ظواهر صوتية

الإثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢

ما زالت مقولة عبدالله القصيمي الشهيرة “العرب ظاهرة صوتية” تعبر عن حال العرب. وزاد من هذه الظاهرة الصوتية أن أتاحت تقنيات الاتصال الجديد، خصوصاً قنوات التواصل الاجتماعي، مساحة واسعة لكل الآراء لكنها مثل سوق لا تحكمها أنظمة ولوائح، فساد التهريج وعمت الفوضى. ما زال بيننا ممن إن رفضت شتائمه وقلة أدبه رد عليك سريعاً: ألست تنادي بالحوار وتنوع الآراء؟ وفي سوقنا التي تعمها الفوضى، ينتظر منك البعض أن تكون على ملتهم وإلا فإنك خارج الملة. فإن لم تتبن القضايا التي ينادون بها انقلب عليك القوم بالتخوين وقائمة تهم طويلة تشمل العمالة وتحريض السلطة ضد دعاة الحرية والعدالة. يشتكون من تضييق السلطات عليهم في التعبير وإبداء الرأي وهم يمارسون كل أنواع التسلط والإقصاء ضد كل من يختلف معهم أو يخرج عن خطهم. وهؤلاء الذين يناصرون رفاق “الحزب” باسم الدفاع عن الحرية والمساواة والعدالة لا ينطقون بكلمة في حق من يمر بذات الظروف من خارج فكرهم ومدرستهم. أنت – باختصار- في سوق شريعتها الفوضى وأبرز قوانينها أن تكون معي على طول الطريق، وفي كل المواقف، وإلا فإنك خصم وعدو للحرية ودعاة العدالة. الذين يشتكون بالأمس من الإقصاء يمارسون الإقصاء اليوم. وهم يلبسونك لباساً لم تلبسه يوماً ولم تحلم أن تلبسه أبداً ففجأة يستنكرون عليك رأيك أو موقفك ثم يكذبون وهم يزعمون أنهم…

من أبها!

الأحد ٢٩ يوليو ٢٠١٢

هبطت بي طائرة “فلاي دبي” في مطار أبها قبل يومين. ويا لروعة نسيم الجنوب يعانقني وأنا أنزل سلم الطائرة وأشاهد الدهشة على وجوه الواصلين معي. من حرارة شديدة ورطوبة في دبي إلى جو غائم ورشات مطر والفارق بين المناخين رحلة جوية لم تبلغ الساعات الثلاث. تأخرت قليلاً أمام “كاونتر” الجوازات حتى أنتهي من “سوء الفهم” في “تشابه الأسماء” الذي تستقبلني به مطارات بلادي وتودعني. حملت حقيبتي نحو صف سيارات الأجرة المنظم خارج المطار وابتسامتي تسبقني: وأخيراً أستطيع أن أستقل سيارة أجرة من دون صراخ ومحاولات اختطاف؟ في مطاراتنا، عشت تجارب مضحكة تصلح أفكاراً لطاش ما طاش -أيام مجده- كقصتي مع سائق يعدك أن تكون “الراكب الوحيد” فتجد نفسك رقم أربعة داخل السيارة الصغيرة.. وحينما تحاول أن تغادر السيارة وتبحث عن بديل تكتشف أن حقيبتك قد أحكم الخناق عليها في “شنطة” سيارة الأجرة ثم يأتيك السائق متوسلاً: تكفى يا وجه الخير.. لا تحسدني! قلت لسائق الأجرة في مطار أبها: تأخذني الآن إلى مقصدي من دون “لف أو دوران” ومن دون أن تقف في الطريق لراكب ينتظر سيارة أجرة فأنا مستعجل جداً. ضحك معلقاً: اطمئن: تغيرت الأمور. وصدق الرجل. ثم فاجأني في الطريق بوعيه إزاء أحداث العالم العربي وتأخر بعض مشروعات التنمية في منطقته. سألته عن “نفق الخميس” عسى أن يكون قد اكتمل،…

في صالون زياد الدريس

السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢

في صالون زياد الدريس، في منزله في باريس، سعدت بمقابلة عدد من السفراء العرب لدى منظمة اليونسكو. وسعدت أكثر حينما عرفت أن الدكتور زياد الدريس، سفير المملكة لدى اليونسكو، يقيم صالونه الثقافي شهرياً. في هذا الصالون، تجتمع أصوات ثقافية عربية مهمة، بعضها مقيم في باريس والآخر يكون في زيارة عابرة لفرنسا. ما أظن مثقفاً أو إعلامياً سعودياً مر بباريس من دون حضور مناسبة ثقافية من ترتيب سفيرنا النشط لدى اليونسكو. فإن فاتت الزائر جلسة أبي غسان الثقافية رتب له زيارة ممتعة لمقر اليونسكو في باريس. و إن لم يسعفك الوقت لحضور صالونه الثقافي أو زيارة مقره في اليونسكو فإنك غالباً ستحظى بجلسة ممتعة معه في مقهى باريسي أنيق. ومع أن الدكتور زياد ليس في حاجة لشهادتي، وهي أصلاً شهادة مجروحة بحكم الصداقة الطويلة، إلا أن الواجب الوطني يحتم علينا أن نحتفي برموزنا الوطنية خصوصاً تلك التي تمثلنا في الخارج. أجزم أن مقولة «المسؤول الصح في المكان الصح» تنطبق على سفيرنا في اليونسكو. إنه دائم الحضور في الفعاليات الثقافية المهمة، في العالم العربي وخارجه. وفي فعاليات دبي المهمة، يكون زياد الدريس أول الحاضرين وأكثرهم مشاركة وتفاعلاً. أما أنشطته في اليونسكو فيكفي أن نعرف أن زياد الدريس من الأسماء المهمة والمؤثرة على صناعة القرار في المنظمة الدولية المهمة. ثمة دائماً فرق بين…

المثقف والملائكة

الجمعة ٢٧ يوليو ٢٠١٢

مرة حاورت الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي في مكتبه في بوسطن. وجاء الحوار إلى دور المثقف في صناعة التغيير. كان سؤالي يفترض “المثالية” في المثقف وفي أدواره. وكان تشومسكي يذكرني أن المثقف في آخر النهار إنسان، مثله مثل بقية الناس في مجتمعه، وليس نبياً أو من الملائكة حتى نصبغ عليه المثالية. المثقف -في إجابة- تشومسكي له قناعاته التي قد لا يتفق عليها الناس وبالتالي يصدمهم أحياناً بآرائه التي لا تتوافق مع آرائهم. وهو أيضاً صاحب مصالح ومخاوف تبدأ من خوفه على عائلته ولا تنتهي عند خشيته على نفسه من السجن أو الموت. استغرب هذه الأيام من بعض الناشطين، في المجالس الخاصة أو في قنوات التواصل الاجتماعي، وهم يتحدثون بمثالية مفرطة عن “القيم” و”المبادئ” و”الأخلاقيات” التي يفترضونها في المثقف. وهم يضعون معايير تلك القيم والمبادئ وفقاً لآرائهم ومواقفهم. فالمثقف الذي لا يتفق مع مواقفهم يصبح مباشرة في نظرهم عميلا وخائنا وليس عنده مبادئ! والسؤال هنا: من يُقيّم من؟ ومن يملك الحق في الحكم على مواقف المثقف وقناعاته وتحولاته؟ لكن السؤال الأهم: كيف لإنسان أن يفترض في إنسان آخر أن يكون “كاملاً” والكمال من صفات الخالق لا من صفات البشر؟ صحيح، هناك “قيم” إنسان متفق عليها ربما جازت محاكمة مواقف المثقف تجاهها ولكن يبقى السؤال: من يحاكم من؟ مثقف يحاكم مثقفاً آخر؟ أم…

سوريا هوليوود

الخميس ٢٦ يوليو ٢٠١٢

التليفزيون السوري يؤكد بالفم المليان أن مؤامرة “كونية” تحاك بالتعاون مع “هوليوود” لإنتاج عمل ضخم تكلفته 36 مليار دولار لتضليل الشعب السوري وإيهامه بأن النظام قد سقط. الاستخبارات الصينية، حسب التليفزيون السوري، هي من كشف عن هذه المؤامرة التي سميت “السقوط المدوي”. والرسالة هنا للشعب السوري تقول يا شعب لا تصدقوا أي شيء يقال إلا ما يقال في إعلام النظام الرسمي. وفوق هذا، حتى ولو خرجت بيانات في “الإعلام السوري الرسمي” تتحدث عن سقوط القصر الجمهوري وغيره من المؤسسات الرسمية فلا تصدقوها، لأن من بنود المؤامرة الكونية إنشاء محطات فضائية نسخة من المحطات السورية. أي أن هوليوود بتمويل خليجي، ستبني دولة افتراضية اسمها سوريا. أنا لم أستغرب ثانية واحدة أن أسمع مثل هذا الجنون والحماقة والسذاجة في دوائر الإعلام السوري الرسمي. فمنذ بداية الثورة في سوريا كان الإعلام السوري يزعم أن المظاهرات التي تظهرها الجزيرة والعربية من ميادين سورية ليست سوى “مسلسلات” تصور في تركيا وقطر والسعودية لتضليل السوريين وتحريضهم ضد النظام. الحقيقة أن النظام يتهاوى. وهذه الحماقات من دلائل الانهيار. لم يترك النظام له أصدقاء، لا داخل سوريا ولا خارجها، إلا إذا استثنينا الحرس الثوري في إيران وحزب الله في لبنان. فحتى الروس والصينيون قد يبيعون مواقفهم المعاندة في أي لحظة. تلك هي الحقيقة. ولذلك يلجأ النظام السوري بكل…

الإمارات: سابقة في المقارنات

الأربعاء ٢٥ يوليو ٢٠١٢

ليس جديداً أن أكتب عن إعجابي الصادق بما تشهده الإمارات من تنمية متواصلة على أكثر من صعيد. وأكتب هذا الكلام عن خبرة ومعايشة طويلة وليست وليدة لحظة أو زيارة عابرة. للتو أعود من “سفرة طويلة” شملت البرازيل وفرنسا. اكتشفت خلال رحلتي أن الإقامة في الإمارات قد رفعت كثيراً من سقف توقعاتنا. في باريس تنتظر أحياناً لساعات قبل أن توفق بتاكسي فيما يأتيك في دبي بلمحة بصر. والانتظار الطويل في طوابير المطارات التي مررت بها يضطرني فجأة للمقارنة بمطارات الإمارات حيث لا تستغرق المسألة سوى دقائق قصيرة إلا وأنت خارجها. وكلما انتظرت طويلاً لتفعيل خدمة الإنترنت البطيئة في أكثر من مكان مررت به خلال رحلتي قلت: الله عليك يا الإمارات! وحينما كنت أقود سيارتي في شوارع باريس، وكنت على أعصابي خوفاً من فوضى السير من كل اتجاه، هدأت من روعي وقلت: كلها أيام وأعود لمتعة القيادة في شوارع دبي وبين دبي وأبو ظبي. هذه الأمثلة ليست “تفاصيل صغيرة”! تلك من صميم التنمية التي يريد البعض أن يختزلها في “الكلام الكبير” عن السياسة وصراع التيارات. أو يجعلها في مرتبة لاحقة بعد همومه “الأيديولوجية”!إنها -التنمية- تمس حياة الإنسان اليومية وتنعكس على كل دقيقة في يومه. وهي تبدأ من توفر الخدمات الراقية في منزله ولا تنتهي عند أدائه الوظيفي. فالمعاملة التي تأخذ أحياناً أشهراً…

مؤتمر للتضامن الإسلامي

الثلاثاء ٢٤ يوليو ٢٠١٢

الدعوة السعودية لإقامة مؤتمر استثنائي للتضامن الإسلامي في مكة المكرمة تعيد للسياسة الخارجية السعودية وهجها. هذا المؤتمر في غاية الأهمية لأن الظرف العالمي الراهن في غاية التعقيد، (تحديات اقتصادية مستمرة وانقسام في المواقف الدولية حيال ما يحدث في العالم العربي وفي سوريا تحديداً). الدور السعودي، خصوصاً فيما يحدث على مستوى المنطقة، مهم وحاسم في كثير من المواقف. وأهمية الدور الاقتصادي للسعودية في التأثير الإقليمي والعالمي يوازيه مصدر آخر للقوة، ربما أكثر أهمية، ألا وهو قيادتها الروحية للعالم الإسلامي. ولهذا يمكن أن نقرأ دعوة المملكة لمؤتمر استثنائي للتضامن الإسلامي كخطوة جيدة لإحياء مصدر مهم من مصادر قوة السياسة الخارجية للسعودية. لا يمكن أن تترك ورقة التضامن الإسلامي لعبة من ألاعيب “السياسة الخارجية” الإيرانية أو التركية فيما المملكة هي الأجدر والأصدق في محاولات “لم الشمل” الإسلامي. منذ عهد الملك المؤسس والمملكة لاعب فاعل في السياسات العربية والإسلامية. وجدارتها في قيادة العالم الإسلامي لا تأتي فقط من مكانتها الروحية للعالم الإسلامي ولكنها أيضاً تنبع من حنكتها السياسة وقدرتها في “لم الشمل” الإسلامي. ولهذا فإننا دوماً نلح أن تبقى المملكة “حاضنة” لكل المسلمين مهما تنوعت مذاهبهم ولغاتهم ومواقفهم. وفي السياسة الخارجية، من حق الدول أن تستثمر في كل الأوراق التي تجيد التعامل معها. وبما أن منطقتنا تمر اليوم بتحولات مهولة -وفي غاية الخطورة- فإن…

مظلة الأمين

الإثنين ٢٣ يوليو ٢٠١٢

شخصياً، لم أستبعد، من قبل توضيح أمين الرياض، أن تكون قصة «الحارس والمظلة» جاءت كمصادفة بريئة وليست من تدبير أو بقناعة الأمين. فحماس بعض الموظفين لخدمة «كبار المسؤولين»، من باب التقدير أو الانبهار، واردة جداً. والأهم أننا اليوم في زمن ترصد فيه «الكاميرا» كل حركة وموقف. فمن منا اليوم يمشي وليس في جيبه هاتف بكاميرا؟ صار أكثرنا صحفياً ومراسلاً ومصوراً وفضولياً بفضل التقنية. ولأن بيننا من يظن أن المسؤول -كل مسؤول- حق مباح للنقد والتطاول وربما الشتيمة فلا رادع -إلا ما ندر- لاختلاق الحكايات وصناعة الأكاذيب. لست هنا مدافعاً عن أمين الرياض. هو وفريقه الإعلامي أقدر على شرح ملابسات قصة «المظلة». لكنني هنا أتساءل: كيف نصدق أية صورة أو جملة كتبت في مواقع التواصل الاجتماعي من دون فرز أو تساؤل أو سماع لوجهة النظر الأخرى؟ في غياب ثقافة النقد و أخلاقياته وشروطه ومعاييره، لا نستغرب أن يخلط البعض بين النقد والشتيمة وبين النقد البناء والترصد واستغلال الفرص للتشكيك في المسؤول- أو أي رمز من رموز المجتمع -إما لتصفية حسابات أو فقط لتلذذ باختلاق «الفضيحة»! ومثلما للكلمة أكثر من معنى فإن للصورة أكثر من معنى. فلو التقطت صورة لمسؤول يعبر الشارع، في إجازته في لندن مثلاً، وخلفه أو إلى جواره إمرأة إنجليزية، هل نصرخ بالنتيجة الكاذبة: انظروا.. صدناه متلبساً؟ أم أننا…

الهاربون من جحيم «تويتر»!

الأحد ٢٢ يوليو ٢٠١٢

قبل أيام تلقيت أكثر من رسالة من أصدقاء ومعارف يخبرني بعضهم بقرارهم إلغاء حساباتهم في تويتر والفيسبوك، وبعضهم الآخر يفكر جدياً في إنهاء العلاقة كلياً مع تويتر تحديداً، وأنا أعذرهم وأقدر موقفهم، تويتر في عالمنا العربي مثل سوق من أسواقنا الشعبية، تدخله وأنت تعرف كثيراً من رواده، تعرفهم بالاسم أو بالوجه، تتجادل معهم في شؤون كثيرة، تتفق وتختلف، ولكنك وبينما أنت تجادل أو تحاور من تعرف، منذ زمن أو منذ ساعات، تتلقى لعنة من «ملثم» لا يريك وجهه. أو تُقذف فجأة ببيضة لا تعرف من رماها ولماذا. وحينما يكثر عليك «البيض» تدرك أنك في السوق الخطأ. ولأنك تؤمن بالحكمة القائلة «السفن الكبيرة لا ترسو في الموانئ الصغيرة» فأنت لا يمكن أن تقل من قدرك وترد على شتائم وأذى أصحاب «البيض» من الملثمين أو المُرسلين متأكداً تماماً أن منبراً عظيماً مثل «تويتر» لم يخترع أصلاً لمنطقة مثل العالم العربي. فحق الاختلاف وثقافته المتأصلة في مجتمعات كثيرة تجعل من مساحة كهذه أشبه بقاعة في جامعة عريقة. الاختلاف في الرأي -في المجتمعات التي أنتجت تويتر- ينظر له كنعمة حضارية، الناس هناك تفاخر بتنوع الآراء واختلافها، تختلف من دون أقنعة، وتعبر عن اختلافها بكل أريحية واحترام. أما هنا فمازال بيننا من يؤمن أن الناس إما أن تكون لوناً واحدًا -لونها- أو هي مباشرة في قائمة…

شركاء التغيير

السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢

في بلاد «الربيع العربي»، مُخْطِئ من يظن أن فريقاً واحداً يقف وحده خلف التغيير. وإلا فإنهم يستبدلون بـ«الحزب الأوحد» فريقاً جديداً قد لا يختلف كثيراً عمن قبله في قادم الأيام. ولهذا فإن قراءة متأنية لنتائج الانتخابات الليبية تناقض الفكرة التي سادت لأشهر ومفادها أن الربيع العربي هو ربيع الإسلاميين وحدهم. في تلك البلدان، الربيع هو ربيع التغيير. وأياً يكن الفائز في الانتخابات تظل التجربة العملية هي المحك وهي مقياس النجاح في آخر النهار. المواطن العربي -خلال السنوات القليلة القادمة- يستطيع أن يفرق بين أصحاب الوعود الكبيرة -وكثيرها غير واقعي- وبين أصحاب الإنجازات الحقيقية على الأرض. وستكون «الأيديولوجيا» -أياً تكن- في آخر قائمة الاعتبارات. فالنخب التي تبني منافساتها على أيديولوجيات ونظريات سياسية ليست مرتبطة عملياً بمفاهيم الإدارة لشؤون التنمية والاقتصاد وتحسين أوضاع الناس مباشرة على الأرض وإعادة الثقة في المؤسسات القضائية والمؤسسات التي تستطيع إغلاق أبواب الفساد قد تنجح مرة لكنها لن تقوى على النجاح مستقبلاً. وإن لم تكن الخبرات الناجحة في الإدارة هي من يتولى إدارة المؤسسات فما الفائدة من وجود قيادات مؤهلها الوحيد هو انتماؤها الحزبي أو الأيديولوجي؟ ولعل التجربة التونسية تعطي مؤشراً إيجابياً من خلال وعي الإدارة الحالية أن نجاح المشروع يأتي من خلال المشاركة وليس عبر الاحتكار. إن بلداننا اليوم بأمس الحاجة لإدارة جادة وواعية ومؤهلة لمشروعات…

بشار الأسد: ماذا بقي؟

الجمعة ٢٠ يوليو ٢٠١٢

قبل أشهر قليلة قابلت في دبي رجلاً من أهل درعا. حدثني -بخجل- عن فضائع نظام الأسد في درعا. لكنه أكد أن كثيراً من أهل درعا كانوا يتوسمون الخير في الرئيس السوري بشار الأسد. ثم استدرك وقال: أو أنهم انخدعوا به وبوعوده الإصلاحية الكاذبة. ومع ذلك يقول ابن درعا أكاد أجزم أن بشار كان بإمكانه احتواء الأزمة في بداياتها. أهل درعا أبناء قبائل تحب الخير للجميع. وتسامح إلا حينما تهان. وشبيحة الأسد في درعا أهانوا أهل درعا مثلما أهانوا أهل سوريا على مدى أربعة عقود. ومع ذلك -يؤكد ابن درعا- أهدر بشار الأسد فرصة تاريخية لاحتواء الأزمة وفتح صفحة جديدة مع أبناء شعبه. لكنها طبيعة الاستبداد. فالطغاة يكابرون حتى يسقطوا. فهل يعقل أن يعتذر طاغية من شعبه؟ إم أنها إرادة الخالق أن يتمادى الطاغية في طغيانه -وجهله- حتى يصل إلى نهايته؟ لم يعد التخويف بالسجن أو الموت يوقف مسيرة التغيير إن أرادتها الشعوب. وحينما يكسر المرء حاجز الخوف بداخله فلا شيء يستطيع ردعه. والأنظمة العربية الجائرة أمعنت في إهانة شعوبها. وحينما يفقد الإنسان كل شيء فماذا بقي له حتى يخاف عليه؟ كتبناها هنا -وفي أماكن أخرى- لسنا مع الفوضى وخراب البيوت وقطع الأرزاق والفلتان الأمني. نحن -أصلاً- مع التغيير البناء ومع وحدة الأوطان. ومثلما نرفض التطرف في مطالب التغيير، سواء كانت…

على أبواب دمشق

الخميس ١٩ يوليو ٢٠١٢

لم يعد لنظام آل الأسد أية سلطة في سوريا إلا على شبيحته وبقايا بعثه، أعوانه يتساقطون بالساعة الواحدة، والحكيم منهم يسارع، في ساعات النظام الأخيرة، للنجاة بنفسه من نهاية موشكة. يا الله.. كم تتشابه نهايات الفاجرين والمستبدين! إذن النهاية عند الأبواب، فالجيش الحر يحكم قبضته على دمشق، وقد تكون ساعات قبل أن يدير عملياته من داخل القصر الجمهوري أو مبنى الاستخبارات العسكرية. والأهم من ذلك أن الشعب السوري قد قال كلمته وأصدر قراره بزوال نظام آل الأسد إلى الأبد. كتبناها كثيراً ونعيدها كثيراً: «من أمنه شعبه أمن شعبه». لم تعد عقلية القمع قادرة على حكم الناس وإهانتها وإذلالها، وتلك واحدة من مشكلات الأنظمة القمعية في عالمنا. فما لم تكسب الأنظمة الحاكمة قلوب وعقول شعوبها فلن تقوم لها قائمة. أمن النظام في أمن شعبه، وقوة أي نظام في قوة داخله، وقوة الداخل لا تأتي بالترهيب وبالقوة ولكنها أولاً بالقناعة والتفاهم. النظام القوي هو الذي يهب شعبه وقت المحن للدفاع عنه، وهو من يصر الناس على بقائه لأنه فعلاً يمثلهم ويرعى مصالحهم ويخاف على مستقبلهم. أما من يحتل شعبه تحت عناوين كاذبة وباهتة، مرة باسم العروبة وأخرى باسم محاربة العدو، فتسحل جثث رموزه في الشوارع والميادين عند أقرب فرصة. الآن سوريا توشك على دخول مرحلة جديدة، وهي مرحلة صعبة وقاسية ولكنها أرحم…