الجمعة ٢٢ ديسمبر ٢٠٢٣
قال لي أحد القراء، هناك تعليقات كثيرة جداً على هذا المقال، يقصد مقال البارحة حول عدم التزام الكثير من النساء والرجال بالآداب والتعليمات الخاصة بالملابس في الأماكن التي يفترض أن يرتدي فيها الإنسان ملابس تتوافر فيها مقومات الأدب والاحترام والذوق، وكانت إجابتي ببساطة أن الناس في كل الدنيا يهتمون بما يعنيهم، أو ما يشكل لهم هاجساً معيناً، وما يتداخل مع مصالحهم وأمور دنياهم الآنية والمباشرة، لهذا يتفاعلون مع كل أمر شديد وقريب الصلة والتلامس مع واقعهم، ولا يعيرون أي التفات أو انتباه لكل شأن بعيد عنهم ولا ينعكس عليهم أو على مصالحهم أو محيطهم القريب! الناس ستقيم الدنيا ولن تقعدها عندما ستزيد أسعار الطماطم أو الأرز أو الطحين أو البترول مثلاً، وستظل تتابع كل ما يكتب حول هذه السلع الحيوية التي لا تستقيم حياتهم بدونها، وأي ارتفاع في أسعارها سيؤثر عليهم حتماً، والأمر ينطبق على تجاوز قواعد الاحتشام من قبل غير المواطنين رجالاً ونساء، فهناك للأسف رجال يحضرون للمراكز التجارية والمستشفيات والجمعيات التعاونية بثياب غير لائقة! لا بد أيضاً من الرد على من يقول إن اللباس مسألة شخصية والإنسان حر فيما يلبس !! لهؤلاء نقول بأن حرية الإنسان المطلقة في بيته، في فضائه الخاص به عندما يختلي بنفسه، أما في الفضاء العام حيث يتشارك المكان مع الآخرين فالمطلوب منه، بحكم…
الأحد ١٩ نوفمبر ٢٠٢٣
في كل مكان، وفي كل الأوقات الصعبة التي مرت على البشرية، لم يحصل أن احتمل الإنسان منفرداً تلك الكوارث والمصائب التي مرت به، فغالباً ما كانت للكارثة أدبياتها وسلوكياتها التي تستدعي تعاطفاً جمعياً يلتف عليها، لتمر بأقل قدر من الألم والأوجاع والجراحات. وفي كل تاريخ الكارثة، ظل الإنسان قادراً على الدوام على إنتاج أفعال تكون له منارة وحبل نجاة، ولعل الكتابة إحدى تلك المنارات، حيث يقف الأدب رافعة قوية، يقول كل ما يجب، وبأكثر الطرق قوة، وحفراً في القلوب والأرواح، وتفعل السينما والشعر والمسرح الشيء نفسه.. فهذه الوسائل الأشبه بالملاذات التي تركن لها البشرية، إذا عزّت الكلمة، وتراكمت المحن، وكثرت الفتن، وصار اليقين مستحيلاً! تصبح الصورة أقوى من الكلام، والفيلم أشبه بالرصاصة، والقصيدة نجمة مسافرة، لا تقف في وجهها قوانين الرقابة، بينما تتسرب الأغنية كاتفاق جماعي يندس في حناجر الناس، فتحولهم لعاصفة أو زلزال، فهي مقاومتهم الوحيدة في وجه اليأس الذي يخنق إراداتهم. إن الناس في كل الكوارث والأزمات، حتى تلك التي لا تخصهم شخصياً أو مباشرة، ولا تقع في فناء منازلهم وغرف نومهم، لكنها تقع في فناء الإنسانية الكبير، وفي مرمى قضاياهم ومبادئهم ومعتقداتهم، يحتاجون لهواء آخر يتنفسونه، يريدون أن يكونوا إلى جانب هذه القضايا، تمسكاً بإنسانيتهم، ولكونهم بشراً طبيعيين، معنيين بآلام ودموع وآهات إخوتهم وبني جلدتهم، إنهم يصرخون…
الثلاثاء ١٠ أكتوبر ٢٠٢٣
يقول يون فوسه، الكاتب والمسرحي الذي تمكن من اقتناص جائزة نوبل هذا العام عن مجمل أعماله المسرحية والشعرية: «أكتب بلغة لا يتكلمها سوى خمسمائة ألف شخص، وهي لغة أقليّة مكروهة؛ لأنها إجبارية في المدرسة، بالنسبة إليَّ، إنها صوت جدتي وأمي، إنها لغة نظيفة جداً، مثابرة، ولم تتأثر بالدعاية ولا بلغة الأعمال». لقد بقي هذا الكاتب، ولعقود طويلة مجهولاً بالنسبة لقراء العربية، فلم تترجم له سوى روايتين أو ثلاث ربما، وحتى هذه الروايات لم تحظَ بمقرؤية جيدة بسبب ذائقتها المختلفة. لقد بقي (فوسه) محتفظاً بانتمائه لتلك اللغة التي يصفها بأنها برغم أنها مكروهة فهي «صوت جدته وأمه» ومع ذلك فقد ترجمت أعماله لـ 40 لغة حول العالم، ما يذكرنا بنجيب محفوظ الذي حمل هوية الحارة المصرية إلى العالم عبر لغته الخاصة. يعيدنا (فوسه) إلى سؤال الهوية في الأدب وطريقة التلقي لدى القارئ وخاصة القارئ غير المعني بهذه اللغة وما تعبر عنه، لقد كان الرجل حريصاً على أن يكتب بلغته، التي هي صوت محيطه، والمجاز الوحيد لنقل ثقافته وبيئته وأفكاره للعالم دون أي شعور بالاغتراب أو الدونية إزاء هذه اللغة، متجاوزاً بوعي سؤال القبول والتلقي كما يفعل كل من يبرر لنفسه الهروب من حكايته وصوت آبائه وأجداده، لأن الحياة التي يندمج فيها (فوسه) هي حياته الواقعية وليست حياة سائلة ومستنسخة تشبه حياة…
السبت ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٣
في شتاء العام 1879 شهد المسرح الملكي الدنماركي في كوبنهاجن عرض مسرحية بيت الدمية للكاتب المسرحي هنريك إبسن، وبعد عرضها ثارت موجة جدل عارمة في المجتمع الدنماركي، لقد ظهرت المسرحية وكأنها دعوة مباشرة للمرأة في تلك السنوات البعيدة «منذ 144 عاماً تقريباً» للتمرد وترك بيتها وزوجها وأبنائها من أجل البحث عن ذاتها وحقوقها التي لم يكن المجتمع في ذلك الوقت يعترف بها أو حتى يقيم لها وزناً. كان مشهد البطلة «نورا» وهي تغادر المنزل صافقة الباب خلفها مخلفة زوجها في حالة ذهول صادم للذهنية الذكورية التي اعتادت أن تكون المرجعية في الحكم والتقييم النهائي لسلوك المرأة وعلاقاتها ومجمل حركتها في المجتمع، لقد أطاح إبسن بمكانة هذه الذهنية ومرجعيتها، عندما جعل بطلته تحطم بيت الدمية وتتمرد على دور الدمية فيه. تعرفت على هذه المسرحية من خلال مسلسل بعنوان «حول غرفتي» كانت بطلته تقرأ الروايات والكتب وهي طريحة الفراش، ثم قرأتها فترة الجامعة، وتلمست قوة الفكرة في مسرح إبسن، فحين نظر البعض للمسرحية باعتبارها صرخة باتجاه حقوق المرأة نفى الكاتب ذلك قائلاً: «لم أكتبها لهذا الغرض، لكنني أردت أن أرسم صورة واقعية لحياة الإنسان» ما يعني أن المسرحية لا تدور حول حقوق المرأة فقط، ولكن حول حاجة كل فرد للعثور على ذاته والسعي لفهم حقيقة هذه الذات وما نسعى له. يبرز وجه…
الثلاثاء ٠٣ أكتوبر ٢٠٢٣
لطالما نظر الناس إلى الفن على أنه رسالة حين يخاطب الوجدان ويعلي شأن القيم، ويطرح قضايا الناس ويكون صوتهم حين لا يستطيعون أن يرفعوا صوتهم ويقولوا ما يجول في دواخلهم، من هنا يعتبر الناس أن الفنان كالصحافي يسير في حقل من الألغام أحياناً حين يواجه قضايا وإشكاليات خطيرة وصعبة يعتبر التصدي لها أو مواجهتها ضرباً من المخاطرة بالحياة!. لقد شاعت في السبعينيات والثمانينيات مجلات فنية على ندرتها قياساً بيومنا هذا، إلا أنها تخصصت في نقل ما يدور في كواليس الفن وإلقاء الضوء على حياة الفنانين، لكننا لم نقرأ يوماً هذا الكم المخجل والمقزز من التصرفات والمهاترات والفضائح، ولطالما تطلق فنانون وتزوجوا، لكن ذلك لم يكن مادة صحفية ممجوجة كما هي اليوم بلا ضوابط، ولأجل لفت الانتباه وركوب موجة الترند وتجميع المتابعين! هذا هو الفرق بين فن الأمس وفن اليوم، وبين فناني الأمس وفناني اليوم الذين فقدوا احترام الجماهير تماماً، فمنذ أيام سئلت فنانة عربية ذات شهرة عن رأيها فيما لو علمت أن صديقها مثلي؟ كيف ستتصرف؟ وكيف تنظر لموجة التوعية والرفض لهكذا تيارات مضادة لقيم المجتمع؟ فما كان منها إلا أن قالت بأنها ترى المثلية حرية شخصية لا يحق لأحد التدخل فيها، وإن الله خلقهم هكذا فلماذا نتدخل نحن؟ ليتها قالت لا أعرف بدل هذا المنطق الذي يتعارض مع المنطق…
الإثنين ٢٥ سبتمبر ٢٠٢٣
ماذا لو؟ سؤال مصيري جداً وبنكهة وجودية مرة وجارحة شبيهة بسكين لا تمزح إذ تمر على اللحم الحي، ماذا لو؟ هو السؤال والمحور الذي تدور حوله رواية الفرنسية بريجيت جيرو، المولودة في الجزائر عام 1960، والتي تقضي حياتها في باريس وتلتقي بالرجل الذي سيصبح زوجها وتنجب منه ابنهما الوحيد. في عام 1999 يقود كلود دراجة نارية في شوارع مدينة ليون حيث ينتهي مصيره ميتاً في ذلك الشارع في حادث سير، تاركاً زوجته تدور حول نفسها باحثة عن إجابات لفيضان من الأسئلة، وحتى البيت الذي حلما بشرائه لم يتمكنا من الانتقال إليه، كما لم تقدر هي بعد وفاته على بيعه. بين الاندفاع في العيش والأحلام قبل عام 1999، وبين رواية «العيش سريعاً» عام 2022 هناك سنوات ومرارات والكثير من الأسئلة، سنوات صاغت رواية حياة وتجربة امتلأت بماذا لو؟ هذا السؤال الذي يخافه الكثيرون لما قد يفتحه من عواصف لا قبل لهم بها، لكن لو الرواية، منحت بريجيت شرف أن تكون الروائية الفرنسية صاحبة الرقم 13 في مجموعة الكتاب المرموقين الذين نالوا الجائرة الفرنسية الرفيعة ( الغونكور)، عام 2022 ! في رواية «العيش سريعاً» تطرح بريجيت مأساتها لأجل أن تتحرر من آلام الفقد الغائرة، ومن أسئلتها الحارقة، وبتلك الأسئلة تقدم بريجيت حكاية إنسانية تحدث كثيراً وفي كل مكان، حكاية الموت / المصير…
الأحد ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٣
أفكر دائماً في هؤلاء الذين يطلون علينا من صفحاتهم وحساباتهم في السوشال ميديا: المشاهير والمؤثرون والساعون خلف المزيد من المتابعين على حساب المحتوى والمصداقية، وهذه الأيام، دعاة قاطعوا تركيا العنصرية، وهيا إلى أوروبا المتسامحة.. هؤلاء لديهم فكرة خاطئة بدرجة ما عن الناس الذين يتابعونهم بحرص ويتلقون رسائلهم وأخبارهم صباح مساء! لنقل أن الفكرة العامة عن نوعية الجماهير والمتلقين التي في أذهان البعض حتى لا نعمم الأمر على الجميع، هذا البعض من الذين تقوم أو قامت شهرتهم على إعلانات المطاعم والمقاهي وبث حكايات و(سوالف) بلا هدف ولا قيمة.. صورتنا عند هؤلاء ليست دقيقة تماماً وليست حقيقية أو مبنية على حقائق وأدلة، وإنما صورة تخيلوها بحسب ما يلبي مصالحهم أو يريحهم أو يروق لهم، فهم يعتقدون أن هذا المجموع من الناس يصدقون كل ما يقدمونه ويقتنعون به، ويتابعونهم بشغف بسبب محتواهم (العظيم) كما يعتقدون! في الحقيقة وكما يقول غوستاف لوبون في كتابه ذائع الصيت (سيكولوجية الجماهير) ليسوا أغبياء وليسوا فارغي المضمون، صحيح أنهم يتأثرون بقناعات وعواطف الجموع وأن الأفكار تنتقل بينهم بالتأثير و.. لكنهم على درجة كبيرة من الفهم والإحاطة بما يجري حولهم، لذلك فإن الاعتقاد بأن أي إعلان أو حكاية مفبركة يمكنها أن تلقى التصديق مباشرة أمر يحتاج لإعادة تفكير كما أنه لا يمكن أخذه بالمطلق، فالناس لا تزال تفكر وتدير…
الإثنين ١٨ سبتمبر ٢٠٢٣
عندما نشر طه حسين كتابه (في الشعر الجاهلي) عام 1926، ثارت الدنيا كلها في وجهه، وانقلب الجميع إلى خصوم شديدي العداوة، هاجموه وكفروه وشككوا في ذمته العلمية، ووصل الأمر إلى معايرته بعاهته كأعمى، وكان الأزهر هو الطرف الأكثر خصومة، فماذا فعل طه حسين؟ في عام 1927 أصدر كتابه (في الأدب الجاهلي) حيث حذف تلك الأجزاء التي تسببت في حملة العداء ضده والتي جاءت في كتابه موضوع الأزمة. في عام 1929 أصدر (الأيام) الذي سرد فيه قصة حياته وطفولته في قريته حتى انتقاله للدراسة في الأزهر، لكنه أبداً لم ييأس ولم يدخل في أي جدل مع خصومه حتى هدأت العاصفة وذهبت العاصفة أدراج الرياح وبقي طه حسين عميداً للأدب العربي. أما الحكاية الثانية، فتتعلق بحادثة اغتيال حصلت عام 1994 عندما اقترب شاب يدعى محمد ناجي يعمل فني إصلاح أجهزة كهربائية، من السيارة التي كان يستقلها نجيب محفوظ قبل أن يتحرك إلى المكان المخصص للمشاركة في ندوة ثقافية يعقدها أسبوعياً، سدد له الشاب طعنة في رقبته وفر هارباً مع شاب آخر كان بصحبته، كان محفوظ قد تجاوز الثمانين من عمره يومها، وكادت الطعنة أن تودي بحياته، لكن تم نقله إلى مستشفى، حيث أُسعف في الوقت المناسب، بينما ألقت الشرطة القبض على الفاعلين الذين تبين أنهم ينتمون إلى جماعة متطرفة تلقت ما يشبه…
الثلاثاء ٢٩ أغسطس ٢٠٢٣
بعد أن قيل فيها الكثير من النقد اللاذع وحتى الجارح أحياناً، وتحديداً من جانب كبار رجال الأدب والنقاد والأدباء، فإن منصات التواصل الاجتماعي الأكثر جذباً لمختلف شرائح الناس والشباب على وجه الخصوص، بدأت تزاحم أضخم المشاريع والمؤسسات الثقافية في الترويج للأدب والكتب حول العالم، ربما لتجسر الفجوة بينها وبين قطاع الأدب والكتب وجمهوره العريض من الشباب، فتستفيد وتفيد وهذا ما كان مع مبادرة بوك توك! وبعد أن وصف عالم اللسانيات والروائي الإيطالي الشهير أمبرتو إيكو، وسائل التواصل والمتواجدين بقوة فيها بجموع الحمقى، أصبح من الضروري أن يتم إعادة النظر بشيء من العدل يعطي هذه المنصات بعض الإنصاف، خاصة ونحن إزاء ظاهرة جديدة نسبياً ظهرت أواخر العام الماضي 2022، عندما بدأ آلاف الشباب حول العالم يشاركون كتبهم المفضلة على منصة «تيك توك» مستخدمين الهاشتاغ #BookTok، والذي كان موضوع اللقاء الأول لمجموعة مهمة من الشباب العرب المتبحرين في هذا المجال. عندما نشر هؤلاء الشباب الوسم الخاص بفكرة رفع كتبهم على منصة التيك توك، والذي دشن عصر كتاب التيك توك كانت المفاجأة، وهو أن الوسم أو ما يعرف بالهاشتاغ انتشر بشكل غير متوقع وصل إلى أكثر من 84 مليار مرة. وهو ما وثقته وسائل إعلام ألمانية في تلك الفترة. ومنذ نهاية العام الماضي وحتى اليوم توسعت الفكرة وشملت ملايين الشباب في المنطقة العربية…
الخميس ٢٤ أغسطس ٢٠٢٣
ذات يوم خريفي، حملني القطار السريع إلى مدينة فينيس الإيطالية، وصلت عصراً، غادرت القطار وكانت المحطة تعج بالسياح، ففينيس وجهة سياحية عالمية خاصة للرومانسيين والباحثين عن الحياة بطريقة مختلفة، حيث تحفل هذه المدينة التي تبدو كأنها نبتت من الماء، بكل ما هو غير اعتيادي؛ القصص، والعشاق، والفن، والكنائس والمطاعم والفنادق و... المقاهي ! مبكراً جداً في صباح اليوم التالي كنت أقف أمام موظفة الاستقبال، سألتها عن أجمل أو أفضل مقهى يمكنني أن أشرب فيه قهوة إيطالية أصيلة؟ قالت: بدل الأفضل والأفخم سأقترح عليك أقدم مقهى في فينيس، ما رأيك؟ وافقت بكل سرور، فقالت: لكن عليّ أن أقول إن الحصول على مقعد في هذا المقهى سيكون أمراً صعباً للغاية، ابتسمت بامتنان، فكتبت العنوان الذي اختطفته من يدها وغادرت مسرعة بعد أن شكرتها! بعد نصف ساعة كنت أمام المقهى المزدحم الذي ذكّرني بالمقهى الذي ظهرت فيه الممثلة جوليا روبرتس في فيلم (طعام، صلاة، حب)، كان مردّ الزحام أن الكل يأتي هنا ليحظى بفنجان قهوة في أقدم مقهى، الذي كان يحوي أربع طاولات فقط، بينما الكل يشرب قهوته واقفاً، وفي صخب مألوف عند الإيطاليين. في أيامنا هذه، ابتدعت بعض شركات الدعاية والتسويق تأجير أعدادٍ من الناس يصطفون في طوابير عند مداخل المقاهي والمطاعم لإيهام الناس برواج المكان، الشركات تستأجر هؤلاء المتسوقين الوهميين مقابل…
الثلاثاء ٢٢ أغسطس ٢٠٢٣
عمر الحمزاوي بطل (الشحاذ) محامٍ ناجح ورجل اجتماعي يعيش حياة صاخبة، تنتابه هواجس تفسد عليه حلاوة أيامه وعلاقاته، فإذا به يتخبط بين الضيق والملل والقلق، هذه المشاعر التي أفسدت الحياة الوادعة التي كان يعيشها في صحبة أسرته وأصدقائه، فما الذي طرأ على حياة عمر الحمزاوي ليقع فريسة هذا كله، ما جعله يترك الحياة ويعتزل كل شيء ويختفي تماماً؟ إنه الشعور بعبثية الحياة، وعدم وجود معنى لحياته، والذي سماه نجيب محفوظ «الحموضة» التي تفسد العواطف، والوقت. لكن هل كان عمر الحمزاوي مجرد شخصية في رواية فلسفية وجودية لا أكثر؟ في ظني أن محفوظ دارس الفلسفة، والموظف الروتيني المنضبط والكاتب الملتزم الذي لا يحيد ولا ينقاد لمزاجه وما يدور حوله، عاش بالفعل مرحلة الحيرة والضجر والقلق، والأسئلة الوجودية، كما عاشها الحمزاوي والتي ظهرت في العديد من رواياته. وبلا شك فإنها قد أفسدت عواطفه وتماسك أيامه، لكنه لم يفكر بالاختباء كما فعل عمر الحمزاوي، بل فعل ما أكبر، لقد ذهب بمعية صديقه لينتحرا وينهيا معاناتهما تماماً، وقد ذكر محفوظ هذه الحكاية لكنه لم يذكر اسم صديقه. إلا أن الصديق كشف عن نفسه عندما أعلن الكاتب أنيس منصور أنه هو من كان في صحبة محفوظ عندما ذهبا للانتحار بإلقاء نفسيهما في مياه النيل من أعلى الجسر. لكن وفي اللحظة الحاسمة، تراجع منصور وتبعه محفوظ،…
الإثنين ٢١ أغسطس ٢٠٢٣
لا يجد المروجون والمسوقون والباعة، وسيلة لإقناع الزبائن بمنتجهم وبالتالي ضمان بيعه بيسر وسهولة، أفضل من عبارة (إنه الأكثر طلباً بين زبائننا / أو إنه الأسرع نفاداً، أو قد يفوتك الحصول على المنتج/ أو هناك قوائم تنتظر دورها) ..! إنها ثقافة أو خدعة (البيست سيللر) أو الأفضل مبيعاً، سواء كانت السلعة مغرفة آيس كريم أو عطراً فاخراً أو رواية! وما عليك سوى أن تصدق وتجري لاهثاً قبل أن يفوتك الحصول على نصيبك من الخدعة، أقصد من البضاعة التي غالباً ما تصطف أكواماً في المخازن! حكت لي صديقة من مدة، أنها كانت تستخدم عطراً خلاباً بالفعل، كانت رائحته تضاهي عبق أكثر العطور الفاخرة والغالية، بينما ثمنه لم يكن يتجاوز الـ 50 درهماً فقط، وأظنها قالت لي إنه كان يباع في الجمعية التعاونية أو في الأكشاك التي تنتصب في ممرات المراكز التجارية، لكنه بعد مدة من تهافت الناس على شرائه أخذ ثمنه يزيد وبشكل مفاجئ وصل سعره إلى 500 درهم ثم أصبح من الصعب الحصول عليه، صار بيست سيللر وعليك أن تنتظر ضمن طابور المنتظرين! وراء هذا العطر لعبة تسويقية واضحة، أن يباع بثمن بخس لضمان التعريف به وانتشاره والاعتياد عليه، فإذا اختفى فجأة يلهث المدمنون عليه بحثاً عنه ويقفون في الطوابير لأجله وتتحقق الأرباح، ما يذكر بخطة مجلة (مدام لوفيغارو) النسائية…