عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«عزيزي الهكر..!»

الأحد ١٩ يناير ٢٠١٤

أنا فعلاً سعيد جداً بالتعرف إليك..! أحاول أن أرسم لك صورة نمطية في ذهني لا تتعدى وجه مراهق يملؤه النمش، شعره منكوش! لا يغادر مقعده إلا لإجابة نداء الطبيعة، تغطي أذنيه سماعات تتصل بجهاز ما يبث بعض الأغاني التي تشعره بأنه ينتمي فعلياً إلى الغرب الأميركي! وبالطبع بقايا طعام بجواره وتحت شفته السفلى! والعديد من الأجهزة الإلكترونية تملأ حجرته! لكنني فعلاً أستغرب سبب اختيارك لي على وجه التحديد، هل تبحث عن أرقام بطاقاتي الائتمانية؟! كان يمكنك أن تطلبها مني مباشرة بدلاً من «اللف والدوران»، أو إرسال روابط ما يسمى بالاصطياد الإلكتروني، كلها موقوفة على كل حال..! هل تبحث عن صوري؟ لا أعتقد أن هناك ما يغري فيها، كما أنها موجودة في الصحيفة..! وأنا مقطوع من شجرة، هل تحاول سرقة معلومات أصدقائي؟! أهمهم يعمل مفتشاً على صالونات الحلاقة في شارع العروبة! هل ترغب في معرفة فريقي المفضل أم أغنيتي الأثيرة أم الأكلات التي أعشقها؟! أؤكد لك أنني أنتمي إلى ذوق قديم لن تجد فيه ما يثيرك! على الرغم من هذا كله فأنا أعتبرك صديقاً، كنت دائماً أرى شيئاً من بقاياك، رسالة لم أرسلها، صورة تم نسخها، تسجيل في موقع لا يهمني، خصم إضافي على بطاقة ائتماني، ورغم ذلك فقد عاملتك كما نعامل ضيوفنا، ولأكثر من ثلاثة أيام، لم أضع جداراً نارياً…

«فإن أفضل نصفيها الذي ذهبا»

الخميس ١٦ يناير ٢٠١٤

كان نادي النصر الثقافي الرياضي يشكّل لنا أكثر من نادٍ رياضي نزوره، ونحن نشعر بقليل من وخز الضمير لخيانة «نادي الفريج»، لكن الحق يقال إن الإغراءات التي كان النادي يقدمها في التسعينات لم تكن متوافرة في أي نادٍ آخر. «إلى أين أنت ذاهب يا بني؟ للنادي يا أمي. الله يرضى عليك يا وليدي هلا هلا بالصلاة»، وأنت لم تكذب وتكون الحقيقة هي أنك ذاهب لزيارة «السايكلون» أو «اللودج» هو أو «ليجرلاند»، ثم قضاء السهرة في «سينما النصر» أو مقهى «الكوفة»، وجميعها تقع ضمن «حرم» النادي، وأهم شيء الرزق الحلال! أزرق على أزرق! ويعرف المخضرمون من «السهّيرة» في مقهى الكوفة تلك الحفلات «الثقافية»، التي كان لها بالغ الأثر في تشكيل ثقافتنا الأولى، ويعرفون كذلك تلك العجوز الشمطاء الشهيرة التي كان يظهر عليها أنها عاصرت الاحتلال البرتغالي لخصب، كانت تصرّ على التصرف كصبيّة، وتفعل المستحيل لتقديم فقرة على الطاولة، ولا أعرف السبب حتى اليوم، الذي يجعل البعض يزداد اقتراباً من إبليس كلما اقترب من القبر! لكن ما أعرفه أنها كانت مقرفة، وما أدركته، أخيراً، أنني أتذكر وجهها القبيح، والألوان والأصباغ التي كانت تزيدها قبحاً، وجلدها العاري «المكرفص»، كلما سمعت مصطلح «الجامعة العربية»! الجامعة التي لم ترسم على شفاهنا ابتسامة واحدة منذ أن بدأت الرقص على الحبال منذ عقود مضت تزداد قبحاً، وتزداد…

ليتني كنت معك!

الإثنين ١٣ يناير ٢٠١٤

صلى عليك الله، في الليلة الظلماء يفتقد البدر، فكيف بمن طلع بدره علينا من ثنيات الوداع؟! ليتني كنت معك، أنظر إلى بدر وجهك بدلاً من انتظار حلم أو رؤيا مازلت أنتظرها منذ خمسة وثلاثين عاماً، ولم تأتِ بعد، صلى عليك الله، لو أن أحدنا انتظر رؤيتك بعمله لما رآك أحد من هذا الزمان، ابتعدنا كثيراً عن خير القرون، لكنْ لنا أمل برحمة الله، وبـ«قليل في الآخرين». ليتني كنت معك، ليتني سُراقة، يعثر جوادي فأنهض، ثم يعثر جوادي فأنهض، ثم أرى بدر وجهك حين تبتسم، تبشرني بسوارَي كسرى، آه لو تعلم يا حبيبي ما يصنع كسرى في هذه الأيام، وكيف هي شهوة الملك في عينيه تضطرب! استعبدنا كسرى وقيصر، بعد أن حررتنا من عبودية الأصنام، فجعلناهما أصناماً جديدة لنا، لا نأكلها حين نجوع، بل نطعمها كي لا تجوع! ليتني كنت معك، ليتني بلال، أشدو بما تحبه من ألحان، صلى عليك الله، أضاف بلال «خير من النوم»، وكنت تقول له «أرحنا بها يا بلال»، لم تخرجه من الملة ولم تقاطعه ولم تؤلب الناس عليه، بكى حين أذّن بعد عقود، وذكر أذانه لك، لأنك كنت لنا أباً وفارساً، وخيراً من ألف ألف ملك! صلى عليك الله، ليتني كنت معك، ليتني كنت أباعمير، ألعب بالـ«نغير» أمامك، تراقبني، تداعبني، أي أرض ستقف أمام جيوش كان…

«تكبير..!»

الأحد ٢٢ ديسمبر ٢٠١٣

يبدو أن منزلاً واحداً في الوطن العربي الكبير لا يخلو من وجود إحدى الفئات الثلاث.. الفئة الأولى وهي الفئة المتعاطفة مع الشرعية.. الشرعية.. الشرعية.. الشرعية.. وتكرر هذه الكلمة باستمرار.. والفئة الثانية وهي الفئة المتعاطفة مع الأمن والأمان والقوة والحنكة السياسية.. والفئة الثالثة هي التي تلتقط الريموت لتغير القناة من الإخبارية إلى مسلسل «فاطمة» الجزء الثاني، ولا يعنيها من وما وكيف، لكنها تحب تشجيع اللعبة الحلوة.. فإذا خف صوت المناقشات الحامية في المجلس.. رمت بـ«نغزة» للبقية، كي يستأنفوا الحوار الذي يسليها. أنا لا أتحدث في السياسة هنا.. فذاك مبحث آخر! لكني أنظر إلى الموضوع من زاوية اجتماعية بحتة.. فلاشك في أن بعض الظلال السياسية قد تلقي أو ألقت فعلياً بأثرها على بعض العلاقات الاجتماعية، رغم أن التماسك في الأسرة الصغيرة هو عماد تماسك الأسرة الكبيرة. تدور هذه الأفكار مع صحون الغداء والأسرة تجتمع لتشاهد المناظر التي قيل عنها إنها أول مشاهد من نوعها منذ أكثر من 122 عاماً على مصر الحبيبة، وقبة الصخرة الشريفة.. بل وحتى في هذه اختلفوا، ففريق يقول إنها المرة الأولى منذ 122 عاماً، وفريق آخر يقول إنها منذ 112 عاماً.. المهم أن آخر مرة شوهدت فيها القاهرة البيضاء في الحالتين كانت مصر المحروسة تحت حكم الخديوي عباس حلمي الثاني.. حيث افتتح المتحف المصري بشكله الأول، وتم عمل…

«طموح…!»

الخميس ١٢ ديسمبر ٢٠١٣

ما هي أول وظيفة حلمتَ بأن تعمل بها؟! في عيني الطفل يكون الجميع متساوين.. ويرى الطفل بقلبه لا بعينيه.. ولا بأعينهن!.. ويبحث عما يسليه لا عما يرضي غرور والديه وعشيرته!.. كنت أقف على ناصية «شارع الخان» حافياً وسعيداً! أنظر إلى ذلك العامل مفتول العضلات بزيه البرتقالي المميز.. وهو يحمل شعار البلدية بفخر على صدره.. ويتعلق بسيارة نقل القمامة البرتقالية من الخلف.. كان يبتسم!.. كنت أتساءل كثيراً عن السبب الذي يدفع الكبار لأن يملؤوا الدنيا ضجيجاً وصراخاً، حينما يروننا نتعلق بـ«بيك آب» سوق الخضرة، بينما يتعلق عاملان اثنان بهذه السيارة الضخمة، من دون أن يبدي أحد أي انتقاد أو «حشرة» لما يقومان به.. عندها قررت أن هذه ستكون وظيفتي حينما أكبر.. سأرتدي هذا «الأوفر- أول» الجميل.. وسأتعلق بهذه السيارة الكبيرة الجميلة.. وسأطوف بها جميع أنحاء الشارقة.. سأذهب إلى بيت خالي في القادسية.. سأمر على شارع الملك فيصل.. سأزور خيمة «إكسبو» الشهيرة جواره.. سأذهب إلى المنتزه.. كان طموحي لا يعرف الحدود...! كبرت قليلاً وتعلمت الحروف، انتبهت إلى وجود آثار جانبية لتلك الوظيفة! من شدة تهديدات المدرسة بأن الذي لا يفلح هنا سيكون مصيره السيارة البرتقالية.. تغير الطموح كنت أراقب ذلك «الشب» القادم حديثاً للمنطقة، وهو يقوم بتقطيع سيخ الشاورما.. والطريقة الاحترافية التي يضيف بها «الطحينية».. وجدت نفسي مرة أخرى!.. تراي سأحصل على…

«حرامية الصواني..!!»

الثلاثاء ١٠ ديسمبر ٢٠١٣

تقضي الطقوس بأن يتصل بك «الربع» دون مقدمات، كنوع إضافي من الإزعاج الذي لا يجدون الحياة تحلو من دونه نحن قادمون. وعند العرب منقودة أن تقول لهم «هاتوا ساندويتشاتكم معاكم»، وعندها لا يكون الحل سوى بالاتصال بأقرب مطبخ شعبي ومحاولة إقناعه بأنك ستسدد ديون عزايم رمضان قريباً، وكل ما تطلبه هو فرصة أخرى! تقضي الطقوس أيضاً بأن تأتي الوليمة في صوانٍ عدة، منها المفلطح، ومنها الدائري، وطبيعة الضيوف تحدد نوع الصواني، فمن مدير دائرة وفوق، يجب أن تكون جميع الصواني مفلطحة، ولها غطاء مذهب الأطراف، وإذا كان الضيوف على الدرجة السادسة إلى الثانية بحسب الهيكل الوظيفي للمحليات، تكون الصواني مفلطحة، لكن غطاءها غير مذهب، للعائلة الكريمة والأنساب سنكتفي هنا بالصواني المفلطحة، لكن دون أغطية، أما بالنسبة للربع وشركاء الدومينو وشلة القهوة، فتكفي الصواني الدائرية الشهيرة التي تحمل صورة الوردة الحمراء في قعرها. وتقضي الطقوس أيضاً بأن تدفع بشكل إضافي ومستقل مبلغاً من المال يسمى «تأميناً»، وهو سعر الصينية مضروباً بعشرة، والمفترض بأنك ستعيد الصواني في ما بعد وتتسلم هذا التأمين، لكن لأنك لا تملك ترف تذكر هذا الأمر مع انشغال ذهنك دائماً بخطة الدومينو المقبلة والطريقة التي ستسقط بها «الدرجي» في حضنك عند احتساب النتيجة، ولأن الصواني تتحول دائماً لأدوات لعبث الأطفال، ولأن أماكنها تتحول غالباً بجوار الغسالة لوضع الثياب…

«للَّه‭ ‬ثمَّ‭ ‬للتاريخ»

الأحد ٠٨ ديسمبر ٢٠١٣

أتفق مع المكتب السادس في المخابرات البريطانية في أن الوثائق والمعلومات المهمة يجب عدم الإفصاح عنها إلا بعد وقت طويل، وأختلف معهم في تحديد هذا الوقت، هم لا يفصحون عن أسرارهم إلا بعد 60 عاماً، وأنا لا أكشف عن أسراري إلا بعد 60 دقيقة! خلاف ليس جوهرياً! كنت فعلاً أنوي أن أمدّد فترة السرية على ما سأذكره اليوم بخصوص الراحل الكبير نيلسون مانديلا، إلا أن استفزاز البعض بتوزيع عباد الله عز وجل، هذا في الجنة وهذا في النار، بحسب أهوائهم وأمزجتهم، متألهين على الله في ملكه، وجاهلين بالصورة كاملة، ومتجاهلين لما علينا الاستفادة به من دنياهم، ومركزين على آخرتهم التي هي بيد الله عز وجل بالكلية، هو ما يستفز ويدفع المرء إلى خرق بعض تعهداته. أحد الزملاء الإعلاميين من جنوب إفريقيا، الذي كان المترجم الخاص لنيلسون مانديلا ــ ولايزال حياً يرزق ــ روى لي هذه الحكاية، ومن لم يصدق فليشترِ لنفسه كيلوغرامين من الملح التركي، يقول الزميل المسلم: «كنت أترجم في لقاء نيلسون مانديلا مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مناسبة جمعت كليهما، وكان الملك عبدالله بن عبدالعزيز ولياً للعهد آنذاك، وتحدث نيلسون عن إعجابه بالإسلام والتسامح الموجود لدى المسلمين، وهذه الجموع الموجودة في الحج بلا فرق للون أو عرق أو منصب، وطلب ضاحكاً من الملك عبدالله في ذلك اللقاء…

«الحرفنة في الخرفنة»؟!

الخميس ٠٥ ديسمبر ٢٠١٣

يُعد موقع «لينكيد-إن» أحد أهم المواقع الاحترافية في الموارد البشرية، إذ إنه أصبح بوابة حقيقية، سواء للباحثين عن تبادل المعرفة مع من يعملون في مجالهم نفسه، أو الباحثين عن عمل، أو الباحثين عن موظفين يحملون المواصفات التي يبحثون عنها، وأصبح لجميع دوائر الموارد البشرية في المؤسسات الكبرى مواقعها وحساباتها في هذا الموقع، وكميزة إضافية فهو يتيح لك أن تعرف مَن مِن ضمن معارفك يعمل في أي جهة تبحث عن معلومات أو صلة بها، وتعرف من يعرف من في هذه الدائرة، بل ومن يعرف من يعرف من في أي دائرة، باختصار هو كنز صغير للذين لا يقومون بمراجعة دائرة ما قبل البحث عن الواسطة المناسبة لزيارة هذه الدائرة. هناك بالطبع تلك الميزة الإبداعية وهي «الواسطة – الإلكترونية» أو ربما «التزكية» هي الترجمة الصحيحة للـRecommendation الذي يتيحه الموقع، فإذا كنت قد عملت مع شخص ما في مشروع معين، ولديك خبرة أو تجربة أو رأي أثناء عملك معه، يمكنك إضافة هذه المعلومات في صفحته في الـ«لينكيد-إن». حلو! أكيد حلو! الأحلى هو الآتي: في الأسبوع الماضي كنا بحاجة إلى موظف بمواصفات معينة للعمل في مشروع بسيط ومؤقت لا تتجاوز مدته ثلاثة إلى أربعة أسابيع، ولأننا محترفون فقد قمنا بالبحث عن المواصفات المطلوبة في الموقع المذكور، وجدنا سيرة ذاتية لموظف في عمر 25 عاماً، ولكن…

(إللي يتجوز أمي!!)

الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠١٣

يتصل بك أحدهم ويسألك: ها.. في إجازة أربعة أيام، تسافر معاي؟ تقول له إنك تتمنى ذلك، ولكنك «تبني»، وليس لديك «الخردة» الكافية لذلك، فيقول لك بذكاء يُحسد عليه، وأنت تسمع صوت «طق» المميز لدقة الصدر: «أفا عليك.. أنت بس يا بوفلان، كل السفرة علي، إنته بس عليك تذكرتك والفندق ومصرف الجيب، مالك أي شي ثاني، أخوك.. أنا أخوك»! وفي أسبوع آخر «يعزمك» على السينما ببطاقته التي تتيح له الحصول على تذكرة وأخرى مجاناً، لكنك في المقابل ستعشيه في المارينا، وتشتري له لزوم «التسلية» أثناء مشاهدة الفيلم، بالطبع تكون قد مررت عليه، وحملته، وتأخذ له «سوفينير» من المول الذي يحتضن السينما، ثم تقهويه، ثم توصله إلى المنزل، كل هذا و«المنيه عليك»، والفريج كله يعرف أن فلان قد عزمك في السينما، ولا تستبعد أن تبدأ الشائعات قريباً بأنك صديق مصلحة، ربما سيسمونك عبود تذاكر بعد فترة، وتصبح «تعيوره»، فكما تعلم نحن مجتمع يحب تذكير الناس بأخطاء أجدادهم لكيلا يمسك أحدهم خطأً على جدنا ويذلنا به! هذه السيناريوهات هي تماماً ما يحدث بعلاقتنا بالغرب، نحن الذين فرشنا وتعبنا وبنينا العلاقات الطيبة والحضارية معهم، ولكن في النهاية كانت النتيجة أنهم «هم» الذين بنوا حضارة العرب الحديثة، وهم الذين لهم الحق في قطف الثمرة، لذا من يعرف نفسية «الغرب» والطريقة التي يدير بها علاقته مع…

«شيءٌ من الحب!»

الأحد ٠١ ديسمبر ٢٠١٣

سيشخط أحدهم سيارتك مرة أخرى في مسيرات هذا اليوم..! لكن وعلى العادة التي جرت في السنوات الماضية ستحاول أن تظهر بأنك لا تقل وطنية عن غيرك وستنظر له بابتسامة وهو يلوح بالعلم.. وتقول له: ما صار إلا الخير.. وأنت تحاول بطريقة مضحكة أن تشغل نفسك بعزف النشيد الوطني باستخدام «الهرن» كي لا تخرج من السيارة وتقتله! ولكن الحقيقة هي أننا جميعاً نكون سعداء في نهاية هذا اليوم.. الآباء المؤسسون اختاروا أياماً مميزة في السنة تكون فيها الأجواء كأجمل ما تكون.. وتكون النفوس فيها جاهزة أصلاً للاحتفال.. وإن لم تكن هناك مناسبة.. كثيراً ما أتخيل لو أن اليوم الوطني كان في منتصف يونيو على سبيل المثال.. هل كانت الابتسامة هي الابتسامة؟! هناك دائماً توافيق سماوية في كل أمر يحمل نية طيبة. هل حقاً كانت التجربة الوحدوية الأنجح في تاريخ الأمة الحديث مجرد نتيجة لمجموعة من الظروف المواتية؟ بقراءة منصفة للتاريخ نقول بكل ثقة لا! فالظروف المواتية كانت موجودة في مناطق أخرى من وطننا المشاغب، لكن النهايات لم تكن بهذا التوفيق في كل مكان.. البترول ظهر في شمال إفريقيا كما ظهر في الخليج.. الرغبة في الاتحاد كانت موجودة في مناطق عدة، بل إن أوائل السبعينات من القرن الماضي شهدت المد القومي العربي في أقصى درجات وضوحه، ولكن التجارب الوحدوية كانت ملأى بالفشل…

(ع الأصل دور!)

الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠١٣

هكذا ومن دون مقدمات، قرر الأهالي في بلدة المسافي التي يحتضنها الجبل إقامة حفل لتكريم الوافدين المقيمين على أراضي البلدة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، احتفالية بسيطة ومبادرة ذاتية وأضواء إعلامية أقل، لأن النيات النيرة لا تحتاج إلى مزيد من الأضواء المصطنعة لكي تبرز صفاء قلوب أهلها. المكرمون في الحفل كانوا عشرات المدرسين الذين سكنوا الجبال شباباً وهم اليوم في آخر العمر ينظرون بفخر لطلابهم الذين يعمل أغلبهم في الطيران أو في القوات المسلحة، ولأنهم من الجبل فهم بقية من ترى فيهم «رجولة» حقيقية كادت تختفي مع تغير معالم ومؤشرات الرجولة في مناطق أخرى، المكرمون في الحفل كان بائع بقالة شهيراً في مسافي، وكان «دوبي» يحفظ أشكال وألوان كنادير الأهالي، وكان بائع خضرة، وصاحب بيك أب، وطبيباً يعرفه أهل المنطقة، وعامل مقهى، لم يكونوا رجال أعمال استفادوا من ثرواتها الطبيعية ولم يردوا الدين لها، ولم يكونوا مستثمرين متوقعين! رأيت التأثر الكبير في وجوه المكرمين لهذه اللفتة الجميلة من الأهالي، في زمن عز فيه الوفاء، ربما كان الأمر في مسافي لطبيعة البيئة القروية والجبلية الحرة في اختياراتها، وربما لأن طبيعتها العروبية تحتفظ بسمات العروبة من وفاء وإخلاص وإكرام. أتمنى، ونحن مقبلون على مناسبة وطنية مهمة، أن يحذو كل فريج وكل منطقة في الدولة حذو أهل مسافي، إن لم يكن باحتفالات التكريم…

«وداعاً للخصوصية..!»

الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠١٣

قرأنا صغاراً قصة غلام الراهب، تلك القصة الجميلة في المفاصلة بين الحق والباطل، كانت لدى الغلام مشكلة بسيطة في خوفه من اكتشاف المجتمع ذهابه لدى الراهب الذي أعطاه الحل بشكل بسيط: إذا سألك أهلك فقل حبسني الساحر، وإذا سألك الساحر فقل حبسني أهلي.. وكان الله غفوراً رحيماً! وفي الأيام الجميلة كان بإمكانك إغلاق الـ«بليب» أو حتى الـ«كاتل» والـ«نوكيا»، ثم اختراع أي حجج أو كذبات تحلو لك: «التاير بنجر»!، «يتني الزايدة الدودية»!، «وقفتني دورية»، «خطفني طبق طائر»، القصة الشهيرة لساندويتش الفلافل وغسيل المعدة! والكثير الكثير غيرها، مما يضمن لك إرضاء الطرف الآخر، والنوم قرير العين، كأي كذاب يحترم مهنته! اليوم اختلفت الصورة، فيكفي أن تفكر بأن تقول لأحدهم: اسمحلي كنت مشغولاً لكي يصرخ في وجهك: توني شايفنك آخر ظهور في الـ«واتساب» قبل خمس دقائق.. تقوم بطلب إجازة مرضية، وتخرج للإجازة، وبعد عودتك إلى العمل تفاجأ برسالة إنذار من الشؤون الإدارية، مصحوبة بصورتك مطبوعة من موقعك على «فيس بوك» وأنت تحمل سمكتين بالقرب من جزيرة «حَبَلين»، وأنت تبتسم ببلاهة للمصور في تاريخ الإجازة نفسه.. تقسم لموظف البنك بأنك رجل أعمال كبير، وقادر على التعامل مع القرض الذي تطلبه من البنك، فيفاجئك الموظف المسؤول عن القرض بأن يدير هاتفه المتحرك باتجاهك وهو يقول لك إذن لماذا يعلق صديقك على صورتك في الـ«انستغرام» بقوله:…