الثلاثاء ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: ها أنا في مطار شارل ديغول، أتهيأ لرحلة العودة من باريس، مدينة الحب والأنوار. وأسأل نفسي: كم من الحكايات شهدتها المطارات؟ وكم من الدروس تسلّلت إلينا مع كل رحلة، ولم ندركها إلا عند الوصول؟ قبل أن تبدأ الرحلة، ننشغل بأحاديث لا تنتهي عن الحقائب، الوزن المسموح، والوجهات البعيدة. لكن الحقيبة الأثقل ليست ما نحمله في أيدينا، بل ما نحمله في داخلنا: ذكريات وأشياء لا نستطيع تركها خلفنا. وربما كان هذا هو الدرس الأصعب في السفر. المطار ليس محطة عبور فحسب، بل مسرح صغير للعالم. ازدحام يبدو فوضويًا، لكنه يخضع لنظام صارم. وجوه عديدة ، حقائب متلاصقة، أصوات تتناوب بين إقلاع وهبوط. وبين هذا الحشد تختلط المشاعر: جسد مثقل بالتعب، قلب يترقب لقاءً غائبًا، وعيون تبحث إمّا عن نوم قصير أو عن وداع أخير. حتى صوت عجلات الحقائب على الأرضية اللامعة، ورائحة القهوة المتصاعدة من المقاهي، يضيفان لمشهد الانتظار نكهته الخاصة. وفي المطار نكتشف هشاشتنا أمام الزمن؛…
الإثنين ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٥
تسعى الرياض وأبو ظبي إلى استخدام عناصر قوتهما الديبلوماسية وعلاقاتهما الواسعة من أجل دفع الولايات المتحدة وأوروبا إلى الضغط على إسرائيل من أجل وقف خطط التهجير وضم الضف الغربية وتوسيع الاستيطان، وقبل ذلك وقف الحرب على قطاع غزة. جاء اللقاء بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد في 3 أيلول/سبتمبر الجاري، ليؤكد تنسيقاً يتجاوز البعد الثنائي، نحو تعاون أكثر متانة واستدامة، بغية اجتراح حلول عملانية لما تمر به المنطقة من أزمات. ففي ظل حرب غزة، وتصاعد الدعوات الإسرائيلية إلى التهجير، تبدو الحاجة ملحة لعملٍ عربي قادرٍ على كبح الانزلاق نحو الفوضى، وتثبيت أسس الاستقرار. الرياض أظهرت أن فعلها الإنساني في الملف الفلسطيني ليس هامشياً من خلال "مركز الملك سلمان للإغاثة"، إذ وُجهت آلاف الأطنان من الغذاء والدواء ومستلزمات الإيواء إلى غزة، مدعومة بحملة تبرعات جمعت مئات الملايين من الدولارات، إضافة إلى تعهد مالي مباشر لدعم الصحة والتعليم بقيمة 300 مليون…
الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في محافل عدة على أهمية اللغة العربية، وضرورة الاعتزاز بها، وغرسها في نفوس الأجيال، وتطوير مناهج تعليمها، لتظل لغة قادرة على مواكبة العلوم والتقنية، وحاضرة في ميادين الإبداع والابتكار، وألمح إلى أنها ذاكرة الوجود ومرآة الكينونة مصرحاً بأن:" اللغة العربية هي أداة رئيسة لتعزيز هويتنا الوطنية لدى أجيالنا القادمة، لأنها المعبرة عن قيمنا وثقافتنا وتميزنا التاريخي"، وعمّق المسؤولية حين تجاوز في حديثه حدود الخطابة إلى استحضار بعدها الوجودي حين قال:إن "لغتنا العربية لغة حية غنية، نابضة بالحياة، بقيت محافظة على أصالتها لأكثر من 2000 عام، وتتميز بقدرتها على مواكبة الحاضر والمستقبل، والإسهام في الحفاظ على اللغة العربية هو قيمة إسلامية، وفريضة وطنية، وترسيخ لهويتنا وجذورنا التاريخية"، وفي توجيهه هذا يُلمح سموه إلى أن اللغة ليست انعكاساً للوعي فحسب، بل هي شرط إمكانه. من تلك المنطلقات التي وضعها سموه، وحرص على تأكيدها مراراً يمكن القول بأن…
الجمعة ٠٥ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: “نُربي أبناءنا ليكونوا أحرارًا، ثم نتألم حين يستخدمون حريتهم.” – كارل يونغ نحلم بالأبناء في بداية حياتنا، وعندما يأتون تتبدل إيقاعات حياتنا. نصبح أكثر انشغالًا بتفاصيلهم، أقرب إليهم، ونربط سعادتنا بمستقبلهم. ومع مرور الزمن، يحضر السؤال:هل نعيش لأنفسنا حقًا، أم أن حياتنا كلها تتحول إلى رهان على أبنائنا؟ الآباء الشرقيون والغربيون أيضاً يتمنون أن يبقى الأبناء بجوارهم عندما يتقدمون في العمر. هذا الحنين طبيعي، لكنه ليس حقًا مضمونًا ولا التزامًا يُفرض على الأبناء. العلاقة الأعمق ليست عقد أبدي، بل رباطً إنساني و وعدًا غير مكتوب، تُقاس مسافاته بالكلمة الصادقة لا بالوجود الجسدي. الأبوة والأمومة في جوهرهما عطاء، لكن أي عطاء؟ بمقابل أو بلا مقابل؟ هل هو ذوبان كامل حتى نفقد ذواتنا، أم عطاء يمنح الأبناء جذورًا راسخة ليستندوا إليها وأجنحة قوية ليطيروا بها بعيدًا؟ "إريك فروم" ، في الفلسفة الإنسانية، يرى أن الحب ليس تملكًا ولا ذوبانًا في الآخر، بل هو قدرة عامة على العطاء والاهتمام…
الإثنين ٠١ سبتمبر ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: الفيلسوف الرواقي “إبيكتيتوس” كان يرى أن قيمة الإنسان لا تكمن في ما يملكه أو يظهره، بل في قدرته على التحكم بنفسه وفهم موقعه في الكون. عبر التاريخ، تغيرت مقاييس النجاح بتغير الزمن: عند الفلاسفة كان النجاح امتلاك الحكمة، عند الملوك لا شيء يضاهي السلطة، عند التجار كان المال والثروة، وعند بعض أصحاب المعتقدات كان النجاح هو القدرة على التحرر من الدنيا. هذه التباينات تكشف أن النجاح نسبي، لا يُقاس بمعيار واحد صالح لكل الأزمنة. أما في عصرنا، فقد فرض منطق السوق مقاييسه القاسية: فصار الإنسان سلعة، قيمته في إنتاجه، وفي قدرته على جمع المال أو حصد الشهرة أو اعتلاء المناصب. جاءت سلطة الصورة من الإعلام وشبكات التواصل ونمط البيئة المعاصر لتكرّس هذا المنطق، فصار النجاح مشهدًا بصريًا يُعرض للآخرين، لا تجربة داخلية تُعاش بصدق. ونتيجة لذلك، وُلد وهم جديد: وهم المساواة والكفاءة. قيل لنا إن الفرص متاحة للجميع، وإنه لا عذر للفشل، لكن…
السبت ٣٠ أغسطس ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: "لا يمكنك أن تعبر المحيط ما لم يكن لديك الشجاعة لتُغادر الشاطئ." — أندريه جيد. الخمسون ليست بداية محطات النهاية، بل هي محطة وجودية جديدة، عتبة تدخل منها إلى مفترق طريق قد يعيد تشكيل وجهتك القادمة. إنها وقت جديد من حياتك يُعاد فيه صياغة عقد الذات، بعد أن انقضى نصف العمر في سباق محموم لتحقيق أهداف، بعضها اقتنعت به وبعضها الآخر جريت فيه لمجرد أن تكون جزءًا من مجتمعك وبيئتك. عملت بجد، وحققت بعضًا منها، ولم يتحقق بعضها الآخر لأسباب وظروف شتى. الآن تبدأ محطة مختلفة. عند هذا المنعطف لا يُطلب منك التوقف، بل إعادة توجيه البوصلة الداخلية. أن تتحول من محاولة السيطرة على عالم خارجي سعيت طويلًا ليقبلك، إلى رعاية صحتك العقلية والجسدية والروحية، وبناء علاقة أعمق وأكثر وعيًا مع ذاتك. يقال إن عمر الخمسين هو سنّ النضج المعرفي. حيث يتبلور الوعي بأن ليس كل ما يلوح في الأفق يستحق انتباهك، وأن الجدالات المستنزفة للطاقة…
الخميس ٢٨ أغسطس ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: نحتفل في هذه الايام بانجازات نساء الامارات في مجالات عدة، ومعها ترتفع نبرة الفخر بالمنجز الشخصي، وهذا حق لا ينكره أحد على أحد. ولكني اطرح سؤالا طالما شغلني في خضم هذه الاصوات، هل كان هذا ممكنا على أرض أخرى، ومع قيادة مختلفة؟! استرجعت هذه الأسئلة التي اعرف اجابتها جيدا وأنا اتابع "ديستوبيا" تلفزيونية مثيرة، حيث تنهار دولة ما بسبب كارثة تلوث بيئية، فتستغل جماعة متطرفة ذلك لتقلب نظام الحكم. يستيقظ سكان البلاد ليجدوا أنفسهم وقد أُنتزعت منهم حرياتهم بسبب توجهات متزمتة وقاسية فرضتها حكومة جديدة متعصبة. هذه الدراما ليست جديدة على الشاشة؛ ورغم ذلك فهي مخيفة جدا بل ومرعبة في تفاصيلها الانسانية كلما تصورتها على الحياة اليومية. ولأن الوعي بقيمة النعمة لا يكتمل إلا بمقارنتها بنقيضها، انشغل قلبي وعقلي بالنعم التي نحظى بها، ومقارنتها بتلك التحولات الاجتماعية العميقة التي فوجئن بها نساء تلك البلاد، رغم أنهن من سمحن بها في غفلة عندما تركن فرص…
الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: إن البنية الذهنية التاريخية لا تتحطم بقرار.بل إن أقلية محدودة فقط تتحرر من ذهنية المجتمع التاريخية، أما الأكثرية فيحتاج تحررها إلى زمن تاريخي طويل. إن أكبر دليل على صحة ما نقول سرعة هزيمة الأيديولوجيات القومية والإشتراكية والعلمانية في أول شرارة من شرارات الصراع على السلطة، وعودة الذهنية الدينية -الطائفية. فالإصطفاف الطائفي في بلاد الشام والعراق واليمن أعاد الكل إلى حظيرة القطيع وفي حالة لم تشهدها الحرب الطائفية في لبنان بين الدروز والموارنة عام 1860. قلت له : لقد حطمت المليشيات العراق وحرمته من التطور المطلوب. أجابني وهو الباحث في تاريخ الحضارات :لا تغلط يا دكتور، المليشيات هي التي حمت العراق! صحيح بأن تأسيس الأوطان بسلطها في بلاد الشام والعراق كانت عملية أوربية اصطناعية وهذا الذي مازال حائلاً دون انتصار النزعة الوطنية والشعور بالانتماء الوطني لكن السُلط بكل أشكالها الحاكمة من سلطة الطاغية إلى سلطة القائد الديني وقائد الطائفة وقائد القبيلة ظلت حاضرة في وعي المنتمين إلى…
الأحد ٢٤ أغسطس ٢٠٢٥
الحزن يعم مواقع التواصل الاجتماعي في العالم على رحيل القاضي الأمريكي فرانك كابريو، صاحب شخصية إنسانية ذات أبعاد عاطفية وانحياز للضعفاء والمظلومين في قاعة محكمته في بلدة صغيرة هي بروفيدنس في ولاية رود آيلاند الأمريكية، كم من الملايين تابعوا جلسات المحاكمة التي يرأسها هذا القاضي الإنسان لحالات معدمة أمامه، وكيف تعامل معها بروح القانون بعيداً عن الشدة والتجهم، شاهدنا جلسات المحاكمة وهو يعطي دروساً في الإنسانية في محكمته لمهاجرين أو طلاب أجانب أو كبار في السن أو مُدعى عليهم من ثقافات وأديان مختلفة، وكل هذه العوامل كانت أسباباً لديه للتعاطف معهم في محاكماتهم، وتخفيض العقوبات المالية المفروضة عليهم إلى مبالغ رمزية جداً بسبب الفقر الشديد الذي يعيشه هؤلاء الماثلون أمامه، وجدناه في بعض تلك الحالات يشرك أطفال المُدعى عليهم في نوعية الأحكام الصادرة على ذويهم في مقاطع فيديو من تلك المحاكمات التي حققت مليارات المشاهدات في العالم لما فيها من عِبرٍ من التسامح والمحبة والانحياز لهؤلاء الأشخاص الفقراء والمهمشين من…
الخميس ٢١ أغسطس ٢٠٢٥
خاص لـ هات بوست: في الثقافة العربية تتجاوز كلمة «فَزْعَة» حدود معناها المباشر لتصبح رمزًا للإنسانية النبيلة، فهي تعني المبادرة إلى نصرة الملهوف وإغاثة المحتاج دون تردد، وتُجسّد أسمى قيم التضامن والمروءة والتكافل الاجتماعي، وترسخ مبدأ أن الإنسان في سعادته وكرامته يشارك الآخرين في محنتهم ويقف بجانبهم في لحظات الشدة. غير أن الكلمة نفسها اكتسبت معنىً مختلفًا في سورية، فقد سمعنا في الأشهر الأخيرة كلمة «فزعة»، بمعنى انصر أخاك على قتل جاره، دون أن تعرف سبباً للعداء، سوى «الفزعة»، فيهب الناس كما نقول في العامية «يا قاتل يا مقتول» ليدخلوا في أتون حرب لم يعرفوا من أشعلها، كل ما يعرفونه أنك ستقاتل مع إخوتك في الطائفة أو المذهب ضد طائفة أخرى. كيف نرث انتماءاتنا؟ نرث أوطاننا كبلاد ولدنا فيها نحن وآباؤنا وحملنا جنسيتها، ونرث ديننا بالطريقة ذاتها، وتتفاوت حدة الانتماء في وعي كل منا وفق تربيته، حتى نكبر ونعزز هذا الوعي أو نخمده، أو نتجه به نحو منحى آخر، وفي…
الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥
أثار الخطاب الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ما يسميه «إسرائيل الكبرى» الكثير من الجدل، ليس فقط بسبب طابعه الاستفزازي، بل لأنه يعكس توجهاً أعمق في الفكر السياسي الإسرائيلي نحو ترسيخ رؤية توراتية تضع اليهود في موقع «شعب الله المختار» في محيط ينظر نتنياهو وفريقه المتطرف إلى شعوبه على أنهم أدنى منزلة. هذا الخطاب لا يبدو مجرد وسيلة للضغط السياسي أو رفع سقف المطالب التفاوضية، بل هو محاولة لإعادة صياغة الرواية الصهيونية، بما يخدم مشروعاً طويل المدى لتنشئة أجيال جديدة على أساس هذه الفكرة. من زاوية أخرى، يمكن قراءة هذا التوجه بوصفه انعكاساً لمخاوف داخلية، حيث يظهر نتنياهو وكأنه يسعى إلى تعزيز ثقة اليهود بمستقبلهم في المنطقة في ظل مؤشرات على تراجعها. ففي لقائه مع مجموعة من الطلاب اليهود القادمين من الولايات المتحدة لدراسة العلوم الدينية، شدد على أن «هذه الأرض (فلسطين) هي أرض أجدادهم»، وأن بإمكانهم العودة إليها والاستقرار فيها في أي وقت. هذه الرسالة المكثفة تشير إلى…
الجمعة ١٥ أغسطس ٢٠٢٥
أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من حياة الناس في كل شؤونهم، حتى وصل إلى الفتوى الشرعية التي هي توقيع عن رب العالمين، فكان لابد من الدخول معه في الجد والهزل، وهذا ما أراده مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الفتوى في العالم، المنعقد بالقاهرة في اليومين الماضيين، بعنوان «صناعة المفتي في عصر الذكاء الاصطناعي»، وقد أُعدت لهذا الموضوع بحوث فقهية وتقنية من قبل لفيف من علماء الإسلام وخبراء تقنية الذكاء الاصطناعي من العالم الإسلامي، وذلك لبحث ما يمكن أن يستفاد من هذا الذكاء، وما يجب أن يحذر منه، وكان من مخرجاته توصيات مهمة، منها ما يلي: - صدور وثيقة القاهرة الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي. - ضرورة تكامل الإفتاء المؤسسي مع هذه التقنية الجديدة لضمان الاستفادة المثلى منها. - تمكين المفتين ببرامج تجمع بين المهارات التقنية والتأصيل الشرعي. - الدعوة لإنشاء منصات فتاوى خاضعة للرقابة الشرعية. - تكوين فرق عمل مشتركة بين علماء الشريعة وخبراء التقنية لتطوير منصات إفتائية ذكية بالضوابط الشرعية. -…