جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

متى كبرنا ؟

السبت ٢٦ أكتوبر ٢٠١٣

(“الأخبار السيئة هي أن الوقت يطير.. والخبر السار هو أنك أنت الطيار”) مايكل التشيلر كم نتمنى أن ينسانا الوقت، نهرب خلسة عنه ويتوقف حيث لا زمان ونبقى على شفا الزمن لا ننتظر أحداً، وكما يقال إن قمة الحرية هي ألا تنتظر شيئاً أو أحداً. كالأطفال على لعبتهم يدورون عليها وتدور بهم، يتغير كل شيء حولهم ويبقون هم الأطفال وتبقى لعبهم. متى كبرنا؟ كيف هرب ذلك العمر الجميل متسللاً من بين أيادينا؟ من فتح له نافذة الوقت؟ وساعده على الهروب من شرفة حياتنا. مازلت اذكر ملامحه، وفي وجهي بقايا من بقاياه، أقلب صفحاتي، أنظر إلى الصور وأعلم يقيناً أن الوقت لا ينتظر. ما يبقى من الزمن الجميل سوى الذكرى وبقاياهم، أحياناً الذكريات أشد وقعاً على النفس من الحاضر، تفعل فينا ما لا يقدر أن يفعله واقعنا الذي نعيشه الآن. نحن أمة تعشق الماضي، تعيش بين ثناياه وتسافر إليه في خيالاتها وقضاياها الكبرى، هرباً من واقعها، بحثاً عن الحلول، المستقبل لديها ليس خياراً أولياً عند التفكير والتخطيط، يتغلب عليه الماضي بسهولة، ويقول كلمته ويفرض آراءه قسراً عليها. كيف نتركه وهو جزء منا، بيديه شكلنا، مستودع الأسرار والحكايات عندما ننظر خلفنا نجد كل ما تركناه وراءنا، ونجدهم أيضاً يلوحون بأياديهم لنا، يقولون لنا ارجعوا إلينا نحن ذكريات الزمن الجميل، أفضل الأوقات، لا نزال…

السفر في دواخلنا

السبت ٠٥ أكتوبر ٢٠١٣

لماذا نحاول هذا السفر؟ وكل البلاد مرايا..و كل المرايا حجر! محمود درويش هناك عوالم شاسعة تحيط بنا وفي داخلك يوجد عالم شاسع آخر! السؤال: هل حاولت استكشافه؟ و شد الرحال إليه؟ أن تتعمق فيك وفيما تريد أكثر وأن تفهم نفسك أكثر، أن تضيع في اتجاهاتك لتعرف اتجاهك وتتأكد من صحة طريقك. في أعماقنا شخصياتنا المخفية والمنسية أيضاً، نحمل الكثير ونخفي الكثير وفي زحمة الوقت، نضيع خلف الأقنعة وتضيع خلفها أجزاء منا، تركناها في غرفنا الداخلية، غرفنا المهملة، من يرتبها غيرنا. نحتاج أن نسافر سريعاً في رحلة مختلفة، نغترب فينا، غربة اختيارية نتدارك أنفسنا وخلوة حقيقية لنعرف ماذا نريد؟ ولماذا نريد؟ ما يحيط بنا أحياناً يشتتنا ويضطرب معه تفكيرنا، وهذه هي الحياة مسافات نقطعها، وهي في الحقيقة تقطعنا! نبحث عن السلام في الاتجاهات، نسافر بعيداً، نبحث عنه وهو موجود في داخلنا. في هذه الرحلة لا تحتاج الكثير، تذاكرك موجودة ومقعدك محجوز بضغطة زر من وقتك ينقلك تفكيرك إلى ما بينك وبين نفسك لا تحتاج حواسك! هي للعالم الخارجي، أما عالمك الداخلي فتقنياته مختلفة. لا تحتاج الكثير لتعرف أن الحب والطاقة في داخلك موجودان والكثير من قدراتك المخبأة في نفسك تنتظرك. تحتاج في هذه الرحلة إلى أن تجلس في مقاعد الصمت والهدوء وأن تكتشف عالمك بنفسك وتعيد ترتيب أولوياتك وما تريد وتنفض…

من الذي قضم التفاحة؟

السبت ٢١ سبتمبر ٢٠١٣

«الحدس غير حياتي، والتحضير والعمل الجاد مهم لتنفيذ هذا الحدس» تيم كوك في مؤتمر شركة أبل لعام 2013 لإطلاق الإصدار الجديد لــ «آي فون» وقف تيم كوك الرئيس التنفيذي للشركة على المسرح بكل فخر وتواضع! وكالعادة كان الحضور مبكراً بانتظار الحدث الأهم في هذا العالم التقني المتغير كل يوم. بدأ الإعلان وتحدث تيم كوك عن الشركة وإنجازاتها وكان يحوم في المكان شبح المؤسس «ستيف جوبز» بقميصه الأسود وإبتسامته القصيرة الجادة، كأنه يحتفل معهم ويشاركهم إنجازاتهم ويقول لهم: لقد تركتكم ولم أترككم! وأنا الذي قضم التفاحة. إنجازك يبقى بعدك ويسافر العالم بالنيابة عنك ومهما حاول الفريق الجديد وضع بصماتهم تبقى بصمتك حاضرة في كل الأمكنة، أنت مرحلة مهمة إذا أردت أن تكون كذلك، الاختيار بيدك والطريق أمامك، ستبقى إذا أردت أن تبقى. كان تيم كوك مقنعاً في حديثه وبصماته واضحة ولا أعرف الكثير عن الأمور الإدارية والمالية في الشركة لكن لدي إحساس أن هذا الرئيس التنفيذي الجديد سيترك بصمته على هذا الشركة الأبرز عالمياً. «إن بناء السمعة يستغرق 100 عام، إلا أن تشويهها يستغرق 5 دقائق فقط. إذا فكرت في هذا الأمر ملياً فستغير الكثير من تصرفاتك» وارن بوفت جدلية المنصب الجديد وإدارة المؤسسات والشركات الكبرى المهمة مستمرة وتتطلب خبرات وأشخاص مؤهلين وأحياناً يوكل الأمر لأشخاص مغيبين في السابق، وبجهد مميز…

حكمة المجهول

السبت ٠٧ سبتمبر ٢٠١٣

(ومن يتهيب صعود الجبال.. يعش أبد الدهر بين الحفر) أبي القاسم الشابي نقف على بابه. نخاف أن نفتح. نخشى أن نتقدم، لا نعرف ماذا ينتظرنا في الضفة الأخرى من حياتنا. بعضهم قد فتح الباب وانطلق وآخرون ما زالوا ينتظرون. إنه المجهول ما لا نعرفه عنه أكثر من ما نعرفه، إنها الرهبة من أشياء لا نعرفها، الخوف من غد و مما يحمله لنا الغد. لا نعرف ماذا ينتظرنا. الخطوة الثانية محسوبة، نلتفت ذات اليمين و ذات اليسار قبل أن نخطوها، نخشى أن نقع و لا ينتشلنا أحد، تقلقنا الوحدة و الغربة و المغامرة، و أن ينتهي بنا الطريق إلى لا مكان. في جعبتنا الكثير من الأحلام، أغلبها على قائمة الانتظار، و كم طالت انتظاراتنا!. هناك شيء يمسكنا و يحد من انطلاقتنا، لا نجد له تفسيراً مقنعاً، يطيل من جلوسنا. ننتظر التغيير أن يغيرنا و لا نبادر إلى أن نغير من أنفسنا. يقول ديباك شوبرا: ليس عليك أن تحمل أي أفكار، ماذا سيحدث هذا اليوم أو هذا الأسبوع؟ آمن بحكمة المجهول، إيمانك به يعني إنك على الطريق الصحيح!. لا بد أن تحدد مصيرك بنفسك و أن تواجه مخاوفك و تصارع التردد بداخلك. الحياة بحر عميق و طريقك طويل، لن يفيدك أبداً أن تقف على الشواطئ تنتظر و تناظر الأمواج. لذة العيش أن…

قل لهم عن الحلم يا مارتن

السبت ٣١ أغسطس ٢٠١٣

«أقول لكم يا أصدقائي، بالرغم من الصعوبات والإحباطات، مازال لديّ حلم...» مارتن لوثر كنج وأنا أكتب هذه الكلمات كان يصادف الذكرى الخمسين لخطاب مارتن لوثر كنج، هذه الخطبة التي صنفت كأهم الخطب الأميركية في القرن العشرين. أمام أكثر من ربع مليون شخص من مناصري الحقوق المدنية، قرأ الخطبة وارتجل النهاية وقال جملته المشهورة التي أصبحت مقرونة به: «لديّ حلم». في ذلك الوقت كان يحلم بالمستقبل وبحياة أفضل. تحدث عن المساواة والعدل بين جميع فئات المجتمع. أراد أن تصل رسالته ولو عن طريق الحلم!. في عام 1964 أي بعد سنة من خطبته المشهورة صدر قانون الحقوق المدنية في الولايات المتحدة وبدأ عصر جديد ينبض في هذه الدولة العظمى، وبسبب دعوته إلى اللاعنف نال مارتن لوثر كنج جائزة نوبل للسلام في نفس هذه السنة وهو في الخامسة والثلاثين ليصبح أصغر من حظي بهذا الجائزة العالمية. ظل يتحدث ويحلم إلى أن اغتيل بعدها بأربع سنوات في ولاية تينسي على يدي أحد المتطرفين الذين يؤمنون أن الحياة خلقت لهم وحدهم وعلى طريقتهم. كان يملك الكثير من الخيارات لإيصال رسالته وحقوق مناصريه واختار اللاعنف وقدم حياته ثمناً لمبادئه. كان متيقناً أن العنف لا يحل القضايا. كان هو وكلماته في قلب المعركة ولم يؤذِ أحداً، ولم يطالب بالسلطة، بينما نجد اليوم بعض الجماعات تقتات بالعنف وتدفع…

الأشياء لا تعود كما كانت

السبت ١٧ أغسطس ٢٠١٣

الغيمة التي رأيتها بالأمس لن ترجع لمكانها غداً أتأمل في الزمن و أنظر إلى جميع الأشياء فيما حولي وأزداد يقيناً أنها لن تعود كما كانت. الحياة مراحل ولكل مرحلة طبيعتها ورونقها الخاصين، اللحظات لا تتشابه ونحن أيضاً لا نشبه أنفسنا في مسيرة حياتنا. اللحظات المنقضية قد انقضت ولن تعود ثانية بنفس تفاصيلها ولن نعود نحن أيضاً كما كنا. هذا الزمن العنيد يغيرنا غصباً ويفرض أوامره قسراً، لهذا غداً دائماً زمن مختلف ولن يكون مثل الأمس وهذه ليست نظرة تشاؤمية لأن لكل زمن جماله لكنها دعوة للاستمتاع بالجمال القادم واقتناصه من ثنايا المستقبل. أن تعيش اللحظة كما هي وكما تريد وأن تتأملها وتعرف جيداً أنها لحظتك التي لن تتكرر ثانية وأن بمقدورك عمل الكثير في هذا الوقت المتاح لك وأن تنجز أكثر مما تتوقع، أنصت ملياً وتحرك سريعاً، الوقت لا ينتظر، دائما الزمن ينظر إليك من الأمام ويدعوك بأن تسبقه، سباق طويل لا فرصة لديك حتى لتنظر خلفك. في هذه الحياة يا صاحبي جدلية الوقت ومعادلة الزمن هي التي تحكمنا! الوقت غالٍ وأنت تتعامل مع أغلى ما تملك، عليك بالحذر قليلاً حتى لا تفقد الغالي وتفقد أغلى ما تملك. هل تعود الأشياء كما كانت؟ ما يحزن في الذكريات أن اللحظات الجميلة معهم لن تعود وإن عادت لن تكون كما كانت، نسخة…

رسالة إلى صديق.. مع التحية

السبت ١٠ أغسطس ٢٠١٣

«البعض يلجأ للكهنة والبعض يلجأ للفلاسفة والشعراء لكنني ألجأ إلى الأصدقاء».. فيرجينيا وولف دائماً معك أينما كانوا، حاضرين في الذاكرة، عدم وجودهم لا يعني غيابهم، قريبين جداً رغم بعدهم، في حديقة قلبك مكانهم يفهمون لغتك رغم صعوبتها، يحللون بسهولة تعابيرك، يقبلونك بكل أخطائك وتقبلهم بكل سلبياتهم. هذا ليس لغزاً لكنك ستعرف الجواب إذا قرأت معي وتدبرت معنى هذا المثل القديم: «أمسك الصديق الحقيقي بكلتا يديك» لا تدعه يفلت منك ولابد أن يكون صديقاً حقيقياً، فالأصدقاء المزيفون حولك مقيمون في صالة حياتك! من البساطة في علاقات الصداقة أنك لا تحتاج أحيانا أن تشرح بتعمق مشاعرك وما يقلقك وإذا كنت تملك الصديق المناسب ستصبح المسألة نوعاً ما سهلة. («عندما يرحل الذي نحبهم يأخذون معهم كل أشياءهم الصغيرة الا ابتساماتهم واسئلتهم فهي تبقى معنا».. واسيني الأعرج). كل صديق مخلص تفقده سيرحل ويأخذ معه أجزاء منك، كل جزء يحمل قصص حياتكم وأوقاتكم الخاصة والتفاصيل المشتركة بينكم. وأعتقد أن أي صديق جديد لا يستطيع أن يملأ ثقوب الماضي أو يعوضنا عن صديق رحل، من يستطيع أن يرجع اللحظات معهم؟ من يعوضنا عنهم؟ كل من رحل، نحمل في دواخلنا اسمه الذي لن يتكرر. لكل قادم مكانته ودوره المهم في حياتنا، لكن بعض من غادرنا يبقى مكانه شاغراً، نفتح بحب قلوبنا، نستقبل القادمين الجدد ونهمس برفق، هذه…

الكرسي الذي أمام البيت

السبت ٢٧ يوليو ٢٠١٣

«وقد نهفو إلى زمن بلا عنوان.. وقد ننسى وقد ننسى.. فلا يبقى لنا شيء لنذكره مع النسيان.. ويكفي أننا يوماً، تلاقينا بلا استئذان» فاروق جويدة يجلس أمام بيته، فارغ من كل هموم اللحظة، تجلس معه ذكرياته، وسنين عمره التي انقضت كلمح البصر، يتمتم إنها السبعون ماذا بعدها؟ يحدث نفسه ويهمس لخريف العمر الممتد متى ستنتهي؟ خطوط يديه قصص لن تنتهي، يسلم على كل الغرباء والعابرين، يوزع ابتساماته المشرقة المريحة، ويدعوهم لقهوته المرة، يرمي البذور ليطعم الحمام الزائر، لم ينس يوماً قوتهم أو يمل منهم ولم ينسوا زيارته يوماً. قال لي: أن الطيور كالبشر لا تهاب من مَن يعطيها الحرية والأمان، تخاف فقط من الذي يقتل فيها الحرية. جلست معه أنبش في قبر ذكرياته، أبحث عن حكمة الأيام، أريد أن أعرف سر ابتساماته وتألق نظراته. لم أشأ أن أثقل عليه الأسئلة وعندما تبادلنا أطراف الحديث لم يشأ أن يثقل عليّ الأجوبة هكذا كانوا أخفاء على القلوب. كنت أحاسب وأفكر في وقته، وكان هو أيضاً يفكر في وقتي، غادرني عندما سمع صوت الأذان وبقيت كلماته تسافر معي. قال لي قبل أن يغادر ببساطته وهدوءه: - انه عرف مبكراً جداً أن الهموم لا تدوم ونهاياتنا دائماً متشابهة.. لا أملك الكثير لكني غني براحة البال. يبدأ يومي وينتهي بدعاء وابتسامة. أعرف الكثير. وأهم ما…

زايد.. سيد المكان

السبت ٢٠ يوليو ٢٠١٣

يأتي رمضان، ويعقبه رمضان آخر، وأنت الغائب الأكبر، نفتقدك بحجم غيابك، بصدمتنا في فقدك، وحزننا لرحيلك، ويمضي رمضان، ولا تزال أعيننا للسماء وقلوبنا تهفو لك ولأجلك، لا نعلم إلى ماذا ننظر وننتظر! محصن بالدعوات، مشيع بالبركات ولا تزال أكفنا مرفوعة، ندعو لك، علنا نرجع بعض من خيرك، بعض من حبك وتفانيك لأجل شعبك. منذ رحلت وتركتنا نحن اليتامى بعدك، ثكلى بدونك، شعبك يا سيدي يحن لك. أينما وجد الخير وجدت، اسمك بعدك يسافر في كل الاتجاهات، يميناً إذا كان العطاء يميناً، ويساراً إذا كان الجود يساراً. زايد الخير.. كيف قدر لهذا الاسم أن يخترق القلوب، ويبقى أثراً أبدياً في كل قلب. نفتقدك كما لم نفتقد أحد! لغيابك صمت الحزن، ولرحيلك صوت الألم. منذ أن رحلت يا سيد المكان لم تعد الأشياء كما كانت هي الأشياء! مبعثرة مشاعرنا، من يرتبها؟ ويرتبنا بعدك؟ المكان مثلنا يفتقدك، والزمان يا سيد اللحظات بكل دقائقه الثقيلة وجموع الثواني البطيئة يشتاق لك. منذ أن رحلت، ووهج حضورك لا يزال بريقه يشع في كل الأمكنة، يضيئ طرقنا، يوجهنا، ويذكرنا بك. سيدي، رحيلك غير خريطة قلوبنا، وتفاصيل أحاسيسنا، وأشكال مشاعرنا، كنا نخاف أن ننكسر بعدك، ولا نقوى على المسير، وكنا نخشى أن تضيع خطواتنا في زحمة الدروب، حتى أتى خليفتك، وانتشلنا من مخاوف أوهامنا، إلى واقع حياتنا، ووضعنا…

انتصارات وانكسارات

السبت ١٣ يوليو ٢٠١٣

( إن العالم يفسح الطريق للمرء الـذي يعرف إلى أين هو ذاهب)... رالف و.إمرسون كنت أتحدث مع صديق عن تربية الأبناء، عن مستقبلهم، وماذا ينتظرهم، قال لي لا تخف عليهم سيعيشون حياتهم بطريقتهم بكل انكساراتها وانتصاراتها، كل ما في الأمر أننا إحدى المحطات الرئيسية في حياتهم، ولكنْ هناك أيضاً محطات أخرى أمامهم، لا بد أن يقفوا بها وينطلقوا بعدها. فكرت ملياً في كلامه، وأيقنت أن هذه الحياة فعلاً غريبة، وأن كل الانكسارات التي تمر بنا هي بداية انتصارات تنتظرنا! وأن قيمة هذه الحياة في التحدي الذي تهدينا إياه. نحن من نختار طريقة حياتنا، وليس الغير، وكما قيل قديماً إننا عندما نتخذ قراراً يتأمر الكون كله لتنفيذه معنا. نعيش حياتنا الآن بكل أفراحها وقسوتها وأشكالها المتغيرة، وبجهد آبائنا وأمهاتنا معنا، ونعرف بعدها أن بعض المحطات في طريق الحياة تتسع لراكب واحد فقط، وهو أنت! وأبناؤنا مثلنا أيضاً سيسلكون الطريق نفسه، ويعبرون جسورهم لوحدهم، ربما سنكون هناك لنساعدهم أو نودعهم، لكننا لن نعبر معهم، القاعدة تقول أن يشقوا طريقهم لوحدهم، تنتظرهم حياة كاملة، نتمنى أن يعيشوها لآخر رمق، وستعطيهم مثلما أعطتنا بعض من أسرارها متأخراً، ومثلنا سيقدمونها هدية لأبنائهم، هكذا هي دورة الحياة، الأدوار لا تنتهي، كل وداع يحمل في طياته لقاء من نوع آخر. (لا تذهب إلى حيث يأخذك الطريق، بل…

وصل قبل الجميع

السبت ٠٦ يوليو ٢٠١٣

(إني أتجول بين عالمين، أحدهما ميت و الآخر عاجز أن يولد و ليس هناك مكان حتى الآن أريح عليه رأسي) ..نيلسون مانديلا كان يملك كل الخيارات وأختار التسامح، في عالم مضطرب تحيط به الفتن وتهرب منه حتى الحقيقة، دخل مهزوماً وخرج منتصراً وتقاعد بطلاً والآن مسجي على فراشه تنتظره النهاية ولا ينتظرها، الأمور دائما مختلفة في اللحظات الأخيرة، ليست كل نهايات المناضلين الحقيقين في ساحات المعارك! السر في بقائه وخلوده بيننا تقبله للآخر بكل ما يحمله من ألوان وأفكار مختلفة وتسامحه عندما ملك القوة و تنازله في الوقت المناسب واختياره أن يعيش مع عائلته بقية حياته. ( التسامح الحق لا يستلزم نسيان الماضي بالكامل) .. نيلسون مانديلا بعد سبع و عشرين سنة خرج من زنزانته الضيقة وشاهد بنفسه أن بعض العقول بأفكارها أضيق من زنزانته وحبيسة أفكارها الضيقة، بعضهم مستعد للموت في سبيل قضايا خاسرة وآخرون مستعدون للانتقام والبعض خائف من المجهول، القلوب بعد سنوات طويلة من التميز العنصري تحجرت والحرب الأهلية تقرع أبوابها وقد يكون الموت هو سيد الموقف ولكن “ماديبا” وهو لقب نيلسون مانديلا أختار الحياة والتعايش وقدم التسامح وقد كان خيار العبور الآمن كما يسمى بين حقبتين “التمييز العنصري و”التحول الديمقراطي” في تاريخ جنوب أفريقيا هو ما جعله حاضراً في الذاكرة الإفريقية حتى الآن ورغم أن الكثير…

الوطن والحلم

السبت ٢٩ يونيو ٢٠١٣

هرباً من الاضطهاد الديني الذي اجتاح أوروبا وكثيراً من مناطق العالم وتحديداً في بدايات القرن الثامن عشر هاجرت طائفة تدعى «الآمش» إلى القارة الجديدة «أميركا» يحملون معتقداتهم المختلفة عن الطوائف المسيحية الكبرى وتعاليمهم التي قوبلت بالتكفير من طوائف الكاثوليك والبروتستانت . من ولاية بنسلفانيا بدأ تاريخهم الجديد في الولايات المتحدة التي لم تكن تشكلت ككيان حينها ولم تعلن استقلالها عن بريطانيا العظمى وتنتظرها حرباً أهلية دموية عاصفة وصراع سياسي ديني طبقي ما بين عامي (1861-1865) سيدفع ثمنه الكثير من الأبرياء من السكان الأصليين والمهاجرين وقدر عدد القتلى حينها برقم يفوق النصف مليون قتيل هذا من دون رقم الضحايا والأبرياء المجهول عددهم. كانت الحرب الأكثر دموية في تاريخهم ومن نتائجها تشكل الوعي والهوية الأميركية لتأخذ دورها مستقبلاً وتصبح دولة عظمى في السنين القادمة. هذه هي الحرب نهايتها محسومة ومتوقعة مهما كانت أسبابها ومعروف مسبقاً من سيدفع ثمنها، إنه التاريخ يعيد نفسه ويكرر أحداثه في كل مناطق العالم ويقول بصوت مرتفع أقرؤا صفحاتي. تقريبا في الوقت نفسه من ذلك القرن بدأت الهجرات العربية المسيحية إلى القارة الجديدة خوفاً وهرباً حسب الروايات من الاضطهاد الديني والاستبداد السياسي المتمثل في الدولة العثمانية التي كانت مسيطرة على أجزاء كبيرة من الوطن العربي، ومن سوريا وجبال لبنان بدأت الهجرات إلى العالم الجديد. الهجرات العربية المنتظمة للعالم…