين فهم عنصريون، وعليه فلماذا تكيلون الاتهامات للعرب فقط؟ وأما الرد فهو: ليس من المنطق إذا كان غيرنا مسيئاً أن ننافسه في السوء، فأنت ذاهب لقضاء إجازة قد كلفتك الكثير، فلماذا تهدر كل ذلك في ما لا يفيدك؟ لماذا لا تخطط لسفرك وتنتقي أماكن تواجدك؟ وإذا كنت على يقين بأنك ذاهب إلى بلاد عنصرية حسب وصفك فلا تذهب من الأساس! أما القول إن ما يتم تداوله عن العرب هو…

ما لا يتحقق أبداً!

الإثنين ٠٧ أغسطس ٢٠٢٣

المعروف عن الفرنسيين أنهم الأكثر قدرة على تحويل الفلسفة إلى روايات ممتعة ومثيرة للجدل، لأن الفرنسيين هم الوحيدون الذين لا يزالون ينتجون الفلسفة والفلاسفة كما كانوا منذ قرون، لذلك فهذه الرواية الصغيرة جداً (لائحة رغباتي) والتي يمكنك أن تنهيها في جلسة قراءة، وتعيد قراءتها أكثر من مرة، ستحظى بإعجابك بلا شك، وستجد فيها فرصة جيدة لمراجعة الكثير من أفكارك الفلسفية، وقناعاتك! يقول غريغوار دولاكور صاحب الرواية: «أتمنى لو أحظى بفرصة أن أقرر حياتي، أعتقد أن هذه هي أعظم هدية يمكن أن توهب لنا، أن يقرر المرء حياته»! بعيداً عن المعطيات والقناعات المعلبة، لا يوجد أحد لم يفكر في هذه الرغبة، أن يمنح فرصة إعادة تشكيل حياته، أن يقرر هو كيف يريدها أن تكون، ومع من، وفي أي مستوى! لكنها الرغبة التي نعلم جميعنا أن لا شيء يمكن أن يحققها، لا المال ولا الأمنيات، وهذا أول ما تقوله لنا الرواية، حيث يمكن لـ 17 مليون يورو التي ربحتها جوسلين بطلة الرواية، أن تحقق لها كل ما تتمناه، لكن هناك ما يعجز المال عن تحقيقه دائماً! فعندما حصلت على شيك الجائزة كتمت الأمر، وجلست تكتب لائحة طويلة برغباتها، حتى وصلت إلى (وأرغب في أن أتحدث ساعة كاملة مع أبي دون أن يسألني من أنت!) لقد أيقنت أن المال لا يمكنه تحقيق كل…

مشروع كلمة .. والمترجمين الإماراتيين

الإثنين ٢٤ يوليو ٢٠٢٣

أحب مشروع كلمة: رسالته التنويرية، فكرته الإنسانية، وأهدافه العلمية الكبيرة، وطبعاً نتاجاته الأدبية والفكرية والعلمية والتاريخية، أحب عدم الانحياز عند اختيار الكتب، والتنوع في الانتقاء من مختلف الثقافات والمنابع والمناخات المعرفية والحضارية، وكذلك المترجمين الذين عملوا على تقديم هذا العدد الهائل من الكتب المترجمة، وإن كان لدي بعض التحفظ على مستوى بعض الترجمات وبعض الاختيارات من الكتب التي وجدتها ترجمت للكم لا للمستوى، وهو أمر حبذا لو يتم تدارسه من قبل مسؤولي هذا المشروع المعرفي الهام. مشروع كلمة للترجمة يحيي سنة حضارية حميدة ضاربة في جذر التاريخ العربي والإسلامي، وهي السعي للعلم والمعرفة حيثما كانت والاطلاع على نتاجات تلك المعرفة عبر الترجمة من جميع لغات العالم، وهذا ما كان منذ صدر الإسلام ومنذ مشروع دار الحكمة العتيدة في زمن المأمون، الذي استقدم ووظف مترجمين من كافة الملل والأديان ممن يجيدون لغات تلك الكتب والمعارف، وعلى خطى دار الحكمة ظهرت في عالمنا العربي اليوم مشاريع الترجمة الكبيرة في مصر (المشروع القومى للترجمة مشروع يتبناه المجلس الأعلى للثقافة هناك، ومشروع كلمة في دولة الإمارات، والمشروع الوطني للترجمة في تونس .. وغيرها من المشاريع). ما نحتاج إليه اليوم في الإمارات هو الاهتمام بالمترجمين الإماراتيين، فنحن من أقل الدول امتلاكاً للمترجمين، على مشروع كلمة أن يعمل بقوة للدفع في هذا الاتجاه، بتبني مشروع تأسيس…

الإنسان في مواجهة التقنية

السبت ٢٧ مايو ٢٠٢٣

يطرح أساتذة الإعلام والاتصال اليوم سؤالاً يعبر عن تحدٍ كبير يواجه هذا النوع من التخصصات الأكاديمية، التي تخضع لاشتراطات التحولات الكبرى. فيما يتعلق بالثورة التقنية وثورة الاتصالات والمواصلات، ذلك أن التقنية التي تطور الإعلام تخلق له في الوقت نفسه تحديات وجودية كبرى لابد من التفكير في إيجاد حلول لها كهذا السؤال: ماذا نعلم الطلاب في كليات الإعلام وعلوم الاتصال بعد أن أصبح أغلب الإعلام إلكترونياً أو يدار بالذكاء أو الذكاءات الصناعية؟ ما هي التخصصات التي ما زال بإمكان الإنسان أن يؤديها بعيداً عن استحواذ التقنية والروبوتات؟ ما الذي يمكن لفكر الإنسان ومعارفه أن يقدماه في الصحافة طالما أن هناك برمجيات مثل (chat gtb) باستطاعتها أن تقدم كل شيء في غمضة عين؟ إن بإمكان ممارسي الإعلام في الإذاعات والتلفزة والصحف والإعلام الرقمي والتصوير وغير ذلك، أن يعددوا لنا عشرات الوظائف التي ما عادت بحاجة لإنسان يقف أمامها ويباشر توجيهها، بل إنها على العكس تماماً بإمكانها أن توجه القائم بالاتصال وتستوقفه إذا أخطأ، وتقرأ نيابة عنه الخبر وحتى نشرة الأخبار كاملة، وتضع الصياغات المثلى للأخبار، وتزود قاعات التحرير ووكالات الأنباء العالمية والمحلية بالتقارير والمعلومات المطلوبة في ثوانٍ معدودة، هذا هو الواقع اليوم وهو ذاهب لأكثر من ذلك قي الغد! لقد اخترع الإنسان الكمبيوتر لكنه تغلب عليه، وصنع البرمجيات فحلت محله، واحتفى بل…

صناعة السياسة الداخلية

الخميس ٢٥ مايو ٢٠٢٣

إن ما يحدث في تركيا فيما يخص الانتخابات ونتائجها وإعادتها في جولة ثانية الأحد المقبل، بين الرئيس رجب طيب أردوغان ومنافسه الاشتراكي كليجدار أوغلو، يمكن مشاهدته وبذات السياق والآليات في مسلسل دنماركي بعنوان بورجن، الذي عرضته منصة نتفليكس العام الماضي في ثلاثة أجزاء، واعتبر واحداً من أهم الأعمال الدرامية السياسية وأقواها! يركز المسلسل على مسارين بمنتهى القوة والاحترافية والجمال، دون إقحام أو ادعاء أو تلاعب بالحقائق، بل مصداقية عالية في تناول سؤال: كيف تُصنع السياسة الداخلية الدنماركية: أسرارها وآلياتها؟ وهذا هو المسار الأول، أما المسار الثاني فيفكك ويسلط الضوء على شكل المجتمع الدنماركي، وتركيبة العلاقات الأسرية والتراتبية المجتمعية في مجتمع قطع أشواطاً كبيرة في الحريات الفردية والعامة. يقدم بورجن (في جزئه الأول تحديداً قصة حياة امرأة سياسية مخضرمة ستصبح أول سيدة تترأس الحكومة الدنماركية في تاريخ هذا البلد)، إضافة لتفاصيل اللعبة الانتخابية، وما يتخللها من تحالفات وتنازلات وصفقات بين الأحزاب ذات الصدارة والأحزاب الأخرى الصغيرة جداً والمستقلة في الوقت نفسه. هذه الأحزاب لا تمتلك فرص الفوز بالتأكيد لكنها تزج نفسها في اللعبة لتلعب دور الحسم مقابل منافع معينة (مقاعد في البرلمان وحقائب وزارية)، وهذا يقتضي دخولها في تحالف مع زعيم الحزب الذي يعتقدون أنه صاحب الحظ الأوفر في الفوز أو الذي يمكن أن تتفق مساراتهم معه فيعقدون صفقة الأصوات مقابل…

هل نحتاج لمن يدربنا على الحياة؟

السبت ٢٠ مايو ٢٠٢٣

الذين قرأوا مقال البارحة (هل تحتاج الحياة لمدربين؟) رأوا أنه مقال مخاتل (حتى لا أقول مخادع) وعدهم بوليمة وقدم لهم طبق سلطة صغيراً، والحقيقة، أن الوعد ما يزال قائماً، وأن الإشكال الذي يقع فيه كتاب الأعمدة الصحفية غالباً هو مبارزة التكثيف التي يدخلونها يومياً مع المساحة المخصصة لهم واللغة الشعرية التي يودون اللجوء إليها ليضمنوا قبولاً سلساً لكتاباتهم، لكن لا المساحة تسعفهم ولا اللغة تقدم لهم مخرجاً، فيضطرون لاستكمال فكرتهم في مقال لاحق! كان لا بد من هذه المقدمة على سبيل التوضيح لا أكثر، أما السؤال فما زال قائماً ويحتاج لإجابة، ونزيد عليه اليوم أسئلة أخرى مثل: لماذا شاعت كتب التنمية الذاتية في الولايات المتحدة ابتداءً ثم انتقلت إلى بلدان الخليج أكثر من أية بلدان أخرى؟ أظن أن الثمانينيات هي السنوات التي شهدت ازدهار هذه الكتب بعد أن ظهر لها أساتذة وكتاب مشهورون في الولايات المتحدة جاؤوا من الجامعات والشركات الكبرى ومعاهد الأبحاث، إنهم علماء سلوك وأصحاب خبرات عملية ونجاحات لافتة تستحق الإنصات. بدأت كتب التنمية مثل (وكيف تكسب الأصدقاء؟) وكيف تحقق القوة؟ وكيف تصبح غنياً؟ وملايين غيرها، إضافة للمحاضرات وبرامج التلفزة الجماهيرية، تضخ ترياق السعادة وتدل الناس على المخرج عبر هذه الموضوعات، فتهافت الجميع، وخاصة أن الولايات المتحدة كانت منذ منتصف السبعينيات تئن تحت وطأة هزيمتها في فييتنام. بينما…

رسائل زائفة ووعي غائب

الأحد ٠٧ مايو ٢٠٢٣

حكاية الرسائل المزيفة، التي يتسلمها الكثير من الناس من أرقام مجهولة المصدر، ليست جديدة، الجديد، إذا ما اعتبرناه جديداً، هو أن عصابات النصب والاحتيال أصبحت تغير أقنعتها في كل مرة ترسل فيها رسائلها، فمرة تصلك رسائل تحذير بدفع غرامات لأحد البنوك! ومرة تكاليف لخدمة من بريد الإمارات، وأخرى من سالك، ورابعة.. وهكذا، رسائل من الواضح أنها مزيفة، وغالباً ما تكون مذيّلة برابط لدفع الغرامة، فإذا صدقت وانسقت وراء الخدعة فالنتيجة معروفة سلفاً! بالنسبة لنا جميعاً ربما، فلا يمر يوم دون تسلم رسائل تفيد بوجود ثروة طائلة، يمكنك الحصول عليها إن أنت سارعت بإرسال بعض البيانات أو تواصلت مع شخص ما، فكيف يصدق عاقل مهما كان عديم التجربة أن أحدهم سيوصي له بـ800 ألف دولار؟ ولماذا؟ إنه مجرد سؤال من الطبيعي أن نسأله لأنفسنا كمن يرش وجهه بحفنة ماء بارد، ليفيق من أحلامه، التي تطبق على خلايا دماغه! لا أحد يوصي لشخص لا يعرفه بعشرة دولارات، فما بالك بملايين، ولا يوجد شخص عاقل بالغ متعلم لا يعلم إن كان لديه رصيد في سالك أو لا، كما أن تكاليف الطرود البريدية لها إجراءاتها المعروفة، ولم يسبق أن استوفت شركة الـ DHL أجورها عبر روابط، الذين يصدقون أن صديقاً غنياً سيتصل بهم عبر الواتس طالباً مبالغ مالية، لأنه تعرض للسرقة وهو مسافر، ولم…

لماذا تفشل العلاقات الزوجية؟

السبت ٠٨ أبريل ٢٠٢٣

أثار المسلسل المصري «الهرشة السابعة» جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، وحظي بنسبة مشاهدة عالية، وكتبت حوله تقييمات ومراجعات كثيرة من جانب نقاد فنيين وكتاب ومثقفين، ورواد مواقع اجتماعية، والحق فإن المسلسل واحد من ألمع وأهم الأعمال، التي عرضت خلال رمضان، يقدم صناعه محاولة أو رؤية مختلفة للمشكلة الأزلية، التي تواجه العلاقات الزوجية، وهي مشكلة فشل العلاقة، ومن ثم الوصول للمفترق الأخطر: الطلاق! العمل يحاول أن يتقصى ويبحث في أعماق ودواخل الرجال والنساء، ليجيب بهدوء وعمق على السؤال: لماذا تفشل العلاقات الزوجية؟ الفريق الذي أشرف على كتابة العمل مؤمن بنظرية الاختلاف الكلي بين الرجال والنساء ثقافياً ونفسياً وتربوياً وذهنياً، وبالتالي فإن أي مشكلة أو موقف يواجه الزوجين حتى وإن كان متشابهاً أو مشتركاً فإن ردة فعلهما عليه أو نظرتهما له، وسلوكهما إزاءه لن تكون واحدة أبداً، علينا أن نتقبل فكرة الاختلاف الجذري، التي تجعل تعاطي الزوجين مع المواقف نفسها مختلفاً، وبشكل يصل للنقيض، هذا ليس من باب العناد والأنانية، ولكن بسبب الاختلاف الجذري في طبيعة الرجل والمرأة. «الرجال من المريخ، والنساء من الزهرة» لـ«جون جراي» حاول أن يفكك هذه الاختلافات، عبر الكثير من التجارب والقصص، في محاولة لتقريب زوايا الرؤية بين الطرفين، لتحسين آليات التفكير، وجعلها أكثر استيعاباً وهدوءاً، ما يقود حتماً لفهم الآخر دون اللجوء لتحويل الخلافات في كل…

الإعلان مرفوض!

السبت ٠١ أبريل ٢٠٢٣

أرسل تاجر عربي صيغة إعلان إلى أحد المواقع الإعلانية التجارية في الدولة، يبحث من خلاله عن موظفات لمتجر ينوي افتتاحه، وبوضوح تام اشترط جنسية محددة للموظفات المطلوبات، ومقبولية المظهر العام، فبدا إعلانه عادياً ومقبولاً، إلا أن الرجل أنهى إعلانه بعبارة بدت صارخة «شريطة ألا يكن أفريقيات»، وكان يقصد كما فسر لاحقاً ألا ينتمين لأي بلد عربي أو غير عربي يقع في قارة أفريقيا! رفض الموقع نشر الإعلان، واتهم الرجل بالعنصرية، وأبلغه أنه لن يتمكن مستقبلاً من نشر أي إعلان ضمن الموقع المذكور! فهل كان الرجل يستحق كل ذلك؟ وهل كانت صيغة إعلانه متعارضة مع القانون؟ المثل الذي تعلمناه صغاراً ينص على أن «من أمن العقوبة أساء الأدب»، والذي يعاقب أو تتعرض مصالحه للخطر فإنه سيفكر كثيراً في المرة التالية حين سيقدم على أي فعل، وأظن أن القائمين على الموقع أرادوا إبلاغ الرجل والمحيط العام بموقفهم من المسألة، وبأن هناك مناطق لا يجوز العبث فيها في مجتمع يتمتع بأكبر نسب الاستقرار الاجتماعي بين مكوناته، وفئات نسيجه المتباين جداً ثقافياً وعرقياً، هذا أولاً. وأما ثانياً فمقولة «إن الخرق قد اتسع على الراقع» تعني باختصار أن الخرق الصغير جداً لو تم منع حدوثه، أو تمت معالجته جذرياً منذ البداية ما اتسع حتى أصبح من الصعب احتواؤه وإصلاحه، فباب الخروقات، والفتن، والفساد والمشاكل، موجود…

الحياة خارج المعنى

الثلاثاء ٢٨ مارس ٢٠٢٣

يقول الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه «لم يعد هناك مثال يحرك مسار العالم، بل هناك فقط ضرورة الحركة من أجل الحركة»، تماماً كالدراجة التي عليها أن تتقدم للإمام دائماً كي لا تقع براكبها، أصبحنا جميعاً وأصبح هذا العالم كالدراجة المندفعة دون علم مسبق بهدفها، الكارثة ليست في الحركة، ولكن في عدم معرفة الغاية! إننا نفقد قدرتنا على الإمساك بحركة هذا العالم وتوجيهه كما نريد، لذلك فإن علينا دائماً أن ننخرط في اشتراطاته كل لحظة دون أن نسأل أو نعرف أو نتوقف، فالمهم أن نفعل كما يفعل الجميع، أن نشتري جهاز هاتف جديداً كل ستة أشهر دون أدنى حاجة حقيقية، وأن ننغمس في عالم افتراضي باستمرار، ونتابع الحروب العبثية، والكذب العالمي، دون أن نفكر في المغزى والغاية، أي أن تصير فرداً في جماهير غوستاف لوبون وتندفع للأمام معهم! هذا العالم الذي نعيش فيه لا يفلت من أيدينا فقط، ولكنه يصبح مجرداً من المعنى والإنسانية يوماً بعد يوم، والآن إذا قررت أن تمتلك آخر التقنيات، وتسير مع الجموع، وتصفق لمهرجانات الكذب السياسي، وتصمت عن كل ما تلاحقه عيناك، ماذا سيحصل لك ولحياتك؟ هل ستصبح أكثر ذكاء؟ أكثر سعادة؟ أكثر قدرة على الحركة والتواصل؟ يسأل الفيلسوف الألماني هيدغر: إن هذا التقدم الآلي المدفوع بالجهد من أجل البقاء، هل يمكن أن يشكل مشروعاً عظيماً ينتمي…