الإثنين ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: أنتَ تستيقظ من نوم قلق، تتلمس يدُك طريقها في العتمة إلى هاتفك. كنت قد وعدت نفسك بالأمس أن تمارس بعض التأمل فور يقظتك، وأن تستخدم تقنيات استذكار الحلم، قلت إنك ستعود لتمارينك الصباحية وفطورك الصحي، لكنك تريد فقط أن تتبين الوقت أو تطفئ المنبه. لا تعرف كيف ومتى وجد إصبعك السبابة طريقه إلى تصفح عشوائي لبعض المواقع: كلاب ترقص، أسعار ذهب تتقافز، مشايخ تلقي مواعظها، أشلاء ودماء وبكاء، دروس في الطهي، أطفال مولودون بالذكاء الاصطناعي يفرّون من مستشفى للولادة! أنت الآن ترمي هاتفك بغيظ وتنظر إلى سقف غرفتك الذي أضحى لسبب ما أبعد من المعتاد، ولا تكاد تذكر آخر مرة تأملته، بادلته حفنة من الأسرار الطازجة، وطبعت قبلة على جبينه، وما عاد عندك متسع من الوقت لتسمع عتابه، ولا حتى لتتناول فنجان قهوتك المختصة بهدوء. تسرع إلى عملك وأنت ناقم ومشوش وشاعر بالغبن، لكنك لا تعلم على من؟ ولماذا؟ تجلس في اجتماع مجلس الإدارة…
الإثنين ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: تشغل اللغة العربية موقعًا متميزًا في البنية الجمالية والثقافية للإنسانية، حيث تتجاوز وظيفتها التواصلية لتُشكّل نظامًا دلاليًا وجماليًا فريدًا؛ فمن الناحية التاريخية، مثلت العربية وعاءً لحفظ التراث الفكري والأدبي والعلمي، فهي لغة القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين، لذا أسهمت مفرداتها الغنية وتراكيبها البلاغية المعقدة في صياغة وعي جمالي قائم على الإيقاع الصوتي والدقة التعبيرية والعمق الدلالي. وقد تجلّى هذا في النصوص المؤسسة من شعر جاهلي ونصوص دينية وفلسفية، حيث أصبحت العربية لغةً حاملةً لمنظومة قيم جمالية وأخلاقية معًا. فليست اللغة العربية مجرد أداة اتصال؛ بل هي وعاء حيوي للفكر والجمال، وحاضنة للإبداع الإنساني عبر العصور، إذ تمتلك نسيجاً لغوياً فريداً يجمع بين البلاغة والإيجاز، ويستوعب -أيضاً- أشكال التعبير المعاصرة في الرواية والشعر الحديث والإعلام والفنون البصرية والرقمية، وظلّت قادرةً على استيعاب مستجدات العصر عبر عمليات توليد المصطلحات وتكييف البنى النحوية، مما يفتح آفاقاً جديدة لإحياء جمالياتها في الفضاء الإلكتروني، وتعزيز حضورها في…
الإثنين ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٥
مع صيف عالي الحرارة وتقلبات الطقس الغريبة، والأحداث السياسية الساخنة، ومع اتساع أحداث الحرب على غزة ونزوح الآلاف من القطاع، اتسعت بشكل أكبر دائرة مظاهر تنامي العزلة الدولية التي تواجهها إسرائيل بسبب جرائمها جراء الحرب، في ظل تصاعد الانتقادات الرسمية والشعبية الدولية، وازدياد الدعوات للاعتراف بدولة فلسطينية لتشمل أكثر من 12 دولة، من بينها بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا، خلال اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك. عواقب وأزمات تعيشها إسرائيل خلال السنتين الماضيتين وحالة غير مسبوقة من الانقسام الداخلي، والعزلة السياسية والأخلاقية على الصعيدين الإقليمي والدولي. وهي التي كانت تسوّق نفسها بجانب أمريكا لعقود باعتبارها " النموذج الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط"، تحوّلت صورتها إلى دولة متهمة بالانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، الإبادة والتجويع والاعتماد المفرط على القوة العسكرية، ورفض أي حلول عادلة للوصول لوقف إطلاق النار أو التهدئة وإنهاء المعناة مع الشعب الفلسطيني. حشود حول العالم، في إيطاليا، اسبانيا، اليونان، حتى رؤساء الدول، هتفوا باسم فلسطين ورفعوا اعلامها ومنهم من…
الخميس ٢٥ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: “الإنسان ليس سوى ما يصنع بنفسه” ..جان بول سارتر هل المعرفة والتعليم تذكرة صعود حقيقية؟ وهل تكفي الشهادة وحدها كي نعبر نحو طبقة أعلى؟ السؤال في ظاهره بسيط، لكنه في جوهره يشبه متاهة لا يخرج منها المسافر بسهولة. في أعماقه يختبئ هاجس قديم: مكانك ليس ثابتًا. هناك صوت خفي يذكّرك دائمًا أن قيمتك تُقاس بالمسافة التي تقطعها عن بيتك الأول. من وعد "تحقيق الذات" ولدت فكرة الصعود الطبقي، ليست مجرد ثروة أو وظيفة عليا، بل وهم بالتحرر وخلاص يُمنَح لنا بشرط أن نصعد. الصين قدّمت أول نسخة من هذا الوعد. أتذكر حين زرت معبد كونفوشيوس في بكين، وإلى جانبه الكلية الإمبراطورية التي تحوّلت اليوم إلى متحف يعرض تاريخ الامتحانات القديمة. بين الألواح الحجرية وأدوات الحبر، بدا لي وكأن المعرفة هناك كانت جواز العبور الأول إلى السلطة. كان ذلك إعلانًا مبكرًا بأن الحبر قد يتفوق على الدم، وأن الكفاءة يمكن أن تهزم السلالة. لكن السؤال الأعمق هو:…
الإثنين ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: تنص رسالة حملتها وسائل التواصل الاجتماعي على مقارنة بين تارك الصلاة من جهة والمغتصب الزاني من جهة أخرى، ليخلص المتلقي إلى نتيجة مفادها أن الأول عند الله خارج عن الإسلام، فيما الثاني قد يكون مسلماً مؤمناً، إنما آثم يمكن له أن يتوب. إذا كنت تؤمن بنظرية المؤامرة، لن يتبادر إلى ذهنك سوى أن رسائل كتلك هي محض مؤامرة، الهدف منها تشويه صورة الإسلام، لتجعل منه دين يقبل المجرمين تحت رايته، فما إن تبحث لتجد أصول اعتمد عليها من صاغ منشوراته على سبيل التشجيع على الصلاة، لكنه أغفل، سهواً أو عمداً، التذكير أن المغتصب مدان لدى السلف والخلف، حتى لو كانت الإدانة بدرجة أقل من تارك الصلاة. قد يخطر في بالك أن كل هذه الأحكام لا تطبق اليوم، فلا أهمية لها، إنما في الواقع ليس سهلاً اتهام أحد بالخروج عن الإسلام، فهذا تكفير يبيح القتل، بناءً على النصوص ذاتها التي أقرت حيثيات الاتهام، ناهيك عن الظروف…
الإثنين ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥
العاشرة صباحاً في مطار واشنطن، كنت أهرول إلى بوابة طيران الإمارات بعد الإعلان الأخير عن الرحلة. ربما كنت آخر مسافر يركب الطائرة، وكأنني أُسابق الزمن كي لا يفوتني هذا الموعد الطويل مع السماء. جلست في مقعدي وأنا أتهيأ لرحلة تقارب خمس عشرة ساعة إلى دبي، رحلة تمتد على خط الزمن كما تمتد على خط الطول. كنت قد استيقظت من النوم قبل ساعات قليلة، فلا مجال للنعاس. ولقتل الوقت شاهدت ثلاثة أفلام متتالية، لكن ما إن نظرت إلى زاوية الشاشة حتى وجدت أن أمامي تسع ساعات أخرى. شعرت بالملل، وكنت أسافر وحيداً، فقررت الذهاب إلى الصالة لطائرة الإيرباص A380، لعلّي أجد بعض الصحبة التي تسرّع عقارب الساعة. في الصالة لم يكن سوى راكبين: أحدهما منهمك بالحديث مع مضيفة تقف خلف الكاونتر، والآخر جالس بصمت يشرب كوب شاي أخضر، تبدو على ملامحه آثار الملل ذاته الذي يسكنني. اقتربت منه وبادرت بالحديث: رحلة طويلة، أليس كذلك؟ ابتسم بخفة وأجاب: نعم، ولكن على الأقل…
الإثنين ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: اقتضت طبيعة التفكير النحوي القديم تأسيس النحو العربي تأسيسا غير منظم في مراحله الأولى لأمرين رئيسين: طبيعة المرحلة، وإشكالية التأليف في علوم ليس لها معادل أو مقايس، ويُحمد لتلك المرحلة تأسيس قواعد كلية انطلقت من قراءة عميقة للنص القرآني، وللمنقول عن العرب بالاعتماد على النسق الفلسفي الذي تجاوز الجزئي إلى الكلي (الاستقراء)، هذا التقعيد الذي بدأت إرهاصاته منتصف القرن الأول الهجري أو قبله، لا يمثل في نظري أي مدرسة نحوية بالمفهوم العلمي والفلسفي للمدرسة، ناهيك عن المفاهيم التربوية التأسيسية التي تقتضي ضوابط محددة، وقرائن معتبرة فيما يمكن أن ننعته بالمدرسة بمفهومها الخاص أو العام، والضوابط التي تحدد المنطقيات المتعلقة بالتحديد الزمني والمكاني، بالإضافة إلى واقع الحال، وإشكاليات الثقافة المعاصرة التي تقتضي منهجية واضحة، وأطر فلسفية لصناعة (المدرسة) دون التقيد بشخصيات محددة، أو الاقتصار على موضوع، أو الارتباط بتجمع علمي، أو التركيز على طابع الاتجاه، لا سيما في العصور الأولى (حتى نهاية القرن الثالث فيما أرى)، إذ…
الإثنين ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: يبدو أننا نميل كبشر، وبدرجات متفاوتة، إلى إلقاء كثير من اللوم على ذواتنا تجاه أشياء وأحداث بعيدة عن واقع تأثيرنا الفعلي.. وربما يحمل هذا في طياته شيئاً من الشعور الخفي بالرفعة والعظمة. اعتدت منذ حداثة نشأتي على الاهتمام بالبيئة، والتعاطي مع الموجودات كثروات ناضبة، فأقتصد في الماء والضياء والكهرباء بقدر المستطاع، وأعيد تدوير الأشياء بشكل تلقائي.. زاد هذا التوجه مع ثورة الحديث عن الاحتباس الحراري، وثقوب الأوزون، ومشاهد الدببة القطبية المسكينة والثلج يذوب من تحت أقدامها.. أطفئ الضوء وأفكر بها، وأعتذر لها وأنا أفرط في القراءة الليلية بلا حول مني ولا قوة. منذ أيام شاهدت في قبة معرض علمي مهيب فيلمًا وثائقيًا عن التغير المناخي الذي واجه الأرض في حقب تاريخية متعددة، وما رافقه من انقراضات عظمى أو موت كبير أودى بحياة العديد من أشكال الحياة البرية والبحرية على سطح هذا الكوكب، ومنها الديناصورات بكافة أنواعها. ناهيك عن كل التحولات الهائلة في جغرافيا الأرض ذاتها، كتل…
الخميس ١٨ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: “الوجود الأصيل يبدأ حين يتوقف الإنسان عن العيش كما لو أن الآخرين يقررون مصيره.” – مارتن هايدغر منذ طفولتنا الأولى لا نكتب نحن قصة حياتنا، بل تُكتب لنا. العائلة ترفع سقف التوقعات، المدرسة ترسم الطريق، والمجتمع يوزع علينا قوالب النجاح والفشل. وسط هذا الزحام، نجد أنفسنا نلهث خلف صورة نظنها "مقبولة"، لا خلف حقيقتنا المختبئة. وهنا تبدأ بوادر شرخ خفي: أن تشعر أنك تؤدي حياة لا تخصك. هذا الشعور ليس مجرد انزعاج عابر، بل هو بداية الاغتراب عن الذات. يصف علماء النفس هذه الحالة بأنها فقدان الصلة مع "الذات الحقيقية". نصبح أسرى لأدوار اجتماعية مفروضة. نبتسم. لكن وجوهنا لا تعكس دواخلنا. نسعى وراء أهداف لا تعبّر عنا. ومع مرور الزمن يطلّ علينا تساؤل مُلحّ من دواخلنا: من أنا حقًا؟ نحن في جوهرنا أبناء بيئتنا، نحمل بصمتها كما يحمل الجسد ندوب طفولته. العادات والتقاليد والقبيلة تمنحنا إطارًا من الانتماء والأمان، لكنها في الوقت نفسه تجعل الخروج…
الخميس ١١ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: سمعتُ بكتاب "بدلة الغوص والفراشة" قبل بضع سنوات، وعلى الرغم من إغراء كونه مكتوبًا برمش العين اليسرى، إلا أنني تجنّبت قراءته، لأن كلمة "بدلة غوص" تستثير فيّ حالة فقدٍ خاصة .. فمنذ غياب أخي، بطل الإمارات وآسيا في الغوص الحر، بقيتُ أتجنب حتى النقطة فوق حرف الغين. لكن كما أن لكل أجلٍ كتاب، يبدو أن لكل كتابٍ أجل، وقد آن أوان هذه السيرة الذاتية الفريدة، كباكورة لقراءات "قنديل الأدب"، نادي القراءة الفائق البهاء، التابع لدائرة الثقافة والسياحة، والذي سرّني قبول دعوته الأنيقة، المتضمنة كل مرة لقاءً في أحد المتاحف أو المعالم السياحية البارزة في عاصمتنا الجميلة أبوظبي. نعود للكتاب .. لغة السرد، أسلوبها، دهاليزها ومتاهاتها، كمّ الذكاء الذي كُتبت به، غزارة المعلومات، يقظة التفاصيل، وحس الدعابة العالي، بل سأقول والتفاؤل والرغبة في الحياة أيضًا. فبالنسبة لشخص مثل جان دومينيك بوبي، صحفي وكاتب ورئيس تحرير مجلة شهيرة في أجواء عاصمة النور باريس، أن يجد نفسه…
الخميس ١١ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: عندما نتأمل فكرة "انقراض اللغة"، فإننا حينها نستحضر المشهد التاريخي للغاتٍ عظمى خبت أضواؤها وانطوت صفحاتها ، وأفلت تراكيبها، وفنيت معانيها مع انطواء حضاراتها، لغاتٌ كانت أسفار الحكمة أعظم مدوناتها، يُنسَج بها تاريخ الإنسان ومراحله، ثم تحولت إلى أثر أو بقايا كتابات على جدران صامتة لا تُبين، أو كان أقل أحوالها تداخلها مع لغات أخرى، أو ضياعها في جوف التاريخ، فلا باعث لها ولا مستذكر، ولا حارس أمين يُرجى ويُترقب، كُتب لها الضياع والأفول في خضمّ أطوار الحياة، وربما لم يعد لها أطلال يتغنّى بها المنشدون، أو يتباكى بجوارها المحبون، أو يندب عاثر حظها التائهون. لكن السؤال الآن: هل يمكن أن تنقرض العربية أو هي عصيّة على ذلك؟. الإجابة عن هذا السؤال ربما تحمل شجوناً وتداخلات تتجاوز حدود النفي السريع غير الواعي إلى فضاء أعمق من الفلسفة والتاريخ معًا، فالعربية ليست لغة عابرة حملتها الظروف ثم تركتها لتقاوم دون مُعين أو مُغيث، وليست…
الثلاثاء ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: ها أنا في مطار شارل ديغول، أتهيأ لرحلة العودة من باريس، مدينة الحب والأنوار. وأسأل نفسي: كم من الحكايات شهدتها المطارات؟ وكم من الدروس تسلّلت إلينا مع كل رحلة، ولم ندركها إلا عند الوصول؟ قبل أن تبدأ الرحلة، ننشغل بأحاديث لا تنتهي عن الحقائب، الوزن المسموح، والوجهات البعيدة. لكن الحقيبة الأثقل ليست ما نحمله في أيدينا، بل ما نحمله في داخلنا: ذكريات وأشياء لا نستطيع تركها خلفنا. وربما كان هذا هو الدرس الأصعب في السفر. المطار ليس محطة عبور فحسب، بل مسرح صغير للعالم. ازدحام يبدو فوضويًا، لكنه يخضع لنظام صارم. وجوه عديدة ، حقائب متلاصقة، أصوات تتناوب بين إقلاع وهبوط. وبين هذا الحشد تختلط المشاعر: جسد مثقل بالتعب، قلب يترقب لقاءً غائبًا، وعيون تبحث إمّا عن نوم قصير أو عن وداع أخير. حتى صوت عجلات الحقائب على الأرضية اللامعة، ورائحة القهوة المتصاعدة من المقاهي، يضيفان لمشهد الانتظار نكهته الخاصة. وفي المطار نكتشف هشاشتنا أمام الزمن؛…