الإثنين ٠٣ سبتمبر ٢٠١٨
في اليوم العالمي للمرأة، تبدو الصورة بحجم الشمس، ويبدو النموذج وارفاً مثل النخلة العملاقة، ونهر الحياة يمدنا بذاكرة لا ينضب معينها هي تنهل من جزيل ما قدمت «أم الإمارات» لأمهات الوطن، ما جعل التضحيات بفلذات الأكباد عرساً تحتفي به القلوب، وترتفع به الهامات، والقامات، ويصبح النشيد إماراتياً بامتياز، ولا مثيل له في التاريخ، فكم من خنساء في بلادنا قالت الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم، وطوت الصفحة على ألمها الجميل وهي تخضب فؤادها بملح الصبر النبيل، وتحمد الله على أنه لاقى ربه في ساحات الشرف مكللا بعشق الموت من أجل حرية الأوطان، متوج بالشهادة من أجل كرامة الآخرين. هذه مدرسة أم الإمارات، من أروقتها تخرجت أمهات من نسل نسيبة بنت كعب الأنصاري، هذه باقة الورد الندي التي أهدتها أم الإمارات لكل سيدة في هذا الوطن، ليصبح الشذا أنفاساً تنثر عبقها أرواحاً عطرة، وسجايا ممطرة بالقيم الرفيعة، والثنايا المنيعة، ويصير الوطن مآلا للنبت الطيب، ومنزلاً لأشبال من أصلاب أسود، رعتهم المرأة، وأرضعتهم حليب المناعة ضد الخوف، والخيانة، لأمانة الوطن، هذه مدرسة أم الإمارات، أنجبت الكواسر، والأواصر، حتى تجلى الوطن بحلة لا يبور ذهبها، ولا تمور صناعتها، هذه مدرسة أم الإمارات، تذهب بالمعاني إلى ضمير الإنسان، فتجعله موئلا للصدق، والشجاعة، والأحلام الزاهية، والطموحات المزدهرة والإرادات الصلبة، لا تلين لعاصفة، ولا تنحني لناسفة، إنها…
السبت ٢٥ أغسطس ٢٠١٨
تذهب إلى كل مكان تجد الإمارات حاضرة بقوة في ضمير العشاق، تجدها مثل الأنهار تتابع خطواتك، تجدك في قلب الصحراء التي أنجبت زايد الخير تجده على صدور أبنائه الذين أحبهم، فأحبوه، فأضاء اسمه المبارك صدورهم هناك في النمسا، عند الجبال الشاهقة، وعلى ضفاف بحيرة زلامسي، كتب الناس على قمصانهم القطنية (عام زايد)، وعام زايد أعوام من الفخر والاعتزاز والذاكرة المضاءة بذكرى هذا الزعيم الذي جعل عيال زايد مميزين بانتمائهم إلى شخصية تنثر في الذاكرة مآثر الأحلام الزاهية، وتتمدد في المدى كامتداد الأشجار على قمم الجبال العملاقة، كاتساع الأخضرار في مكان من القارات الخمس، وهناك في بقاع الغربة، تجد شباباً في عمر الفراشات البهيجة يرفعون النشيد عالياً، (بأسباب الوطن لبوا نداكم) وعبر الشرفات يأتيك الصوت صداحاً يرتل الكلمات بلغة زايد الاستثنائية، ويتلو عليك جزالة المعاني، وعمق الدلالة، ويروي لك قصة قائد سكن القلوب، وسارت ركابه تخب في فيافي الوجدان الإماراتي بصورة لا مثيل لها في تاريخ الأمم، ولا شبيه لها في حياة الناس تشعر بالتفوق على الآخرين، وتغمرك البهجة، وأنت تسير في الشارع مميزاً كونك تنتمي إلى مشروع زايد الإنساني، المشروع الذي جلل أخلاق أبنائه بالقيم العالية، وتوج ضمائرهم بشيم الناس الأوفياء، والأنقياء، والأتقياء الذين يسيرون في كل مكان وهم مكللون بمهارات الحب، مملؤون بالفرح يفيضون بمشاعر الأنفة والكبرياء الجميلة، فقط…
السبت ٠٤ أغسطس ٢٠١٨
في عصر تتداخل فيه الأطماع مع الطموحات، وتختلط فيه الحقيقة مع الخيال، وتغوص الرؤوس في بحيرات ضحلة من الأفكار، ينتعش سوق البارانويا وتتضخم النفوس، بحيث تصبح دملاً متقيحاً يؤذي أصحابه، كما يؤلم من يجاورهم. اليوم تسعى دويلات لا تكاد تُرى على الخارطة، بأن تتحكم في مصير العالم، وتعمل على عقد علاقات غير مشروعة مع كيانات تتشابه معها في المشاريع الشيطانية، وتتفق معها في الأجندات البغيضة. منذ البدء، ومنذ أن شرعت قناة الجزيرة في بث برامجها المسمومة، كنا نشعر بالتوجس والريبة، من هذا التوغل في عمق الزجاجة ذات السم القاتل، واستطاعت هذه القناة أن تمرر مشاريع ضمن برامج مريبة، وأن تدخل في بيوت الناس كما في عقولهم تحت شعارات ممنهجة ومرتبة بحيل المرابين، والذين يبيعون السم في أوان صقيلة، وفي سنة 2011م، اكتملت الصورة وحشدت هذه القناة كل أسلحتها لإشعال النار في البيت العربي، مستغلة هشاشة بعض الأنظمة العربية وقبضتها الحديدية، وسارعت القناة في استخدام الكاميرا بصورها المخادعة مع أخبار مفبركة، ومعجونة بطريقة لا تكاد ترى فيها الأنياب الصفراء، والمخالب الرثة في نظر الإنسان البسيط، الأمر الذي سهّل للمشروع الوبائي أن يعبر الأفئدة، ويغرق العقول بحزمة من الشعارات، ويحقق هدفه بسهولة، اليوم بدأت الصورة تتضح أمام المتابع العادي، وبعد أن فاحت رائحة الخطط الجهنمية وأفصح البارانويون عن وجوههم، وهم يضعون الأيدي…
الأربعاء ٠١ أغسطس ٢٠١٨
كن على سجيتك، تتمدد وتصبح بحجم هذا العالم الفسيح. كن على سجيتك تصير في العالم فراشة موطنها الزهور الندية، وعطرها بخور الفراغات النظيفة. كن على سجيتك ترتاح من التعب، وتسترخي عند نافلة البوح الجميل، لا شيء يعرقل ذهابك إلى السعادة، ولا شيء يعيق نومك عندما تكون أنت وليس هم، تكون بمفردك تشرب من النهر، ولا شيء يتربص بك، ولا رغبة تحيط بقلبك وتجعله مثل غزالة مطاردة من قبل كائن متوحش. عندما لا تطبق عليك مخالب المظهر الاجتماعي تكون أنت مثل الجنين في الأحشاء المطمئنة، لا شيء يضج بك، ولا شيء يعج بك، أنت وحدك في مملكة السكون الإلهي، يمنحك الحب مدار الأمومة وفطرة التداخل الأنيق، ويليق بك أن تحقق أمنياتك من دون كلل أو جلل أو خلل، لأنك وحدك ومن دون أعشاب شوكية تؤذيك. كن على سجيتك ستجد نفسك في ملكوت الحب تقطف ثمرات الأحلام الزاهية، وتمضي إلى الشارع، فتجده معبداً بالابتسامة الرهيفة، والعيون المشعة ببريق الفرح. لا تدخل في الزحام، فإنه ذو رائحة نتنة، ولا تقف بين الصفوف فسوف تؤلم كتفك، كن وحدك، وانظر إلى العالم بعين لا غشاوة فيها، وعقل من دون رواسب زمنية، التاريخ يجب أن يبدأ من اللحظة التي تغادر فيها منزلك، وما قبله عدم لا قيمة له ولا شيمة فيه، اخرج من بيتك وأنت تعبق…
الأحد ١٥ يوليو ٢٠١٨
عندما يتم اقتفاء الأثر، تبدو الأرض مثل زهرات تفصح عن بتلاتها، ويبدو الكشف الأثري مثل مصباح يسلط ضوءه على جوهرة في أعماق البحر. هكذا هي أبوظبي التي بدأت تكسب عذب زلالها عند شفة الوعي، وتقدم للناس المكنون، وما يكمن في معطف الذاكرة من مخزون يكفي لأن يقول للعالم نحن هنا، في صلب الموقف، كما أننا في أب الحدث، نحن لسنا طارئين على الحياة، بل نحن مؤسسون فاعلون، مؤثرون جداً في الحضارة الإنسانية، وما تقدمه الاكتشافات الأثرية العلمية، ليست قصيدة يتيمة لشاعر مجهول، بل هو نحن على سبورة الحياة، تركه الأجداد ليكون درساً للأجيال ويكون علامة بارزة على حضارة ظبيانية قديمة قدم الدهر، ولم يكن الإنسان هنا في يوم من الأيام مسافراً عبر الزمن، وإنما هو راسخ مثل الغافة، مثل الأكاسيا، مثل النخلة، إنه الإنسان الموازي للأرض، المساوي للصحراء، إنسان بلغ مبلغ النضوج ليس ببلوغ النفط وإنما ببزوغ شمس الصحراء التي أعطته السراج، كي يمضي في الحياة ويطرح أسئلته الكبرى، ويقول ربي كيف تحيي الموتى، فيجيب الخالق الباري، لك في الحياة طريقان، فإما أن تعيش أو لا تعيش، والحياة تحتاج إلى عمل دؤوب ومثابرة، وهكذا اتخذ الإنسان هنا طريقه إلى الحياة بوحي من رب الكون، بأن يعمل ويجد ويجتهد لكي يضيء حياته بالأمل، رغم ما للظروف من مخالب قاسية، إلا أن…
الخميس ١٢ يوليو ٢٠١٨
في مونديال روسيا شهدنا هزائم عربية على شكل «كروية»، ولكنها تعبر بطريق مباشر عن وجدان عربي مهشم منذ أمد بعيد، هذا الوجدان عكس ثقافة عامة لا تقوى على رؤية النصر لكون الهزيمة أصبحت تلاحق هذا الوجدان مثل الظل، ولذلك لا نستغرب أبداً أن تخسر فرق عربية تمتلك من الفنيات الكروية ما يضاهي قريناتها من الفرق الأوروبية واللاتينية، وهنا نستدعي فكرة نيتشه الذي اعتبر أن الإنسان لا يستطيع أن يظفر بالوقوف مستقيماً، عندما يكون الوجدان مهمشاً، وعناصر القوة الداخلية مشتتة، وضرب لنا هذا الفيلسوف مثالاً بلاعب الكرة المحترف عندما تناط به ضربة جزاء، فيركلها خارجاً عن المرمى، حيث يرجع نيتشه هذا التصرف إلى إرادة القوة التي تكون في هذه الحالة ضعيفة، ولا تستطيع مواجهة الموقف بسوية. ونحن نتابع المباريات شهدنا انكساراً في ضلوع الإرادة لدى اللاعبين العرب، وتشعر أن اللاعب وهو يستحوذ على الكرة وكأنه يدفع بكتلة من الحديد المكور، ويجري بتثاقل وكأنه مصفود بسلاسل حديدية تثقل حركته، وتمنعه من المرور بالكرة ليصل إلى الهدف. هذه ثقافة ولعبة الكرة جزء من الرياضة العامة، والرياضة في الأساس تنبع من ثقافة مجتمعية ولا تنفصل عنها، وكل ما يبدر من الإنسان من سلوكيات، فهو مرتبط بثقافته، وما تلقاه منذ الصغر من لاءات ونواهٍ، وما عاشه من علاقات اجتماعية، أرضعته كيفية القدرة على المواجهة، وإمكانية…
الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٨
عندما يخذلك زمانك في صديق فإن وعاءك ينكسر ولا تستطيع حمل وقود حياتك لا تستطيع أن تضع يدك في وعاء مثلوم لأنه قد يجرحك، وينسفح الدم من فؤادك المجروح، فتشعر بضياعك، حيث يراعك قد تلوث، ونهرك الذي كنت تجلس عند ضفته قد جف ماؤه، وتشققت الأرض حتى صارت يباباً وصرت أنت خراباً، والحياة جافلة حافلة بأحداث مريرة وسقيمة وعديمة، وكلما عدت إلى التاريخ وجدته مجرد أوراق صفراء عجفاء، طوت سجلها من زمان بعيد وبقيت وحدك تلثم الهواء الملوث، مثلما تفعل فراشة تائهة وسط الضباب. لا تثق كثيراً، فكثير من الوجوه تبدو ناصعة بفعل المساحيق ولكنها تخبئ تحت الجلد نفايات التاريخ، وغضونه، وشجونه، وشؤونه التي لا تليق بأخلاق البشر، فأنت عندما تكون في حضرة المزاج الرائق والنفس المطمئنة تظن أن السماء الزرقاء سجادة من حرير أزرق، فترفع بصرك إلى الأعلى وأنت في غاية السرور، والحبور، وما أن تولي وجهك إلى السكينة فإذا بالسماء تنبري وحشاً ضارياً يقصفك بجحيم الريح الصرصر، فتفتح عينيك، حتى تمتلئ بالغبار، ويبدو فمك مثل طبق معدني لسعته شمس القيظ اللاهبة، تبدو أنت ساذجاً إلى درجة الغباء الفاحش، فتصرخ لا، لا، هذا يكفي ولكن الصديق الذي غدر يصبح مثل الموجة العارمة لا يكتفي بلطم سواحلك بالغضب، لا يكتفي بصفع أحلامك حتى تذبل، وتبدو مثل ورقة لوز أطاحت بها…
الخميس ٢٨ يونيو ٢٠١٨
في الامتحان تبدو حالة من الوعي الداخلي تنتاب البشر، حيث يتم استدعاء القدرات، ومعها مشاعر من الرهبة، هذا الغزو القادم من الداخل يستولي على الكيان، والبنيان، ويفرض حالة من الاستنفار بحيث لا يوجد أمام الإنسان سوى مشهد الرعب، الذي يجسده اختبار العقل والتحدي الذي يواجهه، ولا يرى الفرد منا غير صورة الرقيب المتربص، والمتلصص، والتخصص في فرض حالة من التوخي والحرص، والبحث عن ثغرة ولو بسيطة، تفضي إلى معلومة تسد الغرض، وتمنع الوقوع في حفرة الفشل. الخوف الذي يستولي على الطالب أثناء الامتحان، مبعثه الخوف من الفشل، والتخلف عن الأقران، الأمر الذي يستوجب من هذا الطالب أن يحشد كل قواه العقلية، والنفسية، لمواجهة الظرف العصيب، نعم وضع الامتحان حالة رهيبة، ومرجفة تؤلب كل مشاعر الخوف في فترات الامتحان، ما يجعل الطالب أثناء هذه المدة الوجيزة وكأنه في يوم الحساب، والكثير من الطلاب يشعرون بحالة فراغ ذهني قبل بدء الجلوس على كرسي «العقاب» والإحساس بنسيان كل ما حفظوه، في الأيام السابقة، لأن العقل في هذه الحالة يقع في حومة الصراع ما بين ملكة الحفظ، وملكة النسيان، صراع من أجل الخروج من وهدة الفشل، فالإنسان عدو الفشل، مهما بلغ به من تجاهل، وحتى الطالب المهمل للدراسة، والكسول في ساعة الامتحان يعيش هذه الحالة لأنه أمام الأمر الواقع يتغاضى عن حالته السابقة وهي…
الثلاثاء ٢٦ يونيو ٢٠١٨
منذ زمن وسقراط يئن في قبره، ويتهكم على الذين أسقوه السم لكونه خالفهم في الفكر، ورفض أن يكون كسائر الأنعام، وقال لهم سأشرب السم ولكن الفكرة ستظل حية لأنها تملك من المناعة ما يجعلها خالدة مثل أنهار العالم. أسبينوزا بصقوا على قبره، بعد أن دفنوه في مقبرة نائية بعيداً عن مقابر الكنسيين، وابن رشد نفوه، وأحرقوا كتبة ووصفه الغزالي بالمهرطق، ولكن كل هؤلاء بقوا في الوجدان الإنساني كمؤسسين لفكر التجديد، وقادة رأي التنوير، لأنهم لم يخرجوا عن نطاق العقل، بل أعطوا العقل مكانه ومنحوه مكانته، وكان الدين الحقيقي سقيا الفكرة، والله في السماء عين لا تغفل عمن يحرسون دينه بأمانة، ورزانة، وتقانة الأوفياء، والنبلاء. البعض يهمهم قشر البرتقالة، فيظل يشتم الرائحة إلى أن تفسد البرتقالة، وتضيع فرصته في الغذاء الصحيح، أما البعض الآخر، فهو الذي يعرف كيف يكون للبرتقالة قيمة عندما يلج عمقها ويرتشف من الرحيق، فتكون فائدته أنه أخذ من طبيعة الأشياء لبها وحقيقتها، واستلهم من عطاء الله ما فرضه على البشرية. كتلة من الجحيم تسكن ضمائر البعض، فتعميهم عن رؤية الحقيقة، ولا يرون من الحياة سوى نصفها الفارغ، ولا يرتوون إلا من حثالة البئر المهجورة، فاليوم تستعر نيران البعض لمجرد سماع فكرة مناهضة لفكرة سابقة قد ناموا على مخدتها واستراحت عليها أبدانهم، هؤلاء تخيلوا دائماً أن الفكر الإنساني…
الأحد ٢٤ يونيو ٢٠١٨
قل الحقيقة ولا ترهبك لومة لائم، لأن الكثير من اللائمين لا يتكئون إلا على قشة الذاكرة المثقوبة، فلذلك عندما يدخلون في حوار حول قضية جوهرية، فإنهم يخورون مثل عجل رفاق موسى الذين شذوا عن حقيقة ما أراده هذا النبي المرسل. لقد جاء كوبر نيكس بنظرية دحضت فكرة بطليموس، وأشار بالبنان والبيان إلى أن الشمس هي مركز الكون وليس الأرض فثارت ثائرة البلهاء من أبناء ذلك العصر، ولاقى هذا الفيلسوف ما لاقى من التنكيل، والنكب، والغضب، والشغب، والسغب، لأنه اخترق الذهنية السائدة بفكرة غير معتادة، وغير معهودة، وغير مشهودة، ولكن ماذا حُصد من هذه الفكرة الصادمة؟ إنها الحقيقة التي صمدت أمام الغوغاء، وتربعت على مشهد التاريخ، وذهب زبد الخرافة البطليموسية جفاء. وهكذا نحن بحاجة إلى من يحرك المياه الآسنة في أذهاننا، نحن بحاجة إلى من يعيد صياغة تاريخنا وهو مليء بالنفايات، وبقايا عظام رميم، وصدأ أخفى تحته حقائق بحاجة إلى من يجليها. يعلي من شأنها، ولا ضير إن واجه المخلصون شتى أشكال التسفيه، والإسفاف، والاستخفاف، لأن من طبيعة البشر الخوف من الحقيقة، لأنها تضع الأنا المتربص بكل شيء جديد، ولأن الحقيقة تظهر عيوب الشخصية المركبة من رقاع الأفكار المضللة، والمزللة، والمتخلخلة، والتي لا هدف لها سوى إبقاء الأمر، كما هو عليه لتضمن الأنا قوتها وبقاءها مسيطرة ومستولية على زمام الأفكار المسبقة،…
الخميس ٢٤ مايو ٢٠١٨
يبلغ أطفالنا الرشد قبل موعده، ويصلون إلى الحقيقة الكاملة، وهم في سن الأظافر الناعمة، وينجزون مشروعهم الوطني، وهم في الأيدي الأمينة، ويحققون طموحاتهم، وهم في الطريق إلى المدرسة، ويبلغون المجد وبين أيديهم دفاتر التذكير، ويسيرون إلى مواقع النجوم، وهم في الملابس البيضاء، ومعصم الحشمة. هؤلاء هم أطفالنا، لأنهم في وطن قطف ثمرات السعادة، من وقت طويل، وأجاد في اصطياد عصافير الأحلام منذ وقت مبكر، واستطاع أن يجلس مع الأمل في غرفة واحدة، وأن يتحدث مع أمنياته بتجليات الفطرة الصافية، وغريزة الانتماء إلى الصدق، والإيمان أن الوطن بيتنا، وأن الأرض التي نمشي على ترابها هي وسادة الطمأنينة، والسماء شرشف أزرق يهفهف على مشاعرنا، ويجعلنا نحتسي طيب الحياة، بشغف العشاق، ولهف من كبرت في فؤاده الأشواق، وتنامت في نفسه قصائد النبل، والتوق الأصيل. الجوجيتسو، هي المنطقة التي تستيقظ فيها الروح، من سبات الأيام، كما تفعل الشمس عندما تصحو صباحاً لتغسل ثيابها، وتمسح على محياها لتحي الصاحين، وتمد لهم أهداباً بلون البرتقال، وتبتسم لأجل أن يصبح الوجود مثل الوردة الطالعة في بساتين الحياة مثل غزالة البرية، ترقص بخفة النسيم. أطفالنا اليوم بهذه الرياضة النبيلة، يخلدون ذاكرة النجمة، ويؤصلون سجايا الغيمة، ويطلون على العالم بذهنية الموجة المتألقة عند شواطئ الأحلام الزاهية، أطفالنا يكتبون في دفاتر التاريخ، كيف يستدل الإنسان على حقيقته عندما يغادر منطقة…
الإثنين ٢١ مايو ٢٠١٨
الأطفال أحبهم الله لنقائهم وصفائهم وقدرتهم على الوصول إلى نهر العطاء قبل غيرهم، لأنهم صفحات بيضاء من غير سوء. في الشارقة كتاب يفتح صفحاته أمام الأطفال ليقرأوا ما يتيسر من كلمات تبعثها النجوم، ليضيئوا سماوات أفئدتهم، وليستمروا في الحياة مشعشعين بالوعي، وليبقوا دائماً مثل الشمس بلا غيمة تكدر ولا غمة تعسر، ولا نقمة تكسر زجاجات القلب. بحضور الصحوة تستيقظ طيور الأطفال، وتغادر أعشاشها مرفرفة محلقة محدقة في الوجود، محتفلة بالجمال ببوح يزهر على شفتي الحلم، ليصير واقعاً زاهياً، ثرياً بالحياة والحيوية، يصير في الكون صورة مثلى للعطاء الإنساني عندما تحتفي به العقول، وتضعه في مقام الأيقونة المتوجة بالحب. شارقة البذل والسخاء ترسم صورة المستقبل على الجباه البضة، وعلى الجبين اللجين، وتذهب بالجيل نحو غايات ورايات وساريات تبعث على السرور والفخر، وتؤكد أن بلادنا هي المنطقة الخضراء التي تنمو فيها أعشاب الحلم الجميل، وتزدهر أفئدة الطير، وهو يطوق الفضاء بأجنحة الفرح، منتمياً إلى الوجود بكل جوارحه وبوحه. اعتماد الشارقة مدينة صديقة للطفل، هو اعتراف عالمي بأن للأطفال أجنحة لا تنمو إلا في المكان الصحيح، وأن للأطفال بوحاً لا يصفو إلا في الشارقة، لأن لهذه الإمارة موعداً مع الطلائع، وطريقاً لا يسلكه إلا العشاق، والذين في قلوبهم شغف الانتماء إلى الكون من دون حدود، ومن دون موجات تعرقل مسيرة السفينة باتجاه الأفق.…