خليجي في الخليج (4)

الثلاثاء ٢٤ أبريل ٢٠١٢

هل من مشروع سياسي مشترك لدول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة؟ أم أن كلاً يغني على ليلاه؟ أين الرؤية الاستراتيجية المشتركة لدول المجلس خاصة تلك التي تتعلق بالمخاطر التي قد تهدد أمنها؟ هل لدى دول الخليج رؤية موحدة تجاه اليمن ومستقبله؟ والاستفزازات الإيرانية التي تزداد كلما زاد الضغط الدولي على طهران؟ وكيف ستكون علاقات دول المجلس بالأنظمة الجديدة في بلدان الربيع العربي ذات الصبغة الدينية؟ أكثر ما أخشاه أن تدار هذه الملفات بالبركة. التحديات الراهنة تتطلب وعياً سياسياً جديداً وإدارة ذات إيقاع سريع للتعاطي مع الملفات الإقليمية الساخنة. نحن فعلاً محاطون بمخاطر حقيقية. وهي تحتاج إلى إدارة مختلفة، سريعة ومباشرة وجريئة. الإيقاع البطيء لعملية اتخاذ القرار السياسي في بعض دول المجلس قد يُوجِد المزيد من المشكلات لدول المنطقة بأسرها. وعقلية «الأخ الأكبر» مقابل «الأخ الأصغر»، في العمل السياسي، ولّى زمانها. اللعبة السياسية الإقليمية تقوم على سرعة الحركة وإجادة التفاوض مع اللاعبين الأذكياء، صغاراً كانوا أم كباراً. إن دول الخليج اليوم بحاجة لفريق «إدارة أزمات» مشترك، يتجاوز المشكلات البينية الصغيرة وينظر للصورة الأكبر. فاحتلال إيران لثلاث جزر إماراتية ليس قضية إماراتية فحسب. إنها فعلاً قضية خليجية بامتياز. ومشكلة الحوثيين على الحدود السعودية ليست فقط مشكلة سعودية. إنها لعبة إيرانية ضد دول المنطقة كلها وليس فقط من أجل…

خليجي في الخليج (3)

الإثنين ٢٣ أبريل ٢٠١٢

أفكار التعاون بين دول مجلس التعاون كثيرة لكنها معقدة. ما أسهل التنظير وما أصعب التطبيق. أحياناً كثيرة، ما في حسابات المثقفين ليس بالضرورة أن يكون في حسابات السياسيين. وما يراه صانع القرار قد يختلف كلياً عمّا في بال المثقف، ممن يُنظّر حول الاتحاد أو التعاون الخليجي. لكن المؤكد أن منظومة دول المجلس أمام تحديات إقليمية ومحلية خطرة. ومن الضرورة مواجهتها جماعياً حتى لا تنفرد تلك المخاطر بدول الخليج واحدة بعد الأخرى. من هنا يأتي الإلحاح على إيجاد مناخ من التعاون بين دول المجلس. لكن المؤكد -أيضاً- أن تعاون الأنظمة السياسية لن يحقق مبتغاه ما لم يرتبط بمصالح الشعوب مباشرة. ولابد من تضحيات وبعض تنازلات. يعلق قارئ كريم على الجزء الأول من هذه السلسلة بأنه من الضروري أن تهتم كل دولة خليجية أولاً بمواطنيها. وهو محق في ذلك. فالمساواة في الامتيازات -كل في دولته- خطوة مهمة للحد من التباين في الامتيازات من دولة لأخرى. وإلّا -كما علق قارئ آخر- سيتهافت مواطنو عمان والسعودية للعمل والإقامة في الإمارات وقطر والكويت. لكن تجربتي الإمارات وقطر التنموية -تلك التي انعكست بأشكال إيجابية كثيرة على مستوى معيشة المواطن في الدولتين- جديرة بالقراءة والدراسة. التنمية التي تدفع بمستوى معيشة المواطن للأفضل تصنع مجتمعاً قوياً. والمجتمع القوي يصنع دولة قوية. ومتى ما كانت البنية الوطنية متماسكة انعكس…

خليجي في الخليج (2)

الأحد ٢٢ أبريل ٢٠١٢

يقول صديقي إنه لا يفهم كيف تشتكي قطر والإمارات من مشكلة التركيبة السكانية، في ظل غلبة العمالة الأجنبية، فيما تعاني عمان و السعودية من مشكلة خطيرة هي بطالة شبابها. سأل: «لماذا لا تعمل دول مجلس التعاون على مشروع ضخم لتأهيل الشباب السعودي و العماني، ممن لم يجدوا فرص عمل في بلدانهم، للعمل في الإمارات و قطر». قلت له: لكن تعلم أنني دوماً أنادي بالتأهيل قبل التوطين». قال: «صحيح: لكن أعطوهم فرصة و من ينجح يستمر و من يفشل يعود لبلاده عاطلاً مثلما كان»! اتفقنا أن مشكلة البطالة في أي دولة خليجية قد تشكل مشكلة حقيقية للأمن القومي الخليجي المشترك. وبالتالي فإن شركات القطاع الخاص في دول الخليج حينما تستوعب بعض العاطلين من شباب المنطقة إنما تصيد عصفورين بحجر واحدة: تسهم – ولو بشكل محدود – في حل مشكلة التركيبة السكانية و تساعد في استقطاب شباب المنطقة وتوظيفهم قبل أن يزداد الحنق بهم فيُستغلون فيما قد يهدد أمن دول المجلس. أوجه التعاون فيما يمس مصالح إنسان المنطقة كثيرة. فحينما تفتح الجامعات في الخليج أبوابها لطلاب المنطقة فهي تسهم في دعم التوجه نحو مزيد من التلاحم بين شباب الخليج. وحينما يُنجز «قطار الخليج» ليربط دول المنطقة كلها بخط يُسهل السفر والتنقل بين أبناء الخليج سيشعر الناس عندها بالإنتماء لذات المكان. وحينما يختفي…

خليجي في الخليج!

السبت ٢١ أبريل ٢٠١٢

لي صديق كل مرة يقرأ فيها مقالي يتصل بي معاتباً: يا أخي أكتب في المفيد. وأرد عليه: الله يسامحك؛ هل كل هذا الجهد في الكتابة اليومية ضياع وقت؟ ثم رميت الكرة في مرماه وسألته أن يقترح فكرة لمغامرتي اليوم. قال: بسيطة. أكتب عن المواطن الخليجي الذي يقيم في دولة خليجية غير دولته. فابتهجت لأنني وجدت عليه ممسكا: هذا دليل أنك تنتقد لمجرد النقد؛ لقد كتبت عن مجلس التعاون وإحباط مواطني دول المجلس من جراء وعود التعاون التي لم تحقق. قال معانداً: مهما كتبت لا يكفي. قلت له: دعني أدون أفكارك هنا: ما ذا في بالك اليوم؟ قال: أغلب مسؤولينا في الخليج يتفنن في تصريحاته وخطاباته عن أهمية التعاون بين أهل الخليج لكننا لم نر إلا القليل على الأرض. دعني أضرب مثلاً: لو كنت رجل أعمال إماراتي، هل ستعامل بمثل معاملة قرينك السعودي في المناقصات الحكومية؟ أجبته – صادقا – أنني لا أعرف. أضاف: أنت تقيم في الإمارات منذ ثماني سنوات، هل قيمة فواتير الماء والكهرباء التي تصلك هي ذاتها التي تصل جارك الإماراتي؟ قلت: هنا أستطيع أن أجيبك: لا! قال: ما الذي يمنع أن يعامل الخليجي المقيم في الإمارات نفس المعاملة فيدفع نفس الرسوم المخفضة التي يدفعها شقيقه الإماراتي؟ ثم أضاف: لماذا لا يعامل الخليجي نفس المعاملة في الدولة الخليجية…

في الأسئلة!

الخميس ١٩ أبريل ٢٠١٢

من لا يسأل لا يتعلم. ومن يبحث عن المعرفة عليه أن يبدأ في الأسئلة. أن يعرف كيف يسأل. وماذا يسأل. ومتى يسأل. السؤال هو ما يلهب فضول المعرفة. والأسئلة الجيدة تقود لمزيد من الأسئلة. ولولا السؤال ما عرفت الإنسانية طرق الإبداع والابتكار والإنتاج. الأستاذ في البلدان المتحضرة يمتدح طالبه بأن «أسئلته كثيرة.» وعندنا ينتقد الأستاذ طالبه لأن «أسئلته كثيرة». السؤال من صميم عملية التعليم. والثقافة التي تكبت الأسئلة، تحرمها، إنما هي ثقافة تؤسس للنفاق والإزدواجية. وتقمع رغبة الفرد على التفكير المستقل. فالسؤال يفتح آفاقاً واسعة للإبداع والابتكار. ثقافتنا تمتدح الصغير الذي لا يتكلم في حضرة الكبار. فينشأ الفرد على قمع أفكاره وكبت أسئلته. المعلم ينزعج من أسئلة تلميذه. وأستاذ الجامعة يتحسس من أسئلة طلابه. وكأن السؤال يعني أن تكون الإجابة جاهزة وكاملة. كم مرة سألت في الفصل الدراسي بجامعاتي الأمريكية وكان الرد: لا أعرف. أو سأجيبك في الدرس القادم. أو: سؤال جيد، دعني أفكر فيه. وحينما أسأل لا يعني أن الطرف الآخر ملزم بالإجابة وإلا صنف في دوائر الجهلة وقليلي العلم. ما أكثرهم بيننا أولئك الذين يتحايلون على السؤال ويتملصون منه. ما المشكلة إن لم تعرف الإجابة؟ ألن يحفزك السؤال للبحث في الإجابة؟ ولماذا تأبى كبرياؤنا إلا أن ندعي معرفة لا نملكها؟ ولماذا تأخذ بعضنا العزة بالإثم فيصر على معرفة…

نجدت إنزور: تستاهلون!

الأربعاء ١٨ أبريل ٢٠١٢

بعض الغاضبين بيننا على نجدت إنزور وفيلمه القادم «ملك الرمال» نسوا أنهم -حتى الأمس القريب- فضلوه على القريب وأنزلوه منزلة لم يحظ بثلثها كل المنتجين والمخرجين في الخليج. قلنا مرة بعد أخرى إن خير الاستثمارات خليجياً هي تلك التي تستثمر في أبناء بلداننا من مثقفين ومبدعين، وأن شراء «الوفاء» عبر المشروعات الضخمة التي تمنح لأمثال نجدت إنزور سيتحول إلى عداء في أقرب فرصة. في الخليج اليوم قامات إبداعية مبهرة في الطب والعلوم والإعلام والفنون. وفي الإعلام خصوصاً، تقود المؤسسات الإعلامية الخليجية مشهد الإعلام العربي. لكن كثيرها تصنع نجومها من خارج حدودها. وما زال بعض جماعتنا «مغرز» في الثمانينات من القرن الماضي حينما كانت المجلات اللبنانية وبعض الإصدارات من لندن تتسيد المشهد. تغيرت المعادلة في العشرين سنة الماضية وأصبحت بلدان الخليج مؤثرة في الإعلام وصناعة الرأي العام العربي. لكن مؤسساتنا الإعلامية ما تزال أسيرة لفكرة قديمة مفادها أن الإعلامي الناجح هو من يرتدي ربطة العنق ويتحدث لهجة غير الخليجية. وفي بعض فعالياتنا ومنتدياتنا الإعلامية ترى المنظمين -من بني جلدتنا- أسرى لحالة «الانبهار» بأسماء عربية من مدرسة عفى عليها الزمن ، لا تعيش اليوم ولا تجيد لغته. ومع ذلك تعطى المنصات الرئيسة والصفوف الأمامية. هذه ليست دعوة لإقصاء القدرات الإعلامية المهنية من خارج دول الخليج. لا أبداً. لكنها دعوة أن تعطى المواهب…

حربنا مع إيران!

الثلاثاء ١٧ أبريل ٢٠١٢

رب ضارة نافعة. فلو لم يزر أحمدي نجاد، قبل أيام، جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة، في موقف استفزازي غير مستغرب على السياسة الإيرانية، لما شهدنا خطاباً خليجياً جديداً أكثر جرأة في طرحه للخطر الإيراني. دول مجلس التعاون الخليجي تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية تجاه خطابنا الإعلامي المتباين في ردات فعله تجاه استفزازات إيران. من قال إن مقالا في صفحة رأي بصحيفة خليجية إنما يمثل موقفاً سياسياً للدولة التي تصدر منها الجريدة؟ فيما الساسة الإيرانيون يمررون عبر «كاهان» وغيرها رسائلهم الاستفزازية ثم يعلقون «إن كاهان لا تمثل الموقف الرسمي الإيراني»، كانت الصحافة الخليجية لوقت طويل تتحاشى النقد المباشر لسياسات إيران الاستفزازية في المنطقة. اليوم انكشفت اللعبة الإيرانية، من إطلاق النار على المتظاهرين في سوريا، إلى تسليح الحوثيين في اليمن، ومن إثارة الفتن الطائفية في الخليج إلى زيارة أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى. اليوم لم يعد التعاطي مع الغطرسة الإيرانية بـ«الديبلوماسية» الهادئة تجدي. وأصحاب الرأي، من محللين وكتاب رأي، لا يمثلون موقفاً رسمياً لبلدانهم. ولهذا تأتي صناعة خطاب إعلامي خليجي – بلغة أكثر مباشرة ومواجهة – ضد الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية وضد ألاعيب إيران الخطيرة في المنطقة ضرورة ملحة من الخطأ تأخيرها. اتركوا الإعلام الخليجي يكشف المزيد عن الداخل الإيراني وحينما تحتج الخارجية الإيرانية جاوبوها بنفس الطريقة: «كاهان لا تمثل موقفكم الرسمي…

هل انتهت قضايا البلد؟

الإثنين ١٦ أبريل ٢٠١٢

أتعامل كثيراً مع سؤال صار عندي معتاداً: وهل انتهت قضايا البلد حتى تكتب في هذا الموضوع؟ لا يا أخي! لم تنته قضايا البلد ولن تنتهي. وهي كثيرة وشائكة ومهمة. لكن ماذا تريدني أفعل؟ هل أكتب كل قضايا البلد، الكثيرة والشائكة والمهمة، في مقالة واحدة؟ هل أناقشها جميعها في يوم واحد؟ ثم أتوقف بعده عن الكتابة لأنني قد كتبت وعالجت كل قضايا البلد في مقالة واحدة؟ لا حل أمامي غير هذا. لأني إن كتبت عن قضية واحدة لا بد أن «ينط» أحدهم محتجاً: وهل انتهت قضايا البلد حتى تكتب في هذا الموضوع؟ كتبت عن أهمية الحوار بين تيارات المجتمع المختلفة جاءني من يسأل: وهل انتهت قضايا البلد؟ وآخر اقترح أن أكتب عن البطالة. أقسمت له أنني كتبت – وكتب غيري – كثيراً عن البطالة. هل أخصص يومياً مقالاً عن البطالة؟ ومع ذلك فلن أسلم وسيأتي من يسأل: ذبحتونا بالبطالة، ماذا عن سوء الطرق؟ البعض – معذوراً – يرى في قضيته «أم القضايا». وما غيرها لا يستحق الكتابة والاهتمام. هذا خطأ. قضيتك مهمة. لكن قضايا غيرك أيضاً مهمة. والموضوع الذي لا يشكل عندك أهمية ربما كان من أهم القضايا عند غيرك. وما تراه أنت هامشياً ربما كان عند غيرك أساسياً. وما قد لا أتمكن من الكتابة عنه اليوم قد أكتب عنه غداً.…

يدخلون تويتر بـ«المشعاب»!

الأحد ١٥ أبريل ٢٠١٢

بعض المستجدين على تويتر، يدخلون تويتر وكأنهم يحملون «المشعاب» على أكتافهم! و«المشعاب» – لمن يقرأني من خارج ثقافة «المشعاب»- هو عصا غليظة يحملها من يتوجّس الخطر أو من يخطط للدخول في معركة. بعضهم من أول يوم يدخل فيه تويتر يرفع «مشعابه» ضد كل من يظنه عدوه اللدود في الأفكار والآراء. أتحدَّى أكثر هؤلاء أن يكون قد حكم بنفسه على من يهاجمهم لفكرهم أو توجُّهاتهم. بل لعله لم يقرأ لهم كتاباً أو مقالاً! تويتر مساحة حرة للتعبير المحترم وتبادل الآراء والنقاش المؤدب. وحينما نعبّر عن رأينا أو عن اختلافنا مع الرأي الآخر فإننا لسنا في معركة نحشد فيها كل الأسلحة كي نهزم الطرف الآخر. في مواقع التواصل الاجتماعي، ثمّة من يتجاوز كل حدود وأعراف الحوار والاختلاف فيلجأ لأسلحة الدمار الشامل من شتيمة وأكاذيب وتخوين وتحريض. هؤلاء هم نتاج عقود من الشحن والتحريض ضد أي فكرة لا تنسجم مع السائد والمعتاد من الأفكار والأعراف والتقاليد. وهم أيضاً ضحايا الجهل بمبدأ الحوار والتعبير عن الرأي. فأن أعبر عن فكرة جديدة ومختلفة لا يعني أنني سآتي غداً بجيش يفرضها على الناس ويجبرهم على قبولها. إنها أفكار تنضج بالنقاش والحوار. وهي ليست دائماً صحيحة أو كاملة لكن من حق صاحبها أن يطرحها للنقاش ومن حق الآخرين أن يأخذوا بها أو يردون عليها أو يتجاهلونها تماماً.…

شباب «السروال والفنيلة»!

السبت ١٤ أبريل ٢٠١٢

وصلني قبل أيام إيميل مع صورة لشاب يبدو سعودياً يمشي بسرواله وفنيلته في شارع مزدحم بالناس في مدينة كأنها نيويورك! ويبدو الأخ، في الصورة، «مطنش» العالم كله فهو يتحدث في هاتفه ويمشي بكل ثقة كما لو كان لابساً أحدث موديلات أرماني. وسمعت مرة عن سعودي وقع في مشكلة مع الفندق الفخم الذي أقام فيه في باريس لأنه نزل إلى بهو الفندق ببجامته. وذات ظهيرة رأيت في ممرات المركز التجاري بدبي ثلاثة شباب سعوديين يمشون بخطى بطيئة وهم لابسون بجامات من فئة «الثوب المغربي». حاولت إخبارهم أن المكان مركز أعمال مهم وقد يوقفهم مسؤولو الأمن لكنهم تجاهلوا النصيحة فأخرجهم رجال الأمن سريعاً. أذكر أن بعض إمارات المناطق قد أصدرت تعليمات مشددة تمنع دخول المراجعين للدوائر الحكومية بثياب مغربية أو بجامات نوم. ولن أستغرب لو سمعت عن مراجع ذهب للبلدية وهو لابس «سروال وفنيلة»! أتساءل أحياناً ما الذي يجعل إنساناً سوياً وربما تجاوز الثلاثين من عمره يرتدي بجامة نوم في الأماكن العامة؟ ألا تعلمنا قيمنا وتقاليدنا احترام الأماكن العامة والاهتمام بمظهرنا والمحافظة ولو على الحد الأدنى من «الذوق» داخل بيوتنا وخارجها؟ الله على أيام الصبا في قريتنا حينما كان الآباء يغضبون لو استقبلنا ضيفاً برؤوس حاسرة. كان كبار السن في قريتي والقرى المجاورة يعاتبون الشاب الذي يلبس ثوباً طويلاً ( ويسحب في…

تجربة «الابتعاث»!

الجمعة ١٣ أبريل ٢٠١٢

يخطئ من يختزل أهمية مشروع الابتعاث في الحصول فقط على الشهادة الجامعية. التجربة الأكاديمية للمبتعث هي وجه واحد من أوجه التجربة التي يخوضها الدارس في الخارج.لكن ثمة أوجها أخرى لا تقل أهمية عن حصول المبتعث على الشهادة الأكاديمة! المبتعث الذي يعزل نفسه عن الحياة في المجتمع الذي يدرس فيه ويختزل رحلته في مكتبة الجامعة وقاعاتها الدراسية إنما يعيش، في غربته، تجربة ناقصة. ننتظر من مبتعثينا فهم الثقافة الجديدة التي يعيشون بين جوانبها؛ يفهمون تاريخ البلد الذي يدرسون فيه، يستوعبون ثقافة أهله السياسية، حواراته الفكرية، طريقة تفكيره ورؤاه للمستقبل. كثير من طلابنا يسافر للدراسة في الخارج بجسده لا بعقله. تراه أسيراً في نظرته للمجتمع الجديد الذي يعيش وسطه لنظرته القديمة التي نشأ عليها من دون تمحيص أو إعادة قراءة. يعيش أربع سنوات أو أكثر في الخارج ثم يعود بمفاهيم أكثر انغلاقاً – وجهلاً – حول البلاد التي درس بها. يحيط نفسه دوماً بزملاء وأصدقاء من بني جلدته. لا يقوى على تكوين دوائر جديدة من الزملاء والأصدقاء من ثقافات وتجارب مختلفة فيعود لوطنه فقط بشهادة أكاديمية كان ممكن أن يحصل عليها بالمراسلة أو عبر فرع لجامعة أجنبية في بلاده. أنا لا أطالب المبتعث أن يُغرم بثقافة المجتمع الذي يدرس به. لكنني أحثه أن يفهمها. يجيد لغة أهلها. يقرأها جيداً. يفكر في الأسباب…

خوجة.. وزيرنا «الملوسن»!

الخميس ١٢ أبريل ٢٠١٢

يمتاز الدكتور عبدالعزيز خوجة بقدرته الفائقة على إرضاء كل الأطراف مهما كانت متناقضة. فهو يستقبل مكالمة داعية غاضب فيعطيه من «معسول الكلام» ما يريحه فلا يغلق سماعة الهاتف إلا بضحكة وسعة بال.ثم يستقبل بعدها مكالمة هي نقيض المكالمة السابقة وتنتهي بذات المزاج وكان الله غفوراً رحيماً. وزير الثقافة والإعلام يؤيد المثقفين الداعين لفصل الثقافة عن الإعلام. وهو -في الكلام- مع تحويل الإذاعة والتلفزيون إلى مؤسسة قطاع خاص ولعله يؤيد فكرة «سك» أبواب وزارة الإعلام إلى الأبد. ومن تجربتي القصيرة مع هذا الوزير، الذي أحب فيه طيبته وحسه الأبوي، أنت لا تأخذ منه «لا حق ولا باطل». إنه وبجدارة من فئة «الوزير الملوسن» لكن ميزته الكبرى أنه من الندرة في زماننا التي إن لم يأت منها خير لن يأتي منها شر. وسؤالي لمعاليه: بما أنك مع فصل الثقافة عن الإعلام، ما هي خطوتك العملية القادمة؟ هل ستقدم -مثلاً- مشروعاً متكاملاً بهذه الفكرة للمقام السامي؟ منذ ألحقت الثقافة بالإعلام وكثيرنا يصرخ: يا جماعة؛ لا تجتمع الثقافة والرقابة في وزارة واحدة! فهل يعقل أن توصي «الثقافة» بكتاب لن يباع في المكتبات قبل أن يمر على «الرقابة» -في المكتب المقابل- من أجل الإجازة بعد الحذف والقص والمزع؟ الثقافة بحاجة لمنظومة متكاملة من المؤسسات التي تعمل بجهد وجد من أجل خلق بيئة فكرية وثقافية تسمح…