السبت ١٢ مارس ٢٠١٦
من الصعب معرفة أول فقير على ظهر هذه البسيطة، والأصعب أن نعطي مواصفات لآخر فقير عليها، مسألة الفقر نسبية، وتختلف من مكان ومن زمان، هل الأصل في الأمور والأشياء هي الفقر، والغنى أمر لاحق؟ ربما، والإنسان وحده يدّب على تلك الأرض اللينة في أول خطواته التي يرى فيها أثره، كانت يومها المعادلة متساوية بين الفقر والغنى، فقير للوحدة، وقلة الإمكانيات، فقير للتجربة، وفي الوقت نفسه غني، فكل الأرض مشاع له، وكل الأمور طوع يديه، والأرض رحبة له، ولا محدودية للتملك، متى بدأ خط الفقر، وخط الغنى يظهر، أول ما ظهر حينما عرف الإنسان الأنانية، والغيرة والحسد، وعرف حب التملك، وعرف كيف يقتل، بعدها من كان يملك قطيع ماشية، كان غنياً بعرف ذاك الوقت، ثم أصبح من يملك سلاحاً يحارب به ويصطاد به، ولديه كهف هو الغني، ثم جاء زمن الغني يميز عن الفقير بمقدار ما لديه من القوة والسلطة، والنساء والذرية، ثم اختلفت الأمور بتغير الزمن، فغدا الغني الحقيقي من…
السبت ١٢ مارس ٢٠١٦
اليابان هي واحدة من أكبر الدول الرأسمالية المتقدمة، يُشار إليها باعتبارها عملاقاً اقتصادياً وهي رابع أقوى اقتصاد على مستوى العالم رغم ندرة مواردها الطبيعية، تكتسح منتجاتها الأسواق العالمية وتشتهر بجودتها العالية. فهي المنافس الحقيقي من هذه الزاوية لمثيلاتها الأميركية والأوروبية، تحقق نسبة نمو مرتفعة ودخل الفرد فيها هو أيضاً من أعلى النسب، حجم البطالة ضئيل وكذلك الأمية (1%) بسبب الطفرة الهائلة في التعليم الحديث، وعلى مستوى النظام والخدمات العامة التي تقدمها لمواطنيها فقد لا تضاهيها دول كبيرة أخرى. ونفس الإنجاز ينطبق على الجانب السياسي، تأخذ بالديمقراطية البرلمانية وموقع الإمبراطور شرفياً. البعض يُطلق على تجربتها مصطلح «المعجزة»، ولكنها ليست كذلك، فالمعجزة تستند على أسس غيبية، أما ما حدث في هذه التجربة المبهرة فيقوم على جهد وإبداع بشري وإصرار على النجاح بل التفوق ومواجهة التحديات مهما كانت صعبة أو مؤلمة. مناسبة الحديث عن اليابان، هي الزيارة الناجحة التي قام بها إليها أخيراً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في إطار السياسة الخارجية النشطة…
السبت ١٢ مارس ٢٠١٦
في مطلع الثمانينات جئنا، كطلاب من واشنطن، لزيارة القاهرة ضمن درس العلوم السياسية. ولا أدري لماذا اختار أستاذنا أن نزور ذلك المبنى القديم الجميل على شارع طلعت حرب، نادي الدبلوماسيين. فيه التقينا عددًا من العاملين في وزارة الخارجية المصرية، وكان كل شيء فيه يوحي بالأرستقراطية وأيام الباشاوات. علق أستاذنا، ألن تايلور، بأن الدبلوماسية المصرية ظلت، حتى بعد ثورة 1952. من النخبة، معظم من يعمل فيها من عائلات توارثت الوظيفة السياسية الخارجية، أو من المتميزين في دراساتهم. وكان ذلك النادي الخاص، الذي بناه معماري فرنسي، يرمز للدبلوماسية الراقية، ويضم من السفراء إلى الطهاة الذين يتم تكليفهم بالعمل في السفارات المصرية في أنحاء العالم. الدبلوماسية المصرية العريقة، مثل نادي الدبلوماسيين الذي عمره مائة عام، بقيت محافظة على تقاليدها وخبراتها. وأحمد أبو الغيط، مثال للدبلوماسي الراقي، الذي يملك سيرة مميزة في البعثات الدبلوماسية المصرية من نيويورك إلى موسكو، ووزيرا للخارجية، تعامل مع ملفات مختلفة تمثل قضايا المنطقة وتشابكاتها مع العالم والقوى الكبيرة. ومع…
السبت ١٢ مارس ٢٠١٦
يتطلع مؤسسو الصالونات الأدبية عبر ما ينظمونه من نشاطات إلى زيادة منسوب الجمال في هذا العالم الذي للكلمة النبيلة دور في بنائه، فهي الحامل للفكر بتجلياته، واللغة بتمظهراتها الرائقة.. نشاطات تقوم على احتضان المواهب وتقديمها في جلسات يكون النقاش والأخذ بالرأي والرأي الآخر مادة استمرارها وبقائها على قيد الثقافة. نعم.. بالنقاش والنقد وتبادل الآراء تكتسب هذه النشاطات ديمومتها، إذ المجتمعات التي تُغيّب النقد هي مجتمعات سطحية، النقد البنّاء وحده من يجعلها تمتلك العين البصيرة والخبيرة والعارفة بنفسها، والنقد من ثم ليس انتقاصاً أو إهانة، بقدر ما هو فعل تقويمي، فلن نصل إلى الأفضل دون نقد ودون سجال ونقاش يكوّن منهجنا في هذه الصالونات وصولاً للتكوين الثقافي الأمثل. في السنوات الماضية نشأت صالونات أدبية راقية بدولة الإمارات، كصالون الملتقى الأدبي، الذي أسّسته أسماء المطوع في عام 1999 بجهود شخصية دافعها حب الثقافة والأدب، ولقد أُدرج هذا الصالون في لائحة «اليونسكو»، مكتسباً الصفة الرسمية، ما يعد نجاحاً باهراً. وقد ظل الصالون يعقد…
الجمعة ١١ مارس ٢٠١٦
رغم السمة الداخلية للحملة الانتخابية الأميركية، حتى الآن، يتعين الانتباه إلى أن غياب مسائل السياسة الخارجية التقليدية عن مواقف المرشحين من الحزبين، يشير إلى استمرار السياسة الحالية التي أرساها الرئيس باراك أوباما. في المواجهة التي جرت أول من أمس بين المرشحين الساعيين إلى الفوز بتسمية الحزب الديموقراطي لهما، هيلاري كلينتون وبارني سندرز (وخصصت تقريباً للجمهور المتحدر من أصول أميركية لاتينية)، اتفق الاثنان على الإشادة بسياسات أوباما في المجالات الداخلية وفي انفتاحه على أميركا الجنوبية والتسوية مع كوبا. أما المنافس على ترشيح الحزب الجمهوري دونالد ترامب فتبدو مقاربته للسياسة الخارجية أقرب إلى مناخات الانعزالية الأميركية السابقة للحرب العالمية الثانية. المواقف من المسلمين والمكسيكيين ودعوته إلى «بناء جدار عال وجميل» عند الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لوقف هجرة اللاتينيين، لا تتعارض مع استمرار إدارة أوباما في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين الآتين من الجنوب بالقوة. بهذا المعنى، يقتصر حضور السياسة الخارجية في الحملات الانتخابية التمهيدية على مسألتي الهجرة والإرهاب، من دون أن يلغي ذلك…
الجمعة ١١ مارس ٢٠١٦
خصومه يسمونه أحمدي نجاد الأميركي أو كيم يونغ أون، الزعيم «المحبوب» لكوريا الشمالية، ويتحسّرون على المصير الذي بلغته الولايات المتحدة حتى صار مهرجٌ مثل دونالد ترامب قادراً على تصدّر الصفوف والتقدم على سائر المرشحين من الحزب الجمهوري للفوز بترشيح هذا الحزب للبيت الأبيض. كثيرون في الولايات المتحدة وخارجها، وخصوصاً في عواصم الدول الحليفة، يبحثون في «ظاهرة ترامب» وأيديهم على قلوبهم. مجلة «در شبيغل» الألمانية التي لا تضع عناوينها اعتباطاً، وصفت ترامب بأنه «أخطر رجل في العالم». وخطر الرجل يكمن في أنه إذا وصل إلى البيت الأبيض، سوف تكون إصبعه على الزر النووي، وهو زر لم يخطر في بال كثيرين أنه يمكن أن يكون يوماً ما في يد شخص أحمق أو مهرج، أو محتال في أحسن الأحوال. هل هو إرث باراك أوباما وما فعله بالمعنويات الأميركية حول العالم، الذي يدفع الأميركي العادي إلى هذا الخيار الانتحاري البائس، خيار الوقوف خلف مرشح تحوّل «مسخرةً» وموضع استهزاء من الجميع، أم أنها النقمة على…
الخميس ١٠ مارس ٢٠١٦
السؤال الذي يعاد طرحه: هل نتعلم من أخطائنا أم نعود إلى مثلها من جديد؟ عند غزو صدام الكويت ومن ثم حرب تحريرها، برزت إلى السطح انكشافات مواقف مناوئة ومهددة من دول وأحزاب وأفراد أحدثت صدمة المفاجأة، وحين اندلعت ثورات ما سمي «الربيع العربي» ثم تداعت إلى حروب وحرائق لتفتح المجال لقوى خارجية إقليمية ودولية أيضاً، حدث انكشاف جديد أكثر خطورة من السابق. خمس سنوات تسلطت فيها الأضواء في شكل مبهر، لتكشف تفاصيل التفاصيل، بداية من مكالمات هاتفية إلى وثائق مسربة ثم مواقف معلنة، وفي الحالتين تأكد أن الاستثمار السياسي حقق الكثير من الخسائر، سواء في دعم دول أم جماعات وأشخاص. السؤال الذي يطرح بصيغ مختلفة، منها ما طرحه الأخ محمد العبدالله في تويتر قائلاً: هل يعيد علي صالح سيناريو صدام حسين؟ تجب الإجابة عليه إجابة شافية، فما هي الضمانات؟ إذا كان صالح إلى انحسار والحوثي مثله، ماذا سيتشكل في اليمن بعد إنجاز التحرير؟ وما الضامن ألا يتحول اليمن سياسياً إلى…
الخميس ١٠ مارس ٢٠١٦
لم يجب بـ«لا»، نائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الإيرانية عندما سئل إن كانت بلاده سترسل مستشارين عسكريين لليمن كما تفعل في سوريا، بل أوحى بـ«نعم»، قائلا بأن الجمهورية الإسلامية تشعر بواجبها في اليمن كما تفعل لمساعدة الحكومة والشعب في سوريا! إيران موجودة في اليمن قبل الانقلاب على حكومة عبد ربه منصور هادي العام الماضي، وتنامي وجودها سبب رئيسي وراء إقدام السعودية على بناء تحالف عسكري وشن حرب هناك. فقد تأكدت شكوكها بأن إيران وراء استيلاء وكيلها، ميليشيا الحوثي، على العاصمة، وإرسالها كميات كبيرة من الأسلحة، ومن تسميهم بالمستشارين العسكريين، لدعمهم. وبعد استيلاء حليفها على السلطة مع الرئيس المعزول علي عبد الله صالح، أعلنت عن تسيير رحلة طيران يومية للعاصمة صنعاء، بعد أن كانت ترسل واحدة في الأسبوع، ولا توجد لإيران صادرات لليمن سوى السلاح والمقاتلين. وحتى بعد نشوب الحرب، وإغلاق مطار صنعاء، وتولي الأمم المتحدة تفتيش السفن المتجهة لليمن، استمرت إيران ترسل شحنات أسلحة بطرق مختلفة. أستراليا أعلنت أول…
الخميس ١٠ مارس ٢٠١٦
تنطبع في أذهان المجتمعات جملة مفردات ومصطلحات نتنازع دوماً حولها، ونختلف في صناعة تعريفات موجبة لها في ظل أننا ننشد برفقتها البقاء في الطريق الوسطي والمعتدل وألا نهدر الوقت في جدل بيزنطي، وصراع لا قيمة له حول القشور لا اللب، في ظل أن حكاية الاتفاق وقصة صناعة التعريف لا تتطلب إلا تفعيلاً للعقل، وتنظيفاً للنوايا، وتهدئة متقطعة للجانب العاطفي الذي نقود به جزءاً كبيراً من مفاهيمنا ورؤانا وقناعاتنا. من مصطلحات المجتمعات القابلة للتعريف المرن أو بالأصح للتعاطي المزاجي مصطلح «التسامح» وقد تقف جملة من الأسرار خلف المرونة والمزاجية المصاحبة له، ولعل من أقربها أن العقل الباطن يؤكد لنا باستمرار أن لوازم المصطلح وما بعده من تفاعلات وحقائق لا تقبل - من مبدأ الثقة - أن نتجادل ولو على ربع سؤال حوله! إضافة إلى أن الفعل الذي نَنْفُذُ من خلاله إلى «التسامح» لا يتجاوز في أوقات كثر دوائر التنظير والمجهود الشكلي من دون الولوج للتطبيق الحقيقي، ولعلنا نمرر هنا السؤال المباشر…
الخميس ١٠ مارس ٢٠١٦
سرب الحوثيون خبر تفاوضهم الأخير مع السعودية عبر بعض وسائل الإعلام التي حاولت خدمة الرواية الحوثية، مما انطوى على بعض الأخطاء والبروباغندا، لكن يبقى السؤال هو: هل الحوثيون جادون فعلاً في التفاوض مع السعوديين؟ اللقاء التفاوضي تم في السعودية، وتحديدًا في عسير، وليس الرياض أو غيرها كما ردد البعض. كما أن الوفد الحوثي لم يقدم حسن نيات تجاه السعودية بإطلاق سراح ضابط سعودي كبير، وكما تردد دعائيًا، فهذه قصة غير صحيحة، ولا يوجد ضابط سعودي كبير في الأسر أصلاً. إذن لماذا جاء الحوثيون إلى السعودية؟ وهل هم جادون؟ أول تسريبات المفاوضات، قبل مفاوضات السعودية، كانت عبر شخصيتين أمميتين، والهدف منها هو محاولة ادعاء النجاح من قبل أطراف بالأمم المتحدة، لكنّ الحوثيين هم من قام بتسريب اللقاء، وتفاصيله، في السعودية، ومن خلال شخصية حوثية معروفة. والسؤال: لماذا سرب الحوثيون هذه القصة؟ هناك معلومات تشير إلى أن دوائر المخلوع علي عبد الله صالح تقوم بإشاعة خبر مرضه، والخطة هي أن يسري الخبر،…
الخميس ١٠ مارس ٢٠١٦
كثير من المقاولين قضوا ساعات صعبة، أمس، مليئة بالقلق، فما كشفته الأمطار من عيوب أمس لم يستطع أي مفتش أو مهندس رقابة، في أيٍّ من البلديات، اكتشافها قبل انتهاء العمل، وصدور شهادات الإنجاز، وفي مقابل ذلك يجب أن يقلق أيضاً مسؤولون كثر، فلو كانت هناك رقابة صارمة، ومتابعة مستمرة، وتحققٌ من الالتزام بالمواصفات والمعايير، لما تطايرت نوافذ، وتهدمت أسوار، وتضررت شوارع، وانهارت أسقف! لسنا دولة أمطار، والمواصفات الإنشائية توضع حسب الظروف المناخية لكل دولة، هذا صحيح، لكن هذا لا يعني أن يحدث كل هذا الضرر، لمجرد ارتفاع منسوب هطول الأمطار ليوم واحد في كل بضع سنين تقريباً، ولا يعني أبداً أن نشاهد مباني هشة، وأساسات ضعيفة، وأسقفاً لا تتحمل قليلاً من المطر، هذا مؤشر إلى وجود خلل في مواصفات وتراخيص المباني، وهذا أمر واضح وجلي. أمطار الأمس أحدثت إرباكاً واضحاً في أماكن مختلفة، لا نختلف أبداً على أنها غير اعتيادية، ولم تشهدها الدولة منذ فترة غير قصيرة، لكنها أيضاً ليست…
الخميس ١٠ مارس ٢٠١٦
القمة الأوروبية المدعوة في 17 الجاري لإقرار اتفاق مع تركيا للحد من سيل اللاجئين، تبدو أكثر أهمية من المفاوضات بين المعارضة السورية والنظام التي بدأ التحضير لها أمس وتنطلق في 14 الجاري. ويعود تراتُب الأهمية إلى أن الأزمة السورية تحوّلت قضية لاجئين نتيجة تعقيدات داخلية وإقليمية ودولية، مثلما حوّلت إسرائيل القضية الفلسطينية منذ العام 1948 وحقّقت مبتغاها، على رغم الدولة الفلسطينية الحالية التي لا يصدّقها حتى أهلها. البطولة في لعبة اللاجئين السوريين لتركيا أردوغان، ولا يلتفت إلا القليلون إلى لبنان والأردن ومعاناتهما اقتصادياً واجتماعياً من لاجئين يشكّلون نسبة مرتفعة قياساً على مواطني البلدين. ولم يجفّ حبر أخبار زيارة أحمد داود أوغلو طهران والاتفاق على التنسيق لمواجهة الفيديرالية في سورية والصعود القومي الكردي، حتى ربط رئيس الحكومة التركية، في اجتماعه مع القيادات الأوروبية، قضية اللاجئين السوريين بإيجاد منطقة آمنة في شمال سورية، ووجد لهذا الربط تفهُّماً أوروبياً واضحاً. أليست المنطقة الآمنة شبيهة بالنفوذ الكردي في شمال سورية، بل أخطر منه في…