مصر بلا أهرامات!

الأربعاء ٢١ نوفمبر ٢٠١٢

تطالب بعض الأصوات المتزمتة في مصر بإزالة الأهرامات كونها -كما يزعمون- ليست سوى أصنام وجودها يخالف تعاليم الإسلام. هل ترى إلى أين وصلت بنا جاهليتنا اليوم؟ أصوات التطرف في عالمنا تحتقر عقول شبابنا حينما يظنون أن الشاب المسلم سيبدل دينه بمجرد المرور حول الأهرامات أو لمجرد رؤية كنيسة. بعضهم يحذر مبتعثينا للدراسة في الغرب من دخول الكنائس حتى لو كان ذلك خلال رحلة سياحية. أما السبب فهو في “الخوف على شبابنا من دخول المسيحية”. يعني أن عقلك يا أخي المسلم “مخفّة”! فما أن ترى شيئاً جديداً حتى تأخذ به وتبيع ما كان عندك، لو كان هؤلاء يحترمون دينهم وأبناء معتقدهم لما صوروهم بهذه الهشاشة في إيمانهم؛ فمن سيبدل دينه بمجرد دخول كنيسة؟ الدعوة لهدم الأهرامات ليست “نكتة” حتى وإن بدت لبعضنا كذلك، فالفتنة تبدأ أحياناً بكلمة عابرة أو رأي أحمق. المصيبة أن الفلتان الأمني في بلدان الربيع العربي ساهم في تدفق الأسلحة، من ليبيا تحديداً، إلى الجماعات المتطرفة من سيناء إلى السودان ومن مالي إلى اليمن؛ ولهذا لابد من أخذ التهديدات بإزالة الأهرامات -مهما بدت المسألة مضحكة أو مستحيلة- كمقدمة لمرحلة خطيرة تعيد العنف في مصر إلى مربعه الأول. أما وقد توفر السلاح، فما الذي ينقص جماعات التطرف؟ فتوى؟ تلك آخر همومها. فما من جماعة متطرفة إلا وتنتج مُفتيها، والكل…

حل سياسي في سوريا؟!

الثلاثاء ٢٠ نوفمبر ٢٠١٢

في مقابلته مع “سكاي نيوز عربية” قبل أمس، يصر الأخضر الإبراهيمي على أن أياً من الفريقين، النظام والمعارضة، لن يحقق انتصاراً عسكرياً في سوريا. قال إن الحل لابد أن يكون سياسياً. وبودي أن أسأله: ماذا تعني بالحل السياسي؟ ثمة حقائق على الأرض لعل الإبراهيمي بحاجة لقراءتها: الأسد متمسك بالسلطة من قناعة أنها ملك لآل الأسد. ولو طرحت فكرة الانتخابات لصنع بشار ألف حيلة للفوز بها. ولهذا تسابقت أبواق النظام على الترحيب بفكرة الإبراهيمي والترويج لها. في المقابل، كل من ثار ضد النظام يعرف أن نهايته تأتي في لحظة القبول بالحل السياسي. ستستعيد قوات الأسد بعض قوتها وستبدأ في تصفية الحساب مع كل من احتج ضد نظام الأسد. وما زال الثوار يناشدون العالم بتزويدهم بالسلاح النوعي وهم -عندها- واثقون من النصر. فما زالت طائرات النظام الحربية تقصفهم وتبيد قراهم. قالتها المعارضة وقيادات الجيش الحر: ساعدونا على الحصول على أسلحة نوعية خاصة مضادات الطائرات الحربية وستعرفون حينها من يستطيع حسم المعركة. جيش الأسد متهالك. ولولا دعم إيران وروسيا لانهارت قواه في أيام. لا حل سياسياً سينهي الأزمة في سوريا. صار الوقت الآن متأخراً جداً لأي حل سياسي حتى وإن ضمن نهاية حكم الأسد. فبعد جرائم النظام وشبيحته التي راح ضحيتها ما يقرب من أربعين ألف سوري، ناهيك عن عشرات الآلاف ممن لا…

مدارك وكتّاب!

الإثنين ١٩ نوفمبر ٢٠١٢

أعترف بداية أن شهادتي في «مدارك» و«كُتّاب» مجروحة. فمدارك هي ناشر كتابي «الشارع يا فخامة الرئيس». أما «كُتّاب» فقد شهدت ولادتها، خطوة خطوة، منذ المشوار الأول للصديق جمال الشحي لاستخراج التصاريح اللازمة لإنشاء دار نشر في دبي. نجح الصديق تركي الدخيل، بذكائه الصحفي وعلاقاته الواسعة، وفي وقت قصير، في إنشاء دار نشر سعودية تنافس، بجدارة، دور النشر العربية العريقة. تلعب «مدارك» اليوم دوراً مهماً في انتشار وتسويق الكتاب السعودي والخليجي في أسواق كانت عصية علينا، في بيروت والقاهرة وبغداد. في معرض الكتاب الذي للتو اختتم أنشطته في الشارقة، كانت «مدارك» و«كتّاب» من أبرز دور النشر ذات الحضور الكثيف، تزاحم الناس على شراء إصدارات «مدارك». وتزاحموا أمام «كتّاب» لاكتشاف أسماء جديدة في عالم النشر لكتّاب إماراتيين جدد نجح جمال الشحي في استقطابهم وتشجيعهم على النشر. يعجبني في الصديقين تركي وجمال مبادراتهما الذكية في التواصل مع الكتّاب الشباب وتشجيعهم على الكتابة والنشر. فكم من كاتب ربما لم يدرك «الموهبة» الكامنة بداخله حتى يأتي من يحفزه على اكتشافها. وكم من قصة تستحق أن تروى ثم تضيع لأنها لم تجد «المنبر» الذي يظهرها ويبرزها. ومهما كان مستوى المحتوى، فالزمن كفيل بفرز الجيد من الرديء. لكنها مرحلة مهمة للتأسيس لثقافة تحتفي بالكتاب وتشجع على انتشاره وتسويقه. ولو لم يبرز من عشرات الكتب التي تصدرهما «مدارك»…

سياحة في قلب الصحراء

الأحد ١٨ نوفمبر ٢٠١٢

في عمق الصحراء الإماراتية يوجد فندقان -فئة خمسة نجوم- أعتبرهما من أجمل فنادق العالم. قصر السراب، يبعد مدة ساعتين من أبو ظبي، وباب الشمس، يبعد مدة ساعة عن دبي. كلاهما مكان جذب مهم للسائح من داخل المنطقة ومن خارجها. فمثلما يبحث السائح الخليجي عن الأنهار والحدائق الخضراء والمدن العالمية الكبرى، يبحث السائح الأجنبي عن تجربة مختلفة، عن الصحراء والهدوء. تستطيع أي مدينة أن توظف إمكاناتها الطبيعية لصناعة تميّزها سياحياً. ومتى ما تحققت الخدمة العالية نجحت مشاريع جذب السياح. أعجبت جداً بفكرة فندق قصر السراب إذ يبدو متناغماً مع ظروف الصحراء وروحها. ليس شرطاً أن تكون سائحاً غربياً حتى تثمن تجربة السياحة في قلب الصحراء. فحتى نحن، أبناء الجزيرة العربية، نستطيع أن نكتشف من خلال هذه التجربة كثيراً عن بيئتنا وجغرافيتنا. لكن السياحة الناجحة تتطلب أولاً توفر الخدمات الأساسية وأهمها الفنادق وإلا ما الذي يجعل المئات من السياح، من الداخل والخارج، يتوافدون على “باب الشمس” و”قصر السراب”؟ نخطئ حينما نلقي بـ”هم” السياحة الداخلية كله على الهيئة العامة للسياحة والآثار. السياحة الناجحة تتطلب منظومة متكاملة من الخدمات والأنظمة مدعومة بثقافة تشجع على السياحة المحلية وتنظر لها كرافد اقتصادي وطني مهم. لكن دور القطاع الخاص في الاستثمار الذكي في مشاريع سياحية يبقى أساسياً وبالغ الأهمية. الناس تبحث عن الجديد والمختلف. فمثلما استطاعت أبو…

ميسي والرشاش!

السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٢

صورة واحدة يمكن أن تحرق جهد سنوات طوال من حملات «العلاقات العامة» ذات التكلفة العالية. هذا بالضبط ما أحدثته صورة استقبال اللاعب الأرجنتيني الشهير «ميسي» في مطار الرياض قبل أيام. صورة اللاعب الأرجنتيني «ميسي» مع رجل الأمن السعودي «طلال» وبينهما الرشاش طغت على صفحات الرياضة في صحف عالمية كبرى. الناس تسأل: ما الحاجة للرشاش في صالة المطار؟ أحدهم يعلق ساخراً: إذا كانت مرافقة ميسي في المطار تتطلب رشاشا فهل تتطلب فرقة مدرعات في الشارع؟ أنا لا ألقي اللوم على رجال الأمن -حاملي الرشاشات- في المطار. لكنني ألوم الجهات المنظمة لعدم اهتمامها بتفاصيل الاستقبال. الصورة -كما يقال- تغني أحياناً عن ألف كلمة. وهاهي صورة ميسي والرشاش تطوف الدنيا كلها وبسببها يتندر علينا العالم ويسخر. أم أن التنسيق بين رعاية الشباب والأجهزة الأمنية معدوم؟ كنت أتوقع من مسؤولي رعاية الشباب، وهم أكثر من يعرف أهمية وجود المنتخب الأرجنتيني في الرياض إعلامياً، وعياً بأهمية أدق التفاصيل عند استقبال الفريق الأرجنتيني وخلال إقامته. ليتنا فقط أضعنا فرصة «إعلامية» ثمينة، ولكننا صنعنا «فضيحة» إعلامية ونحن، بالرشاشات، نستقبل «نجوما» عالميين يتابعهم الصغار والكبار في شرق الدنيا وغربها! إن التنسيق بين كل الجهات المعنية بحدث مهم كهذا مسألة أساسية وضرورية ليس فقط لإنجاح المهمة ولكن أيضاً لاستثمارها إعلامياً الاستثمار الصحيح. أما أن نترك مناسبات مهمة تسير «بالبركة»…

ريادة الأعمال والبيروقراطية

الجمعة ١٦ نوفمبر ٢٠١٢

من أهم أوجه دعم مشروعات الشباب، في دول مجلس التعاون الخليجي، تسهيل إجراءات تسجيل مشروعاتهم وتخفيف تعقيدات البيروقراطية أمامهم. أعرف شباباً في غاية الطموح والتأهيل للبدء في مشروعات صغيرة لكنها مؤهلة أن تتحول مستقبلاً إلى شركات كبرى. العقبة الكبرى التي تواجههم هي في تعقيدات استخراج الرخص التجارية وما يرافقها من رسوم مالية متعبة! قد يكون رأس المال مشكلة للبدء في مشروع تجاري صغير، لكن المؤكد أن البيروقراطية مشكلة أخرى. لا يمكن أن نعامل شركة مبتدئة، لشاب في مقتبل التجربة، كما نعامل شركة كاملة التأسيس وذات إمكانيات مالية وإدارية متمكنة. ولهذا فلابد من إعادة النظر في إجراءات تسجيل الشركات والمؤسسات التي تندرج ضمن “مشروعات الشباب” بما يسهل المهمة أمام الشباب وغلق أبواب الإحباط أمامهم. هنا لابد من التعاون مع المؤسسات التي تعنى بمشروعات الشباب في سعيها للتخفيف من وطأة البيروقراطية ورسوم التسجيل الكثيرة أمام الشباب الداخلين حديثاً في معترك الأعمال والتجارة. وحينما ندعم توجه الشباب نحو ريادة الأعمال فإنما نؤسس لثقافة تدعم تبني الشباب في مجتمعاتنا لأفكار إبداعية ومبادرات جديدة ربما ساهمت في خلق بيئة اقتصادية مختلفة تخفف من وطأة البطالة المنتشرة. كم من مشروع تجاري أو صناعي عملاق بدأ بمبادرة فردية. وكم من فرصة ذهبية وئدت في مهدها لأن صاحبها لم يتمكن من تجاوز عقبات بيروقراطية شديدة التعقيد. العالم العربي…

جوازات السفر!

الخميس ١٥ نوفمبر ٢٠١٢

لا أعرف ما الذي يمنع أن يجدد السعودي جواز سفره في سفارة بلاده؟ أذكر أنني أثناء الدراسة في أمريكا جددت جواز سفري من سفارة المملكة في واشنطن. لكنني في الإمارات اضطررت للسفر للرياض لتجديد جواز سفري، لا أجزم بدقة المعلومة لكنني سمعت أن قراراً صدر قبل سنوات يمنع تجديد الجوازات عبر السفارات. أما إن رزقت بطفل وأنت خارج الوطن فكل الذي تفعله لك سفارة أو قنصلية بلادك أنها تصدر لمولودك وثيقة عبور تعود بها للمملكة حيث يصدر جواز المولود الجديد. كل العرب والأجانب الذين أقابلهم في دبي يجددون جوازات سفرهم ويستخرجون جوازات مواليدهم من سفارات بلدانهم. أم أن بيروقراطيتنا القاتلة لابد أن تميزنا عن بقية خلق الله حتى في استخراج جوازات السفر؟ حينما اضطررت للسفر للرياض لتجديد جواز سفري، وبعد أن أهدرت يوماً كاملاً في إجراءات تجديد الجواز، أدركت أن مسؤولي الجوازات في بلادي يريدون تحقيق المساواة في “المرمطة” بين المواطنين، المغترب منهم والمقيم! فهل يعقل أن تجدد جواز سفرك في قنصلية بلادك في دبي في ساعة أو ساعتين بينما أخوك المواطن يقضي -على الأقل- يوماً كاملاً انتظاراً أمام شاشة الأرقام كي يصل إلى دوره ويجدد جواز السفر؟ قبل أسابيع أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أمراً يقضي بتجديد جواز سفر المواطن الإماراتي في المطار. والعملية ببساطة لا تتجاوز…

سيرة محمد آل زلفة

الأربعاء ١٤ نوفمبر ٢٠١٢

منذ رمضان الماضي، أحمل معي “سيرة حياة” للصديق الدكتور محمد آل زلفة. كتاب يروي سيرة جيل بأكمله لا فرداً تحدى “المستحيل” في أيام صباه وحقق طموحاته العلمية. حملت كتاب آل زلفة في رحلاتي الأخيرة للصين واليابان لكنني لم أستطع إكمال قراءته ليس لأنني عادة أتنقل -في سفري- من كتاب لآخر ولكن لأنني أتوقف كثيراً عند كل صفحة من صفحات “سيرة حياة”. محمد آل زلفة من أفضل من قرأ تجربة الحراك في بلاد السراة قبل طفرة النفط. هو مؤرخ مهم خصوصاً للتاريخ السياسي لمناطق الجنوب لكنه أيضاً من أفضل من قرأ حراك المجتمع وعلاقاته القبلية وحضور المرأة الجنوبية المبهر في كل تفاصيل الحياة قبل “النفط” وقبل غزو “الصحوة”. يؤسفني أن جيلاً جديداً من شباب الجنوب لم يقرأ تاريخه من مصادره الحقيقة، من قصص آبائه وأجداده، من حكايات أمه وجدته، بل صار يستورد تاريخه من مصادر شوهت تاريخه وأهانت قيمه الاجتماعية الأصيلة فابتلع بعضهم الطعم وصدق أن “الصحوة” أخرجته من ظلام وجهل وفسوق. حارب آل زلفة على أكثر من جبهة. لكن الجبهة التي آذته أكثر كانت تلك التي ظن أنها ستفرح وتحتفي بأبحاثه وجهده في استعادة تاريخ قريب كان للقبيلة فيه حضورها الحضاري والإنساني وفي قوانينها وأعرافها ونظرتها المتحضرة للمرأة قيم إنسانية عميقة مستمدة من رؤية دينية متسامحة. محمد آل زلفة ظل…

بشار: النهاية اقتربت!

الثلاثاء ١٣ نوفمبر ٢٠١٢

يبدو أن بشار الأسد استشعر قرب نهايته بعد التحركات الأخيرة لحلفائه الروس في المنطقة. في السياسة، أقرب حلفائك يمكن أن يبيعك في لحظة. الأهم أن بشار الأسد أيقن أن ملايين السوريين الذين خرجوا -في العلن- يطالبون برحيله، وضحّوا بأرواحهم في سبيل حريتهم، لن يتوقفوا للحظة واحدة عن قرارهم في الخلاص من نظام دموي أفسد ودمر كل شيء في حياتهم. في مقابلته الأخيرة مع روسيا اليوم، تستطيع أن تقرأ ملامح الهزيمة في وجه الأسد. لقد ردد ما قاله الطغاة من قبله: لن أرحل من بلادي وسأموت فيها. هو يدرك اليوم أن ما قيل عن «خروجه الآمن» لم يعد ضمانة أكيدة في ظل التحركات الروسية الأخيرة. وستكون مسألة مخجلة لأي دولة تجرؤ على حماية طاغية ارتكب جرائم حرب قلّ نظيرها على مر التاريخ. المعارضة السورية، من جهة أخرى، بدأت تلم شملها وتوحد صفوفها. والجيش الحر يحرز كل ساعة تقدماً نوعياً في عملياته على الأرض السورية. والمجتمع الدولي بات على قناعة بوجوب رحيل الأسد ونظامه. كل تلك معطيات جديدة ومهمة في المشهد السوري الراهن، معطيات تشير بوضوح إلى قرب نهاية بشار الأسد. لم يعد أحد يطيق انتظار «حلول سياسية» فيما قوات الأسد ترتكب المجازر يومياً وطائراته تدك المدن والقرى السورية وتحت أنظار العالم. علينا أن لانستعجل نتائج التطورات الأخيرة في الشأن السوري، بشقيها…

ظلم المدينة

الإثنين ١٢ نوفمبر ٢٠١٢

أستعير العنوان أعلاه من حوار أجريته قبل يومين مع الدكتور خالد بن سكيت، أكاديمي في كلية العمارة والتخطيط، جامعة الملك سعود. فوضى المدينة وسوء تخطيطها وقلة خدماتها وغياب حدائقها وتلوثها كلها مما يندرج تحت ظلم المدينة. الدكتور خالد يروي أنه قابل في ألمانيا سيدتين عرف لاحقاً أنهما شقيقتان. واحدة عاشت مع أبيها في دمشق والثانية مع أمها في ألمانيا. قال: رأيت ظلم المدينة على وجه التي عاشت مع أبيها في الشام! المدن التي لا تضم بين أحيائها حدائق وملاهي للأطفال وأماكن ترفيه عائلي .. مدن باهتة لا لون لها ولا طعم، والمدينة التي تضيع فيها ساعات طويلة من يومك في زحام الشوارع وحفرياتها تنهكك وتسرق وقتك ولا تمنحك وقتاً للتفكير والإبداع. مدننا اليوم نسخ من بعضها في سوء التخطيط وأخطاء التنفيذ وتسليم عنق المدينة لأجهزة بيروقراطية لا تعرف إحداها ماذا تفعل الأخرى. يضحكني من يقول إن بناء الإنسان يأتي قبل بناء العمران، ننسى أن الإنسان ابن بيئته، والبيئة تشمل المكان بخدماته وإمكاناته. لا يمكنك أن تخرج مبدعين في العلوم والفنون والرياضة إن لم تتوفر في المدينة أماكن وخدمات تكتشف فيها الناشئة وتطور مواهبها وهواياتها. قرانا -فيما مضى- كانت أكثر تنظيماً من مدننا اليوم. كان للقرية مداخلها الرئيسية وطرقها ومعالمها. انظر في أحياء مدننا اليوم، لا تعرف لها مدخلاً ولا مخرجاً…

ومسح به «البلاط»!

الأحد ١١ نوفمبر ٢٠١٢

في كثيرمن نقاشاتنا “صراخ” أكثر من “حوار”! ينطلق البعض منا في نقاشه بهدف إسكات صاحب الفكرة الأخرى وليس بهدف مناقشة الفكرة أو تفنيدها. ننظر كثيراً للطرف الآخر في المناقشة على أنه “خصم” لا صاحب فكرة نختلف حولها. ننسى كثيراً الفكرة ونترصد لصاحبها. ننطلق من منطلق “الخصومة” مع الرأي الآخر وليس من منطلق النقاش في الفكرة وتحليلها. استمع أو اقرأ تعليقات البعض على أي حوار يدور بين أصحاب فكرتين مختلفتين لتجد موقف “الخصومة” سيد المشهد. يقولون كثيراً “فلان أسكت فلان”. أو “مسح به البلاط”. أو “ألقمه حجراً”. قرأت مرة تعليقاً لمثقف شاب، تعجبني ثقافته وحماسته، وكان يعلق بأدب وفهم على بعض مقالاتي. لكنني ضحكت على بعض التعليقات المتشجنة على الموضوع. كتب أحدهم: ومسح به البلاط! يا أخي: الرجل لم يمسح بي البلاط ولا غير البلاط بل كتب رأيه المختلف -بأدب- مع رأيي. ما دخل البلاط في الموضوع؟ مرة اختلفت مع صديق حول فكرة لكنني في النهاية اقتنعت برأيه وعبّرت له عن قناعتي بفكرته فإذا بأحدهم “ينط” شامتاً: هل أفحمك؟ قلت: لا لكنه أقنعني! أستغرب دوماً من خوف البعض من الأفكار الجديدة كما لو أن أصحابها يحملون في أيديهم “عصا سحرية” لفرضها على الناس غداً. تراهم يتعاطون مع الفكرة كما لو كانوا في ساحة حرب. كيف تقنعهم أن يتخلوا عن حدتهم وانفعالاتهم…

المثقف و«الشرهة»!

السبت ١٠ نوفمبر ٢٠١٢

تلفت انتباهي تعليقات بعضهم على أي رأي لا يتماشى مع «موجة» الحكم الجديد في بلدان الربيع العربي؛ فما أن تعبر عن حذرك وقلقك إزاء ما آلت إليه الأوضاع في العالم العربي حتى يقفز من يتهمك بأنك «عميل» للأسر الحاكمة في الخليج أو أنهم «قد أسكتوك بالشرهة»! هؤلاء -بمجرد الاختلاف معهم في الرؤية أو الرأي- يقفزون لنتيجة قاطعة جازمة لا تقبل أي احتمال آخر: الشرهة! ولأن «الشرهة» متأصلة في ثقافتنا منذ أيام الجاهلية فمن السهل على بعضهم تمريرها وتبريرها وحتى البحث عنها. لكنني أسأل: لماذا الجزم بأن كل صاحب رأي يتقاطع أحياناً مع رأي السلطة في الخليج إنما يغازل به صاحبه شيخاً أو أميراً أملاً في «شرهة»! ولماذا نتهم كل من يختلف مع «الإخوان» في مصر بالانتماء لصفوف «الفلول»؟ وإن كان خليجياً فهو -قطعاً- قابض شرهة؟ يا أخي: أنا فعلاً قلق أن تعود الأوضاع في تونس ومصر إلى أسوأ مما كانت عليه. وأنا منذ ما قبل الربيع أتوجس خيفة من جماعات الإسلام السياسي. وأنا أؤمن بالتعددية والتنوع في الأفكار والمدارس والرؤى، وعلى قناعة كاملة أن العرب يصنعون ديكتاتورياتهم بالتصفيق والتطبيل لكل رئيس جديد. هذا رأيي، وقد كنت وما زلت مع من صفق لشباب التحرير لكنني لم أصفق يوماً لـ«شيبان» الإخوان. أبهذا الرأي أستحق «شرهة»؟ إذا كان الأمر هكذا، يا الله: احسب…