عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

وما أدراك ما يفعل الفراغ!

آراء

في الفراغ الكبير الذي أحاط بالبشر حيثما كانوا ولفترة طويلة نسبياً منذ حلت بهم جائحة كورونا وربما قبلها أيضاً، اخترع الناس مخارج لكسر ذلك الفراغ، ما كانت لتكون لولا ذلك الفراغ.

لقد أعلنوا عن أفكار غريبة، ونادوا بمبادرات وخرجوا بتصرفات أقرب للامعقول تابعناها على وسائل التواصل وحتى في الحياة العامة، وصار الجميع ينتقد ويستغرب، ثم انضم الجميع للركب، ولم يعد أحد بمنأى أو في معزل عما يحدث، إلا من رحم الله.

انشغل الناس بقضايا ليست بذات قيمة، فانكبوا عليها قراءة ونقاشاً وجدلاً، ليقنعوا بها أنفسهم أولاً، ثم ليقنعوا بها الآخرين، لذلك أخذوا دون كلل يمضغونها ويعجنونها، وبرغم غرابتها فإن حالة الفراغ جعلت من التفاهة واللامعقول أمرين مقبولين، بل ويتم احتضانهما والدفاع عنهما، إنْ في الفن أو في الأدب والفلسفة والأزياء وغيرها.

وفي الوقت الذي لا يمتلك فيه البعض وقت فراغ يمارسون فيه ترف التصرفات اللامعقولة، يوجد ملايين البشر ممن لديهم فائض في الوقت لا يعرفون كيف يصرفونه أو يتصرفون فيه، وبخاصة الذين لم يستعدوا جيداً لحياة ما بعد الوظيفة، هؤلاء توصلوا للانشغال بأمور سيستولي عليك العجب وأنت تستمع إليهم يشرحونها أو يقنعونك بها أو يتحمسون لها!

فتسمع أحدهم يتحدث بثقة عن نظريات ما ورائية لكائنات ستغزو العالم وتعيد ترتيب موازين الحياة، وتسمع آخر يخترع نظريات يقول إنه قرأها من كتب الديانات حول تنبؤات تقتفي علامات نهاية العالم أو قيام الساعة، وهناك من يفسر كل حادثة صغيرة أو كبيرة وفق أساطير وردت في كتب قديمة ومحاضرات يقدمها أشخاص مهووسون بالماورائيات!

وهناك من دخل في مجال التنمية والارتقاء بقدرات الذات، إلى درجة أنه يبدل حياته 180 درجة، متتبعاً معلماً لم يره، لكنه سمع به في الهند أو أمريكا، فينفق مبالغ كبيرة، ويسافر إلى دول وأمكنة لأجل أن يحظى بجلسات التأمل والصفاء، لكنه للأسف لا يصل إلى ذلك غالباً.. لماذا كل ذلك يا ترى؟!

المصدر: البيان