الجمعة ١٩ أغسطس ٢٠١٦
على عكس النقد الذي وُجّه إلى الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله لتجاهله معركة حلب التي وقعت قبل أيام من إلقاء كلمته الأسبوع الماضي حيث حققت المعارضة السورية تقدماً، يجوز القول إن الكلمة كانت التلخيص السياسي لنتائج المعركة كما فهمها الحزب وكما يسعى إلى استثمارها. ذلك أن العرض الذي قدمه نصرالله بضمان عودة رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة إذا انتخبت كتلة «المستقبل» النيابية مرشح الحزب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، يرمي إلى تكريس ما بدأ يظهر من نتائج للحرب السورية على الواقع السياسي اللبناني. معلوم أن واحداً من العوائق أمام وصول عون إلى المنصب الذي يطمح إليه منذ أكثر من ربع قرن هو الامتناع شبه الكامل لكل نواب «المستقبل» عن مجرد البحث في إمكان انتخابه، ما يحرم عون الأكثرية الساحقة من أصوات السنّة اللبنانيين ويطعن بميثاقية توليه المنصب. والميثاقية تعني هنا توافق التيارات الرئيسة في الطوائف الكبرى – على غرار «المستقبل» في الطائفة السنّية- على الخيارات المحددة لمصير البلاد. وعلى الرغم من حصول عون على تأييد مسيحي كبير بعد تأييد «القوات اللبنانية» لوصوله إلى قصر بعبدا، إلا أن ذلك لا يكفي وفق المعايير اللبنانية ليعتبر الأمر مقضياً. يريد «حزب الله» إذاً إنهاء الاستعصاء الدستوري والميثاقي القائم منذ عامين ونيف بتظهير تصوره لمستقبل الوضع في سورية وتعميمه على لبنان.…
الأحد ٢٢ مايو ٢٠١٦
مقابل كل مئة كلمة تُقال او دراسة تُكتب عن اليسار العربي، بالكاد يمكن العثور على كلمة او دراسة عن اليمين على رغم الفارق الشاسع في مستويات التأثير والسلطة والتأييد التي يتمتع بها كل من جانبي الانقسام السياسي بتعريفه التقليدي. آية ذلك أن امالا عريضة عُلقت، بحق ومن دونه، على اليسار العربي كحامل للتغيير السياسي ومبشر بالتقدم الاجتماعي في البلدان العربية منذ خمسنيات القرن الماضي على اقرب تقدير، مع صعود حركات التحرر الوطني في العالم الثالث وتبني قسم كبير منها الايديولوجيا الماركسية – اللينينية أو لأخذها مسائل العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والتخلف بعين الاعتبار مع الاهتمام بكسر نير الاستعمار الاجنبي في الوقت ذاته. يمكن الحديث اليوم عن نهاية اليسار بصيغته السابقة بعد انقسامه حيال الثورات العربية التي آثرت اكثر قوى اليسار تأييد أنظمة الاستبداد والثورات المضادة على الانحياز الى مطالب الشعوب بالحرية والكرامة بذرائع ما انزل الله بها من سلطان تقوم على الاستبداد يواجه الامبريالية الاميركية وما يدخل في هذا الباب من حجج تتعمد التورية على اسباب اعمق وأكثر جدية سال حبر كثير في شرحها وتفنيدها. المهم أن التطويق والتصفية اللذين تعرضت لهما الفئات التي حاولت اضفاء معنى جذري – تقدمي على الثورات (خصوصا في مصر وسورية) أعاد الصراع الى ساحات اليمين العربي المتنوعة، الدينية والعسكرية. او بكلمات ثانية، أنيطت، مرة…
الجمعة ٢٥ مارس ٢٠١٦
تقول أزمة الصحافة اللبنانية اليوم، بين أشياء ثانية، إن عودة لبنان الى الوراء باتت مستحيلة وإن مأزقه السياسي الخانق بات أعمق من أن يجد حلولاً موقتة في ظل الواقع العربي القائم والصراعات والجبهات المفتوحة على مصاريعها. صحافة بيروت ليست جزيرة معزولة عن محيطها وليست، بالقدر ذاته، ضحية بريئة من ضحايا اخفاقات وحروب خارجية. لقد انغمست الصحافة اللبنانية بكل أشكالها في الاقتتال الأهلي وفي النزاعات الإقليمية الى العنق. ووصلت بها الرعونة في الأعوام القليلة الماضية حد التحريض المذهبي والطائفي والدعوة الصريحة لحرب أهلية جديدة وسلسلة طويلة من الآثام الملازمة لكل من ينخرط في سياسة هذه البلاد وفسادها وحقول القتل المترامية فيها وحولها. وإذا كانت الصحافة لا تهتم إلا بالتعرض لخصوم مموليها ولا هدف لها غير تملّق هؤلاء الممولين والتذلل لهم وتغيير سياستها يومياً لتتلاءم مع ضرورات المموّل حتى لو كان مجرم حرب وسارقاً للمال العام وتفوح رائحة فساده في البلاد بأسرها، فللقارئ الحق في التساؤل عن معنى وجود هذه الصحيفة او تلك، باستثناء تأمينها الجرعة الصباحية من الكراهية والانغلاق والحقد، فيما تتولى توفير الجزء المسائي محطات تلفزيونية يديرها من لا يقل تذللاً وكراهية عن «زملائه» في الصحافة المطبوعة. أي خدمة عامة تؤمنها الصحافة؟ أي قيم تروج لها؟ أهي المقاومة والممانعة ورؤية سطحية للقضية الفلسطينية جرى استهلاكها وغسلها وكيّها ثم بيعها وشراؤها…
الجمعة ١١ مارس ٢٠١٦
رغم السمة الداخلية للحملة الانتخابية الأميركية، حتى الآن، يتعين الانتباه إلى أن غياب مسائل السياسة الخارجية التقليدية عن مواقف المرشحين من الحزبين، يشير إلى استمرار السياسة الحالية التي أرساها الرئيس باراك أوباما. في المواجهة التي جرت أول من أمس بين المرشحين الساعيين إلى الفوز بتسمية الحزب الديموقراطي لهما، هيلاري كلينتون وبارني سندرز (وخصصت تقريباً للجمهور المتحدر من أصول أميركية لاتينية)، اتفق الاثنان على الإشادة بسياسات أوباما في المجالات الداخلية وفي انفتاحه على أميركا الجنوبية والتسوية مع كوبا. أما المنافس على ترشيح الحزب الجمهوري دونالد ترامب فتبدو مقاربته للسياسة الخارجية أقرب إلى مناخات الانعزالية الأميركية السابقة للحرب العالمية الثانية. المواقف من المسلمين والمكسيكيين ودعوته إلى «بناء جدار عال وجميل» عند الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لوقف هجرة اللاتينيين، لا تتعارض مع استمرار إدارة أوباما في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الآتين من الجنوب بالقوة. بهذا المعنى، يقتصر حضور السياسة الخارجية في الحملات الانتخابية التمهيدية على مسألتي الهجرة والإرهاب، من دون أن يلغي ذلك إمكان بروز القضايا الخارجية بعد اختيار الحزبين الديموقراطي والجمهوري مرشحيهما في المؤتمرين الحزبيين مطلع الصيف المقبل. بيد أن الاعتقاد بإمكان صوغ سياسة خارجية أميركية على النحو الذي كانت عليه في عهدي جورج دبليو بوش أو رونالد ريغان، لن يكون في محله. لقد ولّت أيام التدخل الأميركي المباشر والكثيف في السياسات…
الأحد ٢٨ فبراير ٢٠١٦
سيجد لبنان نفسه وحيداً إذا تدهورت أزمته الحالية مع دول الخليج العربي وتحولت إلى مواجهة ديبلوماسية. فليس لدى لبنان اليوم حلفاء على استعداد لتقديم أي نوع من التضحيات دفاعاً عن سياسة خارجية خرقاء وضعت الحكومة اللبنانية في تناقض مع الإجماع العربي. وقع لبنان في الهوة الفاصلة بين معسكرين يرتفع منسوب التوتر بينهما ويكاد يتحول صراعاً عسكرياً مباشراً. بين المعسكر السعودي الذي تتحلق حوله دول الخليج وأكثرية الدول العربية، وبين المعسكر الإيراني. لم ينفع تذاكي وزير الخارجية اللبناني ولا البيانات التي أصدرتها وزارته في محو الشعور بالإهانة في الرياض لرفض لبنان إدانة الاعتداء على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد. قادنا انعدام السياسة المسمى «النأي بالنفس» إلى أن نجد أنفسنا في الخندق الإيراني من الصراع الدائر والتحول إلى الطرف الأضعف والمعزول في الحرب الإعلامية والسياسية المستعرة. وعلينا ألا ننتظر نجدة من أحد، ذلك أن الانقسامات اللبنانية كفيلة أيضاً بمنع وصول المدد من أي جهة. وهو الانقسام ذاته الذي ساهم مساهمة أساسية في صوغ فكرة «النأي بالنفس» التي تعبر من ناحية عن العجز عن تشكيل إجماع وطني حول قضايا المنطقة ومن ناحية ثانية عن الهشاشة الفائقة حيال هذه القضايا. فلم يكن اللبنانيون بقادرين على إعلان موقف موحد من الثورة السورية ولا من نظام بشار الأسد من جهة، ولم يكونوا قادرين على التخلي…
الأحد ٢١ فبراير ٢٠١٦
لا تنقص أنصار «حزب الله» والتيار الوطني الحر السينيكية للتقليل من أهمية قرار الرياض وقف مساعداتها للجيش وقوى الأمن الداخلي في لبنان. الحزب سارع إلى إصدار بيان تبرأ فيه من مسؤوليته عن القرار فيما تفتق ذكاء «التيار» عن سيناريو يعيد القرار إلى تطورات داخل السعودية. الخفّة في التعامل مع مصالح لبنان ليست جديدة على هاتين القوتين اللتين انخرطتا في الترويج لتحالف الأقليات والاستثمار في مناخ الكراهيات الطائفية والمذهبية السائد اليوم. ومعروف أن الحزب والتيار شككا في جدية الهبة السعودية وبلغ الأمر ببعض المتحدثين المقربين من الحزب الزعم أن الدفعة الأولى من المساعدات المخصصة للجيش، والتي وصلت العام الماضي، غير صالحة للاستخدام لأن صواريخ «ميلان» المضادة للدروع «مستها الرطوبة» في مخازن الجيش الفرنسي... غني عن البيان أن «حزب الله» ينظر بريبة إلى بناء الجيش اللبناني لاعتباره أن إتمام عملية بناء قوات مسلحة تابعة للدولة سيسحب منه ذريعته الأثيرة بالدفاع عن لبنان في وجه أي عدوان إسرائيلي ممكن. وهي المهمة التي تطورت في الأعوام الماضية لتشمل صد محاولات الجماعات التكفيرية العمل في لبنان، وذلك من ضمن رؤية الحزب للبنان كورقة وساحة للاستراتيجية الإيرانية لا أكثر. وما تعطيله انتخاب رئيس للجمهورية رغم التنازل الكبير الذي قام به الطرف الآخر بتبني مرشحَّي الحزب (ميشال عون وسليمان فرنجية)، إلا عينة على تصور الحزب لما يجب…
الجمعة ١٩ فبراير ٢٠١٦
داعبت فكرة تصدير النفايات مخيلة اللبنانيين فترة. يليق ببلاد الأرز ان تكون خالية من المهملات وأن توكل عبء معالجة بقاياهم المنزلية الى من يمتلك وقتاً وموارد يصرفها في علاج ما تخلف من استهلاك اللبنانيين سلعهم ومآكلهم وشتى امور حياتهم. اول ما حملته الإشاعات عن التصدير جاء بعد اسابيع قليلة من اندلاع أزمة النفايات في تموز (يوليو) الماضي. قيل يومها ان لبنان سيصدر نفاياته الى ألمانيا والسويد. اعتز اللبنانيون مثلما اعتزوا يوم استقبلوا الانتداب الفرنسي بأبيات الزجل عن «فرنسا أم الدنيا عموم. اعتزوا يا لبنانيي». صحيح ان بلدك سيقع تحت الاحتلال، لكنه الاحتلال الفرنسي المتحضر. وصحيح انك عاجز عن ايجاد حل لمشكلة ببساطة مشكلة نفاياتك المنزلية لكنك ستصدرها الى دولتين غربيتين صناعيتين. لم يدم اعتزاز اللبنانيين طويلاً. لقد تبين أن السويد وألمانيا تستوردان نفايات لكن ضمن شروط صارمة لاستخدامها لتوليد طاقة نظيفة. وبين النفايات التي تسمح لها الدولتان المذكورتان بدخول اراضيها وبين حالة النفايات اللبنانية، بون شاسع تجوز مقارنته بالبون الفاصل بين لبنان وكل من السويد وألمانيا. ثم جاء من يقول ان زبالتنا ستُصدر الى دول افريقية. تقبل اللبنانيون هذه النكسة على مضض. لا بأس. فإن كنا لسنا في مصاف الدول الأوروبية الصناعية، نبقى في كل الأحوال افضل من الدول الإفريقية وأكثر تقدماً وسنرسل لها نفاياتنا لتدفنها في اراضيها الشاسعة. ثم…
الجمعة ١٩ يونيو ٢٠١٥
عناصر «داعش» في العراق بعثيون وخليجيون، ونظراؤهم في سورية عراقيون وأجانب. هكذا جاءت الفتوى الجازمة في أصل وفصل «الدواعش» وخلفياتهم وما يمثلون. المجتمعان العراقي والسوري واستطراداً المجتمعات الأخرى التي تنشط «الدولة الإسلامية» فيها، مجتمعات بريئة من الإثم «الداعشي». وهذه ليست إلا مؤامرة دُبرت في ليل أقبية الاستخبارات البعثية- الأسدية- الإيرانية. الروايات الكثيرة عن نشوء التنظيم وتحوله الى همّ وخطر رئيس يهدد ما تبقى من هياكل الدول في المشرق العربي، تغفل في الغالب الأعم عن تناول انتشاره وامتداده بين السكان والولاءات المحلية التي تحميه وترفده بالمال والمقاتلين والمخططين ومنظمي الحياة اليومية في مناطقه المترامية المساحات. تقول الخرافة إنه جهاز أمني هبط من مكان مجهول وفرض سطوته بالقتل والدم والإرهاب. دعونا نقرّ أن في هذه القصة أقل من نصف الحقيقة، وأن أبلسة التنظيم الشاملة وردَّ أفعاله وصعوده ونجاحاته وهزائمه الى فاعلين مجهولين ينطوي على نوع شديد الضحالة من نظريات المؤامرة ومن الروايات البوليسية الرديئة. جداول ضحايا القتل منذ أربع سنوات، تضع «الدولة الإسلامية» في مرتبة متواضعة عددياً مقارنة بنظام بشار الأسد مثلاً، لكنها تتقدم عليه في استعراض العنف وتأطيره «مشهدياً» والترويج له لغايات الدعاية السلبية المطلوبة بشدة من التنظيم. إذا سلمنا أن الآلاف من المقاتلين الأجانب من مشارق الأرض ومغاربها جاؤوا إلى العراق وسورية وانضموا إلى «داعش»، تنهض حينئذ مجموعة من الأسئلة…
الجمعة ١٦ يناير ٢٠١٥
المشكلة في النص الديني. المشكلة في المجتمعات العربية والإسلامية. المشكلة في النص وفي المجتمعات معاً. لا مشكلة لا في النص ولا في المجتمعات، بل في السعي الغربي لفرض سيطرته على المنطقة العربية. هذه أربع مقدمات انطلقت منها أكثر النقاشات التي أعقبت جريمة «شارلي إيبدو». ثمة من حمّل الإسلام المسؤولية الكاملة عما جرى باعتباره ديناً يحضّ على العنف في آيات وأحاديث معروفة وأن القتلة تصرفوا بوحي من هذا «المحمول الثقافي». آخرون رأوا أن النصوص موجودة منذ مئات الأعوام وليس ما يفسر العودة إليها واستخدامها كمسوغات لأعمال إرهابية غير الأزمة العميقة التي تعيشها المجتمعات العربية - الإسلامية والصادرة عن تضافر الفقر والاستبداد وآثار العولمة الأحادية الجانب. الفريق الثالث لفّق بين الرؤيتين الأولى والثانية وصوّب نحو مسؤولية البنية الثقافية– الدينية في تعميم العنف داخل مجتمعات مأزومة. رابع المفسرين، أعاد كل شيء إلى التاريخ الحديث وما تركته أعوام الاستعمار وتلك التي تلته من تدمير للمجتمعات القديمة التي انتقل ممثلوها الغاضبون الى قلب الغرب، ناهيك عن المحاولات الغربية الدائمة لإخضاع المجتمعات وإذلالها. لكل فريق نصيب من الوجاهة، ولكل مقاربة سهم من الصواب. ويصح بلا جهد كبير، تركيب صورة تقوم على الجمع بين العناصر المذكورة أعلاه والتي يمكن الاستطراد في شرحها وتفسيرها الى ما لا نهاية. فوق المقاربات هذه، تطفو فكرة راج تداولها أخيراً: الإسلام في…
الجمعة ٢١ نوفمبر ٢٠١٤
في منتدى عُقد في عاصمة خليجية قبل أسابيع قليلة، وبعد احتدام السجال بين المشاركين العرب والإيرانيين، تدخل مدير الجلسة الأميركي قائلاً: «أتمنى على الزملاء العرب أن يقدّروا أن إيران وُجدت هنا لتبقى». لم يعجب الكلام الأميركي المتحدثين العرب لكنه انطوى على تذكير ببداهات السياسة والتاريخ والاستراتيجيات في هذه المنطقة. ومع انتهاء المدة المفترضة للتوصل إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني الإثنين المقبل وبعد المفاوضات في عُمان ورسائل الرئيس باراك أوباما إلى مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، لا بأس من التذكير ببعض البداهات هذه. أولها أن إيران دولة مركزية في المنطقة، قبل ثورتها في 1979 بزمن بعيد. ومساحتها الكبيرة تضعها في قلب المعطى الاستراتيجي في المنطقة بغض النظر عن طبيعة النظام القائم فيها. يضاف إلى ذلك امتلاكها احتياطيات ضخمة من النفط والغاز وكتلة بشرية تمتاز بمستوى مقبول من التعليم والثقافة (مقارنة بالدول المحيطة) كما أن الدولة والبيروقراطية كبنية مستقرتان الى حد بعيد في الوعي الإيراني. ومما يتجاهله الباحثون العرب هو أن طهران كانت على مدى عقود «شرطي الخليج» بتكليف أميركي ورضى عربي واضحين. وما زالت آثار ذلك الدور ماثلة في احتلال إيران ثلاث جزر إماراتية، رفضت الحكومة «الثورية» إعادتها متبنية تبنياً حرفياً موقف حكومة الشاه التي احتلت الجزر مطلع السبعينات من القرن الماضي. من جهة ثانية، يقول المسؤولون الأميركيون إنهم لا…
الأربعاء ٠٨ أكتوبر ٢٠١٤
ليست وظيفة العالم إنقاذ المدن المحاصرة. على العكس تماماً. فـ»العالم» مُمثلاً بقواه المؤثرة، هو الذي يزج المدن في حالات حصار ميؤوس منها لتكون مهمته بالضبط هي التفرج على المحاصرين يبادون على أيدي أعدائهم. قبل أسابيع قليلة، مارس العالم وظيفته هذه ووقف صامتاً أمام مذبحة رهيبة تعرض لها أهل غزة المطوقون منذ أعوام عدة من الشقيق ومن المحتل سواء بسواء. كانت معدلات الضحايا المدنيين اليومية تزيد على المئة. استعرضت الشاشات أشلاء الأطفال والأطراف المبتورة والرؤوس المهشمة بفعل الآلة الوحشية الإسرائيلية. وفاق الدمار الوصف وأتى على ما يشبه البنية التحتية التي أشادها الغزيون متحدّين صعوبات خارقة. وباستثناء تظاهرات محدودة الأهمية والأثر وبعض التحركات في الأوساط الأكاديمية واليسارية، التزم العالم اللامبالاة والتجاهل. انتهت الحرب وبقي الحصار. في رام الله 2002 وسراييفو 1992-95 وبيروت 1982، كانت الحالات متشابهة. العالم، ببساطة ووعي، لا يريد التدخل. المأساة الإنسانية لا تعنيه والحسابات السياسية الباردة تتولاها نخبة (في الدول الديموقراطية) أو طغمة (في الدول المشابهة لدولنا)، تُحسن إدارة العلاقات العامة والتوجيه الإعلامي وتسويق المواقف. ومن السهولة بمكان إلقاء اللوم على المحاصَرين وتحميلهم وزر الخطايا التي أفضت إلى وقوعهم بين براثن الوحوش المهاجمة. فياسر عرفات، على سبيل المثال، فجّر انتفاضة لا أفق سياسياً لها. ومسلمو البوسنة يطالبون باستقلال لا يستحقونه، ورعونة منظمة التحرير وتورطها في الحرب الأهلية استدرجا إسرائيل…
الجمعة ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤
لا يحتاج المرء إلى ذكاء ومعرفة كبيرين ليدرك أن الجيش اللبناني، مثله مثل غيره من مؤسسات الدولة اللبنانية، يعكس في سلوكه موازين القوى السياسية في البلاد قبل الاستراتيجية الدفاعية (غير المتفق عليها الى اليوم) والحاجات الأمنية. ويمكن كتابة تاريخ الجيش في لبنان، منذ إنشاء "أفواج الشرق"، باعتباره مرآة للتاريخ السياسي بتفاصيله وتوازناته وأزماته وصراعاته. والأعوام العشرة الماضية، منذ بدء موجة الاغتيالات التي قدّمت للأزمة الراهنة، دليلاً لا يحتاج نقاشاً عن ميل الجيش مع الريح، بغض النظر عن مصدرها ووجهتها. ومنذ أحداث عرسال في آب (أغسطس) الماضي، بدا أن ثمة ضغطاً شديداً تتعرض له المؤسسة العسكرية لحملها على المشاركة في الحرب السورية ضمن معسكر النظام وحلفائه. وأسدت وسائل اعلام "الممانعة" خدمة نادرة لمتابعيها بتظهيرها تظهيراً يومياً مزاج وموقف قادة فريقها من الجيش وبانتقالهم في أقل من 48 ساعة من كيل المدائح لكل الجنود والضباط وصولاً إلى قائدهم، إلى ما يداني الشتائم الصريحة والاتهامات بالتخاذل بعدما رفض الجيش اقتحام عرسال معللاً ذلك برفضه ارتكاب مجزرة بحق المدنيين من اهالي البلدة واللاجئين السوريين فيها، في وقت يحتجز مسلحو "داعش" و"النصرة" عشرات الجنود اللبنانيين اسرى لديهما. أرسل النظام السوري تحذيرات أقرب الى التهديدات طالباً من الحكومة والجيش استئناف التنسيق الأمني معه، وضغط في السر والعلن، في السياسة والميدان، لإشراك الجيش في معارك القلمون التي…