السبت ١٨ مايو ٢٠٢٤
أي ذئب هذا يخرج من معطف الشعر ليفتك وأي جين هذا يطفح بالعدوانية تجاه الآخر؟ ذلك السؤال الذي يتدحرج على سفح المخيلة ويستدعي جل ما تقدمه القصيدة من أجل بياض العالم ومن أجل نبتة أرهف من رمش العين وأكثر خلوداً من نجمة في السماء. عندما قرأت خبر محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو على يد شاعر سبعيني تحول إلى التطرف ليكتب قصيدة من عيار دموي ثقيل ويسجل للتاريخ كيف تتحول أبيات القصيدة الرائعة إلى طلقات نارية مفعمة بالشر مكتوبة بالحبر الأحمر القاني، ولأن التاريخ مليء اليوم بأنياب الذئاب البرية المنفردة والجماعية فإن ما قام به هذا الذئب الكهل لهو التعبير المباشر عن الفجوة التي تفصل ما بين الروح الشفافة للشعر وتلك الجينات البغيضة الغائمة القاتمة المعتمة التي تتفجر في أعماق البشر لأسباب مختلفة ودوافع تخرج من تحت ركام عالم تحترق فيه قمامة الأفكار لتتحول القصيدة الإيجابية إلى طلقات نارية من دخانها ينبعث الموت ومآتم بشرية مشحونة بأفكار العدمية، وعبثية لا حدود لتفاصيلها الداخلية ولا تفسير لها سوى أنها تتفتق عن حالات شاذة لمشاعر، ولا تفرق بين الشاعر والمجرم فكلاهما يندمجان في واحد وهو (الأنا) المأزوم في تطلعاته والذات المستلبة والإنسان الذي خلع معطف الإنسانية ليتحول إلى كائن خاوٍ إلا من أنياب الذئاب، كائن مفلس حتى القصيدة عجزت عن ردعه…
السبت ٠٤ مايو ٢٠٢٤
تحت المطر بلل الكتاب حروفه وفتح الصفحات للمدى والقراء هم الكلمات التي جرت في جداول وموائل كتاب سدد خطاه، عاشقون أدمنوا مجالسة خير جليس وصاروا في مجلسه تلاميذ تمشي بين رموشهم أحلام الشروق، وانبثاق الشمس من بين ثنايا ونوايا وتدلي بأهدابها كي يضاء الكون بعقول نسجت خيوط المحبة بين صفحة وصفحة، وما بينهما تفتحت زهرات اللوتس في عقول لم تزل خضراء يانعة، وأرواحاً مثل شمعة تترقرق بصيصاً إلى الحياة، وتدمع فرحاً بعلاقة وشيجة حميمة بين الكلمة وسؤال الوجود «لماذا أنا وليس نحن»؟ هنا يصبح الكتاب قماشة منقوشة بحروف الضاد، محاكة بإبرة الكلمات الناصعة. هنا أصبحت الكلمة كالسماء تحيط بكل شؤون حياتنا، وتتحكم بعصرنا عالي التقنية، كما تتحكم بعفويتنا وفطرة الألف والياء. تقول الفلسفة إن الحياة قماشة نحن الذين ننقي قماشتها ليرتع العالم تحت شرشفها في أمان واطمئنان، وتصبح أحلامه فراشات ملونة بالفرح. تحت المطر لوّن العقل صفحته وأرخى عليها ملاءة أيام تجلت باحتفاء منزوع من أبعاد غير أبعاد الحب، هو هذا الترياق هذا المساق الذي سارت على صداه دولة اجتمعت أركانها على الحب وتفرعت أغصانها حباً ونمت فروعها شوقاً إلى الأفق وتوقاً إلى نجمة في السماء تبدو هي بلورة الكونية وهي نافذته إلى الفرح. في معرض الكتاب يبدو الكتاب كأنه الندف ألقتها الغيمة تحية وإجلالاً لمناسبة هي أصول في البداية…
الثلاثاء ٣٠ أبريل ٢٠٢٤
ما بين النون والقلم، تمضي السنون حاملة معها علامتي الرفع والسكون وما بينهما سؤال الوجود كيف تبدو الحياة من دون مصابيح تضيء الدروب وتفتح علامات باتجاه الأفق؟ وها نحن نعيش عصرنا، عصر أينشتاين الذي قال إن الحياة من دون حب تدمير للذات والآخر، وزمن بيكون الذي أبهرته المعرفة فقال إنها قوة. والأيام دواليك تأخذنا بين الحين والآخر إلى عصر هذا الفيلسوف وذاك، وما يحدث من حروب عبثية يخبرنا بأن الإنسان لم يزل مخدوعاً بالقوة التي تسلب منه مشاعر الحب، هذا الإنسان يعيش سباقاً مريراً من أجل التفوق، ولكنه في نهاية الأمر يغدو مغموراً مغدوراً تتآمر عليه (الأنا)، فتجعله يمشي على الأرض، وكأنه خرق الأرض ومد الجبال طولاً، هذا الإنسان الذي أصبح يفكر في القوة كمخلب طاغٍ عاصٍ متجبر متبختر غير منسجم مع نفسه ولا مع الآخر. لهذا السبب نرى الطغيان والجبروت والتزمت والتعنت، نرى العصبيات تخنق الرقاب وتستولي على المصائر وتجلب الويلات والخيبات إلى الإنسانية ولم يزل الإنسان في لهوه وسهره يعيث فساداً ويمرغ أمنا الأرض في غبار خضيضها ورضيضها أم الإنسان في لا وعيه يفكر بالقوة التي هي ليست إلا خدعة بصرية وخيالاً مريضاً تلقيه عليه الأنا المتضخمة، فتجعله بين أمواجها قشة تائهة ورمية طائشة. فلا يتوقف عند هذه العبثية إلا الأوفياء والنبلاء، هؤلاء هم الذين يقولون للعالم قف…
السبت ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
للشباب الكلمة الفصل، ومن يقتنص الفرص يقف على قمة الهرم، ومن يترك المياه تتسرب إلى فراشه فلا بد وأن تفوته فرصة الوصول إلى آخر النفق. اليوم ليس كالأمس، اليوم تتفجر الأنهار من تحت الأقدام بالماء الزلال، ومن يرغب أن يسقي عشب الحياة عليه فقط أن يملأ دلو الأهداف بإرادة أصلب من الصخور الصلدة، وأن يتوجه إلى حيث تكمن الفرص، ولا ينتظر مجيئها، لأنه إن فعل ذلك فسوف يتلقفها سواه، ويسبقه في التحالف مع الفرص واغتنامها بجرأة، ومن دون تردد وانتظار متى يُسجِي البحر، ويغمر الشواطئ بمراكب الحادبين ليلاً ونهاراً. هذه كلمات جاش بها قلب صاحب القلب الكبير، فارس الكلمة ومروض الأهداف، هذه كلمات فاه بها صاحب البوح الصريح والمباشر، ومن دون مواربة ولا رمز، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، وهي الكلمات التي تضرب في صميم المعنى الوطني والإنساني، والتي تبعث على الفخر عندما يقول للشباب (إن بلادك ملأى بالفرص ولا تنتظروا)، هذا نداء من القلب، وهذا بوح يحمل في طياته الثقة الكاملة بدولة تتمتع بخيرات الله، والفرص فيها سانحة فقط للذين يستيقظون قبل غيرهم، ويتوجهون نحو ميادين العمل، ويحملون في صدورهم طموحات أوسع من المحيط، وتطلعات أعلى من قمم الجبال، هؤلاء فقط الذين سيحققون الأهداف، أهداف الوطن في الرقي…
الأحد ٢١ أبريل ٢٠٢٤
نحتاج إليه لأن أشجار الحياة لا تنمو ولا تتفرع أغصانها إلا بوجود حالة استقرار الطقس وذهاب الرياح بعيداً عن مواطن الطير الذي يغرد من أجل ألفة تدفئ الخواطر وتحمي الأرواح من صفير العواصف المهلكة. على ضفاف الخليج العربي، هناك أطفال يحلمون بصباحات مشرقة، وشمس تدلي بأهدابها على عيونهم كي ينظروا إلى الحياة من دون غبش ولا ضباب يمنع الرؤية. السلام هو ذلك الترياق الذي يحفظ الود وينثر ورود الحب، فإذا بها وردة البنفسج تطل في الصحراء محيية الركاب، وتصفق بلطف وعطف من أجل حياة خالية من الغبار، ومن أجل أجيال يعيشون كتفاً بكتف يعمرون الرؤوس بحكايات لا تلتفت إلى الوراء ويزرعون حبة القمح كي تستمر الحياة خضراء، وتستمر جداول الفرح تسقي عروق النخيل، وتظل الغيمة تظلل رموش الجمال البشري في كل مكان. فقط السلام وحده الذي يملك تلك القوة السحرية التي تنبت زروع السعادة، وتنثر ورود التآلف بين الناس أجمعين. فكم من حروب دمرت وكم من معارك أهلكت وكم من ضغائن أبادت وكم من أحقاد أمسكت بذراع الحضارة وسارت بها نحو الهاوية، فالغطرسة والتعنت والتزمت لا يجني الإنسان من حصادها إلا الفقدان والخسران وضياع المصير، وفي الحروب لا أحد ينتصر إلا الدمار وضياع المستقبل. ونحن في القرن الحادي والعشرين وقد بلغت الأمم ذروة التقدم التكنولوجي، ولكن يبقى العقل لم يزل…
الأربعاء ١٧ أبريل ٢٠٢٤
تحت وطأة العقل المأزوم بالشطط، تبدو الحضارة الإنسانية مثل طائر تحطم جناحاه، فبات في الفضاء متخبطاً يبحث عن مآل فلا جدوى. اليوم نعاين ثورة التكنولوجيا، ونتقصى ما يحدث في العالم، فتبرز أمام أعيننا مادة الحضارة المتهالكة، تبرز انحرافات العقل عن سدة العقل، ويتحدث إدغار موران عن هذه المسألة بقوله: «إن المستقبل الأفضل هو ذلك الذي يتحكم فيه الذهن بالدماغ البشري، كعازف بيانو ماهر يداعب مفاتيح البيانو لاستنباط أفضل الإمكانيات، وعليه فإن الذهن عندما يكون سيد نفسه، فسيكون قادراً على استخلاص أفضل الإمكانيات الجمالية والأخلاقية، ويصبح المستقبل مشؤوماً عندما يتحكم الذهن في كل شيء إلا نفسه». إدغار موران حل المسألة، وتوصل إلى النتيجة النهائية لما يمكن أن يحدث للحضارة البشرية عندما يفقد العقل زمام أموره وتفلت منه العصا السحرية التي يتمتع بها، ويصبح أسيراً لقوة أخرى أشد منه ضراوة وهي (الأنا)، هذه الأنا عندما تتملكها الغطرسة، تصبح الموجة العارمة التي تفتك بقارب العقل وتأثره وتأخذه إلى مناطق أخرى غير التي تمنحه الضوء الكاشف، والذي من خلاله يرى فيه كيف يطرق أبواب المجد، وكيف يعمر بيت الحضارة، وكيف يقدم أقصى ما لديه من إمكانيات تفيد البشرية وتجعلها تعيش أجمل أيامها، وينسجم الجميع مع الجميع من دون كراهية ولا ظلم ولا غبن ولا ضنك. اليوم العالم يقف على حافة نهر يفيض بالمياه الحارقة،…
الأحد ٠٧ أبريل ٢٠٢٤
بعد جيل ضحى وأحرق شموع عمره لكي يقدم الكلمة الصادقة ويسرد قصة النشوء والارتقاء بإخلاص وجدية وثقة، وقدّم كل ما لديه، يبقى اليوم الدور الجديد لدماء جديدة تقع على عاتقها مسؤولية حمل الرسالة، وواجب تلبية نداء الوطن في الذود عن منجزاته والدفاع عن مشاريعه، وحماية مكتسباته بالكلمة الحرارية التي تذيب كل ما هو غث، وكل ما هو رث، كلمة كأنها الشجرة، الإنسان هو الذي يعلق الثمرات على أغصانها، والإنسان هو الذي يلون أزهارها، وهو الذي يحفظ الود مع اخضرارها. ولأن الزمن تغير بدرجة منفرجة فإن المطالب تتسع حدقاتها، والجهود تتزايد قوة صلابتها، والبذل يحتاج إلى عرق أكثر ملوحة، لحماية الأهداف من العطب. اليوم وبوجود الوسائل الحديثة في مجال البث والإرسال والاستقبال، فإن وسائل الإبداع يجب أن تتنوع وتتعدد، وتتميز وتختلف كلياً عما كان في الماضي. اليوم الصحافة الورقية تواجه منافساً شرساً، هو السوشيال ميديا، هذه الموجة العالية تحتاج للمزيد من الوعي، وإدراك ما يستتبع العمل الإعلامي من تجديد في المهارات، وتحديث في الأدوات، وتغيير في السبل والوسائل القديمة، والانتصار لسرعة التغيير، والانتقال من خانة الركود إلى زاوية الحركة المستمرة، لذلك ما سيواجهه الشباب ليس بالأمر السهل، ولكن ما يجعلنا نتفاءل هو أن أمام الشباب حزمة من التراث وتراكمات المهنة تركها الرواد، ومن يمسك بزمام المهنة لا بد وأن يستفيد من…
الإثنين ٠١ أبريل ٢٠٢٤
يرتجف العالم منذ بداية القرن الواحد والعشرين، جراء الشعور بالتلوث الذي أصاب البيت البشري، حيث يتسع ثقب الأوزون وتسيل دموع القطب المتجمد والغيمة تخلع قميصها المبلل، وفي ظل هذه الفوضى البيئية وانعكاسها على مشاعر الناس، تناسى العالم بأن هناك تصحراً أخطر وأكثر بلاءً على الإنسانية، ألا وهو التصحر الوجداني، فاليوم أينما تولي وجهك تسمع عن القتل والتدمير والخراب النفسي، لأن العاطفة البشرية أصيبت بجفاف تيبست على إثره نياط القلب ولم تعد تنبض بالحب، بل إن القلوب البشرية أصبحت مجرد نتف جلدية معلقة على ضلوع الصدر، وكل ما يحدث في العالم من سيول دموية لا تهز شعرة في الضمير الإنساني؛ لأن التصحر الوجداني قبض على اخضرار القلوب وحولها إلى مضغ جافة، لا إحساس فيها ولا سمع ولا بصر. اليوم، مشارق الأرض ومغاربها تكوى بنيران الأحقاد والأفكار السوداوية والمشاعر التي تحولت إلى نشارة خشب، والأحياء أموات تأخر دفنهم. لو جفت مياه الأنهار والمحيطات، يستطيع الإنسان أن يستخدم عقله ويجلب الماء بوسائل إبداعية يدله عليها عقله العظيم، ولكن عندما يصيب التصحر المشاعر، فهنا تكمن المعضلة، لأنه لا سلطة للعقل على قلب الإنسان عندما يتوارى خلف ركام من الكراهية، وعندما تنطفئ نجوم الوعي ويصبح الكائن البشري آلة صدئة، بل أحفورة تائهة تحت رمال الجهل البشري. العالم اليوم بحاجة ماسة إلى عقد اجتماع دولي يحضره…
الأربعاء ٢٧ مارس ٢٠٢٤
منذ أن يستيقظ الصائمون حتى غروب الشمس، فهم يعيشون أحلاماً نهارية مضاءة بمشاعر بهية زاهية بالصور الخيالية المبهرة. وتفوق أحلام الصغار سواهم؛ لأن هذه الفئة تمتلك مساحة واسعة من أفنية المخيلة، والتي تسبح فيها طيور الأحلام في خيلاء وبهجة وسرور ونشاط، وقد يرجع الناس هذه الحالة إلى الصيام كون الصائم يفقد وجبة نهارية رئيسية وهي وجبة الغداء؛ مما يجعله يتأهب للوجبة التالية (الفطور) التي يستعيض بها عن تلك الوجبة النهارية، وهذه قد تكون جزءاً من الحالة الشعورية التي تنتاب الصائمين، ولكن الجزء الأهم كما أعتقد هو أن للصوم طقساً خاصاً تشتعل فيه الأحلام بأريحية، وتكون الساعات النهارية مشبعة بمنمنمات من المشاعر الإيمانية، والتي تأخذ الصائم إلى فضاءات روحانية تفترش سجادتها عند عتبة الروح، ثم تبدأ في فتح نافذة الخيال، الذي بدوره يحمل على أجنحته حزمة من الأحلام، والتي تصور الحياة على غير ما هي في العادة في الأيام قبل وبعد شهر رمضان، ونلمح رغوة صابون المشاعر الرمضانية على الوجوه، فليست هي الوجوه نفسها في شهور السنة الأخرى، ففي رمضان تبدو الوجوه كأنها أطباق تفوح برائحة عطرية الوجنات تنضح بدماء نقية، والعيون تشع ببريق رمضاني يحكي قصة السفر عبر الزمن، وتستمر هذه الخيالات تدير رحاها خلال الشهر الرمضاني، حتى إنك في أول يوم من أيام عيد الفطر قد تشعر بانتكاسة غريبة،…
الأحد ٢٤ مارس ٢٠٢٤
كم أنتِ عظيمة، فلا تكفيك الدفاتر، ولا يتسع عطاؤك المحيطات، ولا توازيكِ الجبال الشم، ولا تساويكِ أحلام الطفولة. فأنتِ.. أنتِ التي تحملت وزر العمر، وعلى كتفك وضعت جرة الماء لتسقي أطفالاً فتحوا أفواه الأمل لينجلي عنهم ظمأ الليالي وشظف النهار. أنتِ التي وقفت عند عتبة الخيمة تستشرفين شروق الشمس كي تبدئي رحلة اليوم الجديد إلى تلك البقاع البعيدة سعياً لقطف ثمرات الغاف والسمر لتورين موقف اللقمة الساخنة، أنتِ ولا سواك التي أخذت على عاتقكِ مسؤولية بناء الجدران العالية، أنتِ التي قلت ذات يوم ستكبر يا بني وستكون العضد لأبيك والسند لأمك، وها أنتِ اليوم تسجين جسداً على مهد المراحل المتأخرة وعيناك تبحلقان في اللاشيء، وقلبك يهتف لأجل القبلة المتشظية، أنتِ اليوم أيتها العظيمة تحتفل بك الجهات والعالم يصفق لك، لأنك أنجزت وبرعت وأدهشتِ وأذهلتِ ولم تزل يداكِ المعروقتان تند بالعرق ووجهك المنحوت بالأخاديد يطل على مهجتي بابتسامة أروع من لمعة النجم وأجمل من ومضة القمر. أنتِ أيتها العظيمة، تكبر القامات وهي تطل على عينيك الشاسعتين، وتكبر العزائم والناس يقرأون في كتابكِ المسطر بالذهب، وأنتِ.. وأنتِ التي علمتني كيف أمسك بزمام الحلم، وكيف أمتلك أجنحة الطير وأحلق في فضاءات حكاياتك الليلية يوم كنت ترفعين النشيد عالياً وتهزين مهد الصغير، وتقولين بحشرجة نم حبيبي كي تشرق الشمس من دون رتوش أو غبش،…
السبت ٢٣ مارس ٢٠٢٤
قبل المغرب، وقبل أن يصدح صوت المؤذن ذلك الرجل الجليل، وقبل أن ترتفع نغمة النداء الإلهي إلى أسماع الناس كان الصغار يلتفون عند زاوية زقاق القرية، ويتدافعون بمرح يتلمظون الشفاه الناشفة، ويبتلعون الهواء الرطب بشغف الجائعين، ولكن لم يكن لرمضان إلا رونق الانتظار، كما هو انتظار العاشق لقرة العين ولب الفؤاد. وما إن تخرج أول كلمة من فم المؤذن (الله) حتى تنطلق السيقان السمراء عارية إلا من الإرادة باتجاه بسط الطعام المنثورة كالدر النفيس بين الأزقة، حيث يتجمع رجال القرية حول الموائد المعقودة على تراب الأرض ودخان الهريس يعبق المكان، وكذلك رائحة الثريد. هنا في هذا الموقف الاحتفالي تسمع لهاث الصغار الذين أنهكهم الجري لمجرد سماع الأذان، وتسمع طقطقة الحناجر، وهي تسرب الماء البارد إلى المعد الخاوية، بينما الكبار يزجرون ويحذرون من الإكثار من شرب الماء، وضرره على البطون الخالية. في هذا الوقت يصمت الزمن، وتتوقف ساعته عن الدوران حول التعاقب بين الليل والنهار، كما أن المنهمكين على غرف الأنواع المختلفة من الطعام يغوصون في صمت مريع، ولا تتحرك سوى الشفاه، ومن تحتها الأسنان الجازمة لكل ما هو عصيب. بعد الإفطار، وبعد الصلاة ترتفع الأصوات وتسمع تغاريد الطيور بين الأزقة كأنها الأطباق المعدنية، وهي تلتطم بصفحات البسط الناعمة تسمع الصراخ والضحك مختلطاً ببعضه بعضاً كأنه صفعات الريح على أوراق الشجر.…
الأربعاء ٢٠ مارس ٢٠٢٤
مع الناس وبشيم الكبار تبدو الابتسامة العفوية كأنها السحابة تسبك قطرات الفرح على قلوب البسطاء الذين تحلقوا حول القامة الهيابة في لحظة من أسعد لحظات المسلم وهو ينتظر صوت الجلالة يرتقي إلى فضاءات الأرواح المشغوفة بقطرة البلل تسقي شفة ظمأى. وعيون القائد تقرأ ملامح الفرحة على وجنات وجباه، عيون القائد تتأمل هذه الوجوه المفتوحة على السماء، منشرحة بالمناسبة التي ظللت أعناقهم بالعز والفخر، لأن المشهد لا يتكرر إلا في الإمارات، والحدث لا يسطع قمره إلا في هذا البلد الذي تخرج جل أبنائه في مدرسة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته، مدرسة زايد الخير رسخت قيم الإخاء والتضامن والتسامح والتواضع والحب، حب الآخر بما تقتضيه الحاجة الوجودية لعالم يحتاج إلى الحب أكثر من حاجته إلى الماء والهواء، وهذه السمات الجليلة لا أثر لها ولا صورة ولا سيرة إلا في هذا البلد، في الإمارات التي نهل أهلها من معين لا ينضب، ومن رحيق لا يجف، والشذا مستمر لأن عيال زايد أخلصوا لله وللإنسان وللوطن، وهذه هي قافلة المعاني الطيبة تبرز اليوم في مختلف المناسبات الدينية والرسمية، وزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أمس الأول، إلى جامع الشيخ زايد الكبير، وتناول طعام الإفطار مع جموع المسلمين، لفتة…