عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

أحب من الأسماء..

السبت ١٢ مارس ٢٠٢٢

في العلاقات مع البشر ومع الأماكن ومع المدن، مع الفن ومع الأدب، في السياسة كما في عالم الفن ورموز السينما، هناك إعجاب وهنالك حب، ما نعجب به عادة يكون ملفتاً وفاتناً ومثيراً، لذلك فالإعجاب عاطفة لها مبرراتها، فأنت تبدي إعجابك بشخص أو مكان أو مدينة ثم تعدد أسباب هذا الإعجاب، وهنا يحضر المنطق وتحضر المبررات، ويكون جدل ونقاش وإقناع وعدم اقتناع! أما في الحب فيحدث أن تحب ما ليس فاتناً ولا جميلاً ولا ملفتاً إلا من وجهة نظرك أنت فقط! يحدث مثلاً أن تحب شخصاً عادياً ليس فيه ما يثير التفات أحد إلاك، فتصير تذكره وتتغزل به وتقارنه بآيات الحسن وربات الجمال، ثم تحب كل من يشبهه أو يمت له بصلة، أهله وحيه واسمه، وأنت في ذلك تتبع دين قيس بن الملوح إذ يقول: أحبُ من الأسماءِ ما شابه اسمها ووافقهُ أو كانَ منهُ مُدانيا وقد يكون ما تحبه وتتعلق به بلداً، أو فناناً أو كاتباً أو غير ذلك، دون أن تدري لماذا، ومتى بدأ شغفك به، لكنك تتذكر أنك في طفولتك أو مراهقتك كنت تنفر من أفلام ذاك الفنان، أو لا يستهويك صوت أم كلثوم، أو لا تحب مطلقاً أغنيات فريد الأطرش، أو لا تطيق روايات نجيب محفوظ، ثم يمر العمر كمر السحاب وإذا بك لا تحب إلا صوت…

عندما نولد مرة أخرى

الخميس ١٠ مارس ٢٠٢٢

ماذا لو قدر لكل إنسان أن يختار يوماً خاصاً يراه جديراً أو مناسباً لأن يكون يوم ولادته الجديدة، يسميه يومه كما يحتفل الإنسان بيوم ميلاده مثلاً، أو كما تحتفل الدول بيومها الوطني على سبيل المثال، إذ تمتلك هذه المناسبات أو الأيام خصوصية وجودية خاصة، وليس مجرد خصوصية كرنفالية، هذه مناسبات لا تتكرر ولا تتقاطع ولا يمكن استبدالها، إنها تواريخ وجدت فيها الدول بشكل مغاير عما كان، وولد فيها إنسان من العدم، وهكذا.. مع ذلك فالإنسان في هذه الحياة يمكن أن يولد أكثر من مرة، يولد ولادته القدرية التي لا يد له فيها، ويولد عندما يتغير مصيره إلى مسار آخر ينقله من ضفة إلى أخرى، ومن مصير لمصير مغاير، هذا يختلف تماماً عن الأيام الفاصلة في حياة كل الشعوب، كيوم المرأة، ويوم الأم مثلاً! فلا يوم يمكن اختراعه وتوزيعه بالتساوي على نساء العالم، ففي ذلك ظلم بما لا يقاس وعدم عدالة، وانتهاك لخصوصية التجربة، وتبديد للمعنى العميق والمضمر في التجربة: بجمالها وقسوتها وآلامها وأفراحها ودهشتها. ففي بصمات الذاكرة خصوصية لا تنكر، وفي رنين الأيام، وتجاعيد الوقت، وجروح القلب ما لا يتساوى ولا يتشابه أبداً، كما لا يمكن لأي نحات أن تصنع عبقريته مهما تعالت تمثالاً أيقونياً ليوم يجمع فيه تجربة نساء الكون.. إن يومي الذي اخترته لأكون من أنا اليوم، هو…

اهتمامات ضرورية

الأحد ٠٦ مارس ٢٠٢٢

إن تغيير توجهات الفرد، وتحويل خياراته وتفضيلاته في الحياة من شكل إلى شكل آخر، وإقناعه بالقراءة مثلاً، وتعويده على زيارة المتاحف أو دور الأوبرا، وهكذا، ليس أمراً سهلاً كما قد نتخيل، إن تربية الإبداع علم قائم بذاته، وتربية الذائقة لدى الإنسان طريق طويل ومكلف. وليس بالعمل الذي يمكن إنجازه في غمضة عين، إنه يحتاج لزمن واستعداد واستمرارية وإرادة مجتمعية أيضاً. في الحقيقة إننا بحاجة في هذا الاتجاه إلى أن يعمل المجتمع والإعلام ومؤسسات عديدة على الاهتمام بالإبداع وتطويره دون تردد أو تشكك، ولعل تطوير علاقة حميمة مع الكتاب والسينمائيين والمفكرين وعناصر المعرفة الأخرى هي أكثر أشكال الاستثمار الإنساني العميق والحقيقي، الذي نحتاجه اليوم أكثر من أي شيء آخر. كثير من شبابنا توجهوا وبقوة نحو الكتابة والتشكيل والسينما والعمل الإبداعي المستقل وبعيداً عن المؤسسات البيروقراطية، وبدأنا نسمع ونتابع بشغف وحرص بروز أسماء شابة تبشر بمستقبل واعد إذا تم الاشتغال عليها ثقافياً ومعرفياً، نحن هنا لا نستعجل نضوج التجربة ولا قطف الثمرة قبل أوانها، فمعلوم بالضرورة أن الوقت مهم في عملية الإنضاج، لكننا نعتقد أن التجربة لا بد أن ترافقها ثقافة ناقدة بحرص، والنقد الحريص هو ما يتحاشى أمرين: الإغراق في الهجوم والسقوط في فخ المجاملة، النقد الحريص هو ما يرقى بالنتاج الذي يقدم وفق معايير سليمة، لا تقولب التجربة، بل تعطيها…

حليب أسود

الأربعاء ٠٢ مارس ٢٠٢٢

حليب أسود تجربة فاتنة حقاً للكاتبة ألف شفق. وهو عبارة عن مذكرات تحكي فيها عن تجربتها مع اكتئاب ما بعد الولادة، وما واجهته من مخاوف ومصاعب تجاه مرحلة الأمومة التي ستقبل عليها، ومدى تأثير المخاوف التي تسيطر على المرأة في خضم هذه التجربة، وخاصة حين تتشظى بين أمومتها وإبداعها ككاتبة وروائية، فيجف حليبها أو يتحول إلى حليب أسود في اشتباك رمزي مع لون الحبر ومعنى الكتابة، وهنا تبدأ الذات المبدعة باستدعاء الأوهام والخيالات ونصائح الجدات! إلى جانب المتعة وخفة الروح والطرافة في هذا الكتاب، فإنه كتاب يمكنه أن يعين النساء ليتصالحن مع ذواتهن المتشظية والقلقة وبأسلوب لا يثير الأسى، أو يلعب على نغمة الاضطهاد. جاء في مقدمة الكتاب (لا توجد حقيقة ناصعة مثل بياض الحليب، فلماذا أصبح الحليبُ أسودَ؟ تحت هذا العنوان اللافت للنظر تضعنا الروائية ألِف شفَق أمام سر كبير، كما في أسرار العشق الأربعين. في هذا السر تصف الروائية تجربة مظلمة لا تصيب بالضرورة كل الأمهات حديثات الولادة، لكنها إذا ما أصابت روائية مثل شفَق فإنها تتحول إلى حالة من البصيرة واليقظة تُشهد عليها الناس كلهم، فيمتد ضوؤها إلى أرواحهم ويصيبهم شيء منه، يذهبن بعدها يفتشن عن أبوابٍ واسعةٍ للفهم تُفضي بهن إلى سهول الإبداع، حيث يتشاركن فيها تجاربهن مع البشرية جمعاء). تستحضر ألف في «حليب أسود» الكثير…

سحر المطبخ

الأحد ٢٠ فبراير ٢٠٢٢

من الأحاديث التي لا يمر يوم دون أن نتناولها باستفاضة وتلذذ أحياناً، هو الحديث عن الطعام والطهي، فالحديث عن الأكل من أخف وأقرب الأحاديث إلى نفوس الكثيرين، حيث يمكنك أن تلتقطها وهي تدور على طاولات الطعام، وفي الحفلات والأعراس، وجلسات النميمة النسائية. وفي الاستراحات القصيرة أثناء العمل، وخلال زيارات المرضى في المشافي، أما أثناء جلوسنا في غرف الانتظار فإنه لا مانع من التقاط إحدى المجلات النسائية، والبحث فيها عن وصفات طعام سهلة أو صور لأطباق تفتح الشهية ! إن طقوس الطهي أو ثقافة الطعام لدى شعوب العالم من أكثر المواد، التي تتوزع على قنوات التلفزة، وبرامج اليوتيوب، وصفحات السوشال ميديا، حتى إن عدد نجوم الطهي على الإنستغرام والفيسبوك واليوتيوب أكثر عدداً هذه الأيام من نجوم الفن، بعد أن تحول الطعام من مجرد لقيمات تقيم أود الإنسان وتسد جوعه، إلى: سياسة واقتصاد وفن وأدب، ومسابقات، ومشاريع تجارية ضخمة، تنافس تجارة الأزياء والعطور وعمليات التجميل. لا يمر يوم دون أن يتصل بك أحد إخوتك أو أصدقائك ليسألك عن: المطاعم الأفضل في المدينة، والمطابخ الأشهى التي تنصح بها، وإلى أين يمكنه أن يأخذ ضيفاً عزيزاً يحل عليه، ولذلك فلا عجب أن يولي الناس اهتماماً رفيعاً بمطابخهم، وبكل ما له علاقة بها، ومع مضي الوقت يؤسس الناس لحياة موازية، يكون فيها المطبخ هو المكان…

وما أدراك ما يفعل الفراغ!

الأحد ١٣ فبراير ٢٠٢٢

في الفراغ الكبير الذي أحاط بالبشر حيثما كانوا ولفترة طويلة نسبياً منذ حلت بهم جائحة كورونا وربما قبلها أيضاً، اخترع الناس مخارج لكسر ذلك الفراغ، ما كانت لتكون لولا ذلك الفراغ. لقد أعلنوا عن أفكار غريبة، ونادوا بمبادرات وخرجوا بتصرفات أقرب للامعقول تابعناها على وسائل التواصل وحتى في الحياة العامة، وصار الجميع ينتقد ويستغرب، ثم انضم الجميع للركب، ولم يعد أحد بمنأى أو في معزل عما يحدث، إلا من رحم الله. انشغل الناس بقضايا ليست بذات قيمة، فانكبوا عليها قراءة ونقاشاً وجدلاً، ليقنعوا بها أنفسهم أولاً، ثم ليقنعوا بها الآخرين، لذلك أخذوا دون كلل يمضغونها ويعجنونها، وبرغم غرابتها فإن حالة الفراغ جعلت من التفاهة واللامعقول أمرين مقبولين، بل ويتم احتضانهما والدفاع عنهما، إنْ في الفن أو في الأدب والفلسفة والأزياء وغيرها. وفي الوقت الذي لا يمتلك فيه البعض وقت فراغ يمارسون فيه ترف التصرفات اللامعقولة، يوجد ملايين البشر ممن لديهم فائض في الوقت لا يعرفون كيف يصرفونه أو يتصرفون فيه، وبخاصة الذين لم يستعدوا جيداً لحياة ما بعد الوظيفة، هؤلاء توصلوا للانشغال بأمور سيستولي عليك العجب وأنت تستمع إليهم يشرحونها أو يقنعونك بها أو يتحمسون لها! فتسمع أحدهم يتحدث بثقة عن نظريات ما ورائية لكائنات ستغزو العالم وتعيد ترتيب موازين الحياة، وتسمع آخر يخترع نظريات يقول إنه قرأها من كتب…

ما بعد الاستقالة 2-2

السبت ٢٩ يناير ٢٠٢٢

ما بعد الاستقالة أو ما بعد التقاعد، فإنني أريد من كلتا الإشارتين أو العبارتين، أن تقوداني للحديث بشيء من التأمل العميق والتفهم الحقيقي لحياة موظف ما بعد خروجه من عمله بشكل نهائي. للارتباك الذي سيغدو عليه الوقت وهو يمرره رغماً عنه، وخاصة حين لا يملك بديلاً، لمشاعره ومجموعة الضغوط والأحزان الصغيرة وانثيال التذكارات، ولحظات الأسى على ذكريات ستهاجمه بلا شك. للشعور بالوحدة في ساعات الصباح الباكر التي اعتاد فيها أن ينهض في التوقيت ذاته مسرعاً إلى المطبخ ليعد لنفسه فنجان قهوة أو إلى المكواة ليسوي ثياباً نسي تجهيزها قبل أن ينام، لحقيبته التي سيكدس فيها جهاز حاسوبه المحمول وأوراقه وهاتفه و… لتلك الخطوات المبعثرة المترددة والهائجة في كل اتجاه، ولأنفاسه المتلاحقة التي تشبه الماء في أول غليانه في إناء إعداد القهوة، متلهفاً على فنجان القهوة ومرتعباً من التأخير، من دون أن يعلم على وجه الدقة ما العاجل الذي لا ينتظر والذي سيقوم به هناك بمجرد وصوله؟ ولكنه يفضل أن يسرع، أما القهوة فليطلبها في مكتبه! سنوات وهو يعيش الصباحات بهذه الكيفية، أما اليوم فلا يحتاج لأن ينهض من الأساس، ولا أن يسرع أو يحسب الوقت كساعة سويسرية، فالوقت كثير جداً ككثبان رمال في الصحراء الكبرى، وهو لا مكان له إلى حيث كان يسرع كل صباح فيما قبل الاستقالة أو التقاعد!…

الاندماج والانتماء

السبت ١٥ يناير ٢٠٢٢

بمناسبة الحديث عن الهويات الأصيلة والهويات البديلة، ولماذا يعيش البعض في مجتمعات لا يحملون لها مشاعر إيجابية برغم كل ما تقدمه لهم؟ بالنسبة لهاجس الخوف على الهوية الثقافية والدينية فإن الأمر يحتاج لمناقشة حقيقية بعيدة عن الادعاء والأدلجة! علينا أن نقر أولاً بأن الخوف على الهوية أمر مبالغ فيه، والاعتقاد بأن الإنسان يمكنه أن يحافظ على هويته خالصة دون مساس أمر آخر مبالغ فيه، طالما أننا قررنا العيش في مجتمعات بديلة ومختلفة تماماً عن ثقافتنا الأصلية، فما من شك أننا سنتأثر بالمحيط الجديد عاجلاً أو آجلاً! فبداية فإن الانتماء إلى ثقافة مجتمع جديد، من حيث اللغة والعادات، ومنظومة القيم والتقاليد، يختلف عن الاندماج في يوميات هذا المجتمع والاعتياد على مناخه ومفردات التعاطي البشري فيه، لأن الانتماء عملية معقدة بعض الشيء، ولكن، لا بد من بذل الجهد والمحاولة في سبيل التكيف والاندماج، طالما أن قرار الهجرة قد اتخذ ولا تراجع عنه. وطالما أن الظروف في بلد الهجرة تحترم حقوقه ومتطلباته وكرامته، صحيح أنه لن يستطيع نسيان لغته الأم، ولكنه يستطيع تعلم لغة مجتمعه الجديد، والارتباط بعلاقات مع الناس، واحترام منظومة القوانين والثقافة كاملة. قد لا يحدث الانتماء الكامل في الجيل الأول من المهاجرين، ولكن الأجيال اللاحقة لا بد من أن تحقق معادلة الانتماء الكلي بسبب الزمن وظروف التربية والتنشئة وتراكم الذاكرة.…

الحياة من ثقب الباب

السبت ٠٨ يناير ٢٠٢٢

أحياناً، حينما تقع عيناي على بعض مقالاتي التي كتبتها في الأعوام الماضية، أتوقف وأفكر: متى كانت هذه الكتابة يا ترى؟ متى كتبت هذه المقالات؟ وأجيب نفسي كمن اكتشف شيئاً غريباً: لم يكن ذلك منذ أمد طويل، لقد كان منذ سنتين فقط! وأعود لأقول: كأننا كنا في حياة أخرى، كأننا عشنا حياة مختلفة غير هذه التي نحياها اليوم؟ نحن في وضع جيد، نتمتع بصحة جيدة على صعيدنا كأفراد، لم نفقد أحداً من أحبتنا، ولم تتدهور حياتنا الوظيفية، نعم، ونحمد الله على ذلك كثيراً. لكن منذ متى يعيش الإنسان حياته من خلال ثقب الباب، يتفرج على ما في أفنية البيوت أو الغرف الأخرى بالنظر من وراء زجاج النوافذ أو قضبان الأسوار؟ الفرجة والطمأنينة الباهتة لا تصنع حياة حقيقية ومطمئنة وإنسانية واجتماعية ومبهجة أبداً، بقدر ما تمنحنا حياة وهمية، حياة تحول الإنسان إلى ما يشبه تلك التماثيل طبق الأصل في متحف مدام توسو للشمع، تماثيل تحاكي أصحابها الذين تمثلهم لكنها في النهاية ليست أكثر من تماثيل ستظل مجمدة في أماكنها ما لم يحركها أحد، ستظل بلا روح، بلا رائحة، بلا صوت، بلا أية حرارة.. بلا حياة! وأقرأ مقالات كتبتها في العام 2015 والعام 2017، وأعود إلى الوراء أكثر فأطالع مقالات كنت قد بدأت بها حياتي في الكتابة للصحافة العام 1998، أو قبلها بعام،…

عام جديد وسعيد

السبت ٠١ يناير ٢٠٢٢

وأنت تسير وسط الجموع الحالمين، واللاهين، الممتلئين ببهجة الاحتفال بوداع عام واستقبال آخر، ليس في أدمغتهم سوى صور الاحتفالات والألعاب النارية، والأغنيات وجلسات العشاء الضاجة بالضحك والثرثرة والطعام الشهي، ستقول لنفسك لأكون مثل الجميع وانطلق صوب العام الجديد مثلهم. تحاول أن تودع عامك المنسحب بكل ما كان فيه، متطلعاً إلى عام آخر تتمناه أن لا يشبه الأعوام الأخيرة التي عشتها كيفما اتفق، لكن إذ يقع بصرك على تلك الطفلة، وهي تركض ببهجة لتلحق أبويها، سعيدة ببالونها الذي تحمله وقد كتب عليه (سنة جديدة سعيدة)، عندها تقول لنفسك: ليتني أنسى كل ما عبرته وأعود كهذه الطفلة لا أعرف ولا أعلم شيئاً من المعارف والعلوم والأخبار والمآسي التي جعلتني لا أضحك كما تفعل هذه الصغيرة ! تعتقد أنه بإمكانك أن تودع ما كان، تريد جاداً أن تنسى مواقف ومآسي وأحزان وغصات العام الذي أغلقت صفحته، تكتشف أن الأمر يبدو صعباً بعض الشيء، وأن النسيان ليس بالبساطة التي تتوقعها، تكتشف أنه لا يمكنك أن تنسى حتى وإن رغبت وبإصرار ورغبة مؤكدة، مع ذلك فستحاول أن تفعل ما وعدت أن تفعله العام الفائت ولم تقدر ! إن كل ما تريد نسيانه من المواقف والأشخاص الذين كنت تحتفي بوجودهم في حياتك، أو تتوجع بسببهم، أو كنت متوجساً منهم أو مبتهجاً بهم، كل ما تريد نسيانه…

في مديح الإخلاص!

الثلاثاء ٠٧ ديسمبر ٢٠٢١

من لم يقرأ للكاتب النمساوي ستيفان زيفايغ، فقد فاته، حسب رأيي، الكثير من الشغف والتاريخ وأدب الكتابة رفيع المستوى، كما فاته الوقوف أمام المعنى الهائل والمخيف لقلق الإنسان حيال أسئلة الوجود الكبرى، وعبثية الحياة، وسط الحروب والدمار، تلك الهواجس التي وقف أمامها «زيفايغ»، فلم يحتمل وطأة الحياة في ظلها، لأنه كان يؤمن بأن الإخلاص للحياة، يعني أن نحياها بأمان وسلام، دون خوف ورعب وتهديد! الإخلاص للحياة، ذكرني هذا المعنى بأصدقاء سألوني يوماً، عن المدن التي زرتها، أو تلك التي أحلم بالذهاب إليها؟ قلت لهم ربما لم أسافر كما ينبغي لمسافر أن يكون مخلصاً لترحاله وشغفه، طالما خالط سفري ميل نحو التباهي أو العبث، إن السفر علم عظيم، لا مجرد تمضية وقت فقط، علم توجهه البصيرة، ويقود خطاه التأمل في مسارات التاريخ والجغرافيا والإنسان. إن البصيرة نعمة كبرى، إنها إعمال للعقل بعمق في كل ما حدث، وما يحدث حولك، فقد يقودك التفكر لما يمكن أن يكون عليه الغد، كما قاد الخوف ستيفان زيفايغ، إلى نهايته المأساوية! تذكرت ستيفان زيفايغ بكل فلسفته، وتحديداً، قصته ذات الدلالة العميقة «مانديل بائع الكتب القديمة»، التي يقول فيها «أما أنا، فقد نسيت مانديل لأعوام، أنا الذي كان عليه أن يعرف أننا لا ننتج الكتب، إلا لكي نبقى على صلة بالبشر، فيما وراء الموت، فندافع بذلك عن…

صورة مشوهة!

السبت ٢٥ سبتمبر ٢٠٢١

الآباء والأمهات الذين يحولون أبناءهم لمشاريع فرجة على وسائل التواصل لا يقومون بعمل عظيم يستحقون عليه التشجيع أبداً، ولا أدري سبب إقبال الناس على حسابات الأطفال الذين يجهزهم أهلهم من عمر الأربع سنوات لينضموا إلى جموع مشاهير السوشال ميديا، فمعظم هذه الحسابات تشكل اختراقاً لحقوق الطفل، وانتهاكاً لعالم ونفسية الطفولة. يظهر العديد من الأطفال في هذه الحسابات متحدثين بارعين بل ومثيرين للدهشة، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول العلاقة بين عمر الطفل والقدرات أو ملكات التفكير التي يفترض أن تكون لديه، إضافة لقدراته في الربط والاستنتاج ومهارات النطق والتعامل مع المواقف والأسئلة و… فكيف لطفل في الرابعة أن يتحدث بهذه الطريقة التي توحي لنا بأننا أمام روائي بارع أو محاضر متمرس؟ لندع جانباً تفسير أنه عبقري! الأمر الآخر يتعلق بإدخاله إلى عوالم الكبار، التحدث معه عن أمور ليست في متناول عمره كالمكياج، والملابس، والماركات والفنادق ودرجات السفر الفخمة.. لكن لماذا؟ ألا نفكر بغيرنا؟ ألا ندفع هؤلاء الصغار دفعاً للأنانية والفردية وحب المظاهر والتباهي أمام أقرانهم؟ ثم تلك الحوارات المستفزة حول المدرسة والمدرسين، ودفع الطفل للتلفظ بعبارات تنم عن سخرية وتهكم واضحين ابتزازاً لضحك المتابعين لا أكثر! ماذا عن تأثير ذلك على علاقة الطفل بمدرسته ومعلميه خارج الانستغرام واليوتيوب وبمنظومة القيم عامة؟؟ حديث بعض الأمهات في مقاطع فيديو يسجلنها وينشرنها…