السبت ٢٢ سبتمبر ٢٠١٢
في كتابه الشيق، «العرب: وجهة نظر يابانية»، يشير نوبوأكي نوتوهارا إلى أن المدارس في اليابان تخصص مادة مهمة في «الأخلاق»، وكم تمنيت لو أننا في العالم العربي نُدرّس الأخلاق، لكننا -بكل أسف- لا نمتلك البيئة الصح لتدريس مادة الأخلاق. فأكثر ممارسات الواقع تناقض ما يمكن أن يندرج في قائمة الأخلاق، فكيف يصدق التلميذ أستاذه، وهو يرى حوله أشكالا شتى من صور النفاق والكذب والازدواجية؟ وكيف يتعلم التلميذ أن يحرص على نظافة الأماكن العامة وهو يمر يومياً عبر شوارع ممتلئة بالنفايات، ويرى من يكبره في العمر يرمي القمامة في الشارع، أو يدخن أمام لوحة «ممنوع التدخين»؟ ما أكثر الأفكار الجميلة و«المثالية» في مناهجنا. لكنها حبر على ورق. الواقع مختلف. والإنسان غالباً ما يتأثر بما يراه بعينه على الأرض. مهم جداً أن نقرأ عن الأخلاق، وأن نعرف ما يندرج في قائمة اللائق وقائمة غير اللائق في السلوك والتعامل مع الناس. لكن الأهم أن تكون تلك الأخلاق في المواقف والسلوك ممارسة حية داخل المجتمع لا مجرد أفكار في كتاب. لا تقوم حضارة من دون أخلاق. و «فوضى» الأخلاق هي نتيجة للتخلف والقمع الذي تعيشه المجتمعات؛ وما ازدواجية القول والفعل إلا شكل من أشكال فوضى الأخلاق، أو غيابها إن شئت! تأمل في خطاباتنا كم تبدو في كثير من جوانبها مثالية. ثم قارن بين الخطاب…
الجمعة ٢١ سبتمبر ٢٠١٢
أغادر الصين بتجربة ثرية و دروس كثيرة. أول الدروس التي تعلمتها من جولتي في الصين أن أعيش التجربة على الأرض قبل أن أحتكم في أحكامي على قراءات مختلفة أو على ما تشكل في الوعي من كلام الآخرين. وجدت صيناً مختلفة عن تلك الصين التي تشكلت في ذهني إلى ما قبل أسابيع. وجدت مدناً أنيقة و منظمة. و رأيت شعباً حيوياً يعمل ليل نهار في تناغم و كأنه على علم مسبق أنه سيمتلك المستقبل. مشيت في شوارع بكين لساعات طويلة و لم أتعرض لما يمكن أن يعكر المزاج أو يثير الخوف. شعب منظم محترم يتعامل مع زائر المدينة بأدب جم. و الأهم عندي أنني رأيت بعيني كيف تتبنى الصين اليوم مشروعاً تنموياً عملاقاً سينقل الصين في غضون سنوات إلى أهم لاعب في ساحة الاقتصاد العالمي. استمعت إلى مسؤولين رسميين و رجال أعمال و دبلوماسيين و أكاديميين و أناس أقابلهم في الأسواق و المطاعم. و الجميع هنا يتحدث لغة واحدة و واثقة: المستقبل لنا. دهشت من نظافة المدن الصينية التي زرتها و فسحة شوارعها و ميادينها. و مشاريع التنمية لم تتركز في المدن و تهمل الأرياف. صناع السياسة التنموية في الصين مدركون جيداً لأهمية تنفيذ مشروعات تنموية متوازنة. فحصة المناطق المتأخرة اقتصادياً في مشاريع التنمية متكافئة مع المدن الكبرى. بل إن الأولوية…
الخميس ٢٠ سبتمبر ٢٠١٢
لعل قارئاً كريماً يعلق على العنوان أعلاه: يا أخي: أشغلتنا بالصين ومشاهداتك فيها. ومعه حق. لكن مهمة الكاتب أن يرصد مشاهداته. يكتبها. يشارك بها قراءه الكرام أملاً في “فائدة”. وأعترف هنا أنني مأخوذ بحجم المفاجأة الجميلة: الصين. هنا مشاريع تنموية عملاقة. ومستمرة. لكنها لم تأت فجأة. إنها من نتاج خطط خمسية متواصلة منذ العام 1979. وإن كنتَ مثلي مهموماً بالسؤال: لماذا تقدم الآخرون وتأخرنا، فلعلك تجد إجابات في تجربة الصين. فرق بين الإجابة المثالية التي نقرأها في التقارير والكتب وبين الإجابة الماثلة في المنجز على الأرض. أعرف جيداً أن التجربة الصينية ليست مكتملة. وثمة أسئلة كثيرة مهمة حول غياب بعض أوجه الحرية الضرورية وحول المخاوف من تبعات النمو الاقتصادي السريع. لكنني أكاد أجزم أن تلك الأسئلة هي في وعي صانعي السياسات الاقتصادية الصينية. هناك دروس تنموية في التجربة الصينية الراهنة ما أحوجنا في العالم العربي إلى قراءتها وفهمها. ولنترك أي خلاف “سياسي” مع الصين جانباً ونركز على “المشترك” في الهموم والمنافع التنموية. فما أنجز في الصين في وقت قصير وما يتوقع إنجازه قريباً في الصين أمر مذهل بكل ما تعنيه الكلمة. ولو بيدي لنظمت جولات عملية للمعنيين بالتنمية في منطقتي، من صناع قرار ومثقفين وأكاديميين وطلاب جامعات، للاطلاع على المنجز الصيني في أكثر من إقليم وقطاع. فالتجربة الصينية ربما تثير…
الأربعاء ١٩ سبتمبر ٢٠١٢
في التجربة التنموية الصينية المذهلة، تأتي التنمية أولاً. والتنمية هنا شاملة في مفهومها وأساليبها. فبناء مؤسسات رقابية شديدة الصرامة في أدائها من أساسيات التنمية. وإن كانت قراءتي التجربة الصينية دقيقة فإن معادلة التفوق الصيني تقوم على التالي: حسن ظروف معيشة الناس أولاً. أعطهم فرصة جيدة للتعليم الجيد. درّبهم على أفضل طرق الإبداع والابتكار. غيّر نمط حياتهم نحو الأفضل. ادعم التوجه نحو بروز طبقة متوسطة. أنفِق بسخاء على البنى التحتية. ابنِ في الأرياف والمناطق النائية ما تبنيه في المدن الكبرى. وعندها تحقق مشروع التنمية الشاملة. الملاحظ أن الخطاب الصيني –في العموم– يقرن التنمية الاجتماعية بالتنمية الاقتصادية. فإن لم تكن التنمية الاقتصادية من أجل تنمية المجتمع فستتحول مع الوقت إلى وجه قبيح للرأسمالية كما نرى اليوم في بلدان نامية كثيرة. الملاحظ أن الصينيين قد حسموا الأمر منذ زمن وقرّروا الانفتاح «المتزن» على العالم. لكن طموحهم كان ومازال أن يمتلكوا مقومات الدولة المتفوقة. فالانتصار في سباق الأوائل خارج الحدود مشروط بنجاح تجربة الداخل. لا يمكنك أن تكون قوياً خارج منزلك إن كنت ضعيفاً داخله. لكن ثقة الصيني اليوم في ذاته لم تأتِ من فراغ. إنه يرى استثمارات بلاده تطوف العالم كله. ويرى بنفسه نتاج خطط التنمية العملاقة تؤتي ثمارها داخل الوطن، مما انعكس على نمط حياته. ولكي ينجح الصيني في مشروعه التنموي لابد…
الثلاثاء ١٨ سبتمبر ٢٠١٢
معهد الصين للدراسات الدولية في بكين يعدّ من «مطابخ» السياسة الخارجية الصينية. تأسس عام 1956 ويتبع وزارة الخارجية الصينية. في المعهد مائة باحث رئيس «متفرغ» مهمتهم مساعدة الخارجية الصينية في فهم القضايا الدولية ورسم سياسات الصين الخارجية. استمعت أمس لشرح مفصل عن المعهد من نائب رئيس المعهد، الذي أكد حرص المعهد على بناء علاقات تعاون مع مراكز الأبحاث المشابهة في دول مجلس التعاون. العلاقات الصينية الخليجية مهمة للصينيين لأسباب كثيرة من أهمها موضوع الطاقة. وما إن بدأنا نتناقش في السياسة حتى طغى الدعم الصيني لبشار الأسد على الحديث. رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في المعهد انبرى للدفاع عن الموقف الصيني. قال «إن بشار الأسد جزء من المشكلة ولابد أن يكون جزءاً من الحل». قلت إن بشار أساس المشكلة ولا حل دون رحيله. الذي أفهمه اليوم أن الصين تقف هذا الموقف المؤسف تجاه ثورة السوريين ليس لأن أحد مبادئ سياستها الخارجية –كما سمعت أمس في معهد الصين للدراسات الدولية– عدم التدخل في شؤون الآخرين. المسألة أكثر تعقيداً. الصين تغازل روسيا سياسياً واقتصادياً لأنها تشعر بحاجتها لحليف قوي في وجه ما تراه «لعبة» أمريكية في مناطق النفوذ الصيني. وخلاف الصين الحالي مع اليابان حول الجزر المختلف عليها، التي أممتها اليابان قبل أيام، أحد الأمثلة الحية على قلق الصين تجاه الموقف الأمريكي. يدرك…
الإثنين ١٧ سبتمبر ٢٠١٢
خطوة مهمة لدعم الاقتصاد الوطني والتخفيف من أزمة البطالة قد تأتي في دعم مشاريع الشباب. وللدعم أكثر من وجه. فتسهيل إجراءات تسجيل المؤسسات وتخفيف رسوم التسجيل والمرونة في التعامل مع أفكار الشباب وتشجيعها كلها خطوات مهمة لدعم الشباب. والأهم أن نشجع الشباب على “المغامرة المدروسة” في الأعمال. وكم أتمنى لو نعد برنامجاً يجمع بين أهل الخبرة من رجال الأعمال والشباب المبتدئين في مجال الأعمال. مهم جداً أن لايبخل الناجحون من رجال الأعمال على الشباب بالنصيحة والمشورة. والأهم أن يسهم مجتمع الأعمال المؤسس في تمويل مشاريع الشباب وربما الدخول في شراكات تسهم في ترجمة أفكار الشباب إلى مؤسسات وشركات ومشاريع. وتلك مسؤولية أخلاقية ووطنية على مجتمع الأعمال في بلداننا أن يتنبه لها. كثيراً ما رأيت رجل الأعمال الأردني الناجح فادي غندور، وهو مؤسس شركة أرامكس، يحاور الشباب حول ريادة الأعمال ويشجعهم على ترجمة أفكارهم إلى مشروعات على الأرض. ريادة الأعمال واحدة من الحلول المطروحة لمواجهة كارثة البطالة في العالم العربي. فكم من مشروع صغير كبر مع الأيام حتى صار من معالم الاقتصاد الناجحة. والأمثلة الناجحة عالمياً كثيرة. ألسنا اليوم نعيش لحظات “الانبهار” بتجربة الفيسبوك وقبله جوجل؟ كثيراً ما تمنيت على الأصدقاء الأعزاء فادي غندور وعلي الشهابي وإحسان جواد وسميح طوقان كتابة تجاربهم الناجحة في ريادة الأعمال لعل شباب منطقتهم يتعلمون منها…
الأحد ١٦ سبتمبر ٢٠١٢
في محطة القطار ببكين، صباح أمس، و في الطريق إلى مدينة تياتجين، تمنيت لو يأتي كل مسؤول في العالم العربي معني بالتنمية و البنى التحتية لكي يشاهد حجم المنجز الصيني العملاق. و تمنيت أن أسأل المعنيين بالبنى التحتية في العالم العربي: ماذا بنيتم في أوطانكم؟ قد لا أبالغ إن قلت إن حجم المنجز في مدينة صينية واحدة خلال العشر سنوات الماضية ربما فاق كل المنجز في كل العالم العربي خلال ذات الفترة. و الصينيون ينجزون مشاريعهم العملاقة بهدوء و بلا «طنطنة» إعلامية كتلك التي ندمنها في العالم العربي حتى ليكاد المرء منا يشك أننا قد اكتشفنا وجود الماء في المريخ. و مع ذلك أقول لنطنطن ليل نهار و لكن دعونا ننجز. أمس، و قد غلبت الدهشة من حجم المنجز في بكين و تياتجين، خاصة في مشاريع البنى التحتية، أسفت للميزانيات الضخمة التي نسمع عنها في أكثر من بلد عربي من دون أن نرى ما يوازيها من منجزات على الأرض. مشاريع من مثل التي رأيت في الصين هي استثمار في المستقبل. فماذا بنينا نحن لأجيال المستقبل في بلداننا؟ لا تملك أحياناً سوى أن ترى هذا الهدر المهول في ثروات العرب من دون بناء حقيقي في قطاعات الصناعة و البنية التحتية. و سألت أمس : هل من المعقول ألا يشاهد وزراؤنا و…
السبت ١٥ سبتمبر ٢٠١٢
الصيني حينما يتحدث معك في الاقتصاد فهو غالباً لا يحيد عن موضوعه. حاولت أمس وأمس الأول أن أجر الصينيين الذين التقيت بهم، من مسؤوليين حكوميين ورجال أعمال، للحديث حول قصة الخلاف الناشب حالياً بين الصين واليابان بعد أن قررت الأخيرة تأميم جزر مختلف عليها، لكن الجميع يركز في الحديث على الاقتصاد. ومن قبل زيارتي الصين كنت أسأل نفسي كثيراً لماذا نحب في العالم العربي أحاديث السياسة وكأنها قوت البقاء؟ ثمة فوارق كبيرة في نوعية الإنتاج بين «الفرد الشامل» و«الفرد المتخصص». نميل في العالم العربي لأن نكون من فئة «الفرد الشامل» الذي يتحدث في كل شيء ويُفتي في كل شيء ويزعم معرفة كل شيء. ألاحظ في زيارتي الراهنة للصين أن الصيني لا يتحدث في غير موضوعه إلا نادراً. وهنا أؤكد أن تجربتي في الصين جديدة ومحدودة، لكنني أحاول رصد «انطباعات» حول الزيارة وهي انطباعات عامة قابلة للخطأ. لاحظت أن العرب يتحدثون مع نظرائهم الصينيين في السياسة أكثر من الاقتصاد. وزير الزراعة يتحدث في السياسة أكثر مما يتحدث عن التنمية الزراعية. ولعل وزير الصناعة العربي يسأل في السياسة أكثر مما يسأل في الاقتصاد. حديثنا في العالم العربي في غالبه سياسي حتى إن كنا نناقش مسائل تنموية. هل لأن «السياسة» تتحكم في كل مفاصل حراكنا؟ أم أننا ضحايا الهوس بالسلطة؟ أو كما قال…
الجمعة ١٤ سبتمبر ٢٠١٢
الصينيون يبدون مدركين ماذا يريدون من العالم العربي. فهمّهم الأول الاقتصاد. ومثلما اكتسحت استثماراتهم القارة الإفريقية فطموحهم أن ترتفع نسبة التبادل التجاري بينهم وبين العالم العربي. وحينما تتحدث مع أي مسؤول صيني تكاد تشك أنه يظن أن العالم العربي دولة واحدة. في كثير من الحوارات والكلمات التي شهدتها خلال الأيام الماضية في الصين استمعت لمسؤولين صينيين يلحون في تأكيد رغبتهم في الاستثمار اقتصادياً في العالم العربي. وخلال فعاليات المعرض التجاري والاستثماري الدولي الذي صاحبه الملتقى التجاري الاقتصادي الثالث للصين والدول العربية، كان الصينيون واضحين في التعبير عن خططهم ورؤاهم لعلاقاتهم التجارية مع العالم العربي. تحدث وزراء ومسؤولون عرب كثر في الملتقى. ولم أفهم ماذا يريدون من الصين؟ تحدثوا عن العناوين من دون تفاصيل. قالوا إنهم يرحبون بمبدأ الاستثمار الصيني في بلدانهم، لكنهم لم يشرحوا إن كانت بلدانهم مهيأة للاستثمار الأجنبي. ولا أظنهم يستطيعون نصح رأس المال العربي كيف يستثمر في الصين. الصينيون يعملون اليوم مثل خلية النحل من أجل الحفاظ على نمو بلادهم الاقتصادي. وهم يروّجون لمشروعاتهم الاقتصادية بذكاء خارق. ففي الوقت الذي ينعقد فيه منتدى الاقتصاد العالمي في مدينة تيانجين الصينية، تستضيف مدينة ينشوان المعرض التجاري والاستثماري الدولي 2012 – الصين. تشعر أن الصينيين، في فعالياتهم وحواراتهم، يعملون بروح الفريق الواحد. رسائلهم واضحة وموحدة. حتى ممثلو القطاع الخاص يشعرونك…
الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٢
في الصين، لا تستطيع دخول تويتر ولا يمكنك مشاهدة اليوتيوب. وعلى المدى البعيد، لن تستطيع الحكومة الصينية مواصلة هذا النهج الرقابي الصارم. فلا يمكن أن تتحقق تنمية شاملة وحقيقية من دون حرية. صحيح أن ما يحدث اليوم في الصين من نمو وحراك مذهل. لكن هذا لا يمكن أن يضللنا عن حقائق مرعبة في انتهاك حقوق الإنسان وصعوبة -إن لم يكن استحالة- نقد المؤسسة الحاكمة. لكنني أعترف بأنني منذ الساعات المبكرة لوصولي للصين قررت التصالح مع الواقع. فلن أفكر في تويتر ولا اليوتيوب ولا ما يحزنون! اكتشفت أيضاً أنني لم أعد متلهفاً على النظر في شاشة هاتفي كل خمس دقائق. لن تحترق الدنيا إن لم أقرأ تويتر لأيام. فكما عاش أجدادي مئات السنين من دون نفط فقد عشت وجيلي طويلاً قبل قدوم تويتر! هذا لا يعني -ولو تلميحاً- تصالحي مع فكرة الرقابة القبيحة التي تمارسها السلطات الصينية ضد وسائل التواصل الاجتماعي. على العكس من ذلك تماماً. لكنني أحاول أن أجد وجهاً إيجابياً لحرماني من تويتر واليوتيوب خلال زيارتي الحالية للصين. وعسى أن لايصل مقالي هذا للسلطات الصينية فأجد نفسي في طريق عودتي “ملطوعاً” في مكتب الجوازات بحجة “تشابه الأسماء” كما يحدث لي في “بلاد العرب أوطاني”! سأريح رأسي من قصص “القيل والقال” في تويتر ولو لأيام. ولن أنشغل بأكاذيب بعض “الأشقياء” في تويتر…
الأربعاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٢
لم تكن الصين “على الأرض” كما توقعتها من خلال ما قرأت. كانت أفضل. ما إن وصلت قبل أمس لمطار بكين حتى صدمت في المطار. وكانت مفاجأة جميلة. ألم أكتب قبل يومين أن المطار يمكن أن يكون مفتاحك الأول لمعرفة مستوى المدينة التنموي والإداري والحضاري؟ هذا السيل الهادر من البشر أمام موظفي الجوازات أنهى إجراءات القدوم، بانسيابية، في دقائق. مطار نظيف أنيق وفي غاية التنظيم. توقعت أن أرى الناس متزاحمة فوق بعضها البعض في المطار وفي شوارع المدينة. ورأيت عكس ذلك. وجدت مدينة مبتسمة وأنيقة. وبالقرب من صورة ماو تسي سونج، زعيم الحزب الشيوعي الصيني الراحل، في ساحة تيانانمن الشهيرة، تنتشر إعلانات أغلى وأشهر ماركات الساعات والملابس والسيارات الغربية. الصين تغيرت. لكن الأهم أنها تتغير. واللافت أن الناس في الصين تسابق هذا التغيير. وتطمح للمزيد. في لقاء رسمي أمس في إحدى المؤسسات الاقتصادية الصينية كان المتحدثون الصينيون يشيدون بما تحقق لاقتصادهم. وكل متحدث يعبر عن عدم رضاه بما وصل إليه الاقتصاد لأن الطموح أكبر. تلك الحالة هي “وقود” الإنجاز المتأصلة، كما بدا لي داخل الصينيين. فمهما تحقق من إنجاز لابد من البحث دائماً عن المزيد. وعند الحديث عن النمو الاقتصادي، يؤكد المسؤول الصيني دائماً أن القيادة في الصين تغضب إن قلّت نسبة النمو عن المخطط له لكنها تقلق كثيراً إن تجاوز…
الثلاثاء ١١ سبتمبر ٢٠١٢
ما أن تقرأ مقالا لكاتب أمريكي مثل “توماس فريدمان” و ترى أهمية أن يقرأه من يتابعك على تويتر أو في مواقع أخرى حتى يأتيك من يعترض: و ما هو الجديد الذي سيقدمه “فريدمان” و هو الكاره للعرب؟ أو يأتيك تعليق آخر: أنت تروّج للفكر الأمريكي في المنطقة. قلت لأحدهم إن كنت تعتقد أن “فريدمان” عدوك و لا يريد خيراً للعرب، أليس من الأجدى أن تقرأ ما يكتبه عنك و هو من أهم الأصوات المؤثرة في صناعة الرأي العام الأمريكي؟ و إن كنت لا تريد أن تقرأ ما يكتبه عن منطقتك كُتّاب مؤثرون في مجتمعاتهم ولهم أهميتهم في صناعة القرار في بلدانهم فلماذا تعمم موقفك على الآخرين؟ أنت حر في قرارك و لكن ليس من حقك أن تحرم الآخرين من قراءة ما يرون فيه فائدة أو أهمية. بعضنا يظن أن “القطيعة” المطلقة مع “الآخر” الذي نختلف معه في الفكر أو في الرأي أو في المصالح ستفتح لنا أبواب الانتصار. ذلك هو الجهل بعينه. بل إن في ذلك الموقف هزيمة. كيف تريد أن تنتصر و أنت لا تقرأ غير ما يجاري فكرك و يتواءم مع رأيك؟ نحن في غالبنا من نتاج ثقافة متأصلة فيها روح الإقصاء. و كلنا – و بدرجات متفاوتة – نمارس الإقصاء بطريقة أو بأخرى. لكنها مصيبة أن يسعى…