السبت ١٦ فبراير ٢٠١٩
يدعوك العقل إلى التحول، من منطقة مشوبة بالتلف، إلى منطقة معشوشبة بالأحلام الزاهية. ولكنك تصادف العقبات، مزروعة مثل الأشواك في زقاق ضيق فماذا يشير إليك العقل؟ يقول اذهب ولا تخف، وتسلح بالحيل، ووطد علاقتك مع الأفكار، هي التي ستقودك إلى أماكن أنقى من ماء النهر. تفكر أنت، وتقلب السجادة على كل أوجهها، لتطرد الغبار، وتطارد الذرات الصغيرة العالقة في خيوط السجادة، ثم ترفع رأسك، وتقول ها آنذا تخلصت من العقبات، وتنفرج شفتاك عن ابتسامة مشرقة، ثم تضحك ساخراً مما اعترضك من عقبات. ولكن في أحيان كثيرة، يعجز العقل عن تجاوز العقبات، ويصاب بالإحباط، وييأس قليلاً ثم يهتدي إلى فكرة جهنمية، وهي التحايل على العقبات، ولو بطرق معيبة، وعندما تجد الطريق سالكة، تستمرئ هذا الأسلوب، وتستمر في سلكه، وتجازف ولو كان على حساب أشياء كثيرة تمس قيمك ومبادئك، وترتكب أحياناً أخطاء مفزعة، ولكن عقلك يقول لك استمر، ولا تلتفت إلى الوراء، لا تجبن أبداً، فهذه فرصتك في اقتناص الفرص، إنها أحلامك الجميلة، فاسكن إليها ولا تمتعض، وتمر أيامك والعمر يجري مثل شلال الماء، يأخذ معه كل ما يعترض طريقه ولا يتوقف. وفي مرحلة قصوى من حياتك، في لحظة تقليب الدفاتر، تجد نفسك في المحك الخطير والمؤلم، يوم لا ينفع الندم. وقلب القادم من نبضة الترائب والأسلاب، ينقبض لأول وخزة تلم بك،…
السبت ١٥ ديسمبر ٢٠١٨
«ما الذهن إلا غيمة غامضة وكثيفة وهي مصدر الوضوح» - أدغار موران هي هذه الأسئلة الحقيقية التي تتولد في الذهن عن الذهن، كون الإنسان مركباً من دماغ وثقافة، بني على أساسهما الذهن، هذا المكون الأساسي لحياة الفرد، ومنذ أن انبثق في الوجود وهو يسأل من أنا، واليوم وقد بلغ من الجهل مبلغاً يؤكد سعة معرفته الجاهلة، وإدراكه بأنه يعرف من قاده إلى كينونته الغامضة، فكلما عرف الإنسان، ازداد وعيه بجهله، تأذ يدفعه إلى مزيد من الاستغراق في البحث عن ضالته التي لا تأتي، وكلما جاءت ذهبت في عميق تساؤلاته، وغزير عطائه الذي ليس دائماً في حالته الصحية، فهو الإنسان نفسه الذي كتب الشعر، وهام حباً بالحبيبة، وأغرم بجمال الوردة هو نفسه الذي أوعز لإنتاج السلاح النووي، وكأن أينشتاين عالم الفيزياء الفذ، وصاحب نظرية النسبية، قد هلل باكتشافه النواة الذرية فنادى عن فرح بهيج للرئيس الأميركي الأسبق روزفلت، بأن بإمكان أميركا صناعة القنبلة الذرية، وهو نفسه الإنسان المتمثل في بول بوت زعيم الخمير الحمر في كمبوديا الذي أعدم أكثر من ثلاثة ملايين كمبودي، فقط لأنهم وضعوا القبعة على رؤوسهم، متهمين بالميول البرجوازية، وكذلك هتلر هو نفسه من سلالة الإنسان، وهو نفسه الذي أباد، أو تسبب في قتل أكثر من سبعة ملايين من البشر خلال حربين متواليتين غيرتا من وجه العالم، وهو…
الأربعاء ١٧ أكتوبر ٢٠١٨
إذا كان الطريق العقلاني أشبه بالخبز لإشباع الجوع، فإن الطريق الخيالي أشبه بالزبدة التي تضيف الجاذبية والنكهة للخبز. ويقول أفلاطون: «الإنسان كائن برمائي، ولابد له أن يعيش في كلا العالمين المادي والروحي، إن هو أراد أن يحقق نموه الكامل». الأجندات المتطرفة خرجت عن نطاق الطبيعة الإنسانية، وذهبت إلى ذروة التطرّف، عندما اعتنقت فكرة الخيال الجامح، كطموح لتحقيق الذات. الحوثيون، فئة قليلة من الناس تعيش على أرض اليمن الزاخر بملايين من البشر، لكن الحوثيين أرادوا أن يستأثروا بالأرض وما عليها، وتحالفوا مع الشيطان كي ينجزوا مشروعهم الخيالي الفج، ما استوجب عليهم أن يقفزوا على الحبال المهترئة، وأن يخوضوا البحر بقارب الخيال العديم، ورغم تلاطم أمواج الحقيقة الدامغة التي لا تتلاءم مع واقعهم المر، إلا أنهم لا زالوا يغامرون ويقامرون، ويزجون بالأرواح البريئة في مواقد النار، لأنهم مدفوعون من خيال لا ينسجم مع واقعهم المادي، فهم مهما بلغوا من بطش ومكابرة، لن يستطيعوا الوصول إلى الشاطئ بهذا القارب البدائي العقيم، لن يستطيعوا أن يحققوا ما يصور لهم خيالهم المريض، ولن يتمكنوا أن يحكموا زمام الأمور على يمن كبير، ويتجاوز حدود أفكارهم السقيمة، إنه يمن العروبة الممتد عبر تاريخ لم يخف غبار النعرات وجهه المضيء، والاتكاء على أجندة متخيلة مرسومة من قبل جهات لها المصلحة بأن يبقى اليمن مستعمرة شوفينية، عنصرية، تذر الرماد…
السبت ٢٩ سبتمبر ٢٠١٨
ربما لا تصل هذه الجملة إلى وعي بعض الناس، وربما لأنهم فهموا أن الحرب هي من أجل الانتصار على آخر، وتحقيق الرغبة الكامنة في الداخل وهي إشباع الأنا، وتكريسها كقوة لا تقهر. وهذا مفهوم سائد، ومتمكن من أفئدة الكثيرين، ولكن عندما نخرج من هذه الغرفة المظلمة، غرفة الوعي المتأخر جداً عن حركة الحياة الجوهرية، نجد أنفسنا أمام قاموس جديد يفسر معنى الحرب عندما تكون في مواجهة طرف آخر، شيمته اغتيال الحقيقة، والذهاب بالعدمية إلى ذروتها، إلى أقصاها، فهي مسعى إنساني من أجل القضاء على العدوانية والبربرية وإحلال السلام، ولأن السلام كائن مخملي، لا يستقيم وجوده مع وجود العدوانية، فإنه لابد من أداة حادة تكسر شوكة العدوانية، لتعيد للعالم توازنه، وتضع الحقيقة في مكانها المناسب، حتى لا يضيع الوجود البشري في عتو ونفور طرف آخر من معنى السلام. في الفلسفة الشرقية (حتى يعيش الإنسان في سلام فلابد من توافر الثلاثي النهم، ألا وهو القضاء على الشبق، والتخلص من الغضب، والتحرر من الطمع). ووظيفة الحرب من أجل السلام، أن تعود بالإنسان إلى سجيته، وإلى فطرته وما دام في العالم من ما زالوا يعتقدون أن القوى الثلاث التي ذكرناها واجبة من أجل الوجود القوي، فلابد من قوة مضادة تكبح هذا الجماح، وتحقق الوجود من دون تمسك بأوهام القوة، ومن ترك الأنا الفردية تدلق…
السبت ١٥ سبتمبر ٢٠١٨
يدخل الفرد في الحياة بضمير جمعي، منشؤه المفاهيم القيمية التي يتلقاها من المجتمع، بدءاً من الوالدين، ثم المؤسسات الدينية والثقافية والمدرسية، ويقوم هذا الضمير على مرتكزات، أهمها التوافق مع المجتمع بما يَصْب لمصلحة الجميع، ويخدم أغراض المجتمع، ويعمل على نشر الاستقرار الاجتماعي والطمأنينة في النفس. ومن خلال هذا التلقي المباشر من سلطة المجتمع يجد الفرد مكانه في المجموع كواحد في الكل، وتمضي السفينة بأمان دون أن تعرقلها موجة، أو تعيقها عاصفة، ولكن بعد مسيرة طويلة في عرض البحر، يبدأ بعض الأفراد في التفكير الفردي، والذي يسميه الفلاسفة الضمير الشخصي، وهو ضمير ذاتي، يستمد مفاهيمه من الحدس الشخصي، الذي يطلق عليه بالضمير. ولكن هذا الضمير بما لديه من قدسية ذاتية، وجمالية متفردة، فإنه يقع في هوة الأنا، حيث يجد المرء نفسه كياناً مستقلاً في مقابل المجتمع، ومن هنا ينشأ التضاد المريع، والذي يؤدي إلى تورم ذاتي في مقابل تفكك في النسيج الاجتماعي. فالفكر المستقل مع تطور الأنا، وتوهماتها يتحول إلى ورم في الجسد الاجتماعي، يضر بتكوينه، ويسيء إلى ثوابته، ويحطم محتوياته الفكرية، ويحدث هذا الآن، عندما يفكر بعض الأفراد بالانزياح عن المجموع، واتخاذ موقف فردي مغاير عن موقف المجموع، تحت ذريعة الإصلاح أو الحرية الفردية، فهذه الحرية عندما تصبح بقعة سوداء في الثوب، فإنها تشوهه، وتسيء إلى شكله العام، فيضطر صاحبه…
الإثنين ٠٣ سبتمبر ٢٠١٨
في اليوم العالمي للمرأة، تبدو الصورة بحجم الشمس، ويبدو النموذج وارفاً مثل النخلة العملاقة، ونهر الحياة يمدنا بذاكرة لا ينضب معينها هي تنهل من جزيل ما قدمت «أم الإمارات» لأمهات الوطن، ما جعل التضحيات بفلذات الأكباد عرساً تحتفي به القلوب، وترتفع به الهامات، والقامات، ويصبح النشيد إماراتياً بامتياز، ولا مثيل له في التاريخ، فكم من خنساء في بلادنا قالت الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وطوت الصفحة على ألمها الجميل وهي تخضب فؤادها بملح الصبر النبيل، وتحمد الله على أنه لاقى ربه في ساحات الشرف مكللا بعشق الموت من أجل حرية الأوطان، متوج بالشهادة من أجل كرامة الآخرين. هذه مدرسة أم الإمارات، من أروقتها تخرجت أمهات من نسل نسيبة بنت كعب الأنصاري، هذه باقة الورد الندي التي أهدتها أم الإمارات لكل سيدة في هذا الوطن، ليصبح الشذا أنفاساً تنثر عبقها أرواحاً عطرة، وسجايا ممطرة بالقيم الرفيعة، والثنايا المنيعة، ويصير الوطن مآلا للنبت الطيب، ومنزلاً لأشبال من أصلاب أسود، رعتهم المرأة، وأرضعتهم حليب المناعة ضد الخوف، والخيانة، لأمانة الوطن، هذه مدرسة أم الإمارات، أنجبت الكواسر، والأواصر، حتى تجلى الوطن بحلة لا يبور ذهبها، ولا تمور صناعتها، هذه مدرسة أم الإمارات، تذهب بالمعاني إلى ضمير الإنسان، فتجعله موئلا للصدق، والشجاعة، والأحلام الزاهية، والطموحات المزدهرة والإرادات الصلبة، لا تلين لعاصفة، ولا تنحني لناسفة، إنها…
السبت ٢٥ أغسطس ٢٠١٨
تذهب إلى كل مكان تجد الإمارات حاضرة بقوة في ضمير العشاق، تجدها مثل الأنهار تتابع خطواتك، تجدك في قلب الصحراء التي أنجبت زايد الخير تجده على صدور أبنائه الذين أحبهم، فأحبوه، فأضاء اسمه المبارك صدورهم هناك في النمسا، عند الجبال الشاهقة، وعلى ضفاف بحيرة زلامسي، كتب الناس على قمصانهم القطنية (عام زايد)، وعام زايد أعوام من الفخر والاعتزاز والذاكرة المضاءة بذكرى هذا الزعيم الذي جعل عيال زايد مميزين بانتمائهم إلى شخصية تنثر في الذاكرة مآثر الأحلام الزاهية، وتتمدد في المدى كامتداد الأشجار على قمم الجبال العملاقة، كاتساع الأخضرار في مكان من القارات الخمس، وهناك في بقاع الغربة، تجد شباباً في عمر الفراشات البهيجة يرفعون النشيد عالياً، (بأسباب الوطن لبوا نداكم) وعبر الشرفات يأتيك الصوت صداحاً يرتل الكلمات بلغة زايد الاستثنائية، ويتلو عليك جزالة المعاني، وعمق الدلالة، ويروي لك قصة قائد سكن القلوب، وسارت ركابه تخب في فيافي الوجدان الإماراتي بصورة لا مثيل لها في تاريخ الأمم، ولا شبيه لها في حياة الناس تشعر بالتفوق على الآخرين، وتغمرك البهجة، وأنت تسير في الشارع مميزاً كونك تنتمي إلى مشروع زايد الإنساني، المشروع الذي جلل أخلاق أبنائه بالقيم العالية، وتوج ضمائرهم بشيم الناس الأوفياء، والأنقياء، والأتقياء الذين يسيرون في كل مكان وهم مكللون بمهارات الحب، مملؤون بالفرح يفيضون بمشاعر الأنفة والكبرياء الجميلة، فقط…
السبت ٠٤ أغسطس ٢٠١٨
في عصر تتداخل فيه الأطماع مع الطموحات، وتختلط فيه الحقيقة مع الخيال، وتغوص الرؤوس في بحيرات ضحلة من الأفكار، ينتعش سوق البارانويا وتتضخم النفوس، بحيث تصبح دملاً متقيحاً يؤذي أصحابه، كما يؤلم من يجاورهم. اليوم تسعى دويلات لا تكاد تُرى على الخارطة، بأن تتحكم في مصير العالم، وتعمل على عقد علاقات غير مشروعة مع كيانات تتشابه معها في المشاريع الشيطانية، وتتفق معها في الأجندات البغيضة. منذ البدء، ومنذ أن شرعت قناة الجزيرة في بث برامجها المسمومة، كنا نشعر بالتوجس والريبة، من هذا التوغل في عمق الزجاجة ذات السم القاتل، واستطاعت هذه القناة أن تمرر مشاريع ضمن برامج مريبة، وأن تدخل في بيوت الناس كما في عقولهم تحت شعارات ممنهجة ومرتبة بحيل المرابين، والذين يبيعون السم في أوان صقيلة، وفي سنة 2011م، اكتملت الصورة وحشدت هذه القناة كل أسلحتها لإشعال النار في البيت العربي، مستغلة هشاشة بعض الأنظمة العربية وقبضتها الحديدية، وسارعت القناة في استخدام الكاميرا بصورها المخادعة مع أخبار مفبركة، ومعجونة بطريقة لا تكاد ترى فيها الأنياب الصفراء، والمخالب الرثة في نظر الإنسان البسيط، الأمر الذي سهّل للمشروع الوبائي أن يعبر الأفئدة، ويغرق العقول بحزمة من الشعارات، ويحقق هدفه بسهولة، اليوم بدأت الصورة تتضح أمام المتابع العادي، وبعد أن فاحت رائحة الخطط الجهنمية وأفصح البارانويون عن وجوههم، وهم يضعون الأيدي…
الأربعاء ٠١ أغسطس ٢٠١٨
كن على سجيتك، تتمدد وتصبح بحجم هذا العالم الفسيح. كن على سجيتك تصير في العالم فراشة موطنها الزهور الندية، وعطرها بخور الفراغات النظيفة. كن على سجيتك ترتاح من التعب، وتسترخي عند نافلة البوح الجميل، لا شيء يعرقل ذهابك إلى السعادة، ولا شيء يعيق نومك عندما تكون أنت وليس هم، تكون بمفردك تشرب من النهر، ولا شيء يتربص بك، ولا رغبة تحيط بقلبك وتجعله مثل غزالة مطاردة من قبل كائن متوحش. عندما لا تطبق عليك مخالب المظهر الاجتماعي تكون أنت مثل الجنين في الأحشاء المطمئنة، لا شيء يضج بك، ولا شيء يعج بك، أنت وحدك في مملكة السكون الإلهي، يمنحك الحب مدار الأمومة وفطرة التداخل الأنيق، ويليق بك أن تحقق أمنياتك من دون كلل أو جلل أو خلل، لأنك وحدك ومن دون أعشاب شوكية تؤذيك. كن على سجيتك ستجد نفسك في ملكوت الحب تقطف ثمرات الأحلام الزاهية، وتمضي إلى الشارع، فتجده معبداً بالابتسامة الرهيفة، والعيون المشعة ببريق الفرح. لا تدخل في الزحام، فإنه ذو رائحة نتنة، ولا تقف بين الصفوف فسوف تؤلم كتفك، كن وحدك، وانظر إلى العالم بعين لا غشاوة فيها، وعقل من دون رواسب زمنية، التاريخ يجب أن يبدأ من اللحظة التي تغادر فيها منزلك، وما قبله عدم لا قيمة له ولا شيمة فيه، اخرج من بيتك وأنت تعبق…
الأحد ١٥ يوليو ٢٠١٨
عندما يتم اقتفاء الأثر، تبدو الأرض مثل زهرات تفصح عن بتلاتها، ويبدو الكشف الأثري مثل مصباح يسلط ضوءه على جوهرة في أعماق البحر. هكذا هي أبوظبي التي بدأت تكسب عذب زلالها عند شفة الوعي، وتقدم للناس المكنون، وما يكمن في معطف الذاكرة من مخزون يكفي لأن يقول للعالم نحن هنا، في صلب الموقف، كما أننا في أب الحدث، نحن لسنا طارئين على الحياة، بل نحن مؤسسون فاعلون، مؤثرون جداً في الحضارة الإنسانية، وما تقدمه الاكتشافات الأثرية العلمية، ليست قصيدة يتيمة لشاعر مجهول، بل هو نحن على سبورة الحياة، تركه الأجداد ليكون درساً للأجيال ويكون علامة بارزة على حضارة ظبيانية قديمة قدم الدهر، ولم يكن الإنسان هنا في يوم من الأيام مسافراً عبر الزمن، وإنما هو راسخ مثل الغافة، مثل الأكاسيا، مثل النخلة، إنه الإنسان الموازي للأرض، المساوي للصحراء، إنسان بلغ مبلغ النضوج ليس ببلوغ النفط وإنما ببزوغ شمس الصحراء التي أعطته السراج، كي يمضي في الحياة ويطرح أسئلته الكبرى، ويقول ربي كيف تحيي الموتى، فيجيب الخالق الباري، لك في الحياة طريقان، فإما أن تعيش أو لا تعيش، والحياة تحتاج إلى عمل دؤوب ومثابرة، وهكذا اتخذ الإنسان هنا طريقه إلى الحياة بوحي من رب الكون، بأن يعمل ويجد ويجتهد لكي يضيء حياته بالأمل، رغم ما للظروف من مخالب قاسية، إلا أن…
الخميس ١٢ يوليو ٢٠١٨
في مونديال روسيا شهدنا هزائم عربية على شكل «كروية»، ولكنها تعبر بطريق مباشر عن وجدان عربي مهشم منذ أمد بعيد، هذا الوجدان عكس ثقافة عامة لا تقوى على رؤية النصر لكون الهزيمة أصبحت تلاحق هذا الوجدان مثل الظل، ولذلك لا نستغرب أبداً أن تخسر فرق عربية تمتلك من الفنيات الكروية ما يضاهي قريناتها من الفرق الأوروبية واللاتينية، وهنا نستدعي فكرة نيتشه الذي اعتبر أن الإنسان لا يستطيع أن يظفر بالوقوف مستقيماً، عندما يكون الوجدان مهمشاً، وعناصر القوة الداخلية مشتتة، وضرب لنا هذا الفيلسوف مثالاً بلاعب الكرة المحترف عندما تناط به ضربة جزاء، فيركلها خارجاً عن المرمى، حيث يرجع نيتشه هذا التصرف إلى إرادة القوة التي تكون في هذه الحالة ضعيفة، ولا تستطيع مواجهة الموقف بسوية. ونحن نتابع المباريات شهدنا انكساراً في ضلوع الإرادة لدى اللاعبين العرب، وتشعر أن اللاعب وهو يستحوذ على الكرة وكأنه يدفع بكتلة من الحديد المكور، ويجري بتثاقل وكأنه مصفود بسلاسل حديدية تثقل حركته، وتمنعه من المرور بالكرة ليصل إلى الهدف. هذه ثقافة ولعبة الكرة جزء من الرياضة العامة، والرياضة في الأساس تنبع من ثقافة مجتمعية ولا تنفصل عنها، وكل ما يبدر من الإنسان من سلوكيات، فهو مرتبط بثقافته، وما تلقاه منذ الصغر من لاءات ونواهٍ، وما عاشه من علاقات اجتماعية، أرضعته كيفية القدرة على المواجهة، وإمكانية…
الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٨
عندما يخذلك زمانك في صديق فإن وعاءك ينكسر ولا تستطيع حمل وقود حياتك لا تستطيع أن تضع يدك في وعاء مثلوم لأنه قد يجرحك، وينسفح الدم من فؤادك المجروح، فتشعر بضياعك، حيث يراعك قد تلوث، ونهرك الذي كنت تجلس عند ضفته قد جف ماؤه، وتشققت الأرض حتى صارت يباباً وصرت أنت خراباً، والحياة جافلة حافلة بأحداث مريرة وسقيمة وعديمة، وكلما عدت إلى التاريخ وجدته مجرد أوراق صفراء عجفاء، طوت سجلها من زمان بعيد وبقيت وحدك تلثم الهواء الملوث، مثلما تفعل فراشة تائهة وسط الضباب. لا تثق كثيراً، فكثير من الوجوه تبدو ناصعة بفعل المساحيق ولكنها تخبئ تحت الجلد نفايات التاريخ، وغضونه، وشجونه، وشؤونه التي لا تليق بأخلاق البشر، فأنت عندما تكون في حضرة المزاج الرائق والنفس المطمئنة تظن أن السماء الزرقاء سجادة من حرير أزرق، فترفع بصرك إلى الأعلى وأنت في غاية السرور، والحبور، وما أن تولي وجهك إلى السكينة فإذا بالسماء تنبري وحشاً ضارياً يقصفك بجحيم الريح الصرصر، فتفتح عينيك، حتى تمتلئ بالغبار، ويبدو فمك مثل طبق معدني لسعته شمس القيظ اللاهبة، تبدو أنت ساذجاً إلى درجة الغباء الفاحش، فتصرخ لا، لا، هذا يكفي ولكن الصديق الذي غدر يصبح مثل الموجة العارمة لا يكتفي بلطم سواحلك بالغضب، لا يكتفي بصفع أحلامك حتى تذبل، وتبدو مثل ورقة لوز أطاحت بها…