الخميس ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: تتداخل الحسابات السياسية مع دخان المعارك في المشهد السوداني لتزيده تعقيدا فوق ما هو معقد، وتتطاير الاتهامات في كل الاتجاهات، وفي خضمّ هذه الفوضى، يصبح من السهل أن تشوه الحقائق وأن تُزَجّ بأسماء دول ليست طرفاً في هذا الصراع الأهلي وداخل معركة جذورها أعمق من حدود الجغرافيا، وأقدم من أي وساطة إقليمية ومن اي ثأر اهلي او قبلي. فالسودان اليوم يعيش حرباً داخلية بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان والإخوان من طرف وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) من طرف آخر في صراع (سوداني ـ سوداني) وكل ما عدا ذلك مجرد تفاصيل. ورغم الاتهامات التي توجه للإمارات بين فترة وأخرى، إلا أن مراجعة بسيطة للسلوك السياسي لدولة الإمارات تكشف أنها تتعامل مع الملف السوداني بوصفه ملفاً إنسانياً وسياسياً يحتاج إلى تهدئة لا تأجيج، ويتطلب مسار تفاوض لا مسار عناد، فالإمارات جزء من الرباعية الدولية، إلى جانب السعودية، الولايات المتحدة، ومصر، وهي مجموعة تشكلت من اجل…
الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: مع مرور الوقت، يُصاب الإنسان بما يمكن تسميته "تبلّد الامتنان"، حين يتعايش مع مستوى من الرفاه والراحة حتى يصبح المألوف في حياته أمرًا عاديًا لا يُقدّر، بل وقد يتحول إلى مادة للشكوى. وفي الإمارات، يتجلى هذا التبلد بوضوح؛ إذ كثير من المقيمين يتذمرون من تفاصيل صغيرة، بينما يغفلون عن الأساسيات التي يبحث عنها ملايين البشر حول العالم. فعندما تسأل أحدهم عن منغصات يومه، تتوقع أن تسمع عن مخاوف مرتبطة بالأمن، أو عن مصاعب معيشية حادة، أو عن خدمات عامة تعاني البيروقراطية، لكن القائمة غالبًا ما تبدأ بالازدحام المروري، وتمر بارتفاع طفيف في أسعار بعض السلع، وتنتهي عند تأخر المقاول في تسليم المنزل الجديد، بل قد يشكو البعض من تعطل تطبيق حكومي لثوانٍ، أو من نفاد بطارية الهاتف خلال تجديد الرخصة على التطبيق. هذه “الشكاوى” ليست سوى انعكاس لحياة تتوافر فيها الأساسيات بشكل كامل، حتى أصبح الهامشي محور الحديث. والحقيقة أن…
الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: ليس مقدّرًا لهذا المقال أن يكون ذا نبرة حيادية، لا يعلو فيه صوتي ويهبط ويتكسّر مثل موجة على شاطئ.. ذاك لأنني أتحدث عن تجربة ذاتية مع النهايات.. نهاية العام تحديدًا؛ الأسابيع الأخيرة منه، تلك التي قُدّر أن تجتمع فيها مناسبات حزينة موجعة ينفطر لها الفؤاد، وأخرى سعيدة مشوبة بالفخر والاعتزاز.. دعوات رسمية، وفعاليات، وأنشطة، ومهرجانات… وامتحانات أيضًا؛ حرفيًّا لا مجازًا، امتحانات فصل دراسي حاسم، وإجازات لها عناوين رئيسية وفرعية، ومخططات وحقائب وحجوزات وتذاكر وبرامج حافلة. وكأن كل هذا لا يكفي، لتطالعنا أيضًا تخفيضات هائلة تحمل أسماء أيام بعينها من الأسبوع مقرونة بألوان بيضاء وسوداء وبنفسجية! وحُمّى شراء وخوف من الفوات، إن لم يُصبك أصاب باقي أفراد العائلة. ثم تمامًا كما لو أن كل العزّاب تنبّهوا إلى أن ثمة قطارًا خاطفًا سيفوتهم، فتسابقوا إلى ركوبه في اللحظات الأخيرة، وليتهم فعلوا ذلك من دون إقحامك في حفلات خطبة وعقد قران وتوديع عزوبية وزفاف لا يكتمل بدونك؛ أنت الفقير…
الأربعاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٥
* وزير المالية السوداني السابق خاص لـ هت بوست : مقدمة في مقالنا السابق الموسوم "المشروع الوطني لليوم التالي: البرنامج الإسعافي لإعادة الإعمار والانتقال النهضوي"(1)، قدّمنا تصوراً اقتصادياً متكاملاً لمرحلة ما بعد الحرب يقوم على أربعة مكونات رئيسية: استعادة الأمن والعون الإنساني؛ تعبئة الموارد الذاتية والدولية المجمّدة؛ تشغيل الشباب عبر برامج "النقد مقابل العمل"؛ وإعادة بناء الخدمة المدنية من خلال منهج "التشبيب" والمصافحة الذهبية. ويرتكز هذا المشروع على ثلاث دعائم اقتصادية ضرورية لإعادة الإعمار، هي: الانتقال من التقشف إلى النمو؛ التحول الهيكلي في الزراعة وبناء ممرات الإنتاج حول المدن الكبرى؛ وإنشاء صناديق الحماية الاجتماعية الشاملة والتحويلات النقدية. ولأن أي برنامج جاد لإعادة الإعمار والانطلاق نحو التحولات التنموية الكبرى ليس وصفة تقنية معزولة، بل جزء من مشروع وطني أشمل، فقد أكدنا في مقالات سابقة أهمية خمس مرتكزات سياسية ومؤسسية حاكمة لنجاحه: الشرعية الاقتصادية؛ النظام الرئاسي - البرلماني الهجين؛ الانتقال من نظام الولايات إلى نظام الأقاليم والمحليات حول المدن الكبرى؛ حكومات…
الثلاثاء ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٥
"الشعب في دولة الإمارات يؤمن بالاتحاد، يؤمن بالتآزر والوحدة. ولا يرضى ولا يقبل أن يكون هناك بديل بعد الاتحاد" الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه خاص لـ هات بوست: هذه هي القناعة التي تسكن أعماق كل فردٍ من أبناء الإمارات، والقيمة العظيمة التي ترسّخت في قلوب عيال زايد؛ بذرةٌ غُرِست في الثاني من ديسمبر 1971، ورويت حبًا، وصدقًا، وحُنُوًّا، ودعمًا، فآتت أُكُلها ولاءً، وانتماءً، وبناءً، وإنجازًا، وسعيًا لا ينقطع. إنه ليس احتفالًا عاديًا بعيدٍ وطنيّ؛ إنه تعبيرٌ عن إدراك قيمة الاتحاد، وترسيخٌ لقيمة الرابطة المتينة التي تربط إماراتنا السبع، وتربط أبناءها بعضهم ببعض. إنه إعلانُ ولاءٍ متجدّدٍ ولا يخبو لقادتنا وشيوخنا. إنه تأكيدٌ على إرادةٍ وحبٍّ وإيمان. إنه وعيٌ بقيمة (حفنة ترابٍ) من هذه الأرض. إنها ترجمةٌ لعقيدة شعب. إنها الفطرة التي جُبلنا عليها فكبرنا وكبرت معنا. إنه - ببساطة - غرس زايد الذي رَبَا وأينع، ويزداد ثباتًا في نفوسنا مع سنوات عمرنا. لقد…
الثلاثاء ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ (هات بوست): منذ اندلاع الحرب الأهلية المدمرة في السودان وقطبيها الرئيسين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، عاد السودان إلى دائرة العنف والانهيار بعد سنوات من الأمل الهش في الانتقال السياسي، ليقود البلاد إلى واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم. ومع هذا التحوّل برزت مواقف دولية وإقليمية متعددة تحاول التأثير في مسار الأزمة، إلا أن موقف دولة الإمارات ظل أحد أكثر المواقف وضوحاً واتساقاً في التأكيد على حماية المدنيين، ورفض الانتهاكات من أي طرف، ورفض عودة جماعة الإخوان إلى واجهة المشهد السياسي، مع تبنّي رؤية للحل تستند إلى الانتقال نحو حكم مدني يعيد بناء الدولة على أسس جديدة. هذا التوجه ظهر بوضوح في البيانات الرسمية الأولى لدولة الإمارات وداخل أروقة الأمم المتحدة، والذي عبر عن قلق بالغ من الانتهاكات الواسعة التي ترتكب بحق المدنيين في الخرطوم ودارفور والفاشر وولايات السودان الأخرى، مؤكدة مراراً وتكراراً أن حماية المدنيين مبدأ ثابت يتقدم على كل حسابات أخرى.…
الجمعة ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: مع كل إشراقةٍ في الثاني من ديسمبر، يعود إليَّ مشهدٌ لا يغادر الذاكرة: أنا في لندن، عام 2011، طالبةٌ في رحلة علمية، أجلس أمام شاشة صغيرة في غرفة باردة، أتابع من بعيد احتفالات عيد الاتحاد الأربعين في مدينة زايد الرياضية. كان النشيد يرتفع هناك، بينما كانت الغربة تنخفض عليّ هنا. وبرغم المسافة، كان الشعور بالانتماء يملأ المكان كأنني في قلب الحدث. في تلك الليلة كتبتُ رسالةً للإمارات. لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل نداءً صادقًا دوّنته بقلبي قبل قلمي، كتبتُ فيه: «يا إماراتي، يا حبًا لا يشبهه حب… وأنتِ يا أمي الإمارات، سيدةُ العارفين بأن الأمم تُقاس بمثقفيها وإنجازات مواطنيها.» واليوم — بعد أربعة عشر عامًا — لا تزال تلك السطور تذكّرني أن بعض الأوطان لا تغيب عنك، حتى لو غبتَ عنها. وأن الإمارات، تحديدًا، وطنٌ لا يسمح لك أن تكون بعيدًا عنه… حتى وأنتَ خارج حدوده. ومع…
الجمعة ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: هل هما في موضع منافسة؟! أتحدث كوني أكتب الاثنين؛ فقد أمضيت سنواتٍ لا بأس بها في التغريد، ولا يمكن أن أنكر أن منصةً X (تويتر سابقًا) منحتني مساحةً مهمة طرحتُ فيها الكثير من أفكاري بحرية تامة، كما كتبتُ المقال قبل ذلك وبعده. ولكنني ما ظننتُ يومًا أن التغريدة القصيرة في منصات التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون بديلًا عن المقال، أو أن تلغي أهميته ووزنه وتأثيره في تناول المواضيع، وطرح المقترحات، وتحليل الظواهر، ومواجهة التحديات. ولم تُفقدني المنشورات الموجزة - رغم أنها مريحة - حنيني للمقال. صحيح أن النَّفَس الكتابي أصبح أقصر في الغالب، وذلك لعدة اعتباراتٍ، من أهمها السرعة التي أصبحت تَصِمُ مُجمَل مناحي هذا العصر، وصحيح أن منصات التواصل الاجتماعي تتيح تفاعلًا انفعاليًا - إيجابيًا أو سلبيًا - سريعًا وآنيًا وأكثر سهولة في التواصل مع الكاتب، مما يوحي بأنها أكثر جاذبية، لكنني لا أرى أن الإقبال…
الثلاثاء ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: مع كل حملةٍ تُشَنُّ على الإمارات، يهبُّ الكثيرون للتصدّي لها والرد على شخوصها؛ يحركهم في ذلك الحميّة الوطنية، وحب أرضنا وقيادتنا، والغيرة عليها من كل ما يمسّها بسوء، أو حتى العرفان ورد الجميل من إخوتنا المقيمين والزائرين ممن وجد في هذه البقعة ترحيبًا واحتواءً ورعاية. وكلنا انقدنا في يومٍ ما - بشكلٍ أو بآخر - ودون تفكير للدفاع عن بلادنا ورد الأكاذيب والإشاعات والمعلومات المغلوطة؛ كيف لا وحب الوطن فطرةٌ جُبِلنا عليها؟! وكيف لا وشيوخنا لم يكونوا قادةً بقدر ما كانوا آباءً وإخوة؟! والسؤال الذي لا يطرحه أحد: هل توقف استهداف الإمارات؟! الواقع يقول: لا. بالأمس كانت اليمن وليبيا والصومال وفلسطين، والسودان اليوم، فهل تُراها ستتوقف تلك الحملات الممنهَجَة يومًا؟! ألم يئن الأوانُ لنَعي أن كل هجومٍ على بلادنا سيتبعه هجومٌ آخر أيًّا كانت الذريعة وأيًّا كان المكان؟! ألم يئن الأوانُ لنُدرك أن كل…
الأحد ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: هل يمكن لحدثٍ رياضيٍّ سنوي فريدٍ واستثنائي واحد أن يجيب عن عدد من الأسئلة الجوهرية حول المرأة في دولة الإمارات؟ ما هي ملامح حلمها؟ وهل تنجح في تحويل الحلم إلى رؤى وأهداف قابلة للتحقيق بأرقى مستوى؟ وهل تفلح في تحقيق استدامة وتطور ونمو ومكانة هذا الحدث الفريد الذي بدأ كحلم؟ ما مقدار ما توصلت إليه من تمكين حقيقي؟ والأهم من ذلك: هل جسدت توجيهات ووصايا سمو أم الإمارات الشيخة فاطمة بنت مبارك؟ ما هي تطلعاتها الفعلية؟ وما الطريقة التي تحقق بها غاياتها؟ هل تستطيع أن تجمع بين الحداثة والأصالة؟ هل تنجح في إدارة حدث بمستوى عالمي وتفلح في التمسك بخصوصيتها وحشمتها وإرثها من القيم؟ هل تستطيع أن تبهر نفسها والعالم بحدثٍ رياضيٍّ اجتماعيٍّ أنيقٍ يُعنى بأدق التفاصيل؟ كل هذه الأسئلة وأكثر لها إجابة واحدة ناصعة هي بطولة الشيخة شيخة بنت محمد بن خالد آل نهيان للتنس SMK التي بدأت في العام 2009 كأكاديمية وبطولة تهدف إلى…
السبت ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: «أعمق الأشياء في الإنسان لا تُقال.» — نيتشه ما يشغلني في الإنسان ليس ما يقوله، بل ما يصمت عنه. هناك شيء عميق في دواخلنا ليس في استطاعته الخروج إلى النور، لا لأنه عار أو خطيئة، بل لأنه هشّ وقابل للكسر إلى درجة أننا نخشى عليه حتى من الكلمات ونظرات الآخرين. مع الوقت فهمت أننا لا نواري كي نخدع الآخرين، بل لأن الصراحة قاسية عندما تُقال بشكل مباشر . ولهذا نرتّب وجوهنا كما نرتّب البيت قبل زيارة مفاجئة: أقنعة جاهزة، مطمئنة، تبدو قادرة على احتمال الواقع و الحياة. لكن في دواخلنا شيء مختلف تمامًا؛ شيء مضطرب ومقلق يبحث عن الاستقرار، كأنه واقف عند باب معلّق؛ لا يجرؤ على طرقه ولا يستطيع الخروج و لا الدخول. أدركت معنى الخفاء أكثر عندما قال لي طبيب صديق مرة: "أعرف نظرات الموت على المرضى." سألته بفضول : هل تخبرهم؟ فابتسم بهدوء وقال: "من…
السبت ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٥
تُعدُّ نظرية الحدث الكلامي -المعروفة أيضاً بنظرية أفعال الكلام- إحدى الركائز الأساسية في حقل اللسانيات التداولية، كما تُعرف كذلك بـ»نظرية الحدث اللغوي» و»النظرية الإنجازية» و»نظرية الفعل الكلامي» وغيرها من الصيغ التي تعكس الأبعاد المختلفة لهذه النظرية. ومرت هذه النظرية بمرحلتين أساسيتين في تطورها: تمثلت الأولى في مرحلة التأسيس على يد الفيلسوف واللغوي الإنجليزي جون لانغشو أوستن، فيما مثلت الأخرى مرحلة النضج والضبط المنهجي على يد تلميذه الفيلسوف الأمريكي جون سيرل، الذي قام بتطوير أفكار أستاذه وتنظيمها في إطار منهجي متماسك. تميز العمل التأسيسي بطرحه رؤية ثورية للغة، انتقلت بها من مجرد أداة للوصف والإخبار إلى وسيلة فاعلة لتحقيق الأفعال والتأثير في الواقع، وبيّن أوستن من خلال تحليله الدقيق أن بعض العبارات اللغوية لا تكتفي بتصوير الواقع، بل تشكّل أفعالاً بحد ذاتها، حيث يكون النطق هو الفعل نفسه، كما في حالات الوعد والقسم والاعتذار. وقد أسهم هذا الإطار النظري في كسر الحاجز التقليدي بين القول والفعل، مشكّلاً أساساً متيناً للسانيات التداولية…