عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

آخر الأخبار؟

السبت ١٨ مارس ٢٠٢٣

  لا يكاد يمر علينا وقت طويل دون مفاجآت، ودون شيوع تقليعات وظواهر نقف أمامها حيارى لا نعرف ماذا نقول، هل نقبلها ونتبع السائد ونتجنب التهكم والسخرية، أم نحافظ على البقية الباقية من سمتنا وحكمتنا ونختار أنفسنا وقناعاتنا؟ لحظتها يقفز السؤال: هل نستطيع ذلك فعلاً؟ لقد أصبح قرار أن تعيش مع الجموع دون أن تكون جزءاً من عواطفهم وأفكارهم وسلوكهم أمراً في غاية التعقيد! كنا فيما سبق إذا قابل أحد أصدقاءه سألهم عن آخر المستجدات، فيكون الجواب غالباً: لا جديد تحت الشمس! أي أن شمس اليوم قد أشرقت دون أن يحمل لنا يومها أي أمر أو خبر جديد، جيداً كان أو سيئاً، وهنا نتذكر المثل القائل (عدم وجود خبر جديد يعتبر خبراً جديداً)، فالناس تحب الثبات أكثر من التغيير. أما اليوم فمنذ لحظة اللقاء الأولى، والأخبار الجديدة لا تتوقف، كأنك تجلس في حضرة وكالة أنباء عالمية، الكل يتحدث والكل لديه آخر خبر: آخر الأجهزة، آخر البرامج والتطبيقات، آخر المطاعم، آخر الأكلات اليابانية، أحدث أصناف القهوة، أحدث تقنيات التجميل، آخر أفلام ومسلسلات نتفليكس، آخر معارك تويتر لكسب متابعين جدد، آخر موديلات الساعات والحقائب وأحذية الرياضة ووجهات السفر، و.. مهنة (مدرب الحياة) واحدة من المهن الجديدة والغريبة التي دخلت حياتنا مؤخراً وبشكل كبير، وكنت قد سمعت عن هذا المصطلح لأول مرة منذ…

هل يبدو المستقبل مخيفاً؟

الأحد ١٢ مارس ٢٠٢٣

لطالما وجد الإنسان في أدوات ومجالات الذكاء الاصطناعي ما يطمئنه أن المستقبل سيكون أكثر راحة وسهولة في مختلف مجالات الحياة، عكس ما حاولت الكثير من الأدبيات وأفلام السينما والدراسات الاقتصادية إيصاله للناس من أن المستقبل سيكون مخيفاً جداً، بسبب تزايد الحروب والأوبئة ونقص الموارد، وأن لا شيء يبشر بخلاف ذلك! فماذا علينا أن نصدق؟ وإلى من علينا أن نركن؟ تشير كل الدراسات والحقائق التي نعايشها إلى أنه من بين الكثير من المجالات التي تشغل بال الإنسانية فإن الصحة والتعليم ومستقبل الشباب والأسرة والاقتصاد، تعتبر مجالات تشكل هاجساً دائماً للكثيرين، وبالتأكيد فإن التعليم هو المجال الأكثر قلقاً، إلا أنه كذلك الأقرب اتساقاً واستفادة من أدوات وبرمجيات الذكاء الاصطناعي، فبه يمكن للمدرسين تقديم تجارب تعليمية ذات إمكانيات غير محدودة. وبالتأكيد يمكن للنماذج التعليمية القائمة على الذكاء الاصطناعي تقييم قدرة الطلاب على التعلم، ومن ثم اقتراح المواد والتخصصات المناسبة لهم، وبلا شك فإنه يمكن للروبوتات مساعدة المعلمين في إنجاز العديد من المهام، واستغلال وقتهم بشكل أكثر كفاءة ما يخفف من الضغوط عليهم، لكن ماذا عن لجوء الطلاب إلى برامج الذكاء الاصطناعي التي تنجز الوظائف المدرسية، وتقوم بعمل الأبحاث والدراسات في لمح البصر؟ في مجال الخدمات والرعاية الصحية يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث ثورة هائلة، فباستخدام الأنظمة الذكية يمكن للمهنيين والأطباء تحليل البيانات ووضع…

المدينة بعيداً عن الاعتياد!

الخميس ٠٢ مارس ٢٠٢٣

حين تسافر إلى مدينة كبرشلونة لأول مرة، ستكون محظوظاً حين تحظى بغرفة واسعة، تتوافر فيها شرفة تطل على الشارع، وها أنذا أقف في هذه الشرفة، بعد نهار طويل وشاق من السفر، نعم السفر مشقة، لكن بعض المتع العميقة لا تكون بين يديك، ما لم تعبر طريق المشقة ذاك، تلك هي معادلة الحياة الثابتة. برشلونة تضع بصمتها على كل شيء، ابتداء من واجهات الفنادق، وحتى الشرفات الصغيرة، سألت موظف الاستقبال عن بعض التفاصيل: اسم الفندق، رائحته التي لا تقاوم، ركن القهوة والشاي والمخبوزات، قال لي مبتسماً بتحفظ: كل شيء هنا يعود للتقاليد الكاتالونية، ابتداء باسم الفندق: كاتالونيا، وانتهاء بكل ما نستخدمه، منتج ومصنّع محلياً من الخامات والموارد الطبيعة لكاتالونيا. وقفت طويلاً أتأمل الشارع الطويل الغارق في الأضواء، والمزدحم بالسيارات، قلت لنفسي: إنه ككل شوارع المدن في العالم، لا يختلف عنها في شيء، والحقيقة أن كل شيء وكل شخص لا تعرفه، يعتبر عادياً جداً وشبيهاً بأي شيء مر بك في حياتك، ووحدها المعرفة، والاقتراب، تزيل قشرة الغموض والحالة العادية، مانحة الأشياء تصنيفها وخصوصيتها. حين خرجت في الصباح، ومشيت في شارع الرامبلا، وتوقفت عند الأكشاك التي تبيع التذكارات، ثم أخذتني قدماي إلى السوق الشهير، حيث الخضراوات والفاكهة والأجبان والعصافير واللحوم… ومن هذا السوق الذي يتوسط أشهر شوارع المدينة، سأكتشف أن برشلونة واحدة من…

مهن المستقبل

الأحد ٢٦ فبراير ٢٠٢٣

يبدو التساؤل عن المهن والوظائف في المستقبل فكرة جديرة بالبحث، فالكل يريد أن يعرف نوعية الوظائف التي سيقبل عليها الشباب، وستحتاج إليها الحكومات، وتلك التي ستتلاشى ولن يعود لها أية أهمية، لكن هل ستتلاشى وظائف لطالما عمل بها الناس فعلاً؟ نعم سيحدث ذلك حين لن يكون الإنسان في حاجة إليها، فكل وظيفة ظهرت كانت إما وظيفة مهمة في حد ذاتها نتيجة ما تقدمه من خدمة، فظهورها جاء تلبية لحاجة الناس والمجتمع والحياة. وإما أن تكون وظائف طفيلية استهلاكية ليس لها مردود حقيقي على حياة الناس، ولا أثر لها في مسيرة البشرية والحضارة، لكنها ظهرت تلبية لاهتمامات جديدة ظهرت في الحياة وبين الناس، أو استجابة لظواهر طارئة لا أكثر. من هنا تساءلت جريدة الديلي ميل البريطانية في عددها بتاريخ 26 يناير الماضي عن مهن المستقبل.. فما يريد العالم أن يفعله من أجل لقمة العيش؟ فعلى خريطة العالم وزعت الدول، ورصدت حسب إحصاءات مختلفة تمت متابعتها على مدى 12 شهراً، لتظهر في النهاية تلك المهن التي ستتألق في مختلف دول العالم في السنوات المقبلة، وعلى النحو التالي الذي بدا في بعض تفاصيله غير مقنع إلى حد كبير. أظهرت الخريطة التي تصدرت تحقيق الجريدة أن وظيفة الطيار هي الوظيفة التي ستحظى بالمركز الأول، وستكون حلم أغلب الشباب، سواء كانوا في الولايات المتحدة الأمريكية…

مكتباتنا

الأحد ٢٩ يناير ٢٠٢٣

توقفت عند سؤال طرحه أحد الأصدقاء في صفحته على تطبيق فيسبوك، يخص هؤلاء الشغوفين بالقراءة والكتب، يقول السؤال: أين ستذهب مكتبتنا الشخصية عندما نرحل؟ ماذا سيفعل بها أهلنا؟. تساءلت معه نفس السؤال، لأعرف مآل هذه الكتب، فهل سيتقاسمونها في ما بينهم؟ يبدو أن هذا خياراً مستبعداً، لكن، وعلى اعتبار أنك لست القارئ الوحيد في العائلة، فربما ستؤول مكتبتك لهذا القارئ الذي كان دائماً ما يمنّي النفس بالاستيلاء عليها، حتى إن ذهنك غالباً ما كان يذهب إليه، بمجرد أن يختفي كتاب ما عندك! ربما سيتبرعون بها لمكتبة المدينة؟ أو سيبيعونها بالسعر الذي يعرضه أول المشترين؟ وقد يملؤون بها عدداً ضخماً من الكراتين، ويزجونها في مخزن مهجور، حتى إذا مر زمن طويل على تخزينها، وبدأت رائحة الكتب المخزنة تعكر صفو المنزل، استدعوا إحدى الشركات، وطلبوا منهم التخلص منها! لا بد أن تتخيل الرحلة التي ستقطعها كتبك بعد رحيلك، فإذا لم تفكر في الأمر سابقاً، فحاول أن تفعل، وابحث لها عن متبنٍ جيد يعرف كيف يرعاها. في السنوات المقبلة، ربما بعد عشرين عاماً أو أكثر، سيتضاءل الإقبال على الكتب الورقية، هذا الاحتمال وارد بنسبة معينة، وستبدو الكتب التي نمتلكها اليوم، أشبه بالنسخ النادرة، لكنني أستبعد انقراض المكتبات، فإن لم تنقرض المكتبة طيلة هذه القرون الممتدة منذ تأسست مكتبة الإسكندرية، على يد الإسكندر الأكبر…

ماذا لو لم نتصارع؟

الأحد ١٥ يناير ٢٠٢٣

تساءل أحد الكتاب على صفحته في تويتر: (ماذا لو مزقنا كل الصفحات الدموية السوداء من تاريخ العالم، وركزنا على الصفحات السعيدة المشرقة.. هل سيساهم ذلك في التخفيف من مشاعر الكراهية والعداء التاريخي بين الأمم؟). إنه سؤال البحث عن مخرج من مأزق الإنسان الأكبر، السؤال الذي طرح وبمقدار ملايين المرات وسيطرح دائماً، وهو دليل على أمرين، الأول: وعي الإنسان الثابت بأن الكراهية صفحة سوداء في تاريخه لم تؤسس لغير الدمار، وثانياً: الإيمان بأن السلام والخير هما الحل والمخرج رغم صعوبته. فهل تمزيق الصفحات السوداء لتاريخ العداء والكراهية والحروب.. الخ، من الذاكرة الإنسانية حل منطقي ممكن التطبيق؟ هل يمكن للإنسانية اليوم أن تمحو جزءاً ضخماً من تاريخها المدون والشفاهي والمتوارث والمحفوظ في الكتب والمخطوطات والمتاحف والأعمال الدرامية واللوحات الخالدة والأساطير؟ على سبيل المثال: هل يمكن لسكان أمريكا الأصليين وسكان أستراليا أن ينسوا ما فعله الرجل الأبيض وهو يستولي على أراضيهم؟ علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والحضارات والسياسة يجزمون بأن التاريخ تأسس على منطق الغالب والمغلوب، وأن الحياة مستمرة بمبدأ التدافع والصراع، ولولا ذلك ما قامت حضارات وما تأسست أمم وإمبراطوريات، ولما اندفع الناس للتعمير والبناء والاختراع.. الخ، فالتنافس يولد الصراع والصراع يقود فيما بعد إما إلى هزيمة وإما انتصار! المشكلة أو الحقيقة الأكيدة هي استحالة تجنب الصراعات، فالحياة مليئة بالمشكلات، فأنت تتصارع منذ كنت…

في الصداقة والصديق (2)

السبت ٣١ ديسمبر ٢٠٢٢

حين قرأ الكاتب الأمريكي بول اوستر ما جاء في رسالة صديقه كوتزي حول الصداقة وغموض اشتراطاتها، كتب له رداً أوضح له فيه موافقته على ملاحظاته، مؤكداً له بالدليل ومن واقع حياته وعلاقاته أن قلوب الرجال صناديق مغلقة بالفعل، وأنهم من النادر أن يبوحوا بمشاعرهم لأصدقائهم، فيقول إنها عادة الأصدقاء الرجال في الغرب، وربما تكون عادة الرجال في صداقاتهم في كل مكان! لقد فوجئ بول اوستر بصديقه المقرب جداً وهو كاتب أمريكي معروف كما يذكر، يرسل له بالبريد نسخة من مخطوطة كتابه الأخير ليقوم بقراءتها وإبداء الرأي فيها كما اعتاد دائماً قبل أن يدفعها للنشر، ما فاجأ أوستر أن صديقه قد جعل إهداء الكتاب له دون أن يقول له ذلك أو يبدي له ما يوحي بهذه العاطفة القوية. يقول اوستر: (ما أحاول إخبارك به هو أنني أعرف هذا الرجل ولا أعرفه، إنه أعز أصدقائي برغم أنني لا أعرفه، إذا ذهب غداً فسطا على بنك ستكون صدمة لي، وإذا خان زوجته فسأشعر بالإحباط، كل شيء وارد، لأن للرجال أسرارهم التي يكتمونها حتى عن أعز أصدقائهم، لكنني سوف أتأذى لأنه لم يأتمني، بما يعني أن صداقتنا لم تكن بالمصداقية التي كنت أفترضها). الغريب أن في مطلع رسالة (الصداقة والصديق) لأبي حيان التوحيدي، ترد محادثة لطيفة بين التوحيدي وأبي سليمان محمد بن طاهر السجستاني…

قوة الخطأ!

الثلاثاء ٢٧ ديسمبر ٢٠٢٢

«القوة الفائقة للخطأ» يبدو المصطلح غريباً أو صادماً بعض الشيء، نعم، لكنه صحيح تماماً، ومهما أظهر البعض اندهاشه من أن يصبح للخطأ هذه القوة إلا أن الواقع يقول العكس تماماً، فللخطأ أحياناً كثيرة قوة لا نتخيل حدودها وتمددها وسيطرتها على الأفراد والجماعات، حتى أننا نقف حائرين في القوة الخفية التي تمنح هذا الخطأ هذه القوة على البقاء والاستمرار رغم إجماع الكل على خطورتها. إن الوضع الذي نراه أمامنا أو الموقف الذي يحصل أو الحالة التي نعاينها وتكون خاطئة بشكل واضح لا جدال فيه، يمر أحياناً مرور الكرام ويغض الطرف عنه بشكل مثير للريبة: كحارس متحف سرق قطعة أثرية منه وبقي مكانه، وكرجل مؤتمن على جمع التبرعات في مؤسسة خيرية يستولي على الأموال دون مساءلة، وكمسؤول في دار للوثائق يهرّب مخطوطات للخارج وقد شوهدت وهي تباع بالفعل وتختفي بشكل نهائي بينما يحتفظ هو بعمله، وككاتب يثبت تورطه في شراء مقالات وقصص وينشرها باسمه بينما يستضاف في المؤتمرات والندوات بكل بساطة.. إن أمثلة كهذه لا تعد ولا تحصى. هذه مجرد نماذج لا أكثر، لأخطاء وتجاوزات شائعة في كل مكان من العالم، ومثلما يمثل الفساد خطراً شرساً لأي إدارة ولأي دولة ومجتمع، فإن القائمين على حراسته يمثلون الخطر الأشد شراسة، وهؤلاء ينتشرون ويتمددون بأكثر من شكل في المؤسسات تحديداً، هؤلاء الذين يرون الفساد…

المستكشف الإماراتي راشد

الإثنين ١٢ ديسمبر ٢٠٢٢

«علمتنا الأيام وعلمناها أن المستحيل وجهة نظر، وأنه لا يوجد حدود للتميز في السباق نحو الريادة، كما علمتنا وعلمناها أن الرؤية الواضحة والعزيمة القوية والرجال المخلصين يستطيعون تحويل الحلم إلى حقيقة».. هذه واحدة من أهم وأجمل ما قاله الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الرجل الذي يصفق لكل إنجاز فردي أو جماعي، إماراتي أو عربي، مؤكداً بثقة أن «المستحيل ليس عربياً»، و«كلمة مستحيل ليست في قاموس دولة الإمارات». على هذه الرؤية الطموحة جداً، والسباقة بما لا يمكن اللحاق بها بنت دولة الإمارات برنامجها الطموح لاستكشاف الفضاء بدءاً بالمريخ، الذي تابعناه وتابعه العالم، واليوم إلى القمر، وغداً إلى ما هو أبعد وأكثر نفعاً للإنسانية، فقد أطلقت الإمارات المستكشف راشد للهبوط على سطح القمر، لتكون بذلك الدولة الرابعة عالمياً والأولى عربياً التي تهبط على سطح القمر، في رحلة طويلة تستغرق حسب الخبراء ما يقارب خمسة أشهر، ما يعني أن المستكشف راشد سيصل إلى هدفه في شهر أبريل من العام المقبل 2023. المستكشف راشد جزء من برنامج فضائي طموح لدولة الإمارات، كما أعلن الشيخ محمد، وهو برنامج بدأ ولن يتوقف، لأن الإمارات ماضية بكل جدية نحو كسر حاجزين؛ حاجز انعدام الثقة في الإرادة والإمكانات العربية، والذي تسبب في سجل حافل من التردد والغياب العربي الكامل عن هذا المضمار عن المشاركة في المنجز الفضائي…

الكرة.. فرح العالم

الإثنين ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٢

لو لم يكن لكرة القدم من فائدة أو قيمة كما يرى البعض فيكفي أنها تؤسس لهذه الحالة من السعادة، والمشاركة لا تتكرر، وهي حالة يسعى لها الناس منذ خلقهم الله، هذه الحالة الإنسانية، التي تدور أسئلة الكثيرين وبحثهم عنها دائماً، ويرون بأن الحياة تفقد معناها تماماً حين يعجز الإنسان عن أن يحظى بها أو يمارسها، فيفقدها بسبب نمط المعيشة أو تغير ظروف الحياة والعلاقات الاجتماعية، فتأتي كرة القدم لتستثير في الناس ألف شعور وشعور من البهجة، وسط انفعالات إنسانية متفاوتة، ومتدفقة بعفوية لا مثيل لها، ولا يمكن ضبطها. يحب مشجعو كرة القدم مشاهدة المباريات الحاسمة والمصيرية لمنتخبات بلدانهم أو الفرق، التي يشجعونها، ضمن مجموعة من الأصدقاء يتشاركون الجلوس في أمكنة خاصة أو بعض المقاهي المفتوحة، فيتحول الحماس الذي يملأ قلب اثنين أو ثلاثة إلى موجات متدفقة، تنتقل إلى الجميع، معبرة عن نفسها بالصراخ والتصفيق والضحك الهستيري والعناق العفوي، هذا التشارك العاطفي الجماعي هو أحد أكثر تجليات الترابط الإنساني، الذي يسعى له الناس في الحياة المعاصرة، وفي كل الأوقات. ما من لعبة أو رياضة لديها هذا المستوى من الاستحواذ على عواطف الناس، وهذا الحضور الشعبوي على امتداد الكرة الأرضية، ومن هنا يكتسب مونديال كأس العالم أهميته ورونقه واهتمام الإعلام، ووكالات الأنباء والجماهير وحتى الحكومات بنتائجه ولاعبيه، ولهذا يتحول لاعبو كرة القدم…

في المعاني اللانهائية/ السخرية

الإثنين ١٤ نوفمبر ٢٠٢٢

لا يشكن أحد في أن السخرية معنى واسع جداً، ولا نهائي، فالسخرية ليست معنى ضيقا وبسيطا كما قد يعتقد البعض، بل هو معنى متعدد وشمولي، يصل إلى حد التناقض أحياناً بمعنى أنه معنى حمّال أوجه، كيف؟ أولاً لأن السخرية سلوك منبوذ، بل ومحرم، فكل الأديان والمبادئ والتوجهات التربوية تنهى عنه، وتحض على تجنبه، كما في ديننا (لا يسخر قوم من قوم). والسخرية تيار فني عظيم الأثر، لجأت إليه مسارح وفرق فنية كبيرة، لتعبر عن مواقفها المعارضة: السياسية أو الدينية أو الاجتماعية، بشكل يجعلها تقول رأيها بحرية، وفي نفس الوقت تكون في مأمن من العقوبة! وهذا ما يطلق عليه علماء السلوك السياسي «المقاومة بالحيلة». لماذا نسخر؟ عادة لأن هناك ما لم يعجبنا، أو لأن لدينا موقفاً أخلاقياً من أمر ما، ليس بالضرورة أن نكون محقين حين نسخر، فقد يسخر قوم من قوم، وأطفال من أطفال، ونساء من نساء، يكونون أفضل منهم، لكن لماذا كل هذا التحريم للسخرية؟ فالدين يعده إثماً، والنظام الاجتماعي يعده تنمراً، أما أخلاقياً فهو سوء أدب؟ لأن السخرية مدمرة، وجالبة للكثير من المآسي للشخص، الذي يتعرض لها. من زاوية أخرى فقد منعت السلطة رواية ميلان كونديرا «الضحك والنسيان»، لأنها تسخر من الحكم الشيوعي يومها، واعتُبرت روايته النوفيلا «حفلة التفاهة» حفلة سخرية ضد ستالين، وفي المجمل فإن الأدب قد…

في المعاني اللانهائية / التفاهة

الثلاثاء ٠١ نوفمبر ٢٠٢٢

بودي أولاً أن أشير إلى علامتين مضيئتين، كانتا سبباً في تفكيري في موضوع التفاهة: الإشارة الأولى رواية للكاتب التشيكي ميلان كونديرا، بعنوان «حفلة التفاهة»، وهي رواية من النوع القصير، الذي يعرف بالنوفيلا، والإشارة الثانية كتاب في غاية الأهمية للفيلسوف الكندي آلان دونو، بعنوان «نظام التفاهة»، حيث شكل مفهوم التفاهة الموضوع الرئيس للكتاب، والذي يعني كما حاول الكاتب شرحه ونحته: كل ما ومن هو ناقص الأصالة والكفاءة والقيمة.ولقد أثار الكتاب منذ صدوره الكثير من النقاشات، كونه يتناول موضوعاً ماساً بحياة واهتمامات الجميع، فمن ذا لم يتساءل يوماً إزاء ترقي زميل متوسط النباهة والأداء: لماذا تم اختياره هو تحديداً للترقية؟ كما أن الكتاب يتناول أسئلة القيم وسيادة السطحية بين الكثيرين، وحالة الرداءة السائدة في إنتاج الأشياء وإنتاج الأفكار معاً! هناك ميل شديد للرداءة، وابتعاد عن الجدية والصرامة، وهناك تخلٍ متقصد عن شروط الجودة ورفعة الذوق، التي كانت تصف معظم الأداءات الإنسانية فيما سبق، في إنتاج الفن والسينما والسيارات والأزياء، والمسلسلات التلفزيونية، والفلسفات الفكرية، وصولاً لأنماط ارتداء الثياب، والتعاملات بين الناس في الشارع وفي الأسواق والمقاهي، لقد أصبحت الأمور وكأنها خارج التقييم، أو كأنها لم تخضع لشروط دقيقة قبل السماح بممارستها أمام الناس! يحدث ذلك وأكثر في كل مكان في العالم للأسف، حتى صار الإقدام على أي فعل أو فكر رديء محل ترحيب…