الجمعة ١٦ مارس ٢٠١٢
كان عبدالله جمعة، رئيس أرامكو السابق، من المتحدثين الرئيسيين في مؤتمر العلاقات العامة الدولي الذي عقد للتوّ في دبي. ركز كثيراً على أهمية الصدق والمصداقية في عمل العلاقات العامة. وهو محق في نصيحته. فممارسات البعض في منطقتنا للعلاقات العامة تشكك أحياناً في عمل العلاقات العامة عموماً. بعض الممارسات أساءت كثيراً لفكرة العلاقات العامة. كأن العلاقات العامة ليست إلا أكاذيب ومبالغات «لتحسين الصورة» أو لتجميل واقع مملوء بكل أشكال القبح والأخطاء. العلاقات العامة في أي مؤسسة معنية ببناء جسور حقيقية من التواصل مع وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع والمجتمع نفسه. لماذا تختزل أحياناً في كتابة البيانات الصحفية المنمقة وذات اللغة «الدعائية»؟ وعندما تسعى «العلاقات العامة» لبناء جسور مع الصحافة فإن المنتظر بناء جسور من الصدق والموضوعية، لكيلا يُضلل الناس حول أداء الأجهزة وحجم المنجز. هناك فعلاً -من العاملين في هذا الحقل المهم- من يعتقد أن العلاقات العامة ليست سوى «لسان معسول» على حساب الحقائق والمهنية. إنها -كما في قصة أرامكو- معنية ببناء صورة ذهنية عن المؤسسة تعكس عملياً حقيقة المؤسسة. أرامكو تملك تجربة متميزة في عمل العلاقات العامة ذات المصداقية والمهنية العالية. عبدالله جمعة نفسه كان في بداية حياته العملية موظفاً في قسم العلاقات العامة. ولهذا لم يكن غريباً أن يكون حديثه في المؤتمر الدولي للعلاقات العامة، حديث الخبير صاحب التجربة العملية…
الخميس ١٥ مارس ٢٠١٢
صديقنا إدريس الدريس كتب في الوطن مقالين طريفين عن بعض مظاهر العنصرية المناطقية في مجتمعنا. فمن «طرش البحر» إلى «صفر سبعة» ضاع نصف الوطن. المشكلة أن تنشأ أجيال بقناعة أنها هي وحدها الوطن ومن غيرها ليسوا سوى «ملاحق» تابعة. تلك النظرة العنصرية تتحول من «كلام» للتندر بالآخرين إلى موقف في التعامل وربما في اتخاذ القرار. يقول المثل الغربي: «حبني أو اكرهني لكن لا تتجاهلني». بمعنى آخر: احتفظ بعنصريتك لنفسك ولا تقحمها في تعاملك مع الآخرين أو في قراراتك في العمل، كأن تمارس الظلم في عملك ضد من تظن أنه «دخيل» على الوطن ممن تسميهم «طرش بحر» أو «صفر سبعة». العنصرية غالباً ما تنشأ بسبب الجهل بثقافة وتاريخ الآخر، يمارسها غالباً من نشأ على فكرة أنه هو «الأصل» ومن سواه ليس سوى «الفرع»! وحتى نكون منصفين، فهي -العنصرية- مرض قليلاً ما يسلم منه أحد. فمن ينزعج من «صفر سبعة»، كيف ينظر لغيره بأنهم مجرد «طرش بحر»؟ أو كيف يتعالى، بعنصرية، على من لا ينتمي لقبيلة؟ إنها أمراض خطيرة تبدأ أحياناً كنكتة ثم لا تلبث أن تتحول إلى «وصمة» ثم مواقف في النظرة والتعامل واتخاذ القرار. مرة عيرني -مازحاً- زميل دراسة أيام الجامعة في الرياض بصفر سبعة. وقتها لم يصل الهاتف لقريتي في الجنوب. أجبته، مازحا، أدخلوا الهاتف لقريتي أولاً ثم قولوا…
الأربعاء ١٤ مارس ٢٠١٢
أمس، مائة يوم مرت منذ إصدار «الشرق». وكانت مائة يوم حافلة بالدهشة والإثارة والفضول والبحث الذي لا ينقطع عن أفكار لهذه «المغامرة». كانت ومازالت «مغامرة» مثيرة، لكنها لم تخل من قصور أو بعض المخاطر. مستحيل أن تكتب زاوية يومية وتزعم الدقة وصحة الرأي دائماً. لكنني -صدقاً- أُذكر نفسي يومياً أنني أكتب وعيني على القارئ الكريم. أعود كثيراً للمقالة الأولى من هذه الزاوية، إنها بمثابة «عقد» أدبي ومهني بيني وبين قارئ «المغامرة». نخطئ في الوسط الصحفي حينما نهمل القارئ الحقيقي ونكتب وعيوننا على زملاء المهنة. كأننا نكتب من أجل زملاء الوسط الصحفي لا من أجل القارئ من خارج أوساطنا، لكنني تعلمت الدرس جيداً ووضعت القارئ الكريم نصب العين والعقل والقلب. ولهذا لم أخضع، لا من قريب أو بعيد، للنقد المبطن الذي يصل أحياناً عبر «الوسطاء» أو من خلال تعليقات بعض زملاء المهنة على شبكات التواصل الاجتماعي ممن يتعالون -بجهالة- على هموم القارئ وقضاياه. بعضهم يسخر من الكتابة التي تحفز على التفكير والإبداع وتشحذ الهمم. يريدونك أن تكتب ما في بالهم هم لا ما في بالك أنت. بعضهم يريد أن يصنع منك مناضلاً بطلاً وهم جالسون في بيوتهم أو ساهرون في استراحتهم. أو تكون «كبش فداء» أفكارهم السياسية وهم غارقون في متابعة البرامج السياسية على الجزيرة والعربية في منازلهم! ولهذا أقول لبعض…
الثلاثاء ١٣ مارس ٢٠١٢
حُزن عرعر على الشاب عافت الرويلي هو حزن وطن بأكمله. الأخبار كلها ترجح انتحار عافت بعد أن ضاقت به السبل وهو يبحث عن وظيفة تُؤمن له ولأسرته أبسط مقومات الحياة الكريمة. حزنت للخبر. وتألمت أن نكون في مصاف الدول الغنية ولدينا شاب في مقتبل العمر يقدم على الانتحار لأنه لم يجد وظيفة بعد سنوات من الانتظار. ميزانية بالميارات، ومشروعات بالميارات، وشباب تطوي أعمارَهم السنون انتظاراً لفرصة -هي في الأصل حقهم- يعدونها فرصة العمر: الوظيفة. انتحار عافت جرس إنذار للمجتمع كله. فكم في بلادنا من عافت -لا نعرف عنه شيئاً- مازال يقاوم رغبة الخلاص من هذا الانتظار القاتل لهذا الحلم الذي يبدو بعيد المنال! لم تعد الحلول الوقتية تُجدي مع مشكلة تتفاقم أبعادها السيئة كل يوم وربما كل ساعة. «قنبلة» البطالة تحتاج لمشروع وطني عملاق يؤسس لاقتصاد حقيقي وجاد، ويضمن حلولاً جذرية وواقعية لمشكلات البطالة والبيروقراطية، وكل الأسباب التي تعيق استثمار الميزانيات الضخمة لبناء اقتصاد يستفيد منه شباب الوطن أولاً. الفساد -في أي بلد- هو رأس الفتنة. وللفساد ألف وجه وألف شكل وألف لون. تصميم وإدارة برامج الميزانية من اختصاص المؤهلين، وليست «مناصب» تعطى مجاملة للمقربين، أو وفق عقلية «هذا ولد عم وهذا ولد خال». أم إن عافت الرويلي سيوقظ فينا شعور المسؤولية الوطنية تجاه الآلاف من شبابنا من الباحثين عن…
الإثنين ١٢ مارس ٢٠١٢
كتبت مقال الأمس على إثر تجمهر طالبات جامعة الملك خالد بأبها نهاية الأسبوع الماضي. وما حدث أمس في الجامعة يؤكد أن أزمة الجامعة تتفاقم سريعاً، لكن فصولها فيما يبدو طويلة وقديمة. لمصلحة من يؤجل البت في مشكلات خصصت لها صفحات على الفيسبوك وتويتر منذ أشهر؟ وأنا هنا لا أقفز لأي نتيجة، لكنني أتساءل عن سر تجاهل مطالب طلاب الجامعة وبعض أساتذتها بإصلاح أحوال الجامعة والوقوف على بعض القصص التي قد تدخل في دائرة الفساد. مشكلات الشباب قد تكون قنابل موقوتة إن لم يتم التعامل معها سريعاً وبمنطق يقترب من ظروف الشباب ووعيهم. فتأخر المكافأة الجامعية -مثلاً- عن طالب أو طالبة في منطقة من تلك التي تسمى بـ «الأطراف» قد تشكل مأساة لعائلة كاملة، فيما هي عند صاحب القرار في «المركز» ليست سوى عشاء في «البرقر كينق» مع العائلة. والطالبات اللائي تجمهرن قبل أيام في الجنوب لابد أنهن شعرن بالإهانة من تجاهل مطالبهن، وإلا لما شاهدنا الآلاف منهن وقد طفح بهن الكيل في مشهد يثير أسئلة حول إدارة الجامعة وقدرتها على التعاطي مع قضايا طلابها وطالباتها. نحن هنا لا نسعى لصب الزيت على النار، ولكننا نكرر ما حذرنا منه طويلاً -ومنذ سنوات- من أن تجاهل مشكلات الشباب سيفاقم من أزماتنا، وربما يدخلنا في أنفاق لا نخرج منها لأي نقطة ضوء. مدير…
الأحد ١١ مارس ٢٠١٢
من دون تأخير، وزارة التعليم العالي مطالبة بالاعتراف بأن ثمة مشكلات خطيرة في جامعة الملك خالد. لم تعد المسألة تحتمل التبرير والتسويف. كل يوم مشكلة جديدة. فالطالبات اللائي تظاهرن قبل أيام في كلية العلوم والآداب من غير المعقول أن يتجمهرن -وهنّ من بيئة شديدة المحافظة - إلا لأسباب لم يعدن معها قادرات على الصمت. المؤسف أن صوتهنّ اليوم في الإعلام غائب. من الحق أن نسمعهنّ وألا نأخذ فقط بموقف الجامعة التي -بالتأكيد- ستعمل على «لملمة» الموضوع وإلقاء اللوم على الطرف الأضعف في المشكلة. وهنا خطأ كارثي آخر. فطالبات اليوم لسن طالبات الأمس. والدليل أن تجمهرهنّ الأخير أصبح خبراً على كل لسان. واحدة من مشكلات الجامعة الكبرى -وهي مشكلة كثير من جامعاتنا الجديدة- في مبانيها. الحرم الجامعي إن لم يعكس بيئة الجامعة في القاعات والمكتبات وبقية الخدمات فما الفرق بينه وبين مدارس الثانوية؟ الأهم أن عقلية الوزارة التي ذبحتنا قبل سنوات بمفخرة «الثماني جامعات» مازالت هي نفسها، كأنها -فيما يبدو- تدير مشكلات اليوم بمنطق الأمس. أجيال جامعية جديدة ظهرت وتتعامل مع قضاياها بلغة مختلفة ومنطق جديد. إدارة الجامعة مطالبة بالشفافية في تعاطيها مع النقد الموجه لها وكثير من جوانبه خطيرة. لم يعد سراً ما يقال عن الامتيازات «الأكاديمية» التي منحت لابن مدير الجامعة، ولم يعد تذمراً في الدوائر المغلقة ما يقال…
السبت ١٠ مارس ٢٠١٢
ماذا تقدِّم مؤسساتنا الثقافية للمثقف؟ المثقف نفسه هو جوهر الفعل الثقافي. غالبية مثقفينا موظفون تحاصرهم بيروقراطية الوظيفة من جهة وظروفهم المالية من جهة أخرى. كيف يبدعون إذن؟ ومتى يجد مثقفنا الوقت للإبداع والإنتاج؟ الثقافة مسألة جادة. وفي مجتمعاتنا العربية نحتاج لمؤسسات فكرية تصنع المثقف وتنتج المفكر. أغلب منتجاتنا الثقافية جاءت بالبركة. فلا المثقف الجاد يستطيع التفرغ للثقافة ولا المؤسسات الثقافية متحررة من عقدها البيروقراطية ولا المجتمع مهيأ أن يستوعب أهمية المثقف المستقل وضرورة التنوع في الأفكار والآراء والأساليب الثقافية. إن المثقف الجاد والمستقل عملة نادرة في مجتمعاتنا. بل هو مجاهد نادر. فهو من جهة في مواجهة يومية مع متاعب الحياة والتزاماتها المادية المنهكة، ومن جهة أخرى محط أنظار أجهزة الرقابة البليدة كما لو أنه يخفي أسلحة دمار شامل سيطلقها في أي لحظة. وفوق ذلك، وأكثر تعقيداً، أنه يعيش في مجتمع عملته السائدة التشكيك في نوايا المثقف المختلف بفعل هيمنة خطاب أحادي لعقود طويلة. إننا انشغلنا طويلاً بالفعاليات الثقافية ونسينا المثقف نفسه. ليس صحيحاً أن قدر المثقف أن يعيش فقيراً أو مشتتاً بين وظيفة الصباح ووظيفة المساء، وبين ديون بناء البيت وأقساط مدارس «الصغار». في المجتمعات الحية الثقافة فعلاً «تؤكل عيش» لكنها عندنا -للأسف- تجلب لصاحبها التعاسة والديون وكل أنواع الهموم! الكتاب في المجتمعات الحية يَصرِفُ على مؤلفه وفي مجتمعاتنا المثقف…
الجمعة ٠٩ مارس ٢٠١٢
أعرف أن من قالها أولاً لم يقصدها حرفياً. مخطِئ من يظن أن “الكتاب يقرأ من عنوانه”! تلك -قطعاً- قراءة ناقصة، إنها مثل الحكم على شخص نقابله للمرة الأولى. انطباع اللقاء الأول كثيراً ما يضللنا حتى وإن صادف أحياناً أن كان في محله. الأفكار تُقرأ بالعقل لا بالمشاعر وحدها. بعضنا يحكم على قضايا مهمة من خلال عناوينها. تماماً مثل من يقرأ الكتاب من عنوانه. الكتاب لا يقرأ من عنوانه إلا في المجتمعات المستعجلة في أحكامها. إنها مثل الفرد الكسول، لا يريد إشغال عقله ووقته بالقراءة والدراسة والبحث قبل الوصول لنتيجة. تلك هي ثقافة “النتيجة السريعة”. ننتقد الغرب كثيراً لإنتاجه ثقافة “الوجبة السريعة” وننسى أن فينا من ينتمي لثقافة الخلاصة السريعة. الوجبة السريعة تفضي إلى أمراض جسدية ونفسية كثيرة. وكذلك هي ثقافة الخلاصات والنتائج السريعة. إنها تنتج مجتمعات كسيحة فكرياً، أمراضها الثقافية والحضارية تجرجر أصحابها من هزائم فكرية إلى قائمة طويلة من هزائم سياسية وفنية ورياضية لا يُعرف أين تنتهي. ومن قال إن عنوان المقال هو المقال كله؟ ولو كنا نجتهد في قراءة الأفكار والآراء مثلما نهدر أوقاتنا في قراءة النوايا وتحليلها؛ لكُنّا اليوم في مكانة حضارية تعيش يومها لا أمسها. إننا أمة تحب الإجابات السريعة. لا نريد أن نثقل على عقولنا بالتفكير والتأمل والسؤال والبحث. شخص ما، على الشاشة الصغيرة، يقدم…
الخميس ٠٨ مارس ٢٠١٢
وقت الأزمات والأحداث الإقليمية المرتبكة، تظهر حولنا جماعات تظن أنها وحدها الوطنية وغيرها مجرد “قطيع” من الخونة. لغتهم شاتمة مشككة في النوايا ولا يسلم من أذاهم إلا من رحم ربك. يظنون أنهم من يدافع عن الوطن فيما هم أسوأ من يسيء له. في الأشهر القليلة الماضية تعرض العشرات من المثقفين في الخليج لبذاءات هذه الفئة التائهة في جهلها بالوطنية. هل من الدفاع عن الوطن أن تتبرقع بالاسم المستعار في مواقع التواصل الاجتماعي وتمارس القذف والشتيمة باسم الوطنية؟ وهل يخدم الأوطان من يسخر من أشكال المثقفين وأسمائهم وأصولهم فقط لأنهم آمنوا بالنقد من أجل تحسين أحوال أوطانهم؟ هذه الفرقة من محترفي الشتيمة تزايد – بقلة أدبها وجهلها – في “وطنيتها” حتى على بعضها البعض. لكن أدواتها لا تخرج عن تهم التآمر على الوطن والطعن في وطنية رموز تنويرية محترمة لأن تلك الرموز غالباً ما تتحدث لغة لا يفهمها هؤلاء البواسل المقنعين. الحمد لله أن هذه الفئة هي القليلة في الساحة وإلا قلنا مسكين وطن هؤلاء من يدافع عنه! إنهم يريدون اختزال الوطن في فكرة واحدة. وفي فريق واحد. ورأي واحد. يصادرون كل رأي ناقد. لا يفهمون أن النقد ضرورة وطنية تزداد أهميتها في زمن كثرت فيه التحديات والمخاطر. من حقك أن تمتدح ما شئت من مشروعات وأفكار وسياسات. لكن ليس من…
الأربعاء ٠٧ مارس ٢٠١٢
كان كبار السن في قريتنا – وكنا صغاراً لا نفكر في غير يومنا- يرددون على مسامعنا: “اغتنم شبابك لمشيبك”! وكعادة الصغير الذي يظن أن الكبار في واد والحكمة في واد آخر، ما كنا نبالي بنصائح الكبار وتجاربهم. تمر السنون وإذا بحكمة الكبار تطل برأسها، كأنها تصرخ فينا: لماذا تجاهلتموني وقتها وسخرتم بي؟ نقل عن الكاتب الأمريكي الشهير مارك توين أنه قال يوماً: حينما كنت مراهقاً كنت على قناعة أن والدي لا يفهم شيئاً. وحين كبرت قليلاً أدركت أن أبي رجل في غاية الذكاء! ما أن يبلغ المرء منا الأربعين حتى يؤمن أن أباه رجل أوتي الحكمة من أوسع أبوابها! من يشاركك الحكمة يختصر لك الطريق. ومن ينصحك اليوم كان قد لسعته تجارب الإخفاق في الأمس. في الحياة مشتركات إنسانية تنبع منها حكمة الكبار. لا فرق هنا إن كنت حاصل على أعلى الشهادات أم لا تقوى على فك الحرف، كبير عشيرتك أم صغيرها، كثير الغنى أم شديد الفقر. كم من حكمة نطق بها آخر من كنا نظنه سينطق بها. وكم من تجربة ألهمت بعضنا على المغامرة والإبداع. الإخفاق يصنع أحياناً حكمة في العمل والصبر والصمود في وجه المصاعب وهواجس الانسحاب. لكن الاستماع -بالعقل والقلب معاً- لحكمة الكبار ربما اختصر أمامنا طرقاً وقادنا لتحقيق منجز أو تجنب أزمة. كلما كبرت سنة كلما…
الثلاثاء ٠٦ مارس ٢٠١٢
بدأت في كتابة هذه المقالة في براغ قبل سنة! أشعر بامتنان كبير للظروف التي هيأت لي أن أقضي إجازاتي خارج العالم العربي ولا تراودني أية مشاعر “بالذنب” لأنني – شخصياً – قد حسمت أمري منذ سنوات وقررت ألا أقضي إجازة، قصيرة أو طويلة، في أية مدينة عربية. و نصيحتي للأصدقاء بأن يقضوا إجازاتهم خارج العالم العربي أو يبقوا في بيوتهم معززين مكرمين بين أهلهم و ذويهم. يقول أهل قريتي، في غابر الزمان: “من خرج من داره قل مقداره”. لكنه مثل يجسد حال الإنسان العربي حينما يغادر داره إلى ديار “إخوانه” العرب. إن أجدادي من البدو و الحضر لو اكتشفوا العالم الجديد لعرفوا أن العربي يقل مقداره حينما يزور بلد أخيه العربي و يزداد مقداره حينما يزور بلدان العالم الآخر، خصوصاً خارج حدود البلاد التي ذبحتنا قياداتها بالحديث الطويل عن الأخوة والعروبة! في مدينة بولونيا الإيطالية ، شربت قهوتي في مقهى صغير ثم تركت قيمة القهوة على طاولتي وذهبت. في منتصف الشارع المقابل، كانت النادلة تطاردني لتعطيني “الباقي” من المبلغ الذي تركته على الطاولة وهو لا يتجاوز دولارا واحدا. وفي روما قررت شراء قميص فنصحني البائع أن أنتظر لليوم التالي ووعدني أن يحجز لي القميص. لماذا؟ لأن تنزيلات بنسبة %30 ستبدأ في اليوم التالي! وفي التاكسي، في براغ -كما في كل…
الإثنين ٠٥ مارس ٢٠١٢
بعد انكشاف جرائم بشار الأسد في حي بابا عمر قبل يومين، لم يعد مثار جدل أن نلح على أهمية تسليح الثوار السوريين الأبطال. الأسد يراهن على الحل الأمني. والحل الأمني في فهمه لا يتوقف فقط على مسح أحياء سورية كاملة عن وجه الأرض. إن المسألة بالنسبة لنظام الأسد هي مراهنة أخيرة على مواجهة ثوار سورية بكل ما أوتي من قوة أمنية تمارس عبرها “شبيحته” أبشع أشكال الجريمة وأمام العالم كله. لا حل في الأفق إلا بمواجهة مسلحة لنظام الأسد. وثوار سورية لا ينقصهم سوى السلاح وأجهزة الاتصال المتقدمة والدعم السياسي العلني كما تفعل اليوم دول مجلس التعاون. أما ما سوى ذلك فلا يخدم سوى الأسد الذي يعطي للخارج وعود الإصلاح الكاذبة فيما يمارس أبشع المجازر في الداخل. عار على العالم كله أن يستمر الأسد في ممارسة جرائمه ضد الشعب السوري وثمة من لايزال يبحث عن حلول سياسية مع نظام لا أمل في إصلاحه. بل إنه الآن -كما كتب قبل يومين محمد رشيد في العربية نت- يسعى “لإبادة السنة على أيدي السنة”. فالتركيبة الطائفية لقوى الأمن والجيش السوري جعلت القيادات النافذة فيها علوية خالصة فيما البقية، من صغار الضباط والجنود، هم من السنة. وحينما يُمكُن الجيش الحر من السلاح المتطور فإن انضمام الآلاف من صغار الضباط والجنود لصفوفه ستصبح مسألة أيام.…