فاطمة المزروعي
فاطمة المزروعي
كاتبة إماراتية ، لها عدة إصدارات في القصة والرواية والشعر والمسرح وقصص الطفل ،رواية كمائن العتمة ، دار الفارابي 2012 ، زاوية حادة 2009

لا تستمع للتجارب المحبطة

الثلاثاء ٢٨ ديسمبر ٢٠٢١

قد تتلبس البعض حالات تتسبب في انهياره أو في تراجعه أو في انطفاء جذوة الانجاز وشعلة الحماس لديه، وفي الحقيقة ما يسبب مثل هذه الحالة عدة عوامل تحيط بنا دون أن نشعر بها ولكن لها تأثير بالغ على رؤيتنا للأشياء وعلى كيفية تعاطينا معها، الإشكالية الحقيقة عندما يمتد مثل هذا التأثير ليضرب جوانب حياتية مهمة في مسيرتنا، وأقصد أعمالنا وتطلعاتنا وطموحنا. تأتي حالة الإحباط أو الاستنكاف أو التراجع، بسبب عوامل خارجية، في معظم الأحيان منها المحيط الذي يلتف حولنا ويؤثر علينا وعلى قراراتنا، هذا المحيط قد يكون سبب للتميز أو للإخفاق فأثر الصحبة والرفقة بالغ على حياة الإنسان، فإذا وجدت أناس ايجابيين ينظرون للأمور نظرة واقعية ومنصفة ويؤمنون بقدراتك فإنه ودون شك ستتميز وتبدع، أما إذا كانوا أصحابك ممن ينظرون للأمور بسوداوية وإحباط فإنهم ودون شك سينقلون لك هذه السوداوية، ببساطة يقال أن فاقد الشيء لا يعطيه، بمعنى: إنسان فشل في مرحلة من مراحل الدراسة أو العمل أو في أي من جوانب الحياة، كيف يصبح دارساً ومعلماً ويوجه نصائح ؟ وهذه المعضلة التي نقع فيها يومياً، أننا نرخي السمع لمن هم أقل منا خبرة، ولمن هم محبطين، ولمن هم عاشوا تجارب مريرة تختلف كلياً عنا، أو أنهم عاشوا وفق تفكير وآلية محددة تختلف تماماً عنا جذرياً، هؤلاء كيف يمكننا أن…

توقف.. أنت لا تعرف نفسك

الثلاثاء ٢١ ديسمبر ٢٠٢١

من المعروف على نطاق واسع أن هناك حقيقة مسلم بها لدى معظم الناس وهي أنهم أعرف الناس بأنفسهم، وأنهم الأكثر قدرة حكماً على الأمور التي تخصهم بل ومعرفة بمصلحتهم، هذا الكلام فيه بعض الصحة، لكنه ليس على نطاق واسع، كما لا يمكن التسليم به بشكل مطلق والسبب بسيط جداً. فالإنسان يمكن أن يكتسب أساليب في التعامل مع الآخرين ويمارسها فعلاً وهو يظن أنها أساليب جيدة وفعالة، ولكنه يفاجأ تماماً مع أول نقد يوجه له، أو في أول صدام بسبب طريقة تعامله. فتجده يدافع عن نفسه بأنه يعرف كيف يتعامل ويتعاطى مع الآخرين وليس صغيراً يحتاج للتعلم. هذه مشكلة تحدث دوماً في المنزل، في المدرسة، في العمل، في الشارع وفي كل مكان تقريباً، وإن كانت بأشكال مختلفة وأحداث متنوعة كلياً، ولكن سوء الفهم دوماً يتلبس تصرفاتنا.. لماذا؟ لأننا عندما أصدرنا الفعل نعرف داخل أنفسنا أنه صادر بسلامة نية، ولكن الشخص الآخر لم يطلع على دواخل أنفسنا ليعرف أننا ذوي نية طيبة، والفعل الذي وصله كان قاصراً أو غير واضح تماماً أو عجز عن التعبير عن مقصدنا بالضبط، لذا تأتي ردة الفعل عنيفة على قلوبنا وعقولنا، ونفاجأ بهذا الرد ونعتبرها قلة احترام ولم تتواكب مع تسامحنا وطيبتنا، وهنا تقع المشكلة التي تبدأ بالتلاسن وقد تمتد لتصل لعراك بالأيدي. فما الذي حدث؟ كما…

نعم للمعرفة ونعم للسؤال

الأحد ١٩ ديسمبر ٢٠٢١

لماذا نسعى نحو المعرفة؟ لأنها القوة التي تميزنا، والعلم الذي بواسطته نرتقي ونحلق نحو الفضاء، لذلك يجب أن نشجع السؤال والتقصي، وننمي ثقافة الاستفهام من أجل التعلم، ولا يمكن أن يتم احتقار أي تساؤل أو التقليل منه أو من صاحبه. أتذكر في هذا السياق قصة تقول: إن أحد الأشخاص سأل سقراط عن سبب ملوحة مياه البحر، فأجابه قائلاً: إذا علمتني المنفعة من ذلك أخبرتك السبب؟! أتعجب لم يكتف سقراط بإجابته وحسب دون الرد عليه بهذه الطريقة؟ فهذا النوع من الأسئلة ليس تافهاً، ولا يمكن اعتباره مضيعة للوقت، بل في الحقيقة ما يحير العلماء ويشغل هواجسهم هي تلك الأسئلة البديهية، التي رغم تلقائيتها وبساطتها تحتاج للبحث والتقصي والتعمق في العلم. لم يكن سقراط يعلم الإجابة أصلاً والسبب بسيط وهو أن سبب ملوحة ماء البحر لم يكن قابلاً للاكتشاف في عهده أي قبل أكثر من ألفي عام، بل كان يحتاج لملاحظة شديدة من قبل علماء الجيولوجيا، بالإضافة لأبحاث كيميائية واكتشاف عناصر جديدة تسبب هذه الملوحة، لقد أثبت العلم الحديث أن المحيطات عند تكونها قبل ملايين السنين لم تكن مالحة أصلاً، لأنها تكونت نتيجة هطول الأمطار على مدار سنين عديدة، أيضاً تكونت البحيرات والأنهار وتشبعت الصخور بالأملاح، لذلك، عندما تجري الأنهار لتصب في المحيطات فإنها تحتك بالصخور المشبعة بمركبات كيميائية تشكل الملوحة من…

أين تقف أنت ؟

الإثنين ٢٩ نوفمبر ٢٠٢١

من المسلمات المنطقية أنه لا يوجد إنسان إلا وله احتياجات يريد سدها وملئها، وهذه الاحتياجات على طول تاريخ الإنسانية لم يكن هناك أي جهد لاكتشافها أو تسليط الضوء عليها، لسبب بسيط أنها موجودة داخل كل واحد منا، وهذا ما جعل العلماء يؤكدون أن هذه الاحتياجات هي التي تؤجج الصراعات وتجعل الاختلافات ماثلة بين الناس، وبالتالي تنشأ الصراعات وتكبر إلى قتال وحروب مستمرة. وقد درس علماء النفس منذ أن بدأ تاريخ هذا العلم، هذه الاحتياجات وحاولوا حصرها وتحديدها، وذلك في محاولة للتقليل من توتر الإنسان وبالتالي تخفيف حدة الهوة التي تتسع بين الناس، ولعل من أشهر من وضع نظرية في هذا المجال العالم أبراهام ما سلو، والتي تعد نظريته من أكثر النظريات في هذا المجال قبولاً وانتشاراً في العالم، فقد تمكن من حصر الاحتياجات الإنسانية في 5 مطالب، ووضعها على شكل هرم، سمي فيما بعد بهرم ماسلو، وتلخصت وجهة نظره أن الحاجات الأكثر أهمية عند الإنسان تسمى الحاجات الفسيولوجية وهي التي تشمل التنفس والطعام والماء والنوم والجنس والتوازن. وكانت هذه الحاجات هي قاعدة الهرم عنده بمعنى أنها الأساس، وإذا تحققت لدى الإنسان هذه الاحتياجات انتقل للأعلى حيث حاجته للامان، وتشمل السلامة الجسدية والأمن الوظيفي وأمن الموارد والأمن الأسري والصحي وأمن الممتلكات، ثم ينتقل الإنسان للبحث عن حاجات أعلى وهي الحاجات الاجتماعية…

عملة نادرة في سوق العمل

الأربعاء ٠٣ نوفمبر ٢٠٢١

للفيلسوف والأديب الألماني، يوهان فولفغانغ فون غوته، كلمة موجزة وبليغة جاء فيها: العمل سهل والتفكير صعب. وإن أمعنا النظر، فإن هناك جانبين اثنين، كل واحد منهما على درجة عالية من الأهمية والحيوية، وهما التفكير والعمل، فالتفكير، تم تعريفه من الكثير من العلماء وفي مختلف الحقب الزمنية، ومن بينها أنه: عملية ذهنية تقوم بها عقولنا تستهدف المحيط والعالم الذي نعيش فيه، من الخطط والأهداف والطموحات، ويعمل على التوصل للحلول وهو من مهام العقل وإعماله، وهو يهتم ويتعامل مع المعلومات ويوظفها. وأما العمل، فقد أبحر في وضع الكثير من التعاريف والمصطلحات له علماء العلوم الإنسانية على اختلافهم، ومن بين تلك التعاريف: أنه مجهود، يقوم به الإنسان بوعي ومعرفة، وذلك لتحقيق هدف أو عدة أهداف مثل صناعة أو إنتاج جوانب معيشية أو خدمية تفيد الإنسان وتزيد من رقيه وتطوره، ولكن إن عدنا إلى تلك المقولة، نجد أن التفكير أصعب، بينما العمل سهل، وتحمل هذه المقولة الكثير من الصحة والدقة، وإن أمعنا النظر جيداً في طبيعة الأعمال والمهام التي نؤديها، فإننا نكتشف أنها تقوم على العمل في معظمها وليس على التفكير، جميعنا نؤدي العمل الروتيني الطبيعي اليومي، لكن قلة من يفكر ويبتكر ويخطط. وهذا ماثل في الحياة بصفة عامة، فالتفكير هو العملية التي تصنع الفعالية والعمل، ويقوم بهذه المهمة النخبة من القادة، حيث يضعون…

الذي لن تتعلمه في المدرسة

الثلاثاء ٢٨ سبتمبر ٢٠٢١

من دون شك فإننا نحتاج لتعلم الكثير من المهارات والطرائق والأساليب التي تمكننا من تجاوز العقبات والصعاب، على اختلافها، كثير من هذه المهارات لا نجدها في المدارس ولا نتعلمها ونحن على مقاعد التعليم، مع أننا نقضي سنوات طويلة من العمر في التعليم والتزود بالمعرفة، ومن هنا يتضح أن تلك الأساليب هي نتاج الخبرة والتجريب، ونتاج للكثير من الأخطاء والسقطات التي تم الاستفادة منها بمقام دروس يتم فهمها لتلافي تكرار الخطأ، ومن هنا يحدث تراكم في التجارب وأيضاً في المعارف، وهذه العملية قد تكون شاقة ومتعبة، ولكن دروسها لا تقدر بثمن، ولذا بات من الأهمية إرخاء السمع والإصغاء بشكل دقيق لمن يكبرنا في السن، لأنهم اكتسبوا الكثير من خلال تجارب قاسية، الإصغاء لهم يجنبنا تكرار الأخطاء التي وقعوا بها، ويجنبنا أيضاً اتخاذ قرارات لم يحن أوانها أو لم نقم بتوفير الإمكانات اللازمة لاتخاذها. ومن أهم تلك الدروس وأكثرها أثر في حياتنا، والتي تعد أيضاً من متطلبات النجاح والتفوق جنباً إلى جنب مع العلم والمعرفة والخبرة، متطلب الثقة بالنفس وبالقدرات والمواهب والمعرفة، هذه الثقة لها انعكاس محوري ومهم على الكثير من جوانب حياتنا، ويجب علينا أيضاً ألّا ننسى قيمة التجاهل، فالتجاهل ممارسة مهمة، لأنه يمكنك أن تسقط من حساباتك الكثير من الأمور التي قد تعوّقك وتحد من انطلاقتك وتفوقك. وكما قال الكاتب…

يؤثر على نشاطك وإبداعك

الأربعاء ٢٢ سبتمبر ٢٠٢١

توجد سلوكيات تنتشر بين بعض الناس، وباتت طبيعة واعتيادية، بينما أثرها وأضرارها جسيمة على العقل والصحة الجسدية والنفسية، مثل السهر، وعدم الانتظام في النوم، لقد تخلى البعض عن الاستيقاظ في الصباح الباكر، أمام موجة من مواصلة السهر وعدم النوم، لذا نرى من يستيقظ في الوقت، الذي يسبق بداية عمله بقليل، فإذا كان العمل يبدأ الساعة الـ 8 صباحاً، تجده يستيقظ نحو الساعة الـ 7 أو الـ 7.30، وساعة واحدة مدة قصيرة أمام متطلبات المسافة إلى مقر العمل والتجهيز، بعد الاستيقاظ من النوم، ولا تنسى تلك الفترة الزمنية، التي يميل البعض فيها للاستيقاظ خلال اللحظات الأخيرة، ثم يهرع مسرعاً إلى عمله، ناهيك عما يسببه الاعتياد على الروتين في السهر أيام الإجازات، وعند العودة إلى الاستيقاظ الصباحي يكون الكسل والحاجة الماسة للنوم، ما يسبب الإرهاق والإجهاد، الذي لا تخفى أضراره، بينما الساعات الأولى من الصباح ثمينة جداً، فهي أوقات غير صاخبة ومناسبة للشعور بالهدوء، وبدء اليوم بممارسات صحية، وفقاً لدراسة نشرت من قبل مجلة «نيتشر كوميونيكيشينز» للعلوم الأمريكية، تم خلالها متابعة بيانات نحو 700 ألف شخص، وجد أنه هنالك أكثر من 350 عاملاً وراثياً يؤثر في النشاط الطبيعي للناس بالنسبة للتوقيت، لذلك من المرجح أن الأشخاص الذين لا يستغلون الصباح الباكر يقومون بإهدار أكثر أوقات نشاطهم وتركيزهم خلال اليوم. وفي العموم الاستيقاظ…

نحتاج للسلام الذاتي والهدوء

الخميس ١٦ سبتمبر ٢٠٢١

الصراع في الحياة البشرية ماثل ولا مجال لإنكاره أو إلغائه، والاختلافات تعتبر شيئاً واقعياً تحدث في كل لحظة ودقيقة، ومثل هذه الصراعات والاختلافات تقع داخل الأسرة وفي مقار العمل وفي مختلف أرجاء المجتمع، البعض منها شديدة وقاسية والبعض منها عابرة وبسيطة، بعض الاختلافات، تكون مدمرة وشديدة الوقع ولها تبعات كبيرة، كأن يختلف الزوجان ويتفرع هذا الاختلاف ويتزايد دون أي علاج حتى يقع الانفصال والطلاق، والحال نفسه ستجده في أي مجال من مجالات الحياة الاجتماعية، وليس داخل الأسرة وحسب. أول نقطة يجب التنبه لها والتركيز عليها وتعلمها، أن يكون لدينا وعي بحتمية الصراع والاختلاف، وأن لكل واحد من الناس رأياً ووجهة نظر، قد تكون آراؤه مماثلة ومشابه لنا، وقد تختلف جزئياً وبشكل بسيط عنا، وقد تختلف كلياً وبشكل عميق. لعلاج مثل هذه الحالات من الاختلافات وما ينتج عنها من صراع، يجب أن تكون لدينا ثقافة الحوار والاستماع ومحاولة التفهم، والمعرفة والوعي. دون معرفة بالموضوع والإطلاع على تفرعاته ودراسة تفاصيله فإننا لن نستطيع تكوّين صورة صحيحة عنه، تمكننا من علاجه والاقتراب من الحل الأمثل والمرضى للجميع. يقول الفيلسوف دالاي لاما: السلام لا يعني غياب الصراعات، فالاختلاف سيستمر دائماً في الوجود، السلام يعني أن نحل هذه الاختلافات بوسائل سلمية عن طريق الحوار، التعليم، المعرفة، والطرق الإنسانية. والسلام هنا قد يكون على مستوى دول…

التفكير والمعرفة والعمل

الثلاثاء ١٤ سبتمبر ٢٠٢١

توجد هوة كبيرة بين عملية التفكير، وبين الواقع والفعل الذي يفترض أن نمارسه ونقوم بأدائه لتنفيذ مهمة ما أو لإنجاز عمل حتمي يتطلب الدقة والمهارة، ففي بعض الأوقات ننفذ المهام دون رؤية وتمهل ولا تخطيط، وكأن التعود على المسارعة في الأعمال خصلة وميزة، بينما لا يتم الاهتمام بجوهر العمل ولا مخرجاته ومدى جودته. ولعل التحدي الأكبر والأصعب، هو أن يتوازن التفكير ويتماشى مع الفعل، بمعنى أن تلحق العملية التفكيرية وما تخرج منها من قرارات وتوجيهات على أرض الواقع وتبدأ بتحويلها إلى فعل، أي تطبقها كعمل يتم تنفيذه. هذه السلسلة إن صحت الكلمة، مهمة جداً، وكلما كانت قوية ومترابطة كلما كانت النتائج والحلول متواجدة وثرية وماثلة للعيان. وأقصد بالسلسلة: التفكير والمعرفة العمل. في هذا السياق استحضر كلمات للفنان والكاتب والمؤلف وعالم الأحياء يوهان فولفغانغ فون، والذي عرف باسم غوته، لعلها قريبة من الفكرة التي أسوقها، قال فيها: التفكير سهل، أن تتصرف صعب، ولكن أصعب شيء في العالم هو أن تتصرف وفقاً لتفكيرك. يجب أن نفكر وندرس كل خطوة تتعلق بالمهمة التي أمامنا، وفي اللحظة نفسها يجب أن نبدأ العمل عليها وعلى إنتاجها، والتحدي الحقيقي أن يكون هذا العمل استجابة لمخرجات التفكير، ولنجاح عملية التفكير نحتاج للكثير من المعرفة وتوظيف ناجح للمعلومات، وإن نجحنا في هذا السياق سننجح في تجاوز كل مهمة…

أين هويتنا الموسيقية؟

الإثنين ٠٥ يوليو ٢٠٢١

منذ عصور غابرة في عمر البشرية والموسيقى لها مكان وتواجد في كل حضارة وفي كل مجتمع، شكل الإنسان على امتداد عمره بنغماتها الثرية الحساسة معنى آخر من الدفء الإنساني والعمق الروحي وأعطت ذلك الإنسان وجمهوره منذ سالف الدهر معنى عن الرقي والتميز عن أي مخلوقات أخرى تشاركنا هذا الكوكب الجميل، لا يمكن أن يعزف ويصنع هذه النغمات العذبة المعبرة ومن الصوت إلا كائن يتميز بعقل وبروح وثابة منطلقة محبة لها ضمير وبين أضلاعها كيان أخضر مفعم بالحب والحياة. عندما أستمع لموشحات موسيقية عذبة وأشاهدها تجذب وتشد الملايين من مختلف أرجاء الكرة الأرضية أتساءل أين نحن العرب من مثل هذا المضمار الحيوي هذا المجال الحضاري الكبير؟ ما الذي نحتاجه لإخراج مقطوعة موسيقية جميلة نبشر بها العالم بأننا أمة فن وإنسانية؟ ما الذي يقطع علينا أو يمنعنا أن نصنع موسيقى تتحدث بكل لغة كونية؟ وتصبح حديث الأرض بنغماتها المعبرة، تماماً كما تفعل بنا جميع الموشحات الموسيقية التي تصل إلينا من الغرب والشرق والشمال والجنوب. استمع للتراث الهندي وموسيقاهم الكلاسيكية وأيضاً الأوروبية والصينية واليابانية ... إلخ.. فستجد كل أمة من أمم الأرض لها هويتها الموسيقية، لها نغمها، لها رنتها، لها لغتها التي يفهمها الجميع على هذه البسيطة دون ترجمة أو مساعدة.. عندما تسمع موسيقى صينية فستقول هذه من الصين، وعندما تسمع موسيقى هندية…

ذاكرة قوية للوطن

الأحد ٠٦ يونيو ٢٠٢١

عندما نسأل كيف وصلت البشرية لكل هذا التطور والتقدم؟ نضع الكثير من الاعتبارات والأسباب، ويتم في أحيان إغفال أثر الأرشفة التي من أولى مهامها حفظ المعلومات وإصدارها لكل من يطلبها وينشد التعليم والابتكار ومحاولة البناء على منجزات من سبقه. اللافت أن الأرشفة بدأت مع الإنسان منذ القدم بشكل عفوي ومتلازم، ففي ذلك الزمن السحيق لم تكن علماً بقدر ما كانت حاجة توجه الإنسان نحوها، لأنها تحقق له تطوراً، وأيضاً تساعده على البقاء والتغلب على مشاكله حول وجود الأرشيفات منذ عصور غابرة. قال سالم عبود الألوسي، ومحمد محجوب مالك، في كتابهما الأرشيف تاريخه إدارته: إن الأرشيفات كانت موجودة ومعروفة في حضارات الشرق القديم، وكذلك عند الإغريق والرومان، وكانت الأرشيفات معروفة عند القدماء كالسومريين والأكاديين والبابليين والآشوريين والكلدانيين، وكذلك عند المصريين القدماء والفرس والأمم الأخرى، وما خلفوه من رقم طين وألواح حجر، ومدونات أخرى، يمكن اعتبارها مواد ذات طبيعة أرشيفية. والذي نصل إليه أن علم الأرشفة وحفظ المعلومات والوثائق قديم قدم الإنسان، وأن الحاجة له بوصفه علماً جاءت متماشية مع أهميته القصوى في تطور الإنسان وتراكم خبراته وتطوير اكتشافاته ومخترعاته. لقد أدرك هذه الأهمية الوالد الراحل المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، حين أمر في عام 1968 بإنشاء الأرشيف الوطني، ليكون واحداً من أقدم المراكز الأرشيفية في العالم…

السؤال الذي يجب أن يتنبّه له الأبوان

السبت ٠٥ يونيو ٢٠٢١

يواجه العالم خلال هذه الفترة تحدياً كبيراً للغاية، وتهديداً كان ماثلاً منذ عقود طويلة، ولكنه اليوم أكثر غموضاً، وأيضاً خطورة، إنه وباء المخدرات، وعندما أقول وباء فلأنه فعلاً تحول إلى ما يشبه المرض الفتاك إذا صحت التسمية، وذلك قياساً بعدد ضحاياه الذين يقعون يومياً بسبب هذه الآفة الخطيرة، ولكن المشكلة أن الآثار السيئة التي تقع نتيجة الإدمان على الكحول والمخدرات تتجاوز الفرد المتعاطي المدمن إلى ما هو أبعد، حيث تبدأ سلسلة طويلة من الإخفاقات والفشل تصيب كل من هو بالقرب من المدمن، أولهم أسرته، وإذا كان رب الأسرة متزوجاً ولديه أطفال فهؤلاء مشاريع مستقبلية للانحراف، لأنهم سيحرمون من تعلم القيم الجميلة ومن التربية السليمة، وهو ما سيقودهم نحو التفكك والانهيار، ومعها يمتد الأذى نحو المجتمع ويكبر الخطر عندما يتزايد أعداد المنحرفين والجانحين في أولى خطواتهم الحياتية، وهذا يقودنا إلى ما يسبب المدمن الفرد الواحد بمجتمع متكامل من الخسائر المادية والبشرية، فضلاً عن الوقت والإمكانات والتأثير على الإنتاج. أقول إن وباء المخدرات في هذا الزمن بات يهدد العالم برمته، لعدة أسباب، أولها تطور تقنيات الاتصالات الحديثة والتي باتت المعلومات معها سريعة التنقل، وما كان بالأمس يصلك في غضون 5 إلى 10 أيام، فإنه الآن يصل في أقل من الدقيقة الواحدة، ويصبح بين يديك، والمعلومات ووصولها السريع جعل عمليات المراقبة والتدقيق صعبة…