فاطمة المزروعي
فاطمة المزروعي
كاتبة إماراتية ، لها عدة إصدارات في القصة والرواية والشعر والمسرح وقصص الطفل ،رواية كمائن العتمة ، دار الفارابي 2012 ، زاوية حادة 2009

نحو جيل يدرك قيمة الحوار

آراء

ظهرت مدارس عديدة ومتنوعة تتبنى أطراً ومعارف تتعلق بالحوار وفنونه وكيفية إدارته بل كيف يتم تداول الحديث خلاله. فهناك من يركز على أهمية تحديد النقطة التي سيدور حولها الحوار وبالتالي الإلمام بجوانبه كافة فضلاً عن الحماس له ولكن من دون أن يقودك الحماس لإقناع المتلقي للغضب أو الخروج عن الطور الطبيعي، بل يجب محاولة تفنيد الفكرة بالحجج والبراهين وتوضيح سلبياتها، وهذا لا يأتي إلا بفهم صحيح وموضوعي. وهناك من يركز على أهمية أن يكون الطرف الآخر في الحوار عقلانياً ويتميز بالمنطقية والهدوء وعدم الصراخ أو العصبية، وهو ما يعني أن تكون ثقافة هذا الطرف متميزة وهمه الحقيقة أو التفاهم لا الانتصار وعلو الصوت في النقاش. وهذا لا يعني الغنى عن عدم التحضير والتجهيز حول النقطة أو الموضوع مثار الحوار، بل من الأهمية ترتيب الأفكار وتنظيم الأولويات في جلسة النقاش.

وفي هذا السياق أتذكر ما قاله المؤلف أندريه موروا: أصعب ما في النقاش ليس الدفاع عن وجهة نظرك، بل معرفتها. وقد تفاجأ بنقد أو حجج وبراهين تحاول تفنيد فكرتك أو التقليل من قيمتها، فلا تأخذ الموضوع على محمل شخصي أو تعده موقفاً عدائياً، بل تقبله واعمل على رد الحجة بالحجة وتقديم البرهان أمام البرهان فهذا الذي يقوي موقفك. وبالتالي لا تتجاوز النقطة الحالية ومثار الحديث حتى تتمها وتنهي جوانبها كافة، فقد يفسر انتقالك لموضوع آخر في الوقت الذي لم يحسم الموضوع الأول بأنه محاولة هرب بسبب ضعف موقفك. وأنت في خضم هذا النقاش لا تفقد الهدوء وتحلَّ بالصبر، لأن العكس سيفسر ليس ضعفاً في شخصيتك وحسب وإنما ضعفاً في حجتك أيضاً، وليكن الصبر حليفك الأقوى، وبالتالي لا تتردد في الشرح بل الاستفاضة، ولا تنسَ أن تستخدم كلمات مناسبة وبسيطة وجملاً لا تحتمل التأويل بل حتى كلمات وأفكار الطرف الآخر نفسه، يقول الفيلسوف ديل كارنيجي: كي تتعامل وتتحاور مع الإنسان الخشن حاول أن تستخدم معلوماته وأفكاره. بعض الخبراء ينصح بكثرة طرح الأسئلة على الطرف الآخر لأن الأسئلة المباشرة العميقة تشتت الذي أمامك بأدب ورقي، وبعد هذا جميعه كن مستعداً ومهيأ النفس على أن تخسر هذه المناقشة، ولذا لا تزيد الأمور سوءاً بالغضب أو الخروج عن الإطار العام، وبالمثل لو انتصرت وأثرت إعجاب الحاضرين في المجلس فلا تبالغ في السعادة وإنما أشعرهم بأن الموضوع بديهي ولا غرابة فيه، لأن الحقيقة كانت في صفك فهذا مؤكد أنه سيقوي دوماً مواقفك. نحن بحاجة دوماً لتعلم مهارات التواصل والنقاش والحوار، وليت مدارسنا تعطي الجوانب الحياتية كموضوع فنون الحوار الاهتمام وتقدم برامج أو مناهج خفيفة تعنى بهذه الجوانب، فيخرج لدينا جيل واعٍ ملم بالقصد من الحديث والنقاش مع الآخرين ويملك فنون الإنصات وأدب الحوار.

المصدر: البيان