الأحد ٠٤ يوليو ٢٠٢١
من أغرب المشاعر الإنسانية الطبيعية، مشاعر الخوف.. فهي وراء كل ممارسات البشر غير السوية.. والسوية أيضاً!، يكذب بعضهم خوفاً على نفسه من العقوبة، يسرق آخرون خوفاً من الحاجة والفقر، يحقد هذا خوفاً من تميز الآخر عليه، يتسلط ذاك خوفاً على نفوذه ومكانته بين الآخرين، ويغتر ذاك خوفاً من الاستخفاف به، يتصرفون بأنانية خوفاً من الفقد.. وهكذا. المثير أيضاً، أن الخوف وراء معظم التصرفات الإنسانية الخيرة، نرغب في الرفقة ونخاف الوحدة، نتعاون مع الآخرين لأننا نخاف ألا نستطيع وحدنا إنجاز الأشياء، لا نقوم بأشياء سيئة خوفاً من نقد الآخرين.. وقس على ذلك، ورغم كل ذلك يعد الخوف ركناً أساسياً لاستمرار جنسنا البشري والحفاظ على نوعنا وسلامة أجسادنا، فحسب العلم، فإن بقاء الكائن البشري حياً طوال تلك العصور يعود في سببه الرئيس إلى خوف الإنسان على حياته، ونتيجة لذلك -وعبر أجيال وأجيال- طوع بيئته وظروفه بشكل أفضل ليتمكن من العيش والاستمرار، فقد خاف الإنسان باستمرار من التغيرات الطبيعية، فهرب من مناطق البراكين وطوع بيئة الزلازل وتفادى حدوث الفيضانات خوفاً على سلامة مكانه وبدنه، وليس هذا فحسب، بل ورَّث جينة الحذر لأبنائه، لتصبح صفة طبيعية لا يلزمها المرور بتجربة كاملة لاستدعائها. في الحرب أيضاً، للخوف صولات وجولات، في كتاب 33 استراتيجية للحرب، يذكر «روبرت غرين» في آخر كتابه، وهي بالمناسبة رقم (33) رد…
الأحد ٢٧ يونيو ٢٠٢١
استعانت الفرق المسرحية التي كانت تجوب المدن والقرى الإنجليزية لعرض أعمالها في منتصف القرن الماضي بحماية خاصة طوال رحلاتها لضمان سلامة الممثلين، وخصوصاً أولئك الذين يقومون بدور الأشرار خوفاً عليهم من غضب الناس، الذين كانوا لا يتوانون في الانتقام منهم لما فعلوه من شرور في المسرحية. وفي المقابل كان للممثلين الذين يقومون بأدوار من الطيبة والفروسية تقدير خاص وترحاب من أهالي تلك القرى، كما أن أحد الأسباب التي جعلت المجتمع يقبل بمهنة المشخصاتي بعد أن كانت محل استخفاف وتحقير وعدم قبول، ما كان يورده أصحابها من حجج لدفع المجتمع لقبول المهنة، هو ذلك الدور الذي يلعبه الممثل الطيب أو الحكيم في توعية الناس والرسالة الإنسانية التي كان يقدمها عبر أدواره! لم تعد الأمور كما كانت، لقد أصبحت الأمور في الحياة في غاية التعقيد، بسبب تشويه أصاب المؤثرات التي كانت ولزمن فاعلة في تكوين مداركنا، ومنها على سبيل المثال الدراما التلفزيونية، فقد يجتمع الخير والشر بمقادير متباينة في موقف واحد أو شخص واحد وهذا واقع إنساني لا يمكن إنكاره، غير أن هذا يجب أن لا يختلط إطلاقاً مع أهمية أن يكون لدينا الحدس والمنطق والمعرفة اللازمة للتمييز بين الفعل الخيِّر والشرير، وهي معرفة مكتسبة من التربية والتعليم والمنطق ومنظومة القيم التي اتفق عليها المجتمع اعتماداً على الدين الذي يرتبط به والتقاليد…
الأحد ٢٠ يونيو ٢٠٢١
الحاجة للتقدير أي الشعور باحترام الآخرين، أحد الاحتياجات الإنسانية الأساسية التي تأتي في مرتبة لاحقة، تسبقها الحاجات الفسيولوجية أو الفطرية، ثم الحاجة إلى الأمن، تلحقها الحاجات الاجتماعية كالانتماء، والحصول على تقدير الآخرين وهو نتيجة طبيعية لإنجازات يجب أن يحققها الإنسان ليكتسب احترام وثقة الآخرين به. من المهم هنا توضيح أن سلوك الفرد عندما يُصر على تحقيق حاجة إنسانية، في مقابل إهمال متعمد ولا مبالاة لحاجة أخرى في مرتبة أسبق، دليل أكيد على خلل سيتسبب بمشاكل لها تداعياتها على الشخص ومن حوله لاحقاً. تبدو فكرة صعود السلم مناسبة تماماً لشرح الطريقة التي نتعامل بها مع احتياجاتنا في الحياة، ولنتخيل معاً الطريقة التي نصعد بها أي سلم خشبي على سبيل المثال، والتي يمكن تشبيهها هنا بالطريقة التي نفعلها لكي نحيا، ولنتفق مبدئياً على أن صعود السلم والوصول إلى أعلى درجاته ليس هدفاً في حد ذاته، فالهدف هو الحصول على شيء ما أو رؤية أمر ما، أو تلمس شيء بعد وصولنا إلى أعلى نقطة في السلم.. وهكذا، كل درجة من هذا السلم ضرورية جداً للوصول إلى الدرجة التي تليها، إذاً فالدرجات ما هي إلا وسيلة لتحقيق هدف، وبالتالي فالمنطقي والبديهي أن لا أهمية إطلاقاً أن تكون المادة المصنعة لدرجات السلم من الذهب أو الألماس أو من الحجر.. أو حتى من أسوأ أنواع الخشب.…
الأحد ٠٣ يناير ٢٠٢١
الامتنان لأني لم أتعطل كثيراً لأدرك ما يحدث، والوعي لأني التقطت الرسالة التي أرادها الله لي مبكراً. لم يطل تشتتي طويلاً، فقد تجسد لي الأمر سريعاً عندما شاهدت عيون وملامح زملائي رؤساء تحرير الطبعات الدولية من مجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، في أول اجتماع لنا عبر الفيديو في زمن الجائحة بعد أسبوعين من قرارات الإغلاق، التي اجتاحت العالم. هنالك أدركتُ مدى تشابهنا الكبير في جزعنا وألمنا، وفي شعورنا المشترك (بلا اتفاق مسبق) بأننا لا حيلة لنا أو إرادة إزاء ما سيكون عليه حال المستقبل الوشيك. كنا جميعاً نتحدث من منازلنا، على غير العادة، وبدت الوجوه حائرة مكدرة -لا سيما الرجال بلحاهم الكثة- وأصوات النساء البائسة، وقليلٌ منّا اكترث لخلفية شاشة حاسوبه على غير العادة. كانت أصوات بعض صغارهم هي الجانب المشرق الوحيد الباعث على الابتسام الخجل من حين لآخر. على مرّ الشهور التالية -وعلى صعيد شخصي- بدا الأمر مختلفاً معي، فقد أدركت أننا وإن بدونا في ظاهرنا بأننا بلا حيلة، كان الأمر غير ذلك على الإطلاق، وهذا ما أطلق عليه مرحلة الوعي. لقد ساهمت الأوضاع بمجملها في تهيئة الظروف -لمن أراد- في استكشاف رسالة اللحظة، لماذا وكيف وما المغزى من كل هذا! كانت فرصة غير مسبوقة لإدراك أمور لم نكن لنقف لحظة للتفكر فيها، كانت فرصة جلية جداً للاتصال بالمحيط الطبيعي -غير…
الأحد ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٠
إن التقدير الدقيق لحاجة المجتمع للتغيير، لا ينفصل إطلاقاً عن طريقة إحداث هذا التغيير، وهي أمور لا يدركها أي كان. ولذا فإن النخب الذكية تدرك تماماً دورها في تهيئة الجو العام لقبول المتغيرات الجديدة، كدعم وصول المعلومات المفيدة لإحداث التغيير، وإشغال الناس بها. ومن أهم أدوات ذلك، تمكينهم من المنصات المُترجمة. وهنا أطرح مشروعين مهمين قدما خلال العقد الماضي في المنطقة العربية، أولهما «مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية» وكذلك مجلة «الفيلسوف الجديد» وهي مشروع وليد يمضي على نفس الطريق. إنهما إحدى تلك الأدوات التي تعد وسيلة مثلى لإحداث التغيير في المجتمعات العربية، سواء من ناحية تقديم المعارف الثورية في عوالم شتى، سواء ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية، بعرضها لأحوال وأفكار المجتمعات الأخرى الأكثر تقدماً أو الأقل، ومعرفة واقعنا الحقيقي قياساً بالآخرين، أو من ناحية تقديمها عبر لغة سهلة تشبههم، ليست حكراً على نخب دون غيرها. سأبدأ من «النهاية». أساس الرفض المتطرف إزاء أي تغيير خارجي يطرأ على حياة الإنسان أو الجماعة هو مفاجأة هذا التغيير. بمعنى أنه كلما كان هناك تدرج ذكي وحذر قبل إحداث عمليات التغيير، كلما تدنت درجة المقاومة، وكذلك كلما طالت فترة التوطئة -بمعنى تهيئة الواقع- كلما تمكن فاعل التغيير من الحصول على القبول وربما الاستحسان بل وربما المطالبة بتسريع التغيير. تبدو هذه العمليات رغم بساطتها وطبيعتها، عصية…
الأحد ١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
السلام عليكم، وبعد، «منذ صدور العدد الأول لمجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية وأنا أواظب على اقتنائها، وقراءتها ثم الاحتفاظ بها في مكتبتي، كمرجع أعود إليه حين أريده. ما لم أُقَدّرْه على مدى كل تلك الأعوام، هو قيمة أن أجد العدد كل شهر في الأكشاك وتكون لي الحرية في أن أقتنيه أو أن أغُضّ عنه الطرف. وخلال أشهر الحجر الصحي الأربعة، لم تكن لديّ تلك الحرية. فلم يكن لي أي خيار غير انتظار زواله وعودة النشاط إلى السوق، عله تكون هناك طريقة لاستدراك الأعداد التي تنقصني». المرسل: العربي الضاني/ أكادير- المغرب ذلكم جزء مقتطع لواحدة من عشرات الرسائل التي ترد إلينا كفريق تحرير في مطبوعة «ناشيونال جيوغرافيك العربية» والتي تحمل الامتنان لجهود الفريق والتقدير غير المحدود لدولة الإمارات صاحبة هذا السبق في إصدار النسخة العربية لكل الدول العربية، غير أن «الجائحة» كان لها وقع مختلف على متابعينا. فعندما واجهتنا في الربع الثاني من هذا العام، توقفت الكثير من المطبوعات سواء بسبب إجراءات السلامة تحسباً لانتقال فيروس كورونا عبر الأوراق، أو بسبب إغلاق الدول حدودها، مما حد من وصول المطبوعة. غير أن إدارة «أبوظبي للإعلام» -وهي صاحبة الترخيص العالمي للنسخة العربية- ارتأت الاستمرار في تقديم المحتوى العربي عبر الموقع الإلكتروني «مجاناً»، الأمر الذي استمر حتى بدأت الدول بفتح حدودها. وما هذا الإجراء سوى…
الأحد ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٠
عادةً ما يعتقد الإنسان بسبب كل التطور الذي وصلته البشرية في شتى أنواع المعارف والعلوم أنه امتلك الحقيقة، فقد مكنته العلوم من الوصول إلى دلائل وبراهين بوفرة أكثر من أي وقت مضى، وبما أن الحقيقة حسب ما يعتقد الكثيرون أنها ما تَمت البرهنة عليها، فإن الدلائل المتوافرة حول أي أمر، كافية لإعلانه «حقيقة»؛ وكلما زادت البراهين حوله تأكدت حقيقته، وليس هذا فحسب، فتلك الحقيقة الجلية بالبراهين المؤكدة تنفي ما دونها وترفض كل من لم يتوافق معها.. أليست جلية بجملة البراهين المثبتة؟ ولكن، إلى أي مدى تعد الدلائل والبراهين المتوافرة حقيقية!! مكنتنا التقنية الحديثة منذ ما يزيد على العقد من فلترة ما يصلنا من الأخبار، لدرجة أن المرء منا لديه الحق في تصميم صحيفته الإلكترونية اليومية، حسب تفضيلاته، بأن يضع مثلاً الخبر الرئيسي من النوع الرياضي أو الفني مثلاً، في حين صفحة المنوعات تعرض أخبار الكوارث السياسية والاقتصادية بشكل مقتطفات سريعة، ولهذه الدرجة أصبح لنا الحق في اختيار ما يصلنا،وقد مارسنا هذا الحق دون أن ندرك أننا بذلك، إنما نعيد ترتيب حضور أمور العالم على هوانا، لا على ما هي عليه في واقع الأمر. ولكون مفهومنا عن الحقيقة مرتبطاًً بالدلائل والبراهين، فإنك عندما ترى أخبار مشاهير التواصل الاجتماعي ومدخولاتهم -على سبيل المثال- تغلب على ما سواها من أخبار السياسة والاقتصاد والبيئة،…
الأحد ٢٣ أغسطس ٢٠٢٠
تبقى الذات في حالة بحث وشقاء - وفي أفضل الأحوال غير مستقرة يصاحبها شعور بعدم الاتزان، مهما بدت الأمور حولها طيبة - حتى تجد غاية وجودها. عادة ما تستخدم كلمة «الرسالة» للإشارة إلى التكليف الذي منحه الله لأنبيائه لإبلاغ البشر به، ولكن أيضاً لكل إنسان على وجه الأرض رسالته الخاصة التي خلقه الله لها، ولكي يتمكن من أدائها، يهبه رب العالمين العقل والموهبة لفعل ذلك. يقدم الروائي الياباني «هاروكي موراكامي» في قصته «نعاس»، الفكرة نفسها بطريقة غير مباشرة، عن امرأة فارقها النوم لسبعة عشر يوماً كاملة، وكانت قبل ذلك تعيش حياة طبيعية طيبة، تمارس خلالها واجباتها بآلية دقيقة. وعلى غير ما نعرفه من تداعيات عدم النوم المزمن - من اضطرابات في الطاقة والإدراك وسوء في المزاج وتدهور في الصحة - فإن البطلة التي كانت تعيش مع زوجها وطفلها الصغير، لم ترافقها أي أعراض من ذلك، بل على العكس، بدت أكثر نشاطاً وقوة، فكانت أن استغلت ذاك الوقت الفائض -الذي كان يضيع في النوم- للعودة إلى هوايتها في القراءة والرياضة والإتيان على أمور لم تكن تملك الجرأة على فعلها وقت اليقظة الطبيعية. في رأيي، إن «موراكامي» أراد القول: إن النساء المتزوجات، اللاتي لا يقُمن إلا بواجباتهن الزوجية فقط، لن يدركن ما يحدث لهن إذا استمر عيشهن داخل ساعات النهار الثماني عشرة…
الأحد ٢٠ يناير ٢٠١٩
لدى البعض دون غيرهم قدرة على استخلاص حالات جمالية لا متناهية من التناقضات المحيطة بهم، فبين العالي والمنخفض والغامق والفاتح والحلو والمالح وحتى الحب والبغض تتفتح قريحتهم وتتألق حواسهم، ومن بين هذه التناقضات تولد إبداعات غذت الحضارة الإنسانية، فيما أنشأ هذه الحضارات من نجح في صهر كل التناقضات في نسيج بكل ألوان الحياة وأعاد إنتاجها في قالب جديد. تستوقفني كثيراً تلك الجمل التي تحمل مفردات متناقضة، وأجد نفسي أستخدمها بكثرة فيما أكتب، لأنها -كما أراها- تعبر بواقعية عن حقيقة الأشياء المتشابكة حولنا، وغياب المعنى الواحد الدقيق لأي حالة، فعادة ما يجتمع عدد من المعاني المتناقضة وكذلك المشاعر المتناقضة في شيء واحد وفي الحالة الواحدة وفي اللحظة الواحدة، كما أنها تبدو لافتة جداً ومحرضة على التأمل والتفكير والبحث، وبعضها يبدو شهياً، مغرياً للتورط فيه، كعبارة أتأملها منذ زمن «روابط متحررة ». كيف يمكن أن تكون روابط، وأن تكون متحررة في الوقت نفسه؟ فالروابط -كما نعتقد أننا نعرف- تسير ضمن نظام يخضع للحقوق والواجبات وفق حركة معروفة سلفاً، أما أن توصف بالتحرر، فهذا يلغي صفة الربط التي هي حال في الوقت ذاته. على مستوى العلاقات الإنسانية يبدو هذا التعبير مخالفاً تماماً للطبيعة التي اعتاد الناس عليها، كما أنها قد تكون محل استهجانهم كونهم قد يرونها دعوة تدفع إلى شكل من أشكال الفوضى…
الأحد ٢١ أكتوبر ٢٠١٨
في تسعينيات القرن الماضي ومع ارتفاع أعداد المهاجرين الصوماليين إلى بعض الدول الأوروبية، لجأت الحكومة الهولندية إلى إلزام القادمين الجدد ببرامج تأهيل خاصة لتسهيل اندماجهم في المجتمع المحلي. أذكر جيداً ما قرأته من تقارير مختلفة في تلك الفترة عن صدمة الكثير من الصوماليات عندما أخبرهم مرشدو التأهيل الاجتماعي في تلك البرامج بأن ضرب الزوجات يُعد من جرائم العنف الأسري التي يجب أن يُبلّغ عنها فوراً! فقد اعتقدت النسوة ولسنوات طويلة وعبر أجيال متتابعة، أن ذلك السلوك أمر طبيعي وحق كامل للزوج! وكيف لا؟!.. ألم تنشأ كل فتاة في منزل رأت فيه جدها يضرب جدتها ووالدها يضرب والدتها، فهل يحق لها أن تستهجن ضرب زوجها لها! في تحقيق آخر حول أحوال الأرامل حول العالم كنت قد اطلعت عليه في مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» منذ عامين، فوجئت ببعض الممارسات المتوارثة والراسخة من قبيل سلب مال وسكن الزوجة المتوفى عنها زوجها بل وتوريثها غصباً لأحد أقاربه! المثير أكثر أنه عند مواجهة أصحاب هذه العادات حول جورها وقسوتها، كانت ردودهم من قبيل: «حقاً.. لم نكن نعرف ذلك». بالفعل فهؤلاء القوم لا يعرفون، والحقيقة أنهم ليسوا وحدهم الذين لا يعرفون أن في بعض عاداتهم وما توارثوه واعتقدوه لسنوات طويلة ما هو غير إنساني، وأن في بعض تقاليدهم سلوكيات تعد من أسوأ ما تعاطاه البشر على الأرض!…
الإثنين ٠٤ يونيو ٢٠١٨
في مقال جميل بعنوان «شبهات حول القراءة» تناول عددا من الشبهات التي تسكن عقولنا فتدفعنا بلا أي قصد لجعل فعل ممارسة القراءة في مرتبة متدنية من اهتماماتنا، سرد كاتبه سلطان الرميثي أربع شبهات حول أسباب عزوف الناس عامة عن الإقدام على القراءة. في رأيي أن جمال المقال ينطلق من كونه يغوص بعيدا في موضوع القراءة التي تشغل الجميع في هذه الفترة بسبب المبادرات التي أطلقتها القيادة السياسية على كل مستوياتها، وبدء انشغال المؤسسات الحكومية المعنية وغير المعنية في تنفيذ التوجهات. يذكر سلطان أن أولى تلك الشبهات هو غياب الشك عن العقل، هذا السبب بالذات أهم وأقوى أسباب عزوف المواطن العربي عن ممارسة الفعل الإنساني الأسمى، وقد يكون هذا الخيط الأول الذي يجب السير في طريقه لمن أراد دفع الناس نحو القراءة. عندما نظر سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى القمر ومن ثم الشمس أثناء رحلته في بحثه عن الله، لم ينقذه من ضلالة أهله، إلا شكّه وعدم يقينه بما أمامه، ومن ثم بحثه عما يقنعه ويملأ كيانه بالطمأنينة. هكذا عرف إبراهيم الله، وهكذا عرف كل من توصل إلى حقيقة أو اكتشاف أو اختراع، هكذا تقدمت البشرية عندما شك الإنسان على مر العصور في جدوى وكينونة ما بين يديه، وقرر أن هذا ليس كل الشيء ولا كل شيء، وأن هناك ما لا…
الأحد ٠٦ نوفمبر ٢٠١٦
تماما.. هذا ما يجب: قانون القراءة الوطني. كان لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينتهي عام القراءة هكذا.. وكأنه عام احتفالي عادي تستضيف فيه المؤسسات بعض الكُّتاب والمؤلفين لكي يتحدثوا عن تجاربهم أمام الموظفين لحثهم على القراءة والانتفاع بها! كان لا يمكن أن يكون عام القراءة مجرد فرصة، لتُقيم فيه الدوائر المحلية بعض المعارض الصغيرة للكتب والمجلات التي تحصل عليها «مجاناً» من دور نشر وطنية وكتاب إماراتيين يحضرون توقيع كتبهم، ويلتقطون صوراً مع المسؤولين فيها، تصلح لتكون عناوين لأخبار المؤسسات التي ستنشرها في كل الصحف كمعيار لتجاوبهم مع التوجيهات السامية الخاصة بعام القراءة!، كان لا يمكن أن ينتهي الأمر هكذا بكل سطحية!، كان لا يمكن لمبادرة بهذا التسامي والجمال أن تنتهي وكأنها شيئاً لم يكن بسبب بعض الجهات التي بها متشدقين ودعائيين من الذين لا علاقة لهم بالقراءة، لأنه ببساطة لا يصح إلا الصحيح، ولأن صدق النوايا لا يُخلف إلا أجمل الأعمال. ولأننا قبل كل شيء نستظل تحت حكومة - بحمدالله - على رأسها قادة لهم نظرتهم الثاقبة التي يضعون فيها مستقبل إنسان هذا المكان قبل كل شيء، كان «القانون الوطني للقراءة»، الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، ليضع للجميع أُطرا تشريعية وبرامج تنفيذية ومسؤوليات محددة لترسيخ قيمة القراءة في دولة…