عائشة سلطانمؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
السبت ٢٠ يوليو ٢٠١٩
على حسابه في تويتر، كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هذه التغريدة: «علمتني الحياة بأننا في زمن نحتاج فيه للكثير من العمل والقليل من الجدل، نحتاج حولنا مزيداً من الحكماء لا السفهاء». قد يصلح البعض لأن يرافقك في كل الأوقات، لكنك في تلك الأوقات التي تعلم تماماً أنها تتطلب الكثير من العمل والجدية فلن تفكر بغير الحكماء والجادين، أما «السفهاء» فلا يفكر بهم أحد إلا في تلك الأوقات المستقطعة بين زمنين، الأوقات التي تهدرها متعمداً لأنك تريد تخفيف ضغوطات الحياة عن نفسك.في أيامنا هذه راجت تجارة الثرثرة، وأصبح للثرثارين مكانة بارزة، يجلس أحدهم أمام كاميرا هاتفه ليتحدث في كل شيء، فيما يعلم وفيما لا يعلم، في تفاصيله الشخصية التافهة، وفي قضايا الساعة، في الهدايا التي تصله، أنواع الماكياج الذي تستخدمه إحداهن، العيادات التي تدعي أنها تتردد عليها، والكثير من التصرفات الغريبة وأحياناً المستهجنة والمرفوضة اجتماعياً!هؤلاء الأشخاص الذين صنعهم المجتمع، وأوصلهم لمرتبة المشاهير، الذين أصبحوا يشترطون مبالغ بمئات…
الجمعة ١٩ يوليو ٢٠١٩
«ميتتان لرجلٍ واحد».. هذا عنوان الرواية الصغيرة الأخاذة، للبرازيلي الكبير العجيب، جورج أمادو. الرواية بصفحاتها التي لا تبلغ التسعين، تضربك وكأنها بتعبير أمادو؛ لكمة وحشيةً في الصدر! إنها عمل يضعك وجهاً لوجه أمام العمق الرهيب والمخيف ببساطة متناهية، أمام شجاعتك إزاء الحقيقة وماهيتها وخيارات الحياة والموت، هل حقاً اخترت ما تريده في حياتك؟! هل الحياة المنمطة، التي تمليها عليك العائلة والمجتمع والملابس الأنيقة والوظيفة والسمعة والأيام المتلاحقة، شديدة الشبه ببعضها، هي ما اخترته فعلاً؟ وإذا ما تجرأت وخرجت من هذا كله، فهل ستكون قادراً على احتمال العالم والتعايش معه؟ ليس فيما ستدفعه من الثمن في حياتك فقط، بل وفي مصيرك النهائي؛ الموت! «كينكاس هدير الماء»، الرجل الذي مات مرتين، في ميتته الأولى المصنوعة من النمط الاجتماعي، وبينما هو ممدد في تابوته.. يكتب أمادو: (إنها ضحكة كينكاس هدير الماء المعهودة، وكل تفصيلٍ فيها يحمل إهانةً صريحةً، متلاشيةً في الصمت الجنائزي الذي فرضه الموت، خيل لـ «فندا» أنها تسمع عبارة «حية قذرة»،…
عائشة سلطانمؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
الأربعاء ١٧ يوليو ٢٠١٩
قرأت في كتاب بعنوان «مميز بالأصفر» هذه الكلمات: «الإنسان يعبر الحياة مرة واحدة، لذا، إذا كان هناك أي خير تستطيع فعله، أو أي إحسان تستطيع تقديمه لأي مخلوق، فلتفعله الآن إذن، لأنك لن تمر من هذا الطريق مرة أخرى». كثيراً ما تصادفنا مثل هذه العبارات، قد نقرؤها على عجل، وقد نقلب الصفحة دون اهتمام ونمضي، في الحقيقة بعض هذه الكلمات تلخص تجربة شديدة الكثافة في حياة قائلها! ذات يوم كنت أمرُّ بقرية من قرى الريف النمساوي، خطف بصري منظر القرية، فأوقفت سيارتي على جانب الطريق، وضعت عملة معدنية في عداد الموقف، وهممت بمغادرة المكان والسير صوب القرية، فإذا بامرأة تقف بسيارتها قريباً منِّي، حين أرادت أن تضع عملة في العداد لم تجد في حقيبتها أي عملة، وقفت حائرة، مشيت باتجاهها ووضعت لها العملة ثم ناولتها البطاقة، ابتسمت بامتنان وأنا مضيت في طريقي سعيدة بما فعلت، بعد عام واحد كنت أرتجف خوفاً وقد ضللت طريقي وسط غابة جبلية في ذهابي إلى…
الأربعاء ١٧ يوليو ٢٠١٩
قدَّم أرسطو تنظيراً مفصلاً نسبياً حول النظام الكوني وقانون الطبيعة، منطلقاً من الرؤية التي تبناها سقراط، وهو زعيم المدرسة الفلسفية التي ينتمي إليها أرسطو. وقد ساد في الفلسفة اليونانية، منذ بداياتها، اعتقاد في عقلانية النظام الكوني، وانبهار بالترابط الفائق الدقة والانضباط بين حركته وغاياته. انطلاقا من هذه القناعة سعى أرسطو، الذي لقب بالمعلم الأول، إلى وضع ما يمكن اعتباره نظاما موحدا لحياة المجتمع البشري، مستلهما من قانون الطبيعة. اعتقد أرسطو أن العلاقة التفاعلية بين أجزاء النظام الكوني ووحداته المختلفة، تشكل أنموذجاً تحتذيه المجتمعات البشرية، إن أرادت بلوغ غاياتها الكبرى، لا سيما السلام والسعادة والكمال. نعرف أن الفلسفة المعاصرة قد تجاوزت آراء أرسطو. إلا أنه ما زال يحوز الإعجاب بين شريحة عريضة نسبياً من قراء الفلسفة المحافظين، الذين يجدون تنظيراته قريبة من اهتماماتهم. ويبدو أن هذا التقدير يجمع المحافظين من مختلف الأديان، وحتى من غير المتدينين. وأشير هنا إلى نقطتين في نظرية أرسطو، تشكلان عنصر توافق بين مختلف التيارات المحافظة: أولاهما…
الإثنين ١٥ يوليو ٢٠١٩
نتفهم جيداً حرص الحكومة، متمثلة في دائرة الموارد البشرية، على ضمان عدم تعرض أي موظف، مهما كانت درجته الوظيفية، لظلم وظيفي، ونقدر حرصها على إشراك الموظفين في عمليات التقييم السنوية، ونصف السنوية، لإعطائهم فرصة تقييم أنفسهم قبل أن يقيّمهم مسؤولوهم، ولكن هل هذا النظام ناجح ومفيد؟! التقييم أمر ضروري ومهم جداً، ولا يمكن الاستغناء عنه، فعن طريقه تتعرف كل إدارة وقسم إلى الموظفين المتميزين والمنتجين والأكفاء، والموظفين السلبيين وضعفاء الإنتاج، لكن ما يحدث حالياً في الدوائر الحكومية أمر مختلف، فعمليات التقييم تشكل صداعاً مستمراً لكل الأقسام والإدارات بشكل عام، وفيها كثير من إضاعة الوقت والجهد، إضافة إلى كثير من المشاحنات والأحقاد، والتخريب في علاقات العمل بين الرؤساء والمرؤسين! فلماذا حدث ذلك؟ حدث ذلك لأن نظام التقييم غريب حقاً، حيث يبدأ من الموظف الذي يجب أن يقيم نفسه، ثم يرسل تقييمه إلى رئيسه المباشر الذي يعتمد التقييم أو يغيّره، وإذا حدث ورأى رئيس القسم أن الموظف لا يستحق التقييم الذي وضعه…
الإثنين ١٥ يوليو ٢٠١٩
يتحدث الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله عن التوتر في المنطقة، متقمصاً شخصية أي جنرال إيراني، يرفع قبضته، ويسرف في النبرة الدعائية والعدائية ضد الإمارات والسعودية، في مناسبة الذكرى الثالثة عشرة لمغامرة حزبه العبثية في حرب يوليو 2006، التي كلفت لبنان أكثر من 1200 قتيل، وآلاف الجرحى، ودماراً هائلاً في البنية التحتية، ويبدو أنه لا يزال عالقاً في تلك الحقبة، ولَم يستوعب المتغيرات والزلازل اللاحقة في الشرق الأوسط. المقابلة لقناته «المنار»، وقد كرر فيها لغة الإعلام الرسمي الإيراني، بكثير من الوعيد والتهديد، وأعاد لنا سيلاً من ذكريات التاريخ القريب، عن محو إسرائيل من الخريطة، والقدرة على تدميرها من حيفا إلى إيلات، ولَم يخرج عن المتوقع حتى في تخيله قدرة الردع الإيرانية على مواجهة العالم بأسره، متجاهلاً أزمة حليفه الاقتصادية الخانقة، التي بلغت أسوأ مراحلها مع انهيار عملته، وعجزه عن ضبط الاحتقان الشعبي، المدفوع بالتضخم وغلاء المعيشة والبطالة. الواقع، أن لهجة حسن نصرالله في الأشهر الأخيرة تحديداً، تعكس جانباً مهماً من…
السبت ١٣ يوليو ٢٠١٩
الخلفية الثقافية والاجتماعية لكل دول المنطقة تشير بوضوح إلى أن نشوء الدولة الوطنية مثل عامل التحول الأكبر وعنصر الإنقاذ الأول لهذه الجغرافيا وحماها من أن تظل منطقة للصراع والتشرذم والتطرف والبداوة أيضا. خلفيات ثقافية تشتمل على قيم ليس بإمكانها بناء سلام أو مستقبل أو ازدهار، بل إن كل هذه المفردات ليست أصلا في قاموسها، قيم قبلية وعنيفة أو دينية طائفية متشددة أو صحراوية متنقلة لا يمثل المكان بالنسبة لها قيمة لتهتم بإعماره وتنميته. المنتج الحضاري السابق للدولة الوطنية الحديثة كان الإمبراطوريات التي أثبتت أنها محور للحروب الضخمة والطاحنة، وتقوم أساسا على أفكار وأهداف توسعية تجعل منها مشروع حرب مفتوحة مع مثيلاتها أو كيانا غاصبا محتلا مع كل الجغرافيا المحيطة به، وهذا جل ما شهدته مختلف الأقاليم في الشرق الأوسط إبان حقبة الإمبراطوريات. لا تزال بعض الأطروحات في التنظير السياسي العربي تنتقد موقف بريطانيا بعد اتفاقية سايكس بيكو، وترى أنها أخلفت بوعدها بمنح العرب وطنا قوميا عربيا في منطقة سورية الكبرى،…
عائشة سلطانمؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
السبت ١٣ يوليو ٢٠١٩
شغفت منذ عدة أيام فقط بمتابعة مقاطع فيديو للمدونة الصينية الشهيرة لي زيكي، التي تحظى بنسب متابعة ومتابعين تصل إلى ما يفوق 6 ملايين مشاهد تقريباً للفيديو الواحد، هي لا تقدم دروساً في أساليب وضع الماكياج، كما أنها لا تتنطع بالتفاهات حول حياتها الشخصية ومقتنياتها من الحقائب والأحذية الفاخرة، وهي لا تنتقل من المكان الذي تعيش فيه، لا تسافر ولا تتجول في الأسواق والمطاعم، لا تدخلنا غرفة نومها ولا تفتح أمامنا خزانة ثيابها، ولا تهمس لنا بأسرار العلاقات الزوجية، هي لا تتحدث إلا بأقل القليل من العبارات، لكن حركتها لا تهدأ أبداً منذ بدايات الصباح الباكر، تتحرك كفراشة وتتنقل ضمن تفاصيل طبيعة لا تكتفي بإبهارك فقط، لكنها تجعلك لا تحلم إلا بالعيش والذهاب إلى حيث تعيش (لي زيكي)! إنها فتاة تعيش في أعماق جبال (سيشوان) الصينية. على عكس المشاهير الآخرين عبر الإنترنت، وعلى الرغم من شهرتها إلا أن البساطة التي تظهر بها تعيد إلى الأذهان ثياب وتقاليد حضارة الهان التقليدية،…
الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠١٩
منذ 25 مارس 2015، تتمسك الإمارات بثوابت أساسية تجاه اليمن الشقيق. لم تتغير ميدانياً وسياسياً، إلا وفق اعتبارات المعركة على الأرض، وتبعاً لما يقرره العسكريون من انتشار تكتيكي في هذه المنطقة أو تلك، أو لدعم قوات الشرعية في خريطة الحرب، أو لدرء الأذى عن المدنيين، فنحن إزاء عدو، يعتبر الأحياء السكنية، والمستشفيات، والمساجد أهدافاً حيوية لإرهابه الأعمى. مثلاً، فإن إعادة انتشار قواتنا المسلحة في الحديدة، لأغراض تكتيكية، تصب في هذا الاتجاه، مثلما هو الحال في نهوض الإمارات بمسؤوليات ميدانية لقطع إمدادات الحوثي، عبر الموانئ، وكذلك الأمر بالنسبة للعمليات الحربية التي حالت دون طموح القاعدة وداعش في إنشاء تشكيل تنظيمي في المكلّا، واستنساخ تجاربهما السابقة في سوريا والعراق. طبيعة العدو، ومصادر موارده، وتوحشه ضد المدنيين، دوافع أساسية وراء تحريك القوات ونشرها، تبعاً لاعتبارات عسكرية بحتة، تحسب مخاطر الإرهاب على المدنيين بدقة، غير أن الثوابت الإماراتية ما تزال في مساراتها الأساسية: القضاء على إرهاب الحوثي وحلفائه، وتثبيت أركان الشرعية، والحل السياسي، وخلال…
الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠١٩
من يطالع تاريخ البشرية، سيرى من دون عناء أن المجتمع البشري يتغير باستمرار. يطال التغيير أنماط العيش وعلاقة الناس ببعضهم، وعلاقتهم بالبيئة والطبيعة. ويتساوق التحول المادي في المحيط مع تحول موازٍ في الذهن، يطال القناعات والمعارف والتصورات والقيم، وهي النافذة التي ننظر من خلالها إلى العالم المحيط بنا. ولذا فإن ما نراه اليوم، يختلف عما كان يراه أسلافنا. ليس لأن الشيء ذاته تغير، بل لأن النافذة التي ننظر من خلالها قد اختلفت. ولا خلاف في أن هذا التغيير تصاعدي. البشرية اليوم أكثر عدداً وعلماً وقوة وغنى وسيطرة على الطبيعة، أي أكثر تقدماً وتحضراً. وانعكس هذا التقدم على أعمار البشر وإنتاجهم. فطبقاً لما ورد في كتاب «حقائق العالم 2016 - 17» الذي نشرته وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، فإن المتوسط العالمي لعمر الإنسان في بداية القرن العشرين، تراوح بين 30 و45 سنة، بينما تجاوز 67 عاماً في 2009. ما الذي يهمنا من هذا كله؟ أعتقد أن فهم قيم الدين…
الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠١٩
حين نقول مؤسسة، فهي قادمة لغوياً من كلمة أس ماضيها أسس، والتأسيس هيكلة أو منشأة، عادة تقوم برامجها على المدى البعيد جدًا، مهما كانت هذه المؤسسة دولة أو مدينة أو قرية أو وزارة أو معهد أو بيت أو مدرسة أو مسجد أو جامعة أو متحف أو مصرف،... بمسمياتها المختلفة يبقى الأساس المستخدم في أبعادها المحددة هو بغرض الإدامة، وعليها أن تنتج الأمل في تحقيق المراد، من عوائد فكرية، مالية، روحية، سياسية، إدارية، تربوية، وعلمية... إذن المؤسسة مهما كان حجمها صغيرًا أو كبيرًا فإنها تؤسس على أفكار إنتاجية ذات شأو وأمد، لا مجرد برامج وأنشطة وأسفار ومهرجانات وما إلى ذلك، ينتهي ذكرها في المنشورات والصحف ثم التكريم، والنتيجة تصفيق مؤقت. نعلم أن المجتمع أيًا كان هو عبارة عن ناس ينتسبون لمؤسسات ويعملون على إنجاحها نجاحًا طويل المدى، وقد لاحظنا في السنوات الماضية كيف خرجت استراتيجيات كبرى لمؤسسات نفطية ومصرفية واستثمارية في الدولة نجحت ولمعت بموارد بشرية ومالية هائلة دعمت الوطن في…
الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠١٩
إذا رجعنا بالزمن إلى الماضي البعيد، فهل كانت هناك شحنات غذائية مستوردة تصل من مختلف دول العالم إلى هذه المنطقة حيث يعيش أجدادنا؟ وهل كان اعتمادهم عليها بشكل أساسي لضمان استمرارية حياتهم؟ وما البدائل التي أوجدوها؟ ومن أين كانوا يأكلون؟ هذه الأسئلة، وغيرها الكثير، فاجأني بها صديق عزيز يمكن اعتباره أحد أهم الكوادر الوطنية المتخصصة في الغذاء، فهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الأمن الغذائي، ولديه تجارب فريدة في الإنتاج والزراعة، ونجح إلى حد كبير في زراعة مئات الأصناف من الفواكه والخضراوات في مزرعته بالدولة، هذه الأصناف كنا نظن أن من سابع المستحيلات رؤيتها في مزرعة داخل الإمارات. بل إنه يؤكد وجود أنواع «أصلية» من القمح في الإمارات، ولايزال المزارعون يحافظون عليها كسلالة أصلية، فهي لم تختلط بعمليات التعديل الجيني، وقد توارثوها أباً عن جد، وتزرع على سفوح الجبال، وغالباً فإنها لا تسقى إلا بمياه الأمطار، هذه السلالات غير موجودة في كثير من بلدان العالم الزراعية، وأغلب الدول المنتجة للقمح،…