آراء

آراء

العهد الجديد

الخميس ٠٧ يونيو ٢٠١٢

أزمة بعض الحكومات العربية اليوم أنها لم تستوعب بعد حجم التغيير الذي تمر به المنطقة حالياً. هذا التغيير يشمل تفكير الناس ونظرتها لحقوقها وواجبات حكوماتها تجاهها. حتى الإنسان الذي لا يفهم في السياسة أو لا يحب الدخول في عالمها المعقد لا بد أن يتأثر بما يدور في محيطه من أحداث وتطورات. وإن كانت واحدة من أسباب أزماتنا، على أكثر من صعيد، تأتي في الإصرار على التعاطي مع الأزمات وفق العقلية القديمة، التي يأمر فيها المسؤول فيطاع، ويخطئ فيها المدير فلا يحاسب، فإن الأزمة ستزداد تعقيداً ما دام بيننا من لم يدرك بعد أن اليوم غير الأمس. أغلب مطالب الناس في العالم العربي، من قبل الربيع ومن بعده، كانت وما زالت في دائرة الممكن تحقيقه. بل هي مطالب لإصلاح أوضاع خاطئة في الأصل. إنها في حدود الحد الأدنى من حقوق الناس وواجبات حكوماتها. ولهذا يأتي التعاطي مع هذه المطالب، بواقعية وتواضع واعتراف بالتقصير، حكمة في احتواء الأزمات وقطع الطريق أمام ما لا يحمد عقباه. فليس كل من ينشد الإصلاح طامع في سلطة. وليست الاستجابة لمطالب الناس وفهم ظروفها ومشكلاتها سقوط لـ«هيبة» الدولة. بل إنها على العكس من ذلك. إذ سنحمي المجتمع، بقيادته السياسة، من تبعات خطيرة لتراكم الغضب أو استغلاله. صانع القرار في منطقتنا معني أولاً بفهم جاد لما يجري اليوم…

آراء

مبدعون يعشقون الحرية

الخميس ٠٧ يونيو ٢٠١٢

لم يأتِ اجتماع عدد من النخب الثقافية والفنية العربية في الدوحة خلال الأيام الماضية في الدوحة بمهرجان "وطن يتفتح في الحرية" إلا ليؤكد على التصاق المبدع الحقيقي بهموم وطنه وهموم الإنسان والإنسانية. فالواقع في سورية يقود إلى ضرورة تضامن "الثقافي" مع "السياسي" لتبقى قضية المواطن السوري المقموع والمجروح والمقتول في صدارة المشهد العربي والعالمي. وتزامن المهرجان مع الانتخابات الرئاسية المصرية وصخب الشارع هناك لم يمنع مجموعة من مبدعي مصر من المشاركة في المهرجان لبيان أن الأولوية للوضع الأكثر مأساوية حيث لا قيمة للإنسان المطالب بالحرية، ذلك الإنسان الذي تسحقه الآليات العسكرية الثقيلة باعتباره عدوا للنظام، ويُعاقب أهله بذبحهم من قبل "شبيحة" يحملون حقدا لا يمكن أن يتصوره البشر.. "وطن يتفتح في الحرية".. ساهمت فيه أصابع علي فرزات برغم تهشيمها، وأوتار نصير شمة المنفية زمنا، وحنجرة سميح شقير المهاجرة بعد أغنية "يا حيف"، وصوت "أصالة" وعلي الحجار وقصائد الراحل محمود درويش وأحمد فؤاد نجم وعبدالرحمن الأبنودي وحضور نور الشريف.. وغيرهم ممن أثروا المشهد بوعيهم الذي يستحق التقدير، فهم وقفوا ضد الطغيان وتحملوا ما تحملوه من قسوته، لأنهم لم يرضخوا إلا للمنطق الذي أملتهم إياه قناعاتهم، فالشعب أبقى والطغاة إلى زوال.. والشعب الذي يحلم بالحرية لا بد أن ينالها مهما مر الزمن، فتلك حتمية تاريخية لم تتغير أبدا.. حتى نيرون الذي أحرق…

آراء

حلم في عيون حضرمي

الأربعاء ٠٦ يونيو ٢٠١٢

أرى عينيه وهي تضيء، يحكي لي عن ساحة التغيير، وكيف أن عينيه أدمعتا عند سماعه للنشيد الوطني، مع أنه كان قبل الثورة يدعو للانفصال.. صديقي الحضرمي صاحب القلب الطيب، رأيت في عينيه أحلاما كبيرة، كان يرى أن اليمن ستصبح أفضل وأن كل الفاسدين سيرحلون، وأن صالح سيعاقب هو ومن يعاونه، أحلام كبيرة كان يراها هو ورفاقه ممكنة، ولكن........ بعد سنة ونصف من الثورة اليمنية، رأيت صديقي الحضرمي. لم يعد كما كان، لا شيء يرضيه، يتذكر رفاقه ممن استشهدوا وتلمع عيناه، هذه المرة ليست لمعة الطموح والأمل وإنما لمعة بدمعة الحزن، صديقي يرى أن الثورة لم تمشِ في الطريق الذي تمناه.. صديقي الحضرمي لم يكن يتوقع هذه الصعوبات، لم يكن يتخيل أن تتحول الثورة إلى صراع بين أطراف متنازعة، لم يتوقع أن يستغلها كل طرف في مصالح شخصية به، أصيب بالإحباط وأصبح الحزن هو الشعور الدائم عنده... يسألني وفي عينيه نظرة تدعوني لأن أحيي فيه الأمل: هل تعتقدين أني رسمت أحلاما فوق الخيال؟ هل من المفترض أن يكون الحلم واقعيا؟ أجبته: كلا لم تكن أحلامك فوق الخيال، أنت حلمت بوطن حر، وطن بلا فساد، وطن مليء بالعدل، حلمت بشعب يتمتع بكافة حقوقه، حلمت بدولة لا يفرق فيها القانون بين شيخ قبيلة ومواطن عادي، حلمت بأن لا يأتي من يأخذ أرضك بلا…

آراء

هل نفهم تركيا وإيران؟

الأربعاء ٠٦ يونيو ٢٠١٢

مرة سألت وزير خارجية عربياً إن كنا فعلاً نفهم إيران، ثقافة وتاريخاً وتركيبة سكانية ناهيك عن حراكاتها على أصعدة الفكر والسياسة والإقتصاد. كان الجواب جريئاً، احترمت صاحبه كثيراً، إذ أجاب سريعاً بالنفي. نحن لا نفهم إيران. تذكرت كلام الوزير وأنا، قبل يومين، أحاور الباحث السعودي في الشؤون التركية، د. عبدالله الشمري، الذي أكد لي أننا أيضاً لا نفهم تركيا. كثيرون منا يقرأون تركيا وإيران بالعاطفة والإنطباعات العامة. ولهذا يأتي السؤال دائماً عن أسباب ندرة، إن لم يكن غياب، مراكز الدراسات المتخصصة في الشؤون الإقليمية والدولية. وهو سؤال أصبح مملاً لكثرة ما طرحناه. لكننا صدقاً بحاجة لفهم علمي أشمل لبلدان مهمة في منطقتنا ولنا مصالحنا واختلافاتنا معها. كم لدينا من يجيد اللغة التركية ويتقنها؟ وكم لدينا من باحثين في الشأن التركي، يقرأون الصحف التركية يومياً ويرصدون حراك المجتمع التركي بكل أطيافه ويفهمونه؟ يقول الشمري إن أعداد الطلاب السعوديين في الجامعات التركية عدد محدود جداً قد لا يتجاوز العشرين طالباً. ما الذي يمنع أن نبتعث المئات من طلابنا، من مختلف التخصصات، للجامعات التركية وكثيرها معروف بالرصانة الأكاديمية وتنوع التخصصات؟ وذات الأسئلة تنطبق على فهمنا الحقيقي لإيران. هذا الجهل لا يخدم قضيتنا مع بلد مهم كإيران حيث تخترق السياسة الإيرانية، بذكاء، المنطقة لأن فيها الآلاف ممن يجيد العربية ويفهم التناقضات العربية. «شغل العواطف»…

آراء

نخل وداماس

الثلاثاء ٠٥ يونيو ٢٠١٢

يقول إبراهيم الكوني: «ما نفع الحقيقة بعد فوات الأوان» أخذ معوله، بيديه أزال نخلته، بفرح زرع أشجاره الجديدة مكانها، غرسها بحب وسقاها بشوق، رأها تكبر أمامه، تغطي جدران بيته، ابتسم ابتسامة المنتصر وهو يستظلل بظلالها، كبرت الأشجار وغطت كل المكان ومنذ ذلك اليوم كبرت معها المشاكل. البعض يفهمك بعد فوات الأوان ويقدم اعتذاره في الوقت الضائع بعض الأفكار الدخيلة كالأشجار الدخيلة، تعطيها أكبر من حجمها، يغرك منظرها الخارجي وطريقة طرحها وعرضها، سريعاً ما يتأثر بها البعض وما إن تتمكن منه حتى تبدأ آثارها السلبية تطفح على السطح، تماماً كالأشجار الدخيلة تبدأ جذورها بالانتشار تحطم جذورك تستولي على نباتاتك، وبطيئاً من حيث لا تدري تسيطر على حديقة بيتك، لا تعلم كمية الأذى التي تسببها تحت بيتك. البعض يواجهك بمنظره الحسن ويخفي جوهره الآسن. قراءة الفصل الأول لا تعني أنك أنهيت الرواية الحياة رواية عميقة لمعرفة تفاصيلها تلزمك قراءة عميقة لفصولها وتجربة طويلة لتعرف خباياها، وكذلك الأشخاص مجرد الحديث معهم أو مقابلتهم لا تعطيك صورة كاملة عن شخصياتهم، النفس البشرية أعمق من أن تفهمها بجلسة أو محادثة واحدة. الأشخاص الذين يتشدقون بأنهم “كتاب مفتوح” تجدهم يخفون أكثر مما يبدون. بطبعنا نتأثر بالأشياء الجميلة حولنا، لكنك إذا نظرت بعمق سترى زيف الأقنعة، وستعرف متأخرا أن أكتافك كانت جسر الوصول لهم. نحن وجوه وأقنعة،…

آراء

المثقف الحُر

الثلاثاء ٠٥ يونيو ٢٠١٢

حكى لي أحد الكُتّاب أن أحد قُرّائه يُطارده منذ مدة طالباً منه الكتابة حول القضية الفلسطينية، وعندما قال له بأنه ليس متخصصاً في السياسة اتهمه بأنه عميلٌ للأنظمة، ويدعو إلى التطبيع مع إسرائيل. وقبل ذلك طُلب منه أن يكتب حول الانتخابات العراقية فرفض، فاتُهم بأنه ذو أجندة خارجية. وقد تتخذ هذه المطاردات طابعاً أكثر شراسة، فكل يوم يُطالعنا أحدهم أو إحداهن على تويتر وفيسبوك أو في مواقعنا الشخصية، شاتمين، غاضبين، مهددين، متوعّدين؛ إذا رفضنا الكتابة في الموضوعات التي تهمّهم، ويستخدمون نفس الطريقة الابتزازية؛ حيث يقولون لك إنك لستَ وطنياً، أو لستَ مسلماً؛ فالقضايا الوطنية والإسلامية هي التي يصرخون هم فقط من أجلها، أما باقي القضايا الفكرية التي لا تهمّهم فيبدو أنها تقع تحت باب العِلْم الذي لا ينفع. أُتابع الكُتاب باهتمام على تويتر، وأقرأ يومياً السؤال التالي يوجه لهم: “ما رأيك في كذا وكذا” وعندما يرفض كاتبٌ التعليق أو يتجاهل السؤال فإنه يُرمى بما ذكرتُه قبل قليل. وعندما ننظر إلى تركيبة العقل العربي المعاصر، نجد بأنه يرفض قبول فكرة أن مثقفاً أو كاتباً أو فناناً ليست لديه وجهة نظر في قضية ما، حتى وإن كانت كبيرة وعالمية. ولقد عززت هذه الذهنية في مجتمعاتنا برامج الإفتاء المباشرة، على التلفاز والإذاعات، التي توهِمُ المجتمع بأن شيخ الدين يجب أن يعلم كل شيء.…

آراء

«براءة الهوامير» !

الثلاثاء ٠٥ يونيو ٢٠١٢

تبرئة المتهمين الرئيسيين الذين تمت محاكمتهم على خلفية كارثة جدة وبطء وتيرة المحاكمات أثارا حفيظتي وفكرتُ في إعادة تساؤلات تُطرح منذ الكارثة الأولى عسى أن تنتصر لأرواح الشهداء وتجد آذاناً صاغية تتساءل عن الحق والعدل، كما نتساءل عنه. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، هجم المطر على جدة - أكبر الثغور السعودية على البحر الأحمر- وأصيبت في مقتل. مرضتْ جدة، وقيل ماتتْ بعد أن حزنتْ حزناً عميقاً. عاشت تلك المدينة المتصالحة مع أهلها وزوارها مصاباً جللاً. كانت فيها مأساة إنسانية وكارثة حقيقية لا تُخطِئها العينُ. جثثٌ طافحة وسياراتٌ سابحة، وجسورٌ وأرصفة غارقة وعائلاتٌ ذهبتْ بقضها وقضيضها بفعل أمطار طمرت المدينة وغمرتها في ساعات قليلة جداً. وفي كانون الثاني (يناير) 2011 عاد المطر ليختبر قدرة الجهات الرسمية في جدة مرة أخرى، وجاءت النتائج محبطة وحزينة، بعد أن فاقم المطر آلام الحزن وفتح الجروح مرة ثانية. وكتبتُ حينها مقالةً بعنوان: «لا جديدَ.. أعيدوا ما كتبتم»! الأربعاء الماضي، وبحسب ما نُشِر في الصحف السعودية، صدرت أحكامٌ ابتدائية ببراءة المتهمين في قضايا «سيول جدة» التي راح ضحيتها المئات من الغرقى الشهداء، ولا يزال بعضهم مفقوداً حتى الآن، ولم يُعرَف الجاني حتى اليوم، فيما في قطر، ألقت شرطة الدوحة القبض على خمسة أشخاص بينهم ابنة وزير وأودعتهم السجن على خلفية حريق في مركز تجاري راح ضحيته…

آراء

مبادرة تسوية القروض…دروس ومقترحات

الإثنين ٠٤ يونيو ٢٠١٢

لابد من الإشادة بالمبادرة الكريمة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة - حفظه الله - لتسوية القروض المتعثرة التي تقل عن خمسة ملايين درهم. حيث تشمل هذه المبادرة 368 مواطناً يصل مجموع ديونهم لـ 568 مليون درهم. والجدير بالذكر أنها تعتبر المرحلة الثانية من برنامج تسوية القروض الخاص برئيس الدولة في حين أن المرحلة الأولى شملت ذوي القروض المتعثرة التي تقل عن مليون درهم. ومما لاشك فيه أن المبادرة الكريمة لرئيس الدولة، قد رفعت الكرب عن المستفيدين وعائلاتهم أيضاً. وهي بمثابة تذكير بأن العلاقة الحميمة بين القيادة والشعب لا تزال تزداد دفئاً مع نمو الدولة وازدياد عدد المواطنين. ولكن يجب علينا أن نتساءل كيف نستفيد من هذه المبادرة؟ وكيف نضمن تعلم الدرس؟ فالسؤال الذي يطرح نفسه: كيف استطاع المستفيدون من مبادرة التسوية الوصول إلى هذه المرحلة أساساً؟ هل كان السبب عدم قدرة الأفراد على إدارة مواردهم ومصاريفهم الشخصية؟ هل كان تأثراً بثقافة استهلاكية؟ هل كان بسبب ضعف التشريعات المصرفية؟ هذه أسئلة تحتاج إلى إجابة شافية، وقد نجد الإجابة إذا قمنا بدراسة اقتصادية-اجتماعية تقوم بمقابلة المستفيدين الـ 368 واستيضاح ظروفهم وقراراتهم التي أدت بهم إلى الاقتراض والتعثر في السداد. ثم تُرفع نتائج هذه الدراسة إلى الجهات المعنية مثل وزارة الاقتصاد والبنك المركزي وذلك لتؤخذ بعين…

آراء

«أولئك الذين فوق».. «أولئك الذين تحت»!

الإثنين ٠٤ يونيو ٢٠١٢

المنشغلون بخصوماتهم مع الآخرين إنما يسيئون لأنفسهم أكثر من إساءاتهم لخصومهم. أستغرب من أولئك الذين يهدرون أثمن الأوقات في مؤامرات وتصفية حسابات ضد من اختلفوا معهم في الفكر أو في الرأي. وثمة نوع من الناس كأنه لا يقوى على العيش من غير اختلاق العداوات والمشكلات مع من حوله. حينما تنشغل بنفسك؛ بتطوير قدراتك ومواصلة إنجازاتك فأنت تنتصر على من تظنهم أعداء وخصوماً. وحينما تغرق في البحث عن فرصة انتقام ممن أساء لك أو حسبته منافساً لك فأنت تؤكِّد هزيمتك وتقدّمها لمن تعتبره الخصم على طبق من ضياع. المواجهة، في المواقف الحقيقية التي تتطلب المواجهة، ليست كتلك الخاسرة من أصلها فنضع أنفسنا في شباكها المعقدة، وليست كتلك التي يسعى بعض «الخصوم» لجرنا إليها كي نصبح، مثلنا مثلهم، سواسية في الفشل والخسارة. نصيحتي لك أن تبقى فوق، هناك في الأعلى. حذارِ من أن تُجرّ لمعارك خاسرة. كم من معركة ربحتها حينما أعطيتها ظهري وواصلت مسيرتي نحو أهداف رسمتها بنفسي لنفسي. انتبه: لا يجرك «أولئك الذين تحت» إلى مستنقعهم فتعيش أبد الدهر، مثلهم، أقصى حدود طموحك أن تنتصر عليهم. فالانتصار على الفاشلين هزيمة. والربح في مواطن الفشل خسارة. وحينما تحافظ على مكانتك مع «أولئك الذين فوق» -بأخلاقهم ووعيهم وكرمهم وتسامحهم وطموحهم ورؤيتهم الأبعد- فأنت حتماً ستبقى المنتصر. وبمجرد أن يجرك «أولئك الذين تحت»…

آراء

أبي: كن صديقي!

الإثنين ٠٤ يونيو ٢٠١٢

في دبي رأيت أباً يرافق ابنه إلى مقهى شبابي يرتاده عشاق الدراجات النارية. ولأني أعرفه جيداً وأعرف ابنه جيداً فلم أندهش لتلك الصداقة التي جمعت الأب بالابن وأصدقاء الابن. قال لي مرة إن أصدقاء أبنائي أصدقائي. وعرفت منه لاحقاً أنه يشارك أولاده وأصدقاءهم رحلات برية وبحرية وهو عندهم واحد من أفراد «الشلة»! أحببت في الأب حميمية الصداقة مع أولاده وأصدقاء أولاده. كم هي ممتعة تلك الصداقة التي تجمعنا بآبائنا وأعمامنا وإخواننا. سمعت يوماً أباً يطلب من ابنه: كن صديقي! ظننته يقولها مازحاً لكنني عرفت فيما بعد أنه كان يعنيها. ولأننا في زمن كثرت تعقيداته وزادت مخاطره، فليس ثمة آمن على الأبناء من صداقة حقيقية مع آبائهم؛ صداقة قوامها الصدق والقرب والفهم. عرفت يوماً أباً يظن أن كسر الحواجز مع الأبناء يكسر «هيبة» الأبوة! يا لهذه العقدة العربية التي اسمها «هيبة»، كم ورطتنا في متاهات ما أنزل الله بها من سلطان. أي «هيبة» تلك التي تصنع جدار من النفاق والخوف والكذب بين الابن وأبيه؟ إن الصداقة بين الآباء والأبناء، إن أسست لاحترام متبادل وثقة متبادلة، ستقطع الطريق أمام ما يمكن أن يتعرض له الأبناء من مشكلات في دراستهم وفي علاقاتهم وفي رؤيتهم لأنفسهم وللحياة. «الهيبة» شيء والاحترام شيء آخر. وصداقة الأبناء تؤسس نظرة احترام عند الأبناء لآبائهم. أما هذه «الهيبة» فإنما…

آراء

قبل أن تسقط الثورة

الأحد ٠٣ يونيو ٢٠١٢

وضع المجلس العسكري اللمسات الأخيرة والنهائية على النظام القديم الجديد في مصر، استطاع البارحة وعبر إسدال الستار على المحاكمة الهزيلة لمبارك أن يعيد إنتاج نفسه مرة أخرى وبخسائر لا تذكر، وهذا قياساً على ثورة شعبية عارمة يفترض بها أن تسقط كل شيء وتعيد البناء من جديد، إن الأحكام التي صدرت لا تعبر عن روح الثورة أبداً، واستطاع المجلس أن يهزأ بالثورة والثوار، مارس أكبر استخفاف في حق المطالبين بمحاكمة نظام أهلك مصر وشعبها وأعادها مئات السنين للوراء، حتى باتت علامة بارزة في التخلف الاقتصادي والتنموي والتعليمي، فضلاً عن التراجع الكبير في مكانة مصر السياسية والقيادية في المنطقة. حوكم مبارك على قتل المصريين في أثناء الثورة، وهذا جرم عظيم ولا شك، لكن لماذا ثار المصريون من الأساس وعلى ماذا؟ ولو افترضنا جدلاً عدم استشهاد أحد في أثناء الثورة، فهل كان سيحاكم أم لا؟ أما براءة نجليه جمال وعلاء والفريق الأمني القيادي المعاون لحبيب العادلي فهي الفضيحة بعينها، إن الذي خطط للأحكام في إحدى غرف العسكر لم يكن قادراً حتى على إدانة هؤلاء، بعد فوز شفيق ارتفعت معنويات التيار الفلولي وقرر التحدي، سنمنحهم مبارك ونحتفظ بالبقية، وإقامة مبارك في الحالتين ستكون في مقر محصن فاخر، ولا فرق إن كانت في شرم أو سجن طره، نفوذ النظام السابق وسطوته قائمة في المكانين. ليس…

آراء

القنيبط والبطالة

الأحد ٠٣ يونيو ٢٠١٢

في كل حوار أجريه مع الدكتور محمد القنيبط تكون مشكلة البطالة محوراً مهماً في حوارنا. ما زال القنيبط يؤكِّد على خطأ استراتيجية التعاطي مع هذه المشكلة. أغلب الردود والاتصالات التي علّقت على مقابلتي الأخيرة مع القنيبط جاءت مؤيدة لما يطرحه القنيبط إزاء مشكلة البطالة المتفاقمة. فالأسواق والمحلات التجارية قادرة على توظيف الآلاف من شبابنا. قطاع التجزئة من أكبر القطاعات التي يمكنها استيعاب أعداد كبيرة من الباحثين عن وظيفة. هذا، بالطبع، يتطلب قوانين تضمن، على الأقل، الحد الأدنى من الرواتب الملائمة لظروف الشاب السعودي وفق منطق «لا ضرر و لا ضرار». ولعل تجربة سلطنة عمان من أنجح التجارب في منطقتنا. ففي كل مرة أسافر فيها براً من دبي لمسقط، يدهشني حضور الشباب العماني، من الجنسين، في سوق العمل. في محطات البنزين وفي الفنادق وفي المحلات التجارية من النادر أن ترى موظفاً من خارج البلاد. وبعض شبابنا حينما تطرح عليهم فكرة العمل -ولو مؤقتاً- في الأسواق يظن أنه سيبقى طيلة عمره بائعاً في دكان. أم إنهم لا يعلمون أن كثيراً من رموز التجارة في بلادهم بدأوا حياتهم بوظيفة بسيطة تعلموا منها كيف ينطلقون لما هو أكبر حتى نجحوا في بناء إمبراطوريات تجارية. الأهم أن يدرك صانع القرار أن الخطوة الأساس لإيجاد حلول عملية لمشكلة البطالة هي في تقديم مصلحة الوطن على مصلحة التاجر.…