الثلاثاء ٢٤ يناير ٢٠٢٣
هناك في الحياة أشياء لا تؤذي أحداً، لكنها لا تجعلنا في حالنا، ولو لم تكن في تفاصيل أيامنا لنقص منها شيء جميل غائب، مثل وردة حمراء لا تبالي إلا بتلك الرقصة الدائمة مع نسمة الريح، وهي تتمايل طرباً، تنادي الأرواح، وتسرق الضحكة من القلب، حجر صافٍ مستلق تحت الماء، ولا يرتوي، كل يومه وغايته نشيد الماء، آلة موسيقية يشجيها ما يشجيها، فتنزل دمعها لترطب النفوس، وتنزع شجنها، آه.. لو تركوا تلك الأشياء تتحدث، لقد وددت دوماً لو أني تحدثت على انفراد مع تلك الأشياء التي لا تؤذي، خاصة بعض الآلات الموسيقية، ما أجمل تلك الرغبة الطفولية الدفينة، ثمة حوار بعضه طويل، وبعضه جميل، وبعضه الآخر سابح في عمق أشياء الحياة، لا يمكن أن أرى آلة موسيقية في الشارع تناديني، ولا أتوقف محباً لا مجبراً، لا يمكنني إلا أن أتعاطف مع أولئك العازفين البائسين، ساكني أرصفة المدن، وعلى حواف طرقات جسورها، منهم بنصف موهبة، لكن الفقر يدقّ عظمه، بعضهم ضائع مع موهبته الجميلة بين الحياة والحظ الذي قد يتأخر طويلاً، وقد لا يأتي، وبعضهم الآخر، يمارس الأسفار في المدن متأبطاً موسيقاه التي تعينه على الحياة، وعدم السقوط جوعاً على الأرصفة الكثيرة، بعضهم عشاق مهزومون، والبعض تفتت أكبادهم في طَرْق مسافات النهار، وخيوط الليل، لا صديق يؤنس، ولا رفيق درب يمكنه أن…
الإثنين ٠٢ يناير ٢٠٢٣
أخذت الأولاد بجولة في إرجاء الإمارات السبع أو قررنا أن نعمل لهم سياحة في الوطن، خاصة أن الجيل الجديد لا يميز الجغرافيا بمفهومها الصحيح والمبسط في مناهجهم التعليمية والتربوية، فكل الأمور لديهم في تعليمهم الجديد تسمى موادّ اجتماعية، فيخلطون بين جغرافية الإمارات، والتربية الوطنية، والمادة الاجتماعية، وهذا أمر له حديث آخر، لأنه لا يعقل أن يعرف طالب الصف الخامس عندنا «أوتاوا» وموقعها البعيد، ولا يعرف كلباء وخور فكان في وطنه. كانت أياماً جميلة تنقلنا فيها بالمبيت بين جنبات صحراء، وأعالي جبال، وعلى عتبات ماء البحر، كانت الرحلة مذهلة، وغير متوقعة، ومدهشة في كثير من الجوانب، وأسئلة كانت تطرح، أعمقها عندهم: «هل كل هذا عندنا»؟ أما السؤال المؤلم عندي فكان: لِمَ لا نعرف»؟ أعتقد أن بعض دوائر السياحة أو أياً كان مسماها لا تعرف من السياحة إلا المعارض والمشاركة فيها، وتلك الجوائز الإعلانية لا الإعلامية المتفرقة التي تحصل عليها دون دراسات من الجهات المانحة، ودون تقص حقيقي عن الجهات المانحة نفسها، ولكيلا أعمم، قد استثني جهة واحدة هي التي لديها خطط استراتيجية في هذا القبيل، ولديها نتائج تراكمية كل عام من حيث مؤشر النجاح والمردود ورجع الصدى، لذا دائماً ما نجد ثغرات يعرفها الصادقون والواعون والوطنيون، ويتغاضى عنها المستفيدون، وغير المهتمين بالشأن الوطني، وغير المتخصصين في الترويج السياحي والثقافي الرابضين في…
الأربعاء ٢٨ ديسمبر ٢٠٢٢
- تمشيان مترافقين، يتبعك ظلك، تطول المسافة ولا تتباعد الخطوات، مثل صديق يشبهك، غير أنك تخشى عليه من منعطفات الطرق، لكي لا يهرب منك أو يغيبه الحب في مسالك الدروب. - تهيف وتسقط الورقة اليابسة من غصن الشجرة، تبكي السقوط، وتتذكر الاخضرار، تتذكر تلك الأم، وتتذكر شيئاً جميلاً اسمه الحب. - تأتي الموجة تسابق الموجة، وحين تلامسان اليابسة، تتذكران أنه ما جاء بهما إلى هنا إلا الحب، وما جلب الارتواء لعطش الرمل إلا من أجل الحب. - يهمس القرط للأذن دائماً بأن هناك شيئاً جميلاً اسمه الحب. - أن تودع كلمات باردة في صدور الآخرين، وتغيب دون التفاتة، لا معنى لها غير الحب الناطق الذي يسعد بلا مقابل. - يأتي المطر، ويبشر الجميع بتلك المساحة الرعوية، وطُهر الماء، وما يمكن أن تحمله نفّاته من شيء جميل اسمه الحب. - يكفي أن يمر أحدهم، ويضحك مع الصباح، ويقول: صباح الخير، فتسمعه، وكأنه يقول صباح الشيء الجميل، صباح الحب. - تدخل الصغيرة صفها، كأنه صف زهور وورود، تركض نحو مقعدها فرحة، تناظرك من بعيد، فيشع ذلك الشيء في صدرك، فلا يمكن أن تصفه إلا بأنه الحب. - تمر نسمة حاملة عطراً، فيسافر بك، محلقاً نحو تلك التي همس عطر شعرها لأول مرة، قائلاً شيئاً جميلاً، يمكن أن يكون هو الحب. - تقلقك…
الأحد ١١ ديسمبر ٢٠٢٢
هناك أشخاص يرافقهم الخير منذ صباحهم وحتى المساء، قد تكون أشياء صغيرة تلك التي يفعلونها، ولكنها كبيرة في نفوس الآخرين، لي صديق برلماني أردني، حالته مثل حالة أولئك الأشخاص المنذورين لفعل الخير، طلبت منه مرة أن أرافقه طوال يوم من أيامه، كمراقب، وليس كضيف، لأعرف كيف يمضي ساعات يومه، خاصة وأنها تبدأ منذ الصباح الباكر عنده، ولا تنتهي إلا حين يخيم الليل، فقلت له من باب الفضول: أريد صحبة ماجد، فانتخى وهو البدوي العربي، وقال لعيونك، لكنني أشفق عليك، لأنك لن تطيق معي صبراً، وكان محقاً، لأن نقاله لم يتوقف عن الرنين، هذا يطلب حاجة في وزارة معينة، وآخر يريد توظيف ابنه في الشرطة، وأرملة تطلب تدخله ليعجّل لها في صرف معاش زوجها، فقلت له: لماذا لا تجعل لك سكرتيرة تنظم وقتك، وتزيد من ساعات عملك، وتكفيك الرد المباشر ولحظات الإحراج، وحذف ساعات من كلمات المجاملة بينك وبين المتصلين، وتجعلك تركز في أعمالك الكثيرة، فرد: تعرف لو اتصل أبو محمد، وردت عليه السكرتيرة، فسيعتقد أنني لا أقدره، وأنني متكبر عليه، وإن اتصل واحد من «أخويانا العربان» على هاتفي وردت عليه السكرتيرة فسيغضب ويعتبر أنها معيبة في حقه، خاصة وأنها لن تعزم عليه أن يقلط إلى المنزل أو تحلف عليه أن يأكل ذبيحته المقصوبة له قبل أن يخرج من شق داره…
الأربعاء ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٢
- على كرسي في صالة المطار أو قاعة الانتظار أو في التسكع في السوق الحرة، يمر عليك مسافرون.. ومسافرات: - شخص وجهه لامع من الحلاقة المزدوجة، ومن الكولونيا الرخيصة، ومن الاستعداد الزائد عن الحاجة قبل السفر، تشعر أنه مخلص كثيراً لأشيائه القديمة، البدلة، الموديل، وربطة العنق المشجرة، الحقيبة الجلدية، وجريدة صدرت قبل يومين، وأوراق كثيرة وقصاصات لا تعني شيئاً، وأمور ليس بحاجة لها في سفره! - شخص مشمئز، يبدو أنه يشكو من حموضة منذ الفجر الباكر، المطار يزيد من غثيانه، والقهوة التي طلبها مرتين، والخوف من المجهول، وتأخر الطائرة، وبكاء الزوجة الذي جاء في غير وقته، والصراف الذي غمطه بـ7 دولارات! - امرأة أفريقية، ومعناها أنها سمينة، وتحمل حقائب زائدة في يدها وعلى ظهرها، ورابطة رأسها بعمامة مزركشة وثقيلة، وجوازها وتذكرتها في يدها، وأكياس لا تسعها يدها، ومتجهة إلى بوابة مغادرة بطريق الخطأ، كل هذا ولا تشكو من مشكلة مطلقاً! - شخص واضح أنه غير واثق من نفسه، يشعرك أنه مشروع مؤجل للضياع، وأنه معرض للسرقة في أي لحظة، دائم التحسس لجيبه، يفتح حقيبته المربوطة، يطل برأسه داخلها ليطمئن على الجواز والتذكرة والأوراق النقدية المرصوصة بعناية فائقة، عيناه لا تفارق وجوه المسافرين، عله يستمد منها بعض الراحة والألفة، في ساعة لم يبق له ظفر مكتمل! - فتاتان مثل القطتين، ملابس…
الثلاثاء ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٢
من مفردات الحياة وقيمها تواجد الأضداد فيها، وقديماً قيل: «والضد يظهر حُسنه الضد»، فالأسود يتجوهر في وجود الأبيض، والعكس صحيح، ولطالما كان الصراع والتصادم بين الأضداد في الحياة، فالخير يتجلى حين نعرف الشر، والعدل يعلو حين نضيق بالظلم، وهكذا الجمال والقبح، الحديد والنار، الماء والعطش، الخضرة واليباس أو التصحر، الحرية والعبودية، ولقد فاضت الآراء والمدارس الفلسفية عبر التاريخ الطويل في التصدي وتفنيد مثل هذه الحالات. ومؤخراً شهدت أيام وفعاليات المؤتمر الدولي للفلسفة الذي نظمه بيت الفلسفة في الفجيرة، وضم نخبة من أرباب الفلسفة ودارسيها ومدرسيها، كانت أياماً ممتعة ومحفزة للرأس، وفرصة للتجاذب والتحادث مع النفس، ومع الآخر، لكن في يومها الأول حدثت تلك المفارقة، وهي مقارنة لم نكن نطلبها، ولكنها جاءت هكذا محض صدفة، وبعد انتهاء فصول وفعاليات اليوم الأول، انطلقنا إلى الغداء في ذلك المطعم البحري الكبير، وجميع الرؤوس المشاركة كانت إما ممن تخطوا الستين حولاً أو ممن هم ضعاف البنية، وكل واحد منهم، لابد وقد قرأ آلاف الكتب، فنظرية الفلاسفة معروفة: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان»، وكانوا بعد أحاديث المنطق والعقلانية، والراهن، والمرتهن والمُعاش، وهم يتمنطقون ببذل أمهات القطع الثلاث لشدة برودة ذلك المطعم وتكييفه المركزي، وتحلقوا على مائدة الطعام، وما تزال أحاديثهم تُشرّق وتُغَرّب بين مفهوم الخطاب الماضوي، وأبستمولوجيا المعرفة، ومدى التباس واقتباس السيرورة والصيرورة، ومن ذلك…
الثلاثاء ٠١ نوفمبر ٢٠٢٢
بين وداع «عون» القصر الجمهوري، بيت الشعب، وبين دعوات المخلصين ليكون الله في «عون» لبنان الذي يعيش أزمة اقتصادية خانقة، وتفشي مرض الكوليرا، والفراغ الرئاسي، يعيش لبنان اليوم ما بعد المرحلة البرتقالية، لكنه لبنان الأخضر أيضاً، لبنان الأرز، لبنان التعددية، لبنان المقاومة، حين كانت المقاومة غير منتزعة، لبنان الديمقراطية، هو لبنان الاتفاق والتوافق المستقل بإرادته، السيد على أرضه، وأجوائه ومياهه الاقليمية، وعرّاب حياته التي يريدها أن تكون ملونة ومختلفة بلا وصاية غربية، ولا ولاية الفقيه، لبنان الفسيفساء المزخرفة بالحب والأمل. لبنان الذي نعرفه، هو لبنان الجميل بكل ما فيه من زرع وإنسان، وجبال، وبحر، وعتابا وميجانا، قمر مشغرا، ودرّاق بكفيا، وفيروزيات الصباح البكر، آهات نصري شمس الدين، ووديع الصافي، الشِعر المعرق برائحة اليانسون، وعنب باخوس، سعيد عقل، وجوزيف حرب، وطلال حيدر، ضجيج المطابع، وثرثرات مقاهي المثقفين والسياسيين المتقاعدين، الذوق في كل شيء، لبنان شيء آخر. ولبنان الذي يريده اللبنانيون، ونحن معهم، هو لبنان العَمار لا الخراب والدمار، المتحد والمؤتلف والمتحابب أهله، لا المجزأ، والمتحارب أبناؤه. لقد جرب اللبنانيون، أو لنقل جربت على أرضهم، 15 عاماً من الحرب الأهلية، قبل أن يجلسوا إلى بعضهم بعضاً في الطائف برعاية عربية سعودية وتحت مظلة أرزة لبنان وعلى أرضية لا غالب ولا مغلوب.. بس «راجع.. راجع يتعمر.. راجع لبنان». دفع الجميع الثمن، وكان ثمناً…
الإثنين ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٢
كيف صارت الأحوال، وإلى ما آلت إليه الأمور الثقال، أصبحنا في مهب الريح، وغدت العلاقات بين الناس مثل الذي «حبالها خوص» أو خابية كابية مثل نار السعف «ضو الخوص» سرعان ما تخبو حتى بلا رماد، كيف هزلت العلاقات الإنسانية وأصبحت مصدر رزق لمن لا يجد رزقاً حلالاً طيباً، ولا أدري ماذا نسمي ذلك المسترزق من الكلمات التي تُعد اليوم نابية، وهل يجوز شرعاً أخذها والتصرف بها والصرف منها؟ كنا في الزمان القديم نعد الدعوات من ملح الحياة، وأن كل الناس تقولها ساعة غضب ونفور أو توتر، وهم لا يقصدون بها شراً، إنما هي تعبير بعنف لفظي، لكن باطنه الطيبة، ولا أدري ماذا كان سيصنع العرب القدامى حين يلقون عليك تلك اللعنة أو الدعوة القاسية مثل حجر الجبل؟ ولا أدري كم سيغرم «حنظلة بن الأجرف» لو قال جملته الاعتيادية: «ويحك.. ثكلتك أمك أو لا أبا لك» أعتقد حتى خطام بعيره سيبيعه، ويرجع بخفي حُنين إلى صحرائه الطيبة، اليوم ما تروم تقول حق حرمتك في ساعة غضب زوجي، لا تقصد من ورائه إلا اتقاء الغضب، ووقوع أبغض الحلال بينكما، بقولك لها: «اذلفي عن ويهي الساعة»، فما يكون من الزوجة المصون إلا أن تصبح شكّاية في المحاكم، وتجرجرك بكندورتك وشيبتك المهتزة، ووزارك الناصل، وتغرّمك نصف راتبك التقاعدي من الحلقة الثانية من الدرجة العاشرة،…
الأربعاء ٢٤ أغسطس ٢٠٢٢
- لا ندري لِم نترك الأمور حتى تتازم ونتحرك في آخر لحظة لإنقاذ ما تأخرنا في إنقاذه، وندع الأشياء على تداعياتها، وحين يقرب الوقت لحاجتها نسرع ونهرع حارقي المراحل من أجل استقامتها وتعديل وضعها؛ يعني المدارس على الأبواب، وتعرفون الأسبوع الأول مع العودة للمدارس كيف يكون ثقيلاً على نفوس الأهل والطلبة وسائقي الحافلات والأمهات الموصلات لفلذات الأكباد، وتلك الزحمة الخانقة في الشهر الخانق «آب أغسطس»، وفوق كل هذا يقوم مقاول ويخلع «باسكو» الأرصفة والمؤدية للمدرسة، ويعجن تلك المدرسة باشغال في الوقت الضائع، طيب كان لدى إدارة المدرسة أو الجهة المسؤولة والمقاول شهران كاملان، وليس الآن! هذا تماماً يشبه واحداً يريد أن يسوي خيراً وإحساناً، ويتبرع بترميم وصيانة مسجد، فلا يحلو له التبرع لمسجد الحارة القريب، ونقد المقاول إلا مع بداية شهر رمضان الكريم، شهر التعبد وملازمة المسجد، وطقوس رمضان. - في العين هناك شارع رئيس تقع عن يمينه وشماله معظم المدارس والكليات وبعض الجامعات، فإذا بدأت بأعمال تعبيد الطريق وصيانة الأنفاق وسددت جزءاً منه، وعملت التحويلات المتفرعة منه وإليه قبل أسابيع من بدء العام الدراسي، خاصة وأن المشروع لن ينتهي في شهر أو شهرين، ماذا يمكننا أن نقول حين تتعطل الناس، وتتعطل سياراتهم من طول الوقوف والزحمة وذلك الاكتظاظ ساعات الصباح وسرحة الشغل وعند انتهاء الدراسة والدوام إلا أنها أشغال…
الإثنين ١٥ أغسطس ٢٠٢٢
المتاحف في العالم هي خزائن الأشياء، وذاكرة الناس والأوطان، تجد فيها كل أنواع الفنون، اللوحات والسجاد والتماثيل، وكل الأشياء التي مرت على الإنسان وأبدع فيها، وتطورت مع مسيرته، ومنها أدوات الفتك والقتل التي كانت تجبرني على التوقف عندها، وأتأملها، والتبصر في قوة هذا الإنسان من طيبته إلى جبروته، لكن أثناء زيارتي مرة لمتحف نيودلهي أدهشتني تلك الآلات الشاهدة على سيرة الدم، وتذكرت ساعتها كل تلك المتاحف التي زرتها، وخاصة ذلك الركن الزجاجي الذي يحمي أدوات الفتك، والأسلحة من خناجر وسيوف ورماح ومعدات قاطعة، وأخرى باقرة، وغيرها قاتلة بفجور أو طاحنة أو ماشطة، وطرأت عليّ أسئلة كثيرة، ومتراكمة، بشأن فكرة تطوير أدوات القتل عند الإنسان منذ أن خلق، بدءاً من صد الحيوان الافتراضي المهاجم أو العدو المحتمل إلى فكرة الصيد، وجلب ما يقويه على الحياة، إلى تطور فكرة التملك عنده، وحب السيطرة وبسط القوة وإظهارها والتعدي على ما عند الغير، بما فيها روحه وجسده وأرضه. لقد طور الإنسان أدوات القتل والفتك من ما وفرته الطبيعة له من خشب الشجر أو الحجارة إلى المعادن، وحين عرف الحديد تسيد وتجبر، وجعل لكل سلاح غاية، فمن تسيد الخنجر في قتله، لا يستعمل له الرمح، وما يقتضي فعل السيف لا يجب أن يطلق عليه سهماً، في تلك الخزانة الزجاجية السميكة، وفي غيرها في المتاحف الأخرى،…
الإثنين ٠١ أغسطس ٢٠٢٢
- عثرها العضلات يلبسون لها لباس تحت الفانيلة البيضاء الضيقة، وتظهر الواحد منهم ولا « شوارزنينجر»، وكل الناس اللي في المول يهابونه، واذا تجول كسائح بحري بتلك الفانيلة البيضاء والزرقاء وعليها علامة «الانير» أو المرساة، ولا واحد يقرب صوبه، باعتباره «بربروسا»، وبلا طعام الخيول ذاك الذي يصّرطونه جماعة المعضلين قبل ما يروح الواحد منهم « الجِمّ»، ولا تلك «البالديات « الممزورة حبوب ومقويات ومكملات غذائية، ما تروم تأكل منها شيء إلا ويصبح بطنك كبر الهبّان! - لا تخاف إلا من واحد ضعيف وطويل أزيد من اللازم، وتحصل يرعبته بارزة، تصعد وتنزل بدون داع، وأنف معكوف، ورجلاه تتراقلان في ذلك الجورب الذي يشبه جورب طالب اعدادي غير نجيب، تراه يلعب على ثلاث حريم في وقت واحد، وبفترات زمنية متقاربة، مرة مع واحدة، طالبة ما زالت تسقط في الثانوية، جميلة وساذجة، والثانية أرملة طروب، ما صدقت تودع المرحوم بدموع التماسيح، والثالثة متوسطة العمر تسكن مبدئياً مع صديقتها التي سمحت لها أن تشاركها شقتها الصغيرة، ولديها مشاكل عائلية لا يمكن أن تنتهي بسرعة في ظل تعنت الأب، ودفاع غير مستميت من الأم، ذلك الطويل الضعيف ذي اليرعبة المتحركة باستمرار لو تعصر جيبه، لن تجد 70 يورو صحيح، ومع ذلك ملابسه الصيفية توحي بعلامة التمساح المزور. - يعني بصراحة مثل بعض حريمنا بزا ودلع…
الثلاثاء ١٩ يوليو ٢٠٢٢
- قلما تختزل العواصم بلدانها، وحدها باريس يمكن أن تفعل ذلك، وتزيد، كل العواصم تتجمل، وحدها باريس بجمالها، هي دوماً متجددة، وتكبر معك، مرة يمكنك أن تراها في هيئة صبية بـ«جينز وتي شيرت أبيض»، ومرة ترتدي ثوب امرأة جليلة تتزين بـ«تايور من شانيل»، ومرة تشبه الصديقة الجميلة الثائرة، كزميلة عزيزة على «تشي غيفارا»، ومرات تجدها لا تشبه إلا حالك وحالها.. باريس علمتني الفرح بالأشياء صغيرها وكبيرها بلا ضجر، فالجمال في التفاصيل، طابور طويل لحضور فيلم أو «كونشيرتو»، مطعم صغير بمقاعد خشبية فيه لذة الدنيا، مقهى على الرصيف، «كشك» كتب قديمة ورخيصة، التسكع على غير هدى، تلتقط عيناك الجمال في كل مكان، وفي كل الأشياء. - ولم أدرك أنني يوماً ما سأكون من مستلطفي الكلاب، حتى تجاورت مع عجوز فرنسية في إحدى عمارات باريس، في البداية كان كلبها غير ودود تجاهي، وكأنه يعرف عدم استلطافي له، بعدها بأشهر من السكنى كان يشعر بي، وأنا أمشي على أطرافي من المصعد إلى الباب، فينبح نبحتين، ليقول لي إنه متيقظ، بدلاً من أن تتنحنح العجوز، وقد وضعت تركيبة أسنانها، وهمت بالنوم، لم ترض عني تلك الجارة الأرستقراطية إلا حين ربَّتُّ على ظهر كلبها في المصعد مرة، وظل يحتك بباطن ساقي، وأنا متجمد، ومتجلد بالصبر، خوفاً أن ينهش العضلة، مع ضحكة شبه مُرة في وجه…