الجمعة ٠٨ يونيو ٢٠١٢
قد نختلف على قضايا لبنانية كثيرة. لكن شبه المتفق عليه أن اللبنانيين أسسوا مدرسة صحفية خاصة. كانت الصحافة اللبنانية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي سيدة المشهد الإعلامي العربي. وما زال تأثيرها واضحاً حتى اللحظة. قبل أمس فقدت الصحافة العربية أحد نجومها الكبار. حزنت أن استيقظت صباح أمس على خبر رحيل غسان تويني. كأن قدر غسان تويني أن يشهد قبل رحيله رحيل أبنائه الثلاثة، نايلة ومكرم وجبران. وكان رحيل آخر الأبناء، جبران، عام 2005، أكثر إيلاماً لأن ذلك الرحيل شكَّل علامة فارقة في آلام لبنان واللبنانيين الذين ذاقوا أوجاع الحرب الأهلية ودفعوا أثماناً باهظة لأطماع آل الأسد في لبنان. لن أنسى حواراً طويلاً دار بيني وبين جبران تويني، في مكتبه في النهار، في العام 2003 حينما كان يعيد أغلب أمراض لبنان وأوجاعه للاحتلال السوري. وكان يحترق ألماً أن ترك العرب لبنان لعبة في أيدي النظام السوري كما لو كان «غنيمة» راحت من نصيب آل الأسد. وقد صدق. فما سفك دماء الأبرياء في سوريا اليوم إلا من نتاج اللعبة السياسية المريضة التي تركت نظام الأسد يتمادى لعقود في طغيانه وهمجيته وأطماعه. كان جبران وطنياً في نقده لأحوال لبنان مثلما كان والده وطنياً في دعوته الدائمة للتسامح حتى في أقسى الظروف مثلما فعل وهو يلقي كلمته التأبينية في رحيل جبران. غسان تويني…
الخميس ٠٧ يونيو ٢٠١٢
أزمة بعض الحكومات العربية اليوم أنها لم تستوعب بعد حجم التغيير الذي تمر به المنطقة حالياً. هذا التغيير يشمل تفكير الناس ونظرتها لحقوقها وواجبات حكوماتها تجاهها. حتى الإنسان الذي لا يفهم في السياسة أو لا يحب الدخول في عالمها المعقد لا بد أن يتأثر بما يدور في محيطه من أحداث وتطورات. وإن كانت واحدة من أسباب أزماتنا، على أكثر من صعيد، تأتي في الإصرار على التعاطي مع الأزمات وفق العقلية القديمة، التي يأمر فيها المسؤول فيطاع، ويخطئ فيها المدير فلا يحاسب، فإن الأزمة ستزداد تعقيداً ما دام بيننا من لم يدرك بعد أن اليوم غير الأمس. أغلب مطالب الناس في العالم العربي، من قبل الربيع ومن بعده، كانت وما زالت في دائرة الممكن تحقيقه. بل هي مطالب لإصلاح أوضاع خاطئة في الأصل. إنها في حدود الحد الأدنى من حقوق الناس وواجبات حكوماتها. ولهذا يأتي التعاطي مع هذه المطالب، بواقعية وتواضع واعتراف بالتقصير، حكمة في احتواء الأزمات وقطع الطريق أمام ما لا يحمد عقباه. فليس كل من ينشد الإصلاح طامع في سلطة. وليست الاستجابة لمطالب الناس وفهم ظروفها ومشكلاتها سقوط لـ«هيبة» الدولة. بل إنها على العكس من ذلك. إذ سنحمي المجتمع، بقيادته السياسة، من تبعات خطيرة لتراكم الغضب أو استغلاله. صانع القرار في منطقتنا معني أولاً بفهم جاد لما يجري اليوم…
الأربعاء ٠٦ يونيو ٢٠١٢
مرة سألت وزير خارجية عربياً إن كنا فعلاً نفهم إيران، ثقافة وتاريخاً وتركيبة سكانية ناهيك عن حراكاتها على أصعدة الفكر والسياسة والإقتصاد. كان الجواب جريئاً، احترمت صاحبه كثيراً، إذ أجاب سريعاً بالنفي. نحن لا نفهم إيران. تذكرت كلام الوزير وأنا، قبل يومين، أحاور الباحث السعودي في الشؤون التركية، د. عبدالله الشمري، الذي أكد لي أننا أيضاً لا نفهم تركيا. كثيرون منا يقرأون تركيا وإيران بالعاطفة والإنطباعات العامة. ولهذا يأتي السؤال دائماً عن أسباب ندرة، إن لم يكن غياب، مراكز الدراسات المتخصصة في الشؤون الإقليمية والدولية. وهو سؤال أصبح مملاً لكثرة ما طرحناه. لكننا صدقاً بحاجة لفهم علمي أشمل لبلدان مهمة في منطقتنا ولنا مصالحنا واختلافاتنا معها. كم لدينا من يجيد اللغة التركية ويتقنها؟ وكم لدينا من باحثين في الشأن التركي، يقرأون الصحف التركية يومياً ويرصدون حراك المجتمع التركي بكل أطيافه ويفهمونه؟ يقول الشمري إن أعداد الطلاب السعوديين في الجامعات التركية عدد محدود جداً قد لا يتجاوز العشرين طالباً. ما الذي يمنع أن نبتعث المئات من طلابنا، من مختلف التخصصات، للجامعات التركية وكثيرها معروف بالرصانة الأكاديمية وتنوع التخصصات؟ وذات الأسئلة تنطبق على فهمنا الحقيقي لإيران. هذا الجهل لا يخدم قضيتنا مع بلد مهم كإيران حيث تخترق السياسة الإيرانية، بذكاء، المنطقة لأن فيها الآلاف ممن يجيد العربية ويفهم التناقضات العربية. «شغل العواطف»…
الإثنين ٠٤ يونيو ٢٠١٢
المنشغلون بخصوماتهم مع الآخرين إنما يسيئون لأنفسهم أكثر من إساءاتهم لخصومهم. أستغرب من أولئك الذين يهدرون أثمن الأوقات في مؤامرات وتصفية حسابات ضد من اختلفوا معهم في الفكر أو في الرأي. وثمة نوع من الناس كأنه لا يقوى على العيش من غير اختلاق العداوات والمشكلات مع من حوله. حينما تنشغل بنفسك؛ بتطوير قدراتك ومواصلة إنجازاتك فأنت تنتصر على من تظنهم أعداء وخصوماً. وحينما تغرق في البحث عن فرصة انتقام ممن أساء لك أو حسبته منافساً لك فأنت تؤكِّد هزيمتك وتقدّمها لمن تعتبره الخصم على طبق من ضياع. المواجهة، في المواقف الحقيقية التي تتطلب المواجهة، ليست كتلك الخاسرة من أصلها فنضع أنفسنا في شباكها المعقدة، وليست كتلك التي يسعى بعض «الخصوم» لجرنا إليها كي نصبح، مثلنا مثلهم، سواسية في الفشل والخسارة. نصيحتي لك أن تبقى فوق، هناك في الأعلى. حذارِ من أن تُجرّ لمعارك خاسرة. كم من معركة ربحتها حينما أعطيتها ظهري وواصلت مسيرتي نحو أهداف رسمتها بنفسي لنفسي. انتبه: لا يجرك «أولئك الذين تحت» إلى مستنقعهم فتعيش أبد الدهر، مثلهم، أقصى حدود طموحك أن تنتصر عليهم. فالانتصار على الفاشلين هزيمة. والربح في مواطن الفشل خسارة. وحينما تحافظ على مكانتك مع «أولئك الذين فوق» -بأخلاقهم ووعيهم وكرمهم وتسامحهم وطموحهم ورؤيتهم الأبعد- فأنت حتماً ستبقى المنتصر. وبمجرد أن يجرك «أولئك الذين تحت»…
الإثنين ٠٤ يونيو ٢٠١٢
في دبي رأيت أباً يرافق ابنه إلى مقهى شبابي يرتاده عشاق الدراجات النارية. ولأني أعرفه جيداً وأعرف ابنه جيداً فلم أندهش لتلك الصداقة التي جمعت الأب بالابن وأصدقاء الابن. قال لي مرة إن أصدقاء أبنائي أصدقائي. وعرفت منه لاحقاً أنه يشارك أولاده وأصدقاءهم رحلات برية وبحرية وهو عندهم واحد من أفراد «الشلة»! أحببت في الأب حميمية الصداقة مع أولاده وأصدقاء أولاده. كم هي ممتعة تلك الصداقة التي تجمعنا بآبائنا وأعمامنا وإخواننا. سمعت يوماً أباً يطلب من ابنه: كن صديقي! ظننته يقولها مازحاً لكنني عرفت فيما بعد أنه كان يعنيها. ولأننا في زمن كثرت تعقيداته وزادت مخاطره، فليس ثمة آمن على الأبناء من صداقة حقيقية مع آبائهم؛ صداقة قوامها الصدق والقرب والفهم. عرفت يوماً أباً يظن أن كسر الحواجز مع الأبناء يكسر «هيبة» الأبوة! يا لهذه العقدة العربية التي اسمها «هيبة»، كم ورطتنا في متاهات ما أنزل الله بها من سلطان. أي «هيبة» تلك التي تصنع جدار من النفاق والخوف والكذب بين الابن وأبيه؟ إن الصداقة بين الآباء والأبناء، إن أسست لاحترام متبادل وثقة متبادلة، ستقطع الطريق أمام ما يمكن أن يتعرض له الأبناء من مشكلات في دراستهم وفي علاقاتهم وفي رؤيتهم لأنفسهم وللحياة. «الهيبة» شيء والاحترام شيء آخر. وصداقة الأبناء تؤسس نظرة احترام عند الأبناء لآبائهم. أما هذه «الهيبة» فإنما…
الأحد ٠٣ يونيو ٢٠١٢
في كل حوار أجريه مع الدكتور محمد القنيبط تكون مشكلة البطالة محوراً مهماً في حوارنا. ما زال القنيبط يؤكِّد على خطأ استراتيجية التعاطي مع هذه المشكلة. أغلب الردود والاتصالات التي علّقت على مقابلتي الأخيرة مع القنيبط جاءت مؤيدة لما يطرحه القنيبط إزاء مشكلة البطالة المتفاقمة. فالأسواق والمحلات التجارية قادرة على توظيف الآلاف من شبابنا. قطاع التجزئة من أكبر القطاعات التي يمكنها استيعاب أعداد كبيرة من الباحثين عن وظيفة. هذا، بالطبع، يتطلب قوانين تضمن، على الأقل، الحد الأدنى من الرواتب الملائمة لظروف الشاب السعودي وفق منطق «لا ضرر و لا ضرار». ولعل تجربة سلطنة عمان من أنجح التجارب في منطقتنا. ففي كل مرة أسافر فيها براً من دبي لمسقط، يدهشني حضور الشباب العماني، من الجنسين، في سوق العمل. في محطات البنزين وفي الفنادق وفي المحلات التجارية من النادر أن ترى موظفاً من خارج البلاد. وبعض شبابنا حينما تطرح عليهم فكرة العمل -ولو مؤقتاً- في الأسواق يظن أنه سيبقى طيلة عمره بائعاً في دكان. أم إنهم لا يعلمون أن كثيراً من رموز التجارة في بلادهم بدأوا حياتهم بوظيفة بسيطة تعلموا منها كيف ينطلقون لما هو أكبر حتى نجحوا في بناء إمبراطوريات تجارية. الأهم أن يدرك صانع القرار أن الخطوة الأساس لإيجاد حلول عملية لمشكلة البطالة هي في تقديم مصلحة الوطن على مصلحة التاجر.…
السبت ٠٢ يونيو ٢٠١٢
يبدو أن معدي برامج إذاعتي (البي بي سي) و(مونتيكارلو)، الناطقتين بالعربية، ما زالوا يحملون نظرة الثمانينيات من القرن الماضي في تعاطيهم مع ما ينشر في الصحافة العربية. ما أن يستشهد أحدهم بما نشر في الصحافة العربية إلا ولجأ لواحدة من ثلاث صحف عربية تصدر من لندن. كأن تلك الثلاث صحف – مع تقديرنا لها – هي كل الصحف العربية. أم أن معدي البرامج الإخبارية في تلك الإذاعتين لا يجيدون قراءة الصحف العربية على الإنترنت؟ الصحف العربية، من المحيط إلى الخليج، تقدم آراء سياسية وثقافية متقدمة، وفيها محللون سياسيون مؤهلون ممن يُعطي الاستشهاد بآرائهم تنويعاً حقيقياً في الرأي والتحليل. لكن زملائنا الكرام في لندن ومونتيكارلو يدورون دوماً في فلك ما ينشر في الصحف العربية الصادرة في لندن وكأن تلك الثلاث صحف تختزل كل آراء العالم العربي. أفهم أنه لا يقرأون غير تلك الصحف قبل عصر الإنترنت. لكن في عصر الإعلام الجديد، حيث تنتشر المقالات من مئات الصحف العربية عبر مواقعها على النت وحيث «تويتر» يسهم كثيراً في انتشار مقالات وتحليلات صحفية مهمة، أصر على السؤال: لماذا هذا التجاهل لمئات الصحف العربية، بما تحمله من تنوع في الآراء والتحليلات؟ هل لأن بعض معدي برامجكما يعملون في تلك الصحف؟ فقط أتساءل! أم لأن بعض معدي البرامج لا يريد «وجع الراس» ففضل الخروج من…
السبت ٠٢ يونيو ٢٠١٢
عرفته منذ أيام الجامعة، ذكياً حيوياً لا يهدأ عن التفكير والعمل. سافرت معه في رحلات عمل وكان خير رفيق في السفر، شديد الحساسية تجاه من حوله. فرَّقت بيننا الأيام لكن «الصدف» تجمعنا من حين لآخر. فلسطيني الجنسية، ولد وكبر ودرس وعمل في الرياض. انتقل قبل سنة للعمل في دولة خليجية بعد أن جاءه عرض وظيفي مغر من مؤسسة حكومية هي من بحثت عنه وأغرته بالانتقال. اتصل بي قبل أيام مرتبكاً وشديد القلق: «كم حذرتني من التدخين وها أنذا أعيش مأساتي». زميل الدراسة يعاني من مرض خبيث في الحنجرة بسبب التدخين. لكن معاناته الأكبر، وهو القلق على مستقبل أطفاله، جاءت ممن ظن أنهم سيكونون سنده في أزمته: زملاء العمل! قال لي إن زملاء الوظيفة، بعد أن عرفوا بمرضه، بدأوا في اختلاق الأعذار والمضايقات لعله يستقيل. وعلى الرغم من أنه قد أبرز تقارير طبية تثبت تعافيه من مرضه وأنه قد تجاوز حدود الخطر إلا أن مضايقات مديره وزملائه قد زادت عن حدها. اتصل بي، وقد تمكَّن الإحباط منه، ليقسم لي بأغلظ الأيمان أن صدمته في مديره وزملاء العمل أشد وطأة من آلام المرض وأيام العلاج. وها هو، في منتصف العمر، يحزم حقائب الرحيل من جديد في رحلة بحثه الطويل عن «وطن». وقصة صديقي العزيز هي وجه واحد من وجوه رأسماليتنا القاسية. قلتها…
الجمعة ٠١ يونيو ٢٠١٢
قاتل القتيل في سوريا يمشي في جنازته. لم يكتف القتلة في نظام الأسد بارتكاب أفظع المجازر ضد السوريين، من خارج الطائفة، بل ظهروا على وسائل الإعلام كما لو كانوا هم «الضحية». هاهم «شبيحة» الأسد، بعد أن رشوا أجساد الأبرياء في «الحولة» وغيرها بوابل الرصاص، يتخندقون اليوم عبر الفضائيات العربية لإنكار دورهم في الجريمة. هذه «الحذلقة» التي من أبرز أبطالها مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، لا تخجل وهي تمارس الكذب المفضوح على رؤوس الأشهاد. من يقف في صف الظالم شريك في الظلم. ومن يدافع عن المجرم شريك في الجريمة. ولهذا فإن موجة طرد الدبلوماسيين السوريين من بلدان غربية كثيرة يدعونا أن نطرد من تبقى من الدبلوماسيين السوريين في الخليج. هؤلاء لا يخدمون الجاليات السورية بقدر ما يخدمون نظام الأسد الممعن في جرائمه. وبعضهم غالباً ما يتجسس على الجاليات السورية ويرسل «وشاياته» لدمشق ضد كل من يتجرأ بالحديث ضد بشار ونظامه. الأسوأ من الجريمة أن تبرر الجريمة. والأكثر جرماً هو من يبحث عن أعذار لمرتكب الجريمة. هؤلاء «المتفذلكين»، من دبلوماسيين وإعلاميين، سوريين وغير سوريين، لا يخجلون وهم يرددون أكاذيب النظام السوري ويبحثون له عن أعذار تبرر جرائمه أو تبرئه منها. إن أضعف الإيمان في الرد على احتقار بشار لعقول العالم، بأكاذيبه التي لم تنقطع، أن يُطرد الدبلوماسيين السوريين ويكتفي من…
الخميس ٣١ مايو ٢٠١٢
إن كتبت عن «فتاة المناكير» وانتقدت تصرفها فأنت عند البعض «كاتب وطني غيور» متبوعة بـ «بارك الله فيك». أما إن حاولت قراءة أبعاد القصة بوعي لمتغيرات المجتمع، وفهم لثقافة وتفكير الأجيال الجديدة، واجهك البعض بكلمات نابية وسؤال من مثل: تتركون أحداث سوريا وتكتبون عن «المناكير»؟ عند هؤلاء، يصبح نقد هيئة الأمر بالمعروف، وإن تلميحاً، كما لو كان -معاذ الله- نقدا للدين. والجرأة على نقد أي سلوك لموظفي الهيئة هي عند البعض أقرب للمعصية. قيل كثيراً أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤسسة حكومية، مثلها مثل أي مؤسسة حكومية أخرى، ليست فوق النقد ولا تحته. موظفوها بشر، لا ملائكة، فيهم المجتهد وفيهم المقصر، وفيهم من يلتزم بالأنظمة وفيهم من يخالفها. لماذا يريد بعضنا أن يُلبس الهيئة والعاملين فيها «قدسية» لا تسمح بأي نقد؟ ليس من باب المجاملة أن نُثني على كثير من أدوار الهيئة في مكافحة المخدرات وضبط المبتزين ووقف بعض أشكال «قلة الأدب» في الأسواق والأماكن العامة. وتلك أدوار «أمنية» مهمة تُحسب للهيئة. لكن قصة «فتاة المناكير»، وقصص أخرى مشابهة، تدعونا لفهم آلية تفكير جيل جديد لن يستجيب لخطاباتنا وأساليبنا القديمة. وإن أردنا أن نكسب الأجيال القادمة، ونضمن ولاءها لقيم نؤمن بها ونحرص على استمرارها، فإننا مطالبون أولاً بفهم كيف تفكر الأجيال الشابة. وما هي همومها واهتماماتها. وكيف نخاطبها.…
الأربعاء ٣٠ مايو ٢٠١٢
حينما تتأمل خارطة العنف في عالمنا العربي لابد من السؤال: من أي مخزون حقد وكره وانتقام يتعامل المجرمون مع ضحاياهم من بني جلدتهم؟ من أين تأتي هذه القدرة المخيفة على الإجرام حتى تطال أطفالاً ونساءً ومن هم عند نهاية العمر؟ المجازر التي ترتكب يومياً في أرياف سوريا ومدنها لم تكن من باب «الدفاع عن النفس» ولكنها جرائم خطط لها المجرمون مبكراً وتدربوا على تنفيذها في مدارس متخصصة في الرعب والقتل. والموت العبثي الذي أقام في الجزائر لسنوات، خلال تسعينيات القرن الماضي، كان كالصاعقة وما زلنا حتى اليوم نتساءل من ارتكب تلك المجازر ولماذا؟ والقاعدة لا تزال تسقينا الموت في اليمن وفي أكثر من مكان حول العالم وكأن المنتمين لها يظنون أن بإمكانهم فرض عبثهم بالقوة على الناس. هؤلاء يسقون الناس الموت العبثي كل ساعة من أجل فرض سلطتهم بالقوة وبالرعب والموت. لم يصدق القذافي أن الليبيين كسروا حاجز الرعب الذي بناه داخلهم وانتفضوا فجأة ضده. وكاد يصدق أن حكم ليبيا حق عائلي يورثه لابنه. ثم رأينا كيف سلَّط آلة الكره والموت ضد ثوار ليبيا حتى انتهى إلى تلك النهاية التي تليق به. خارطة العنف في العالم العربي لا تقف فقط عند النماذج التي ذكرناها. إنها -للأسف الشديد- تبدو كما لو كانت «ثقافة» ورثناها منذ أيام «داحس والغبراء». فالثأر والجنون بالسلطة…
الثلاثاء ٢٩ مايو ٢٠١٢
ما أكبرها من كذبة تلك التي تمثَّلت في ردود الفعل الرسمية لدول كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وغيرهما بعد مجزرة «الحولة». ما من سياسي يتعاطى مع قضايا المنطقة إلا و يعرف جيداً دموية نظام الأسد الذي تأسس أصلاً على العنف و زراعة الرعب. كأنهم اليوم تفاجأوا بالوجه الحقيقي شديد القبح لبشار. قُتل في عام واحد ما لا يقل عن عشرة آلاف سوري على أيدي قوى الأمن السورية و العالم كله يتفرج. عُذِّب الأطفال و قُتِلُوا في الأرياف و المدن و«المجتمع الدولي» متردِّد في اتخاذ قرار صارم لوقف سيل الدم المستمر منذ عام. بل إن روسيا شريك علني في الجريمة. أما أمريكا فهي قلقة على أمن إسرائيل ومحتارة في طريقة التعامل مع إيران. أم أن واشنطن ستكرر ذات المشهد حينما تضاربت مواقفها في بداية الثورة المصرية ثم ما لبثت أن أيدت الثورة و كادت تزعم أنها من أشعل فتيلها؟ ما الذي ينتظره «المجتمع الدولي» وهو يشاهد اليوم – وعلى الهواء – المجازر المرعبة ضد الأطفال و المدنيين في سوريا على أيدي «شبيحة» الأسد و قواته الأمنية؟ وماذا ينتظر«الكبار» و هم يرون، عياناً بياناً، كيف يُذكي نظام الأسد فتنة الطائفية في سوريا و المنطقة كلها حتى يكسب مزيداً من الوقت قبل نهايته الآتية لا محالة؟ لقد عرَّت مجزرة «الحولة» نفاق العالم وتواطؤ الكبار…