كاتب قطري
يقول العلماء إن الإنسان يستخدم 17 عضلة عند الابتسام، وعند العبوس أو التجَهم فإنه يستخدم 43 عضلة من عضلات الوجه. وهذا مجهد لتلك العضلات، خصوصاً النساء اللاتي يأملن في وجه خالٍ من التجاعيد والانحناءات.
وكثيرون منا يعيشون طوال حياتهم وهم لا يدركون دورَ الابتسامة في إنجاح حياتهم أو إعانتهم على فكِّ معضلات الحياة. وكذلك دورها في ضمان جسد صحي من الداخل لا يتعرض لأمراض العصر. فقد وَجدتْ دراسة أميركية نُشرت العام الماضي 2012، أن للابتسامة دوراً مؤثراً في التقليل من ضربات القلب، ومن زيادة توتر الإنسان. كما أنها تُعين الإنسان على مواجهة الضغوط التي قد يتعرض لها. ومن الناحية الفيزيائية أيضاً، فإن دقيقة واحدة من الضحك المتواصل تؤدي إلى حوالي 45 دقيقة من الاسترخاء بعدها، حسبما توصل إليه الدكتور هنري بابينشتاين أحد أطباء الأمراض العصبية. كما أن البعض لا يوائم بين شعوره الداخلي السلبي تجاه من يقابله وبين ابتسامته التي تكشف عدم صدقه.
ويشير «آلان، وباربارا بيير» في كتابهما «المرجع الأكيد في لغة الجسد» إلى أن الابتسامة الحقيقية تصدرُ عن العقل اللاواعي، وهذا يعني أنها تلقائية، وتسبب تغيّرات على الوجه، بعد مرور إشارات من العقل عبر الجزء الخاص بالعواطف في المخ، فتجعل عضلات الفم تتحرك، والوجنتين ترتفعان، والعينين تتجعدان، والحاجبين ينخفضان. وهذه هي شروط أو ملامح الابتسامة الحقيقية. أما ما يريده منا المصورون عندما نكون في لقطة جماعية عندما يطلبون منا أن نقول كلمة «Cheese» فلا يعبّر عن ابتسامة حقيقية -حيث اللفظة تسحب العضلة الوجنية إلى الخلف فقط -ولكن النتيجة تكون ابتسامة مصطنعة وتبدو الصورة غير صادقة. وكم ممن نقابلهم يبتسمون لنا ابتسامة الـ Cheese؟
في دراسة على 120 متطوعاً درس باحث من جامعة «Uppsala» السويدية حالة أفراد عينة، بعد أن طُلب من المبحوثين رؤية صور محددة، وأن يبتسموا مع مشاهدة صورة وجه عابس، أو العكس، أي أن يعبسوا مع صورة وجه ضاحك. وأظهرت النتائج أنه لم يكن للمتطوعين تحكّم كامل في عضلات الوجه! فبينما كان من السهل التجهم عند مشاهدة صورة وجه غاضب، كان الابتسام أصعب كثيراً. وأظهرت نتائج دراسة أخرى أن الابتسامة الزائفة تظهر على جانب واحد من الوجه أكثر من الجانب الآخر. أما في حال الابتسامة الحقيقية فيعطي نصفا المخ لجانبي الوجه إشارات ليتصرفا بتناسق وتماثل.
وكان ضباط الجمارك في أستراليا يعتقدون -عام 1986- أن المُهربين الكاذبين يزيدون من مرات ابتساماتهم، ولكن تحليلات التسجيلات التي أُجريت على أشخاص -طُلب منهم أن يكذبوا عمداً- أظهرت العكس من ذلك تماماً. فعندما كانوا يكذبون، كانوا يبتسمون بشكل أقل، أو لا يبتسمون إطلاقاً بصرف النظر عن ثقافتهم. أما الأشخاص الأبرياء -الذين كانوا يقولون الحقيقة- فقد زادوا من مرات ابتساماتهم. (وهذه معلومة نهديها لضباط الجمارك الذين يحمون ثغورنا من السموم).
ولأن كثيرين من السياسيين الذين نشاهدهم على الشاشات أو في المؤتمرات الصحفية لا ينتبهون إلى دور الابتسامة في معاضدة ما يقولونه، فإنهم دوماً يبتسمون من طرف واحد من الوجه، وبذلك قد يخلقون انطباعاً لدى الحضور أو السائلين أو المشاهدين بأنهم غير صادقين فيما يقولونه. وكثير من السياسيين يركزون اهتمامهم على هيئة الجسد واستقامة القامة والاستحواذ على منصة الحديث «الباديوم» والإمساك بها بكلتا اليدين. وهم بذلك يهملون دور الابتسامة الصادقة التي يجب أن تقترن بحديثهم.
وتصادفنا في مسيرة الحياة حالاتٌ لابتسامات كاذبة نكتشفها في الحين، وذلك عندما نكون في موقف الضعف أمام شخصية ضاغطة. فنلاحظ أن الابتسامة مقرونة بنظرة الاحتقار أو الازدراء، أو تحريك الرأس في إشارة للاستخفاف أو خلق جوٍّ من الدونية. وفي هذه الحالة نكون أقرب إلى مقارعة تلك الابتسامة بمثلها، وتتحرك بداخلنا إشاراتُ التَنبُّهِ لما يمكن أن نقوله في تلك المواقف.
والابتسامات المسروقة، تلك التي نتوجه بها إلى حبيباتنا البعيدات والمحروسات! وتلك التي نبتسمها عندما نكون في ظروف قاهرة ومؤلمة، كي نُعزّي أنفسنا، ونسخر من رداءة الحياة «وأنها ما تسوى شيء» لكي نخفف من وطأة المحن التي نتعرض لها. وهي قد تعين الإنسان على «الاستخفاف» بكل مظاهر الحياة الكاذبة أو الأساليب التكالبية في التعلق بهذه الحياة، حتى لو كلف ذلك كرامة الإنسان. وهذه الابتسامات تكون عزيزة علينا، وتعمل فعل السحر في معالجتنا ورفع الضغوط القاسية عنا.
وكثيرون منا لجأوا إلى الابتسامات المسروقة -تحت وطأة الظلم- في مقابل الذين يبتسمون بنصف وجوههم، وما زالوا بعد عقود يواصلون تلك الابتسامة، وهم يعتقدون أننا نصدقهم.
المصدر: جريدة الاتحاد