الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: للموت حكاية قديمة مع الإنسان، حكاية لا تشيخ ولا تتعب، تعود كل مرة بثوبٍ جديد، وتترك في القلب ندبة لا تندمل. لكنه حين يطرق باب المبدعين، لا يأخذ جسدًا فحسب، بل يطفئ ضوءًا، ويكسر جملة لم تُكمل بعد. هكذا جاء رحيل الكاتب والروائي السعودي أحمد أبو دهمان، موجعًا على نحوٍ خاص، كأن الفقد هذه المرة يعرفنا واحدًا واحدًا، وينادي أسماءنا بصوتٍ خافت. رحم الله الأخ والصديق أحمد أبو دهمان، الذي لم يكن كاتبًا عابرًا في مشهد السرد العربي، بل كان حالة إنسانية وثقافية متفردة. كان محفّزًا على الكتابة كما لو أنها فعل حياة، وعلى الترحال كما لو أنه شكلٌ من أشكال المعرفة، وعلى السؤال الدائم عمّا يختبئ خلف الجبال التي تحيط بقرى الجنوب وبلداتها. لم يرَ في الجبل نهاية الطريق، بل بدايته، ولم يتعامل مع القرية كحدٍّ ضيق، بل كبوابة مفتوحة على العالم. كان أحمد، أو “أبو نبيلة” كما…
الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: مشكلة الإعلام اليوم ليست أنه سيئ، بل أنه ناجح بالطريقة الخاطئة. وهذا ليس حكمًا بقدر ما هو توصيف لحالة. ماذا نريد من الإعلام اليوم؟ هل نكتفي بنجاح الأرقام، أم نبحث عن المعنى؟ الخلاف لم يعد حول التمويل أو الدعم—هذه متوفرة اليوم أكثر من أي وقت مضى. التحوّل الحقيقي حدث حين انتقل الإعلام من كونه رسالة تُقاس بقدرتها على التأثير والبقاء، إلى قطاع مُنتِج يُدار بمنطق السوق ويُقاس بمنحنيات المشاهدة. هذا التحول، في حد ذاته، ليس خطأ. الخطأ أن يحدث دون إعادة تعريف واضحة لمعنى النجاح. المشكلة أن هذا النجاح صار وهمًا مريحًا. برنامج يحقق ملايين المشاهدات، يُحتفى به في اجتماعات التقييم (اجتماعات طويلة، بالمناسبة)، ثم بعد شهرين لا تتذكر اسمه. لكن حين تُطرح أسئلة عن الأثر، يُدافع عن هذا النجاح باستماتة. لماذا؟ لأنه نجاح في التنظيم، في الأرقام، في الإدارة، لكن ليس بالضرورة في المحتوى أو في المعنى. ربما لا يعكس…
الأحد ٢١ ديسمبر ٢٠٢٥
يرحل بعض الكتّاب بصمتٍ لا لأنهم قلّة قيمة، بل لأن المشهد اعتاد أن يصفّق لمن يرفع صوته لا لمن يرفع المعنى... في زمنٍ بات فيه النجاح يُقاس بعدد المتابعين لا بعمق الأثر، يتحوّل الكاتب الجاد إلى كائنٍ مُحبط، يقف على الهامش، يشاهد السطحيين يُصدَّرون بوصفهم «نجوم المرحلة»، بينما تُدفع التجارب الأصيلة إلى الظلّ. هذا التهميش لا يصنعه الجهل وحده، بل غشومة إعلام يبحث عن السهل، ونخب اختارت الأمان بدل الموقف، وشلل تشخصن المواقف لتنتقم… فحين يُعقد مؤتمر للفلسفة ولا يُدعى كاتب مثل الكاتب سعد البازعي، اتفقنا او اختلفنا معه، تعرف أن هناك خللاً، بل تُستدعى الشِّلل، نفهم أن الإقصاء لم يعد خللاً عابراً بل سياسة! وحين يُقام مؤتمر للاستثمار الثقافي بلغةٍ مستعارة، وكأن الثقافة لا تفكّر إلا بالإنجليزية، يصبح من المنطقي أن نغسل أيدينا من الادّعاء، لا من الثقافة نفسها! وحين تقام بعض المؤتمرات الإعلامية ويتصدر المشهد الفاشينستات ومشاهير التيك توك والكتاكيت تغسل يدك…
السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: يذهب الكثيرون إلى أن تجديد الفكر الإسلامي جاء - حصرًا - لمواجهة الفكر المتشدد والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة التي وظّفت بعض التأويلات والروايات لخدمة مشروعها التخريبي، والحقيقة أنني أرى الأمر أبعد من هذا؛ من حيث أنه يطال عموم المسلمين كافة في كل مناحي الحياة وأشكال المعاملات، ومن حيث أنه يحقق الأصل الذي يجب أن تقوم عليه رؤيتنا وفهمنا للدين تعقّلًا وتدبّرًا. كان التنوير في نظر البعض من بني جلدتنا محل جدل؛ فالتشكيك فيه من ناحية والتوجّس منه من ناحية أخرى، واستدعاء تطبيقاته الغربية على الرغم من اختلاف السياقات التي ظهر فيها! في حين أن التنوير بمعناه البسيط - كما أفهمه - هو تفعيل العقل وتوظيفه بشكلٍ بنّاء ينعكس على حياة الفرد والمجتمع، ومن صور هذا التفعيل إعادة النظر في بعض الآراء والاجتهادات والتأويلات بالقدر الذي يراعي واقع اليوم المختلف عن واقع الأمس القريب والبعيد. بعبارةٍ أخرى: "عدم الاكتفاء بالوقوف أمام ما…
السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: لا أعلم؛ هل أبدأ من الملتقى الذي أُقيم في المكتبة؟ أم من المكتبة التي أُقيم فيها الملتقى؟ إذا كنتَ تعرفني فستدرك بسهولة كيف تمارس المكتبات سحرها على عقلي وفكري ووجداني، بلا أدنى وجل؛ فما بالك إذا كانت مكتبة محمد بن راشد، ذاك الصرح الحضاري المدهش، الذي يشبه حلماً استحال إلى حقيقة. بدءًا من روعة تصميمه الأشبه بكتاب مفتوح على كل التكهنات والآفاق، وقد عرفتُ أنه صُمِّم وبُني ليتوافق مع الخطط والاستراتيجيات التي تنتهجها إمارة دبي للتحول نحو الاستدامة، ويفي بالتزامات الحفاظ على البيئة؛ إذ يوفّر نسبة من طاقته عبر الألواح الشمسية الموجودة على سطحه، ويقنّن استهلاك مياه الري بإعادة تدويرها، ويستخدم مواد صديقة للبيئة، وتقنيات عالية للعزل والتظليل. تقع المكتبة في منطقة الجداف على خور دبي الساحر، وقد فتحت أبوابها للجمهور منتصف عام 2022 كمشروع ثقافي ومعرفي هائل يهدف إلى تعزيز ثقافة القراءة والبحث وتمكين المعرفة في المجتمع. …
السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٥
أنا الجَنين الذى مات فى بطْن أُمه منذ أسبوع مضَى، جنين فتاة، فى عُمر ثلاثة أشهر، قُتِلتُ حين قُتِلتْ أُمى، عروس قريةِ «مشتهر بالقليوبية»؛ (كريمة محمد صقر)، سعيدة لأننى لم ألتقِطْ أنفاسى فى عالَمِكم؛ المجتمَع الذى لا أعرف لماذا يقتُل الرِّجال فيه النساءَ؟ لماذا يَظَل رجُل يضرب زوجتَه بخرطوم المياه على رأْسِها وجسَدِها، ثم لا يتركها إلا وهى محطَّمة العظام، ومَيْتة؟ تركتُ أنا وهى هذا العالَمَ الظالِمَ، الذى لا ثمَن فيه للمرأة، ولا كرامة، ولا مستقبَلًا عادِلَا؛ حيث يتحكَّم فيها وعْيٌ جمعيٌّ، يستسيغها مقتولة، ومغتصَبة، ومنهوبة حقوقها، وعْيٌ يرَى فى النساء مِلكية خاصة للرجُل، يصبُّ فيها كل أنانيته ورغباته وفَشَله. فى الشهور القليلة الأخيرة، قطَع أحدُهم رأسَ عروسِه؛ لأنه اعتقد أنها ليست بِكْرًا، ثم لم يكتفِ بهذا؛ بل ذهَب برأْسِها إلى والدها، ثم أثبت الطب الشرعيُّ أنها لم تَزَلْ عذراءَ. والآخَر قتَل عروسَه لأنه لم يستطِع أن يُعاشِرَها، قتَلها يومَ زِفافهما؛ لعَجْزه. وقتَل ابنٌ…
السبت ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٥
لا تُقاس فداحة الحرب في السودان بعدد الضحايا أو حجم الدمار المادي وحده، بل بما تُخلّفه من آثار صامتة وعميقة على الإنسان نفسه، وعلى رأسها الجوع وسوء التغذية. فكما بيَّنا فى مقالنا “المجاعة الصامتة: كيف يدمّر الجوع مستقبل السودان قبل أن تنتهي الحرب؟”(1)، فإن الجوع ليس أزمة إنسانية طارئة فحسب، بل صدمة اقتصادية ممتدة تهدّد رأس المال البشري وتعيد إنتاج الفقر عبر الأجيال، وتضرب أسس التعافي والنمو حتى لو توقفت الحرب غداً. في هذا السياق، تبرز مبادرة “الغذاء دواء” بوصفها طرحاً عملياً ومبتكراً يعيد تعريف الاستجابة للجوع من الإغاثة قصيرة الأجل إلى سياسة وقائية – تنموية متكاملة. فكرة المبادرة: حين يصبح الغذاء أداة علاج ووقاية تقوم مبادرة “الغذاء دواء”، التي ابتدرها البروفيسور أبوبكر شداد (استشاري أمراض الجهاز الهضمي) والبروفيسور إبراهيم باني (أستاذ الصحة العامة)، على منهج جديد يدمج بين التغذية العلاجية والوقاية الصحية. فبدلاً من الفصل التقليدي بين الغذاء كاستجابة إنسانية، والدواء كخدمة صحية، تقترح المبادرة تقديم وجبات غذائية مدعّمة…
الخميس ١٨ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: يشهد الوطن العربي منذ عقود طويلة جدلًا متكرراً حول مسارات الإصلاح السياسي وحدود التحول الممكن في بنية الدولة والمجتمع. هذا الجدل لم يعد محصوراً في الشعارات أو البرامج المعلنة، بل بات يتصل بجوهر الفكرة السياسية ذاتها، وبالمنطق الذي يحكم العلاقة بين الدولة بوصفها إطاراً مؤسسياً منظماً، والمجتمع بوصفه فضاءً حياً للتفاعل والمشاركة والتنوع. وفي خضم هذا السياق، يبرز سؤال مركزي يتجاوز اللحظة الراهنة، ويتصل بالعمق الفلسفي لمسار التنمية السياسية: هل يمكن تحقيق مشاركة سياسية واسعة دون دولة قوية قادرة مؤسسياً؟ أم أن بناء الدولة الصلبة شرطاً سابقاً لا غنى عنه لأي تحول سياسي مستدام؟ تكشف التجارب العربية المتراكمة أن الاكتفاء بإصلاحات شكلية، مهما بدت جريئة في ظاهرها، غالباً ما يعجز عن إحداث تحول بنيوي حقيقي في بنية السلطة أو في طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فالإصلاح الذي لا يستند إلى مؤسسات فاعلة، وقواعد واضحة، وثقافة سياسية ناضجة، يبقى هشاً وقابلاً للتراجع أو…
الإثنين ١٥ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: قبل مدة قصيرة سمعنا عن إعلان رئيس الدولة حفظه الله عن مسمى عام الأسرة للعام الجديد 2026 وذلك ضمن مبادرة أعوام الإمارات التي أطلقتها دولة الإمارات عام 2015 وتعني بتخصيص قيمة وموضوع معين يعكس الأولويات الوطنية. حيث يتم توجيه الجهات الحكومية و الخاصة و المجتمع و الأفراد نحو التركيز على أهداف محور محدد ويتم متابعته و تعزيزه ضمن إنشاء خطط استراتيجية و مبادرات و فعاليات ومشاريع على مستوى الدولة بشكل يضمن استمرارية نموها و رعايتها أعوام أخرى.. وهذا يدل أن عام الأسرة يأتي داعماً ومكملاً لعام المجتمع 2025 وهو ما يثبت صدق و سلامة الخطوات الجبارة التي تسعى اليها الدولة حفظها الله في تحقيق استدامة تنمية الأسرة و المجتمع كما قال المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - أن : "الأسرة أساس أي مجتمع قوي". الهوية الوطنية و الثقافية و تعزيز أواصر الإنتماء و الترابط والتواصل…
السبت ١٣ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: كنا على وشك التقاط صورة سريعة، وطلبت مني ابنتي الانتظار حتى تختار (فلتر لكي تكون أحلى)! كانت المرة الأولى التي يكون فيها الأمر بكل هذا الوضوح، وكشفت لي تلك اللحظة إلى أي مدى أصبحنا أسرى للشكل المعدَّل؛ لدرجة أننا لم نعد نتقبل أنفسنا حتى في اللقطات الحياتية العابرة التي نحب توثيقها، والتي لا تستحق الكثير من التنميق أمام العدسة! وبدأت انتبه إلى انعكاس هذه الفكرة على نظرة ابنتي لنفسها! وانزعجت جدًا من الموضوع، مع اعترافي بأنني ساهمت فيه بقدرٍ ما عندما كنت أجاريها أحيانًا في انتقاء فلترٍ ما! ما السبب الحقيقي الذي يجعلنا أسرى للفلتر؟! ما المخاوف التي تجعلنا ننتفض أمام اعتقادٍ زائف ومبالغ فيه أن صورتنا ليست جميلة بما يكفي بدونه؟! لماذا أصبحنا غير راضين عن أشكالنا، ونسعى دومًا للبحث عن صورة كمالية (بلا غلطة) كما نعتقد؟! وكأن خطًّا عمريًا هنا أو حبةً هناك…
الجمعة ١٢ ديسمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: “في الشرق حين نريد أن نفهم جيراننا، نسأل الغرب.” قبل أشهر، وجدتُ نفسي في نقاش مع صديق حول العلاقات الخليجية-الهندية وأهمية الهند الاقتصادية المتصاعدة. كنا نتحدث بثقة عن "السوق الهندية" و"الفرص الاستثمارية"، حتى سألني سؤالاً بسيطاً: "هل قرأت كتاباً واحداً لمفكر هندي معاصر؟" صمتُّ. لم أكن أملك جواباً. كنا نحلل دولة بأكملها دون أن نعرف شيئاً عن عقلها. نعرف لندن أكثر من نيودلهي، ونتابع واشنطن أكثر من إسطنبول. القرب الجغرافي للدول لا يعني قرباً معرفياً؛ الجيران الذين هم على بُعد ساعات، لكننا نعاملهم كأنهم في قارة أخرى. تخيل أنك تعرف أصوات جيرانك وروائح أطعمتهم، لكنك لا تعرف ملامح عقولهم ولا ما يقلقهم. هذه حكايتنا مع الهند وإيران وتركيا وباكستان وأفغانستان. شعوب تربطنا بها شبكات معقدة من التجارة والجغرافيا، بعضها حليف وبعضها خصم. ومع ذلك، حين نسأل: "ماذا نعرف عنهم فعلاً؟"، يصير الجواب محرجاً. نحن نعيش مفارقة غريبة. قد…
الخميس ١١ ديسمبر ٢٠٢٥
لطالما كانت المدن مرآةً لحضارات الأمم، فهي فضاءات حيّة تعكس طموحات الشعوب، وتترجم قدرتها على تحويل الأفكار إلى أنماط عيش ومعايير جودة حياة، واليوم، في عالم تتسارع فيه التحولات البيئية والرقمية والاجتماعية، تتجدد أمامنا أسئلة مصيرية: أي مدن سنورّثها للأجيال المقبلة؟ وبأي نموذج سنصوغ مستقبلها؟ الإجابة على هذه الأسئلة تجعلنا نسير بخطى أكثر ثباتاً، وتجعل الرؤية أمامنا أكثر وضوحاً، فمعيارنا لقياس مدن الغد ليس أنماط العمران وحجمها، وإنما قدرة المدن نفسها على أن تكون أكثر إنصافاً للإنسان، وأعمق التزاماً بالاستدامة، وأقدر على صون الهوية الأصيلة للمجتمعات وهي تنفتح على كل ثقافات العالم، وتستجيب لاقتصاد المعرفة والتحولات التي تفرضها ذهنية الابتكار. ما يجعل تصوّر المستقبل ضرورة هو التحديات التي نواجهها اليوم، فهنا يمكن القول: إن المستقبل يحتاج إلى مدن تجعل البيئة جزءاً من بنيتها، حيث تشكّل الطاقة النظيفة وإعادة التدوير والتخطيط البيئي الذكي مكونات أساسية للنمو، فمن خلال هذا الوعي البيئي، تتحول التنمية إلى استثمار…