الخميس ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢
لا أعلم بالدقة، متى تحولنا من أناس بسطاء نهتم بمعاني البشر، إلى أناس لا تهمنا سوى المظاهر. الإنسان الخليجي في السابق كان رمزاً للبساطة والتواضع، ومازال هناك الكثير من الخلجيين يشتهرون بالتواضع والبساطة ولا يعيرون للمادة أية أهمية، ولكن يلاحظ في نفس الوقت أن هناك أعدادا متزايدة بالمقابل تدمن المادة. حين ننظر حولنا، نلمس على الفور ودون عناء مدى تغلغل المادة فينا لتصبح شغلنا الشاغل، تقييمنا للفرد بات يعتمد على نوع المركبة التى يقودها، أو ماركة الساعة التى يلبسها، أو مجموع رصيده في البنك، وطبعاً كلما زاد الرصيد كلما ازدادت أهمية الشخص، لذلك ترانا نمشي مرحاً في أول كل شهرعند نزول الرواتب في حساباتنا البنكية، فبضعة الدراهم التى تحيي أرصدتنا من بعد أن كانت رميم، تمنحنا شعوراً بالتفوق، وبالارتقاء إلى مصاف من يستحقون الاحترام. ولأن كلما زادت بهرجة المظاهر، كلما ارتقت بصاحبها الى مصاف الناس المهمين " في. آي.بي"، فإن كثيرا من شبابنا وللأسف يدخلون طوعاً في معمعة الديون، ليشتروا أفخر أنواع السيارات وأحدثها، وليبكوا بعدها طويلاً لعجزهم عن دفع قيمتها، كل ذلك حتى ينالوا احترام الشارع. وأذكر الشارع هنا لمحدودية استعمال السيارة في الشوارع فقط، فلو استطاع الشباب اصطحاب سيارتهم أينما تواجدوا، لوجدتهم لا يفارقونها حتى عند دخولهم الحمام "أكرمكم الله"! قيمة الإنسان واحترامه بالنسبة لهم، مرتبطان بشكل كلي…
الخميس ٠١ نوفمبر ٢٠١٢
قد يكون العرب من أكثر الشعوب التى تؤمن بنظرية المؤامرة، فهناك بعد الشيطان، المحفل الماسوني، والحركة الصهيونية، والغرب بشكل عام، هم من خرب بيوت العرب، وتسببوا في كل إخفاقات الأمة العربية. لذلك اجتهد العرب في تفكيك شفرة مؤامرات أعدائهم، ونجحوا نجاحاً باهراً في فضح مخططات الأعداء، وفهم نمطية عملهم ضدهم. نسمع ونشاهد ونقرأ التكتيكات والأساليب التى تعمل بها كل تلك القوى الشريرة لتدميرنا، ولقد أغرقها مثقفينا ومحليلينا، وشيوخ ديننا، تحليلات إلى درجة أننا أصبحنا نحفظها عن ظهر قلب، بل يستطيع أي طفل عربي، في المرحلة الابتدائية أن يفضح الإمبرالية الأمريكية، أو يلقي الضوء على الحرب القذرة التى تدور رحاها ضدنا. مما يثير الكثير من علامات التعجب، والاستغراب، فطالما أننا قد كشفنا تلك الأساليب والألاعيب، وبتنا خبراء بها، فلماذا اذاً تنطلي علينا؟ لماذا في كل مرة يفتعل الآخر أمراً ليستفزنا عن قصد، بدلا أن نخيب آمالهم، ونفشل مخططاتهم نلجأ إلى ردة الفعل التى يتوقعونها منا، وياحبذا لو انتهى الأمر على ذلك، لكننا وللأسف نتبرأ من التهم التى توجه إلينا لأنفسنا، كالمتهم البريء الذي يقبض عليه ظلماً، وبدلا من أن يدافع عن نفسه ويقدم الأدلة على براءته، يكتفي بترديد "أنا بريء" لنفسه، وكأن العالم يسمع ما يدور في رأسه! أتذكر حين تم نشر تلك الرسوم القذرة المسيئة إلى رسولنا الكريم، وكيف انبرت…
الخميس ٢٥ أكتوبر ٢٠١٢
المتسولون ينبثقون فجأة من الفراغ، يفاجئونك بمد أيديهم، طالبين منك ان ترحمهم من قسوة الحياة، وانتشالهم من براثين الحاجة المدقعة. لهم قدرة رهيبة في التحكم بتعابير وجوههم، يستحقون عليها جائزة الأوسكار لأفضل ممثل او ممثلة. يجبرونك بنظراتهم المنكسرة ان تعيد تقييم ذاتك، من انت؟ ومن اية صخرة خُلق قلبك! لماذا لا تساعدهم؟ لماذا الى الان انت تفكر بدل ان تنقدهم بشيء مما عندك؟! فأنت ستشتري ببضع هذه الدراهم الأيس كريم، وبعض الدونات، بينما هم سيشبعون بها جوع، ويسترون بها عورة، يا لقسوتك! هم بارعون بجعلك تشعر بالذنب، خاصة النساء منهم، وبالأخص اذا كن بصحبة طفل بريء يحدق اليك بأمل، بينما انت تحاول قدر الإمكان تجنب النظر الى عينيه، لأنك تدري بأنك حتماً ستضعف، وسترمي بكل حملات التوعية عن عصابات المتسولين والمحتالين بعرض الحائط، وستتلبسك روح " روبن هود" لتتمنى السرقة من الأغنياء لإطعام الفقراء، لن تصمد أمام الغزو العاطفي من المتسول او المتسولة ومن الطفل بمعيتهم، والذي بالأغلب طفل مستأجر. في كل مرة سيفاجأك متسول او متسولة سيصمد أمامك كصاحب حق، ويشعرك بأنك مغتصب ولا تستحق النعمة التى انت فيها، وسيجعلك تصارع نفسك، وتطرح عدة أسئلة من النوع الذي يطرحه برفسورات الفلسفة في الجامعات، ما معنى الحياة؟ أين هي العدالة الإجتماعية؟ أكون او لا أكون! أعطيه او لا أعطيه! وأسئلة…
الأحد ٢١ أكتوبر ٢٠١٢
رفض عالم النفس " كارل يونج" تمييز فرويد بين الأنا والانا الاعلى في تقسيم النفس، فخرج بجزء من الشخصية مشابه للأنا الأعلى وسماه " القناع"، حيث ان القناع هو ما يظهره الفرد للاخرين على عكس حقيقة ما هو عليه، هي تلك الشخصية العامة التى يظهرها الشخص للعالم، أو الدور الإجتماعي الذي يفرضه عليه المجتمع في مقابل شخصيته الحقيقية. ونجد الفرد يحاول قدر المستطاع ان يوفق بين شخصيته الحقيقية ومقتضيات الدور الإجتماعي، وتنشأ الإضطرابات النفسية في الحالات التى لا يستطيع فيها الفرد التوفيق بين من يكون حقاً وبين قناعه الذي يلبسه. والأقنعة بطبيعة الحال كثيرة، منها الإجتماعية، والسياسية، والرياضية، والزوجية، ..إلخ، وفي كل الأحوال من لا يستطيع خلع قناعه هم المرضى النفسيين، الذين لا يجدون ذاتهم في الواقع المعاش، فيشعرون بعدم التوافق مع من حولهم، ويلجأوون لإبقاء الأقنعة لأطول مدة ممكنة. في أواخر الثلاثينات وبالتحديد في 1938 صدرت في أمريكا اول قصة مصورة لبطل خارق"سوبر مان" ولئن لم يكن سوبر مان مقنعاً، إلا انه يختبيء وراء نظرات طبية كبيرة عندما يعيش حياة عادية، ومعظم القصص التى صدرت بعد سوبرمان لأبطال خارقين كان أبطالها مقنعين يخفون عن العالم هويتهم الحقيقية، رغم انهم يحاربون الشر، وهم الطيبون. السؤال هنا، ما أهمية القناع للأبطال؟ أم لغيرهم، لماذا لا يظهر الجميع بوجوههم الحقيقية، ألأنهم يدركون…
الخميس ٠٤ أكتوبر ٢٠١٢
إذاً أبناء من؟ هؤلاء من نراهم يتسكعون في الشوارع والمراكز التجارية، بهيئات غريبة وكأنهم سكان كوكب اخر. لا بد لهؤلاء ان يكونوا أبناء أحد، المنطق يحتم ذلك، ولا استبعد ان يمر أحدنا بجنب إبنه دون ان يتمكن من التعرف عليه، فالأبناء خارج المنازل وبعيداً عن الرقابة، لا يعودون من نعرفهم، فهم يتقمصون ادوار اخرى، ادوار لطالما رغبوا ان يلعبوها، لأنها ببساطة "كول"، والسبب الرئيسي هو فشلنا في منحهم مثل أعلى "كول"، فنحن بالنسبة لهم ليس سوى " دقة قديمة" نتحدث بمفردات من لغة تنتمي الى عصور الجهل، ما نحن سوى اسطوانة "سي دي" مشروخة، تعيد وتردد على مسامعهم، أوامر وإملاءات، إن لم ينفذوها، فسوف تتبع بتهديدات بالغة القسوة، نستعرض فيها سلطتنا عليهم. لا تعتقدوا إنهم لا يستشفون من طريقة حديثنا معهم، إن صغر سنهم هو سبب تسلطنا عليهم، واننا وبسبب إحضارهم الى هذه الحياة، منحنا أنفسنا الحق في المَن عليهم، واذا أحببناهم فلا يعني ذلك لأنهم يستحقون الحب، وإنما لأننا أباء طيبون، وعليهم ان يحمدوا الله على ذلك، فغيرهم لم يحظوا بأباء طيبين مثلنا، فعليهم ان يقدروا حظهم، بينما الحقيقة انهم يستحقون الحب، وهو حق مشروع لهم، كونهم أفضل هدية، حبانا بها الله. صغارنا باتوا تماماً كشخصية "دكتور جيكل ومستر هايد"، فهم أولئك المؤدبين، والمطعين طالما انهم امامنا، ومتمردون ومتهورون…
الجمعة ٢٨ سبتمبر ٢٠١٢
أعجبني تعريف الأنانية لأوسكار وايلد " ليست الأنانية ان يعيش المرء كما يهوى، بل ألا يدع الأخرين يعيشون كما يهوون" وذلك هو أحد جوانب الشخصية الأنانية، بجانب أن تفكيره لا يخرج عن إطار نفسه، وبجانب اعتقاده بأن هذه الحياة لا تتمحور إلا حوله الإنسان الأناني غالباً ما يعتقد أن مصلحته الشخصية وسعادته هي أهم ما في الوجود، وأن من بقى على هذه الأرض إنما لخدمته والإتفاق معه، فالأنانية هي الافتنان بالنفس، وسبغ الأهمية ورفع القيمة الذاتية للفرد الى مصاف ما فوق الجميع. الإنسان الأناني في أتم الاستعداد بالتضحية بالجميع من أجل نجاته، هو أول من يقفز على قارب النجاة أثناء غرق السفينة بدلا أن يساعد النساء والأطفال، رغم توافر قوارب النجاة وإتقانه للسباحة. كثيراً ما سمعت من بعض أصدقائي الأجانب وهم يرددون أنهم لا يجدون ما يستهويهم في الدول الخليجية، فكلها باتت متشابهة بالعالم الأخر، لا يوجد بها سوى ناطحات السحاب ومباني فخمة لا تختلف عن مباني نيويورك أو شيكاغو، بل إن التواجد في دبي بالذات يحسسهم بأنهم في احدى الولايات الأمريكية، وأنهم يرغبون في رؤية الخيم والجمال والحياة القديمة لسكان الخليج. ومع تكرار زيارتهم وتذمرهم في نفس الوقت، أعلمتهم بأني بصدد الكتابة للمسؤولين في دول الخليج، وبالذات القائمين على التطور والبناء لأطلب منهم التوقف كلياً عن البناء، وتحديث المدن…
الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٢
ثمة أنواع كثيرة من الخوف، كالخوف من الموت، أو من ركوب الطائرات أو الأماكن المرتفعة بل يوجد خوف حتى من الازدحام. وعلم النفس ما زال يحاول حصر أنواع الخوف، بيد أنه لا يكاد يقترب من نهاية إحصائه للخوف إلا ويظهر نوع جديد. والخوف هو استجابة غير طبيعية تجاه أمرٍ ما، نتيجته قلق واضطراب وضيق يصل أحياناً لدرجة الإغماء أو الاختناق وقد يتوقف قلب المرء من شدة الخوف. عندما اقتحمت عالم "تويتر" لأول مرة، اعتمدت نفسي كمراقب وقارئ، أشبع فضولي بالاطلاع على الأحداث المحلية والعالمية وقت حدوثها، برغم أني كنت مشتركاً في عدة جهات تقدم خدمة الأخبار الفورية، لكن فضولي الواسع اللامتناهي جعلني أتوق للمعرفة أكثر، لذلك تابعت من اعتقدت أنهم أول العارفين، واكتشفت من خلال متابعتي القصيرة كما اكتشف قبلي الكثير أن في "تويتر" هناك فعلاً من يفوق خدمة الأخبار الفورية معرفة وبثاً للأخبار، فأعجبني الحال. أخذت أصنف "التويتريين" بحسب تغريداتهم إلى مجموعات، "المجموعة الهدامة" التي لا يعجبها العجب ولا الصوم في رجب، و"المجموعة البناءة" التي تطري على الجميع وإن كانوا أبطال العالم في التفاهة، ولا أنسى ذكر "المستخفين لدمهم" الذين إلى الآن لا يعلمون أنهم "ثقيلي" دم، وأن هناك من سيصيبه الاكتئاب من سخافة نكتهم. وهناك مجموعة "أبوالعريف" الذين يمتلكون الحقيقة المطلقة! وهناك أيضاً "البذيئين" الذين يفتخرون بلغتهم السوقية،…
الجمعة ٠٧ سبتمبر ٢٠١٢
يرى سارتر ان وجود الإنسان سابق على ماهيته، وأنه لمعرفة شخصية الإنسان وأفكاره وسلوكه يجب أولاً ان نعرف ماهيته، وماهية الإنسان لا تعرف إلا بعد وجوده، لذلك فالإنسان يوجد أولاً ثم يكَوِن ويشكل نفسه بعد وجوده، بمحض إراداته الحرة، وأنه لا يمكن معرفة شخصية الإنسان إلا من خلال ما ينجزه وما يقوم به من أفعال أثناء وجوده التاريخي والفعلي. واذا اخذنا هذه النظرية بوجه الإعتبار، واسقطانها على الطغاة فإننا سنتوصل الى نتيجة مفادها ان الطغاة هم من شكلوا ماهيتهم على ما هي عليه، وأقصد بالطاغية في مقامي هذا كل فاسد وظالم وديكتاتور وصل للسلطة بطريقة ما، فإذا كان الإنسان مشروع مستقبلي، يعمل على تجاوز ذاته ووضعيته وواقعه بإستمرا من خلال إختياره لأفعاله بكل إرادة وحرية ومسؤولية، كما يرى سارتر، فإنه بذلك يكون الطاغية هو من اختار بملأ إرادته ان يصبح طاغية. لم يحلم بشار الأسد يوماً ان يتخرج طبيب عيون، ولم يتمنى القذافي في طفولته ان يقود ثورة، ولا حتى حلم نيرون ببناء روما، وإنما جميعهم حلموا وسعوا ان يكونوا طغاة، ولو فشل حلمهم لسبب ما فإنهم كانوا سيتحولون الى طغاة بطريقة اخرى، ربما تحولوا الى سفاحين يذبحون ضحايهم بدم بارد ثم يرقصون على جثثهم، أو ربما تبوئوا منصباً يخول لهم ممارسة طغيانهم، وأضعف الإيمان انهم كانوا سيطغون في أقرب…
السبت ٠١ سبتمبر ٢٠١٢
مولت ولاية كاليفورنيا الأمريكية بعثة علمية لدراسة ومراقبة سلوك الغوريلات، في إحدى غابات جنوب إفريقيا. ضمت البعثة كلاً من جيمس ستون (دكتوراة في علم الاحياء)، وريتشل ديفيد (عالمة في سلوك القردة)، والمصور روميل ستفنسون. انسجم أعضاء الفريق مع بعضهم البعض منذ اليوم الأول لتلاقيهم، واختاروا بقعة مخفية بين الأشجار الكثيفة ليعسكروا فيها، حتى يتمكنوا من مراقبة الغوريلات دون انكشاف أمرهم. بعد مرور ثلاثة ايام، ظهر أمامهم فجأة مراهقان، شاب وشابة، ومعهما طفل رضيع تحمله الفتاة لا يتجاوز عمره أسبوعين على أكثر تقدير. بدا على المراهقين الاضطراب والحيرة والخوف، وكان الحزن بادياً على الفتاة بالذات التي كانت تبكي بحرقة وبصوت مسموع، وتغرق الرضيع بقبلات متتالية، بينما طفق الشاب يربت على كتفها في محاولة منه للتخفيف عنها، ولم يلاحظا وجود أعضاء الفريق الذي كانوا يراقبون الأمر من مكانهم خلف الأشجار الكثيفة. وضعت الفتاة الرضيع تحت إحدى الأشجار، وترددت لبرهة قبل ان يسحبها صاحبها، وتخطو معه خطوات مرتبكة، وما إن ابتعدا قليلاً، حتى علا صوت الرضيع عالياً وكأنه يترجاهما العودة اليه. توقفت الفتاة وهمَت بالرجوع، لولا أن الفتى سحبها من يدها، طالباً منها ان تكمل مسيرتها دون الالتفات الى الوراء. تجمد أعضاء الفريق في أمكانهم لبرهة من هول الصدمة، محاولين أن يفهموا ما يجري، بينما راح المصور روميل يلتقط ويوثق الأحداث بكاميرته في…