السبت ١٧ أغسطس ٢٠١٣
الغيمة التي رأيتها بالأمس لن ترجع لمكانها غداً أتأمل في الزمن و أنظر إلى جميع الأشياء فيما حولي وأزداد يقيناً أنها لن تعود كما كانت. الحياة مراحل ولكل مرحلة طبيعتها ورونقها الخاصين، اللحظات لا تتشابه ونحن أيضاً لا نشبه أنفسنا في مسيرة حياتنا. اللحظات المنقضية قد انقضت ولن تعود ثانية بنفس تفاصيلها ولن نعود نحن أيضاً كما كنا. هذا الزمن العنيد يغيرنا غصباً ويفرض أوامره قسراً، لهذا غداً دائماً زمن مختلف ولن يكون مثل الأمس وهذه ليست نظرة تشاؤمية لأن لكل زمن جماله لكنها دعوة للاستمتاع بالجمال القادم واقتناصه من ثنايا المستقبل. أن تعيش اللحظة كما هي وكما تريد وأن تتأملها وتعرف جيداً أنها لحظتك التي لن تتكرر ثانية وأن بمقدورك عمل الكثير في هذا الوقت المتاح لك وأن تنجز أكثر مما تتوقع، أنصت ملياً وتحرك سريعاً، الوقت لا ينتظر، دائما الزمن ينظر إليك من الأمام ويدعوك بأن تسبقه، سباق طويل لا فرصة لديك حتى لتنظر خلفك. في هذه الحياة يا صاحبي جدلية الوقت ومعادلة الزمن هي التي تحكمنا! الوقت غالٍ وأنت تتعامل مع أغلى ما تملك، عليك بالحذر قليلاً حتى لا تفقد الغالي وتفقد أغلى ما تملك. هل تعود الأشياء كما كانت؟ ما يحزن في الذكريات أن اللحظات الجميلة معهم لن تعود وإن عادت لن تكون كما كانت، نسخة…
السبت ١٠ أغسطس ٢٠١٣
«البعض يلجأ للكهنة والبعض يلجأ للفلاسفة والشعراء لكنني ألجأ إلى الأصدقاء».. فيرجينيا وولف دائماً معك أينما كانوا، حاضرين في الذاكرة، عدم وجودهم لا يعني غيابهم، قريبين جداً رغم بعدهم، في حديقة قلبك مكانهم يفهمون لغتك رغم صعوبتها، يحللون بسهولة تعابيرك، يقبلونك بكل أخطائك وتقبلهم بكل سلبياتهم. هذا ليس لغزاً لكنك ستعرف الجواب إذا قرأت معي وتدبرت معنى هذا المثل القديم: «أمسك الصديق الحقيقي بكلتا يديك» لا تدعه يفلت منك ولابد أن يكون صديقاً حقيقياً، فالأصدقاء المزيفون حولك مقيمون في صالة حياتك! من البساطة في علاقات الصداقة أنك لا تحتاج أحيانا أن تشرح بتعمق مشاعرك وما يقلقك وإذا كنت تملك الصديق المناسب ستصبح المسألة نوعاً ما سهلة. («عندما يرحل الذي نحبهم يأخذون معهم كل أشياءهم الصغيرة الا ابتساماتهم واسئلتهم فهي تبقى معنا».. واسيني الأعرج). كل صديق مخلص تفقده سيرحل ويأخذ معه أجزاء منك، كل جزء يحمل قصص حياتكم وأوقاتكم الخاصة والتفاصيل المشتركة بينكم. وأعتقد أن أي صديق جديد لا يستطيع أن يملأ ثقوب الماضي أو يعوضنا عن صديق رحل، من يستطيع أن يرجع اللحظات معهم؟ من يعوضنا عنهم؟ كل من رحل، نحمل في دواخلنا اسمه الذي لن يتكرر. لكل قادم مكانته ودوره المهم في حياتنا، لكن بعض من غادرنا يبقى مكانه شاغراً، نفتح بحب قلوبنا، نستقبل القادمين الجدد ونهمس برفق، هذه…
السبت ٢٧ يوليو ٢٠١٣
«وقد نهفو إلى زمن بلا عنوان.. وقد ننسى وقد ننسى.. فلا يبقى لنا شيء لنذكره مع النسيان.. ويكفي أننا يوماً، تلاقينا بلا استئذان» فاروق جويدة يجلس أمام بيته، فارغ من كل هموم اللحظة، تجلس معه ذكرياته، وسنين عمره التي انقضت كلمح البصر، يتمتم إنها السبعون ماذا بعدها؟ يحدث نفسه ويهمس لخريف العمر الممتد متى ستنتهي؟ خطوط يديه قصص لن تنتهي، يسلم على كل الغرباء والعابرين، يوزع ابتساماته المشرقة المريحة، ويدعوهم لقهوته المرة، يرمي البذور ليطعم الحمام الزائر، لم ينس يوماً قوتهم أو يمل منهم ولم ينسوا زيارته يوماً. قال لي: أن الطيور كالبشر لا تهاب من مَن يعطيها الحرية والأمان، تخاف فقط من الذي يقتل فيها الحرية. جلست معه أنبش في قبر ذكرياته، أبحث عن حكمة الأيام، أريد أن أعرف سر ابتساماته وتألق نظراته. لم أشأ أن أثقل عليه الأسئلة وعندما تبادلنا أطراف الحديث لم يشأ أن يثقل عليّ الأجوبة هكذا كانوا أخفاء على القلوب. كنت أحاسب وأفكر في وقته، وكان هو أيضاً يفكر في وقتي، غادرني عندما سمع صوت الأذان وبقيت كلماته تسافر معي. قال لي قبل أن يغادر ببساطته وهدوءه: - انه عرف مبكراً جداً أن الهموم لا تدوم ونهاياتنا دائماً متشابهة.. لا أملك الكثير لكني غني براحة البال. يبدأ يومي وينتهي بدعاء وابتسامة. أعرف الكثير. وأهم ما…
السبت ٢٠ يوليو ٢٠١٣
يأتي رمضان، ويعقبه رمضان آخر، وأنت الغائب الأكبر، نفتقدك بحجم غيابك، بصدمتنا في فقدك، وحزننا لرحيلك، ويمضي رمضان، ولا تزال أعيننا للسماء وقلوبنا تهفو لك ولأجلك، لا نعلم إلى ماذا ننظر وننتظر! محصن بالدعوات، مشيع بالبركات ولا تزال أكفنا مرفوعة، ندعو لك، علنا نرجع بعض من خيرك، بعض من حبك وتفانيك لأجل شعبك. منذ رحلت وتركتنا نحن اليتامى بعدك، ثكلى بدونك، شعبك يا سيدي يحن لك. أينما وجد الخير وجدت، اسمك بعدك يسافر في كل الاتجاهات، يميناً إذا كان العطاء يميناً، ويساراً إذا كان الجود يساراً. زايد الخير.. كيف قدر لهذا الاسم أن يخترق القلوب، ويبقى أثراً أبدياً في كل قلب. نفتقدك كما لم نفتقد أحد! لغيابك صمت الحزن، ولرحيلك صوت الألم. منذ أن رحلت يا سيد المكان لم تعد الأشياء كما كانت هي الأشياء! مبعثرة مشاعرنا، من يرتبها؟ ويرتبنا بعدك؟ المكان مثلنا يفتقدك، والزمان يا سيد اللحظات بكل دقائقه الثقيلة وجموع الثواني البطيئة يشتاق لك. منذ أن رحلت، ووهج حضورك لا يزال بريقه يشع في كل الأمكنة، يضيئ طرقنا، يوجهنا، ويذكرنا بك. سيدي، رحيلك غير خريطة قلوبنا، وتفاصيل أحاسيسنا، وأشكال مشاعرنا، كنا نخاف أن ننكسر بعدك، ولا نقوى على المسير، وكنا نخشى أن تضيع خطواتنا في زحمة الدروب، حتى أتى خليفتك، وانتشلنا من مخاوف أوهامنا، إلى واقع حياتنا، ووضعنا…
السبت ١٣ يوليو ٢٠١٣
( إن العالم يفسح الطريق للمرء الـذي يعرف إلى أين هو ذاهب)... رالف و.إمرسون كنت أتحدث مع صديق عن تربية الأبناء، عن مستقبلهم، وماذا ينتظرهم، قال لي لا تخف عليهم سيعيشون حياتهم بطريقتهم بكل انكساراتها وانتصاراتها، كل ما في الأمر أننا إحدى المحطات الرئيسية في حياتهم، ولكنْ هناك أيضاً محطات أخرى أمامهم، لا بد أن يقفوا بها وينطلقوا بعدها. فكرت ملياً في كلامه، وأيقنت أن هذه الحياة فعلاً غريبة، وأن كل الانكسارات التي تمر بنا هي بداية انتصارات تنتظرنا! وأن قيمة هذه الحياة في التحدي الذي تهدينا إياه. نحن من نختار طريقة حياتنا، وليس الغير، وكما قيل قديماً إننا عندما نتخذ قراراً يتأمر الكون كله لتنفيذه معنا. نعيش حياتنا الآن بكل أفراحها وقسوتها وأشكالها المتغيرة، وبجهد آبائنا وأمهاتنا معنا، ونعرف بعدها أن بعض المحطات في طريق الحياة تتسع لراكب واحد فقط، وهو أنت! وأبناؤنا مثلنا أيضاً سيسلكون الطريق نفسه، ويعبرون جسورهم لوحدهم، ربما سنكون هناك لنساعدهم أو نودعهم، لكننا لن نعبر معهم، القاعدة تقول أن يشقوا طريقهم لوحدهم، تنتظرهم حياة كاملة، نتمنى أن يعيشوها لآخر رمق، وستعطيهم مثلما أعطتنا بعض من أسرارها متأخراً، ومثلنا سيقدمونها هدية لأبنائهم، هكذا هي دورة الحياة، الأدوار لا تنتهي، كل وداع يحمل في طياته لقاء من نوع آخر. (لا تذهب إلى حيث يأخذك الطريق، بل…
السبت ٠٦ يوليو ٢٠١٣
(إني أتجول بين عالمين، أحدهما ميت و الآخر عاجز أن يولد و ليس هناك مكان حتى الآن أريح عليه رأسي) ..نيلسون مانديلا كان يملك كل الخيارات وأختار التسامح، في عالم مضطرب تحيط به الفتن وتهرب منه حتى الحقيقة، دخل مهزوماً وخرج منتصراً وتقاعد بطلاً والآن مسجي على فراشه تنتظره النهاية ولا ينتظرها، الأمور دائما مختلفة في اللحظات الأخيرة، ليست كل نهايات المناضلين الحقيقين في ساحات المعارك! السر في بقائه وخلوده بيننا تقبله للآخر بكل ما يحمله من ألوان وأفكار مختلفة وتسامحه عندما ملك القوة و تنازله في الوقت المناسب واختياره أن يعيش مع عائلته بقية حياته. ( التسامح الحق لا يستلزم نسيان الماضي بالكامل) .. نيلسون مانديلا بعد سبع و عشرين سنة خرج من زنزانته الضيقة وشاهد بنفسه أن بعض العقول بأفكارها أضيق من زنزانته وحبيسة أفكارها الضيقة، بعضهم مستعد للموت في سبيل قضايا خاسرة وآخرون مستعدون للانتقام والبعض خائف من المجهول، القلوب بعد سنوات طويلة من التميز العنصري تحجرت والحرب الأهلية تقرع أبوابها وقد يكون الموت هو سيد الموقف ولكن “ماديبا” وهو لقب نيلسون مانديلا أختار الحياة والتعايش وقدم التسامح وقد كان خيار العبور الآمن كما يسمى بين حقبتين “التمييز العنصري و”التحول الديمقراطي” في تاريخ جنوب أفريقيا هو ما جعله حاضراً في الذاكرة الإفريقية حتى الآن ورغم أن الكثير…
السبت ٢٩ يونيو ٢٠١٣
هرباً من الاضطهاد الديني الذي اجتاح أوروبا وكثيراً من مناطق العالم وتحديداً في بدايات القرن الثامن عشر هاجرت طائفة تدعى «الآمش» إلى القارة الجديدة «أميركا» يحملون معتقداتهم المختلفة عن الطوائف المسيحية الكبرى وتعاليمهم التي قوبلت بالتكفير من طوائف الكاثوليك والبروتستانت . من ولاية بنسلفانيا بدأ تاريخهم الجديد في الولايات المتحدة التي لم تكن تشكلت ككيان حينها ولم تعلن استقلالها عن بريطانيا العظمى وتنتظرها حرباً أهلية دموية عاصفة وصراع سياسي ديني طبقي ما بين عامي (1861-1865) سيدفع ثمنه الكثير من الأبرياء من السكان الأصليين والمهاجرين وقدر عدد القتلى حينها برقم يفوق النصف مليون قتيل هذا من دون رقم الضحايا والأبرياء المجهول عددهم. كانت الحرب الأكثر دموية في تاريخهم ومن نتائجها تشكل الوعي والهوية الأميركية لتأخذ دورها مستقبلاً وتصبح دولة عظمى في السنين القادمة. هذه هي الحرب نهايتها محسومة ومتوقعة مهما كانت أسبابها ومعروف مسبقاً من سيدفع ثمنها، إنه التاريخ يعيد نفسه ويكرر أحداثه في كل مناطق العالم ويقول بصوت مرتفع أقرؤا صفحاتي. تقريبا في الوقت نفسه من ذلك القرن بدأت الهجرات العربية المسيحية إلى القارة الجديدة خوفاً وهرباً حسب الروايات من الاضطهاد الديني والاستبداد السياسي المتمثل في الدولة العثمانية التي كانت مسيطرة على أجزاء كبيرة من الوطن العربي، ومن سوريا وجبال لبنان بدأت الهجرات إلى العالم الجديد. الهجرات العربية المنتظمة للعالم…
الإثنين ١٧ يونيو ٢٠١٣
هناك من يجبرك على تغيير خط سيرك، وإعادة ترتيب خططك، ونفض الغبار من على أرفف مكتبتك. يأتيك من حيث لا تعلم، يباغتك بقسوته، يفرغ فيك رصاص جبروته، ويرش الملح على جروحك، ويلقى بك على قارعة الطريق، وحيداً على رصيف حياتك. تلتف حولك ولا تجد غيرك، إن أحد تلك الأوقات التي عندما تريدهم ولا تجدهم، ماذا ستفعل الآن؟ كل الخيارات تبدو صعبة، مثقل أنت بالجروح ولا قدرة لك بالمسير، والطريق صعب وطويل، تبدأ بالتفكير حينها بشكل مختلف وجدي، وتقرر أن تنظر لحياتك بمنظور آخر، قسوة الأيام أيقظت ما كان نائماً في ذاتك، ستبدأ كما بدأ غيرك تزحف ببطء لمستقبلك، وتجد نفسك في الطريق الصحيح تقترب أكثر من أهدافك، وأقرب من أي وقت مضى لتحقق نجاحاتك. كل شيء أصبح مختلفاً الآن، والطريق أقصر! سبحان من غيره وغيرك، تتذكر بعدها بفرح طلقات القسوة ورصاصات الألم وتبتسم! أين أنت الآن وأين هم! قبل أن تفاجأ الجميع فاجأت نفسك، بقدرتك على الوقوف ثانية ومعرفة مكامن قدراتك. وفي الصفحة الأخيرة من قصتك تلقي التحية عليه من فجر بحقده براكين الإبداع وأنار طريقك، بجهل أراد لك السقوط وبقوتك وقفت ثانية. تحية ونسيان لأوراق الخريف المتساقطة من على أغصاني، سيأتي الربيع و تزهر ثانية أغصاني. تحية وغفران لكل الكوابيس في أيامي، سأنهض قريبا وأحقق أحلامي شكراً تعلمت منكم…
السبت ٠٨ يونيو ٢٠١٣
يقول ألبرت آينشتاين «لو كنت على وشك أن أقتل، وأمامي ساعة واحدة فقط لأبحث عن طريقة لإنقاذ حياتي، فإنني سأكرس أول خمس وخمسين دقيقة في البحث عن السؤال المناسب، وبمجرد الوصول إلى ذلك فإن العثور على الإجابة سيحتاج إلى خمس دقائق فقط». كجزيرة معزولة في محيط تحيط بنا المشكلات، تحاصرنا، وتفرض أجندتها علينا، تتحكم في تحركاتنا، وتقرر خطواتنا، وعلينا التنفيذ، من يستطيع الهروب من مشكلاته والتزاماتها؟ الجواب: لا مفر هل فكرت يوماً أن تكون سباحاً ماهراً في بحر مشكلاتك؟ إن كنت لا تستطيع الاستغناء عن البحر فكر جدياً في السباحة، لن يتركك أبداً في حالك، وأفضل من أن تكون معزولاً في جزيرتك، جرب السباحة للضفة الأخرى. بلا إنذار مسبق تأتينا المشكلات والهموم، تفتح أبوابنا عنوة، تشاركنا تفاصيل حياتنا، تفضح سترنا، تجبرنا على التعامل معها، ولا نستطيع بعدها إغلاق أبوابنا، ونتساءل، ونحن في ذروة همومنا، كيف نتعامل مع مشكلاتنا؟ يقول الكاتب ديل كارينجي «اكتشف النظام في الأشياء التي لا تجد فيها نظاماً في النظرة الأولى» عندما ترهقنا المشكلات علينا الرجوع خطوات للوراء وبهدوء ننظر إليها، لا بد أن تستعيد توازنك وترى الأشياء من منظور مختلف، وأيضاً عليك التريث، فالاستعجال في الحلول لا ينهي الموضوع، لأن المسكنات المؤقتة تخفي الألم للحظات، ما يلبث أن يرجع ثانية. سيكون مفيداً جداً أن ترتاح قليلاً…
السبت ٠١ يونيو ٢٠١٣
(“نحن عدنا ننشد الهولو على ظهر السفينة.. نحن عدنا يا بلادي لشواطئنا الحنينة”)، في صغري سألت جدي: كيف توفي صديقك؟ نظر إليَّ بجسده المتعب، ومسح بكلتا يديه، تجعدات جبينه تريد أن تقول شيئاً، طال صمته، كنت أعلم أنه يتذكر الأعماق، ذلك القاع المظلم، وقبور من ماء، لرجال كانوا في صراع مع الطبيعة في سبيل الرزق، يتصارعون مع أسماك متوحشة، وأمراض غير متوقعة، فقط سكين في يده، يحمى بها نفسه، وكيس في خصره يجمع بها غنيمته. كان يعلم مسبقاً أن كل اللآلئ التي سيجمعها لن تكون له، إنه العيش على الفتات أو الموت جوعاً، صراع بقاء في الماء، ما أصعبها من حياة. طال صمته، كان عليَّ الحذر، كنت أعبث بذاكرة تتذكر! ما أقسى الذكريات على الرجال عندما تأتي على غير موعدها! بهدوئه المعتاد أجاب، وأخذ يسرد القصة.. قبل المغرب بقليل في القاع، كأنما انفجرت أذنه! رفع إلى المركب نازف الأذنين، غسل وكفن وتمت الصلاة عليه، ربط بعدها بحجر ثقيل، وألقي ثانية في البحر، لم يكمل الثلاثين بعد، كأني أسمع الآن صوت ارتطام جثته بالأعماق، وبكاء زوجته عندما أعطيتها صندوقه، ونحيب الفقد. لم يكمل قصته، رجع لوحدته، وأخذ يحرك في مسبحته. -ما الفرق عند الموت وقبرك حفرة في التراب أو قبرك في قاع البحر؟ سألته ثانية، كنت صغيراً جداً لم أفهم حينها…
الأحد ٢٦ مايو ٢٠١٣
خرج من نافذة غرفته في الطابق الأخير، يائسا من كل شيء، أراد أن يقفز و ينهي كل شيء، لم يعد هناك قيمة للأشياء من حوله ويعتقد في قرار نفسه أنه ليس ذا قيمة، من الأعلى تبدو المدينة صغيرة ومختلفة ولم يكن يعرف حينها أن كل المشاكل الكبيرة عندما نراها من زاوية أخرى تبدو صغيرة و وقعها مختلف، وأنا هنا لا أقلل من المشاكل لكن دائما هناك نظرة أخرى! ببطء كفارس جبان يريد أن يهرب من المعركة يتسلق الجدار لينهي حياته، أخذ القرار في لحظة ضعف وقرر التنفيذ، الآن ثوانٍ تفصله عن النهاية، يظن بجهل أنه سيرتاح ويريح، ما يهمه الآن أنه لا يريد أن يكون في هذه الحياة! فجأة يراه جاره ويصرخ عليه: يا مجنون ماذا تفعل؟ لا تتهور! التفت بحزن عليه وتساءل بصمت هل هو فعلاً مجنون؟ وهل اختيار الموت جنون؟ ما هي إلا ثوانٍ حتى تجمع جمع غفير الكل ينظر إليه، بعضهم يصرخ لا تفعل وآخرون دخلوا إلى العمارة ليساهموا في إنقاذه. فرق من الطوارئ والإنقاذ في الطريق، الكل أتى ليشهد ويشاهد، كيف يستطيع هذا الإنسان أن ينهي حياته بهذه القسوة والألم، ولماذا اختار أن ينتهي كأشلاء ما أقساها من ميتة وما أصعبها من نهاية. لحظات تمر وتحول المكان لساحة حرب و في نظري “لساحة حب”، والكل بانفعال…
السبت ١٨ مايو ٢٠١٣
في الصباح ينظر في مرآته، يلبس قناعه ويمضي في حياته وفي المساء يرجع إلى نفسه، يخلع جميع أقنعته هكذا ينتهي يومه. هذه الجملة ليست مقطعا من رواية خيالية لكنه واقع يعيشه البعض، هو ليس هو عندما يكون معك، مجاملاته نفاق وابتساماته مزيفة هناك أسباب تمنعه أن يكون هو، يغطي نفسه بهالة ويخفي شخصيته الحقيقية، تصطدم بجدرانه، يحصن نفسه بأقنعته، يستبدلها كلما دعت الحاجة وهو لا يعلم إنها تستنفذه بطيئاً تشتته وتخفي ملامحه الحقيقية. يضيع العمر بين أقنعته، يبحث فيها عن ذاته ويوما ما يريد أن يرجع كما كان نقيا، بسيطاً وعفويا! تخذله حينها كل الأقنعة، تتساقط أمامه ومعها وجهه الحقيقي، لا شيء يستره الآن ولا يستطيع التفريق بينها، بيأس يختار قناعاً آخر وبألم يمضي ثانية في حياته. يقول لي صاحبي نحن وجوه وأقنعة نضعها صباحاً و نخلعها مساء وأتساءل ما الذي يجبرنا على التصنع والعيش بزيف؟ ممن نخاف؟ وهل الحياة بتحدياتها وصعوبتها تجبرنا على ذلك؟ أم أن الخلل فينا! لا نقدر على مواجهة الآخرين بشخصيتنا الحقيقية وأيضاً لا نقدر أن نواجه أنفسنا. أحيانا نظن أن عقدة النقص التي فينا تعرينا فنتغطى بثياب غيرنا، وبسذاجة نعتقد أن الحياة قاسية لا مكان فيها للضعفاء، صعبة على البسطاء فنغير طباعنا لتقبلنا ويقبلوننا. وزميل آخر قسي عليه من قسى، لا يملك الكثير، متعثرة كانت…