الإثنين ٢٧ فبراير ٢٠١٢
مرة أخرى، يظل الموقف السعودي مما يحدث اليوم في سورية، هو أبرز المواقف السياسية الداعمة لثورة الشعب السوري ضد آلة الموت والعذاب على أيدي نظام الأسد الظالم. ولذلك جاء تأييد الأمير سعود الفيصل لفكرة تسليح الثوار السوريين في محله. علينا أن نفرق بين الأمنيات والحقائق -على الأرض- في المشهد السوري. فلا الحل السلمي ينفع مع طاغية مثل الأسد و”جماعته” ولا الجيش الحر، بإمكاناته المتواضعة، قادر على حماية المدنيين من بطش أجهزة الأمن وشبيحتها. بشار الأسد قرر -وبوقاحة- أن يغلق الأبواب في وجه أي بادرة جادة لحل سلمي ينقذ البلاد من كارثة الحرب الأهلية. بل إنه يسعى لتأجيجها أملاً في تأجيل موعد نهايته. لا حل آخر غير السلاح. وتلك حقيقة أدركها من يعرف الداخل السوري منذ اليوم الأول لاندلاع الاحتجاجات في درعا. فالإرث الأمني الذي يعشعش في رؤوس كبار ضباط الأسد من طائفته ضلل بشار الأسد؛ فظن أن تكرار مجزرة حماة في عام 1982 في أكثر من مدينة ومحافظة سورية سيسكت الثائرين وينهي ثورتهم. ومع عقلية كهذه لا يمكن أن تنجح مفاوضات سلمية. لقد حسمت غالبية السوريين موقفها وقررت الخلاص من هذا النظام إلى الأبد. لكن تزويد الثوار بالسلاح سيشجع المترددين والخائفين في صفوف الجيش السوري للانخراط في صفوف الثوار وسيعجل بالتالي بنهاية مأساة السوريين. واضح أن صبر العقلاء في العالم…
الأحد ٢٦ فبراير ٢٠١٢
يكتب المثقف أو يقول رأياً ناقداً، في شأن محلي أو موقف سياسي، فيجد نفسه بين ليلة وضحاها وقد أصبح بطلاً وطنياً وهو لم يقصد. بعض المؤسسات العربية تجيد صناعة الأبطال. ومن ثم تصنع أعداءها بأيديها. أحياناً عن قصد وأحياناً كثيرة عن جهل. فالمثقف -أو غيره- حينما يُضايق (بالسجن أو المنع من السفر) لأنه عبّر عن رأي مختلف تجاه موقف أو سياسة إنما نصنع منه ما لم يرده لنفسه. والنقد، عموماً، ضرورة تنموية لما توجِده من توازن إيجابي في صناعة القرار. حينما أعترض على رأيك فإنني لا أعترض بالضرورة عليك. وحينما أقترح فكرة مختلفة عن تلك التي تعودت عليها وارتحت طويلاً لها فإنني لا أقصد مطلقاً التشكيك في شرعيتك أو في قدرتك. أنا فقط أعبّر عن رأيي، وتستطيع بالحوار الإيجابي أن تقنعني بخطأ رأيي. وإن استطعت إقناعي بخطئي فلك أن أبادر بالاعتذار منك مع باقة شكر صادقة لقاء مساعدتي على رؤية ما كنت لا أرى! عندي صديق تعلمت منه مصطلح «تكبير السالفة». بعض أجهزتنا، في الخليج، متخصصة في «تكبير السالفة» حينما تلاحق رأياً عابراً ربما لا قيمة له، فتصنع له قيمة ولصاحبه بطولة. ماذا سيضير لو «كبرنا عقولنا» وتسامحنا مع رأي سياسي عابر ولا يهدد الأمن الوطني، أو قيل في لحظة حماقة أو جهالة؟ أو قيل عن طيب نية وحسن قصد؟…
السبت ٢٥ فبراير ٢٠١٢
لم يعد الإعلام الجديد في العالم العربي مجرد حلم يراود المتطلعين للانعتاق من أسر الإعلام الرسمي المقيد، أو ذلك التقليدي المتورط في التأسيس لخطاب بليد على حساب المصالح الوطنية الكبرى. نحن اليوم نعيش مرحلة جديدة لشكل جديد من أشكال صناعة الرأي العام، ونقل صورة مغايرة لما كان ينقله الإعلام التقليدي والرسمي في منطقتنا. صناعة المحتوى العربي وأدواته تعيش لحظتها اليوم. وحتى إن ظل التلفزيون سيد المشهد فإنه اليوم لا يستغني عن المحتوى الذي يصله من صناع الخطاب (المحتوى) الجديد في مناطق الحراك العربية. ومما يساعد في سيادة الإعلام الجديد أن وسائل الإعلام التقليدية في عالمنا العربي غير مستوعبة -فيما يبدو- للظواهر العالمية الجديدة في صناعة الإعلام، تلك التي أنتجت قنوات جديدة وقوية التأثير في صناعة الرأي العام. أضف إلى ذلك أن طريقة التعاطي مع مشكلات المجتمع وقضاياه في الإعلام التقليدي حافظت على تقليديتها -بلادتها- مما أعطى زخماً كبيراً للإعلام الجديد. ثمة فجوة عميقة في آلية التفكير بين الإعلامي التقليدي (الغارق في تقليديته) وبين الإعلامي الشاب الجديد الذي أنتجته تقنيات التواصل الجديد في السنوات الخمس الماضية. الأهم أن قطاعاً كبيراً من العرب وجدوا ضالتهم في الإعلام الجديد للتواصل مع مجتمعاتهم والحديث في قضاياهم. يقابل هذا الوعي الجديد تلكؤ لدى قطاع كبير من القائمين على الإعلام التقليدي في فهْم متغيرات مهنتهم والنقلات…
الجمعة ٢٤ فبراير ٢٠١٢
استيقظت في الأمس القريب على أخبار غير سارة وكنت قد نمت واثقاً أنني سأستيقظ على أخبار تصب في صالحي. كانت فرصة لأمتحن فيها ردة فعلي وأنا من ينصح الناس كثيراً بالتفاؤل والاستبشار خيراً. أستطيع القول – بكل تواضع – أنني نجحت في الامتحان. لم أستعجل ردة فعلي وأكتب – غاضباً- رسالة إليكترونية لمن خيّب آمالي. ولم أجر اتصالات هاتفية عاجلة صاخبة وثائرة. تريثت من أمري قليلاً في «وقفة مع النفس» راجعت فيها مكمن الخطأ فتأكدت أنني جزء أساس مما وقع. كانت المشكلة في جوهرها هي سوء تقدير ومبالغة في الأمنيات. أدركت أيضاً أنني قد وقعت فيما أحذر منه غيري. ثمة خيط رفيع بين الثقة بالنفس والغرور. أعترف أنني دخلت في منطقة «الغرور» عندما توهمت أن الآخر لا يملك غير قبول مقترحي والاستجابة الكاملة – من دون قيد أو مراجعة – لما أمليته من شروط وأرقام. استعذت بالله من شيطان الغرور وصليت ركعتين طالباً العون من ربي. وأنا منذ نعومة أظفاري، في قريتي الصغيرة، ما لجأت يوماً لربي وعدت خائباً. أبداً. في اليوم التالي اتصلت بصاحب الشأن لأتأكد من أن خطأي أنني بالغت في توقعاتي فصدمت بالنتيجة التي أتت عكس ما تمنيت. انتبه: لا تبن خططك وفق أمنياتك. الإفراط في الأمنيات يزرع الوهم ويثمره. ومهما أوتيت من العلم ومن الحكمة والتجارب…
الخميس ٢٣ فبراير ٢٠١٢
يحسب للمملكة اليوم أنها من أوائل من ناصر السوريين في أزمتهم الراهنة وهم يواجهون آلة الموت والتعذيب من قبل نظام لم يعد يستحيي لا من الله ولا من العالم. وسبق أن كتبتها في أكثر من مكان إن مساندة أهل الحق في البلدان التي ثار أهلها على الظلم والطغيان هو استثمار مهم في المستقبل. من مصلحة الأمن القومي الخليجي أن تنتصر الشعوب العربية على أنظمة الاستبداد التي تلحفت بالقضية الفلسطينية ومحاربة «الاستعمار» كغطاء يبرر استبدادها واستعمارها لشعوبها. ما قابلت سورياً خلال الأشهر القليلة الماضية إلا وقد أثنى على الموقف الخليجي عموماً والسعودي بشكل خاص تجاه مأساة السوريين. من مصلحتنا في دول الخليج أن نبني علاقات من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع الأجيال القادمة في العالم العربي. أولى بذور هذه الخطوة تأتي في مساندة هؤلاء المتعطشين لتنمية إنسانية حقيقية ومساحة من الحرية في التفكير والبناء. لقد قمعت الشعوب العربية طويلاً في البلدان التي زعمت قياداتها أنها منشغلة بالدفاع عن قضايا الأمة ومستقبلها. لكن حالة السوء في تلك البلدان وصلت لدرجة لم يعد ينفع معها الصبر والأمل في غد أفضل. التغيير اليوم هناك حقيقة على الأرض. ولهذا فإن من المصلحة – بعد الواجب الإنساني – أن نساند هذه الشعوب وهي تتلمس خطاها نحو مستقبل أفضل. ومهما انقسم اليمنيون حيال المبادرة الخليجية فإن واقع…
الأربعاء ٢٢ فبراير ٢٠١٢
يقول المثل المتداول إن في الصراحة راحة. درب نفسك أن تعبر صراحة عما يخالجك من قلق تجاه من تربطك به تجارة أو وظيفة. أحيانا نخلق التوتر لأنفسنا لأننا حولنا فكرة ما من وهم إلى حقيقة. نتوهم مشكلة ما فنتركها تنمو بداخلنا حتى تستحوذ تماماً علينا ثم تقودنا إلى مشكلات كبرى خلقها الوهم وكبت “الوسواس” داخلنا. عملت يوماً مع شاب أوروبي كان لا يكاد يمر أسبوع من دون أن يطلب “مكاشفة” معي كي يتأكد أنني وهو على نفس الصفحة في تفكيرنا وفهمنا وخططنا. وفي التجارة، تعلمت من المفاوضات مع الشركات الأجنبية أن أكون مباشراً وصريحاً في نقاشاتي وتوقعاتي وأمنياتي. كن واضحاً، بل شديد الوضوح، في المسائل المالية تحديداً. أكثر ما يعكر صفو العلاقات الإنسانية الخلاف حول مسائل مالية. الفلوس -كما يقول المثل- كثيراً ما تخرب النفوس. لا تعتمد فقط على الثقة والوعود الشفوية. قد تكون النوايا طيبة في بداية العلاقة، لكنها ما تلبث أن تتحول إلى شكوك وظنون سيئة. لا تقل لي إن الدنيا لا تخلو من أصحاب الكلمة الصارمة التي هي أقوى من ألف اتفاقية موثقة من محكمة أو مكتب محاماة. فكم من أصدقاء تسببت الخلافات المالية في تدمير صداقتهم. بل كم من إخوة -من بطن واحدة- فرقت بينهم سوء الظنون في مسائل مادية. ولذلك تبقى الصراحة الموثقة كتابة في…
الثلاثاء ٢١ فبراير ٢٠١٢
بعض الصداقات تسرق وقتك وبعضها يمنحك الوقت. ولهذا فقد تعلمت من صديقي محمد خميس أن الوقت الذي نقضيه في القراءة والكتابة هو فعلاً استثمار في المستقبل. امض وقتك فيما يضفي لك، لتجربتك، لإنجازك. محمد خميس كتب أكثر من رواية وفي انتظار صدور بعضها من دور نشر غربية. سألته قبل أيام: كيف تجد الوقت للكتابة و أنت موظف و رب عائلة؟ قال لي وكأنه يحتفي بالسؤال: أنا أسرق الوقت! يشرح: ثمة شيئان في حياتي لا يقلان أهمية عن عائلتي ووظيفتي: الرياضة والكتابة. بين الوظيفة والعائلة يسرق محمد وقته للرياضة والكتابة. تلك هي السرقة الحميدة التي يمارسها محمد خميس كل يوم. فقليلاً ما رأيته في دبي يمشي من دون حقيبته التي يخفي فيها كتاباً و كمبيوتر و نسخا من أعمال لم تكتمل. و نادراً ما قابلته من دون أن أراه يقرأ كتاباً أو يكتب رواية! إن الوقت يسرقنا إن لم نسرقه ويستهلكنا إن لم نستهلكه. ما أكثر الأعذار التي بها نبرر كسلنا وهروبنا من مسؤولياتنا أو تلك التي بها نعزي أنفسنا على إخفاقاتنا وفشلنا. العمر مخزون ينقص بالدقيقة الواحدة . استثمره قبل أن يستنزفك. خذ منه بقدر ما يأخذ منك. وأسوأ الأوقات هدراً هي تلك التي نضيعها في حيرتنا تجاه ما نريد أن نفعل. لا تقل إنك محتار لا تعرف ما ذا…
الإثنين ٢٠ فبراير ٢٠١٢
لك عليِّ حق التذكير الدائم بأنني -ككاتب- إنسان مثلك ولم أزعم يوماً أنني غير ذلك. الفارق البسيط هنا أنني ملتزم بكتابة هذه المساحة القصيرة يومياً، أعبر فيها عن رأيي، أتفاعل عبرها مع ما أقرأه وأسمعه في محيطي، أنفعل خلالها أحياناً مع الأخبار المؤلمة والأحداث المحزنة. تذكّر أن الكاتب -أي كاتب- مثلك، يخطئ ويصيب، لكنه في آخر النهار يثير قضايا من أجل النقاش والحوار وربما لفت الانتباه كي يحث المسؤول على إيجاد الحل. وحينما تختلف مع الكاتب في رأي فلا تغضب؛ فإن ما يكتبه ليس سوى وجهة نظر لك كامل الحق أن تقبلها أو لا تقبلها، تتفق مع كاتبها أو تختلف. لا… وأبشرك أن المسافة بين الكاتب والقارئ قد تقلصت. تستطيع أن تعبر عن رأيك فيما يكتبه الكاتب مباشرة وعندك اليوم منابر فسيحة للتعليق والتعبير عن الاختلاف في الرأي. وإني أصدقك القول إنني أعيد النظر الآن في مسألة الكتابة التقليدية للصحافة التقليدية في وقت أتاحت فيه شبكات التواصل كل الخيارات للكتابة والتعليق والاتفاق والاختلاف. وسبق أن كتبتها هنا أن نجوم المرحلة ليسوا أمثالي ممن يكتب الزوايا أو يقدم البرامج التلفزيونية بل هم أولئك الشباب المبدعون عبر تويتر واليوتيوب. إذن لا تحرق أعصابك وترفع ضغطك إن قرأت ما لم يوافق رأيك أو ما قد تراه نقيض فكرك. تذكّر أنه لولا اختلاف الأذواق…
الأحد ١٩ فبراير ٢٠١٢
أرجو ألا يغضب مني خصوم «ساهر» وأنا أعبّر عن إعجابي بما رأيته من ساهر. قبل أيام كنت في زيارة لأبها وتجولت سريعاً بين خميس مشيط وسراة عبيدة، لفت انتباهي احترام السائقين الواضح للإشارات التي زرعت عندها كاميرات ساهر. أما تلك الخالية من كاميرات ساهر فقد تساوت عندها الألوان. لا فرق بين الأحمر والأخضر والأصفر. وأنا أدرك أن كثيراً من الأنظمة والقوانين في عالمنا العربي لا تحترم إن لم يعاقب من يخالفها. أتألم أيضاً للأرقام المخيفة لضحايا حوادث السيارات في بلادنا، وكثيرها يأتي نتيجة لطيش السائقين، أو سوء الطرق، أو إهمال بعض رجال المرور وتراخيهم في تطبيق العقوبات ضد المخالفين. وإن كان ساهر قد أسهم في الحد من حوادث السرعة وقطع الإشارات، فله علينا واجب الدعم في وجه خصومه، خصوصاً من أولئك الذين تعودوا أن يتعاملوا مع الطريق كما لو كان ملكاً خاصاً ورثوه أباً عن جد! قد ننتقد بعض الإجراءات في تحصيل المخالفات أو في بيروقراطية أعمال المرور، لكننا مع المرور، قلباً وقالباً، في جهوده لردع المتهورين في شوارعنا، والحد من مسلسل الموت المخيف على طرقنا. ومن يلتزم بالقوانين والأنظمة المرورية لن تخيفه كاميرات ساهر وغراماته. ما شاهدته بنفسي عند إشارات المرور بين أبها والخميس كان لي دليلاً قاطعاً أن من أمن العقوبة لن يلتزم جدياً بسلوك حضاري وآمن وهو…
السبت ١٨ فبراير ٢٠١٢
الدهشة من تعاطي القبيلة اليمنية مع الحدث اليمني تنبئ – من ضمن مسائل أخرى – عن فهم خاطئ في أصله لثقافة القبيلة العربية. فحالة الاستغراب والانبهار من كون القبائل اليمنية لم تلجأ للعنف وهي المدججة بكل أنواع السلاح ليست إلا نتاجا لصورة نمطية ظالمة للقبيلة العربية وعلى الخصوص قبائل الجزيرة العربية. إنها صورة ملتبسة في ذهن قطاع واسع من مثقفينا حتى بعض أولئك الذين ينتمون إلى القبيلة. وهي صورة تقزم القبيلة في سلوك همجي كما لو كان أبناؤها مجموعات تتوق للعنف ولا يمكن أن تحتكم للعقل والمنطق. القبيلة اليمنية أثبتت أنها صمام أمان حمى اليمن من الانزلاق نحو الحرب الأهلية التي سعى النظام السياسي لتأجيجها. وأولئك الذين يبالغون في وصف القبيلة كعائق أمام أي تطور ديموقراطي يتجاهلون كثيراً أنه في غياب البديل الملائم للقبيلة (كالأحزاب و مؤسسات المجتمع المدني) لن تتحقق ديموقراطية. الفرد في العالم العربي يلجأ غالباً لجماعته، عشيرته، قبيلته، طالما غابت المؤسسات البديلة. وفي كل الأحوال لا يليق بمثقف الجزيرة العربية تحديداً أن يتجاهل أدوار القبيلة في حماية أفرادها و في حفاظها على السلم الاجتماعي كما تفعل اليوم في اليمن وهي البلاد النائمة على براكين الفتنة والفقر والأوضاع القاسية. لكن ما يفترض أن ننبذه هو أن يتحول الانتماء القبلي إلى نظرة فيها عنصرية أو فوقية على الآخرين أو…
الجمعة ١٧ فبراير ٢٠١٢
على ذمة أحد الأصدقاء أن بعض المشايخ من تهامة اجتمعوا مرة بشيخ في الرياض وكان النقاش حول تحريم «القات». قال أحد الحضور موجهاً حديثه لمضيفهم في الرياض: «يا شيخ ما عندنا إلا القات والحشيش». ثم بدأ جدال صاخب حول تحريم الحشيش. غضب الوفد الزائر من مضيفهم وظنوا أنه شيخ متزمت إلى درجة أنه يحرم «الحشيش» الذي هو قوت «حلالهم»! ولما تبين أن أهل الجنوب يسمون العشب بـ»الحشيش» أدرك الشيخ المسألة وضحك الجميع من «سوء الفهم» الذي حدث. لا أعرف مدى دقة القصة. لكن الحقيقة أن بعض القضاة القادمين من مناطق بعيدة عن تلك التي يعملون بها قد لا يدركون مسائل لغوية وثقافية واجتماعية في المجتمعات الجديدة التي يعملون بها. يخبرني صديق من نجران قبل أيام أن هادي آل مطيف حينما سئل في محكمة التمييز إن كان يعترف صراحة بالردة فأجاب بنعم. لكنه تبين فيما بعد أن قصده كان تراجعه عما قال في لحظة طيش. فمصطلح «مرتد» عند هادي، وهو البدوي البريء، تعني أنه متراجع عما قال. كان يريد تأكيد تراجعه وأسفه لكن المحكمة سجلت اعترافه بالردة التي قادت إلى سجنه ثماني عشرة سنة. ولن أستغرب أن تكون محاكمنا قد عاشت قصصا غريبة، تشيب لها الرؤوس، بسبب قصور في فهم القاضي لثقافة المجتمع ومصطلحاته وعاداته إما لصغر سنه أو لقلة خبرته…
الخميس ١٦ فبراير ٢٠١٢
من أهم الاستثمارات السعودية هي تلك التي أنفقت على تأهيل الطبيب السعودي. كانت الجامعات والمستشفيات السعودية تبتعث المميزين من خريجي كليات الطب لإكمال مشروع “الزمالة” في أرقى الجامعات والمراكزالطبية في كندا وبريطانيا وأمريكا. الطبيب السعودي اليوم”ماركة” مميزة عربياً -وأحياناً عالمياً- بإنجازاته العلمية المتفوقة. وحينما أكتب عن “الطبيب” السعودي فإني أشمل الطبيبة السعودية أيضاً. لكنني مؤخراً سمعت عن “هجرة” بعض أطبائنا المؤهلين بتفوق. وسمعت أيضاً عن تردي رواتب كثير منهم في المستشفيات السعودية، حكومية أو أهلية، مقارنة بأقرانهم من حاملي الجنسيات الأوروبية والأمريكية. وأرجو أن يكون ما سمعته وقرأته عارياً من الصحة. لست بحاجة للتذكير بأن أهم الاستثمارات في أي بلد هي تلك التي تستثمر في الإنسان. والسعوديون اليوم مميزون (على مستوى المنطقة) في الطب وفي أعمال البنوك والإعلام. لكن يبقى الطبيب في رأس أولويات الاستثمار. والطبيب المتميز إن لم نوجد له البيئة الملائمة، من مستشفيات ونظام إداري لائق وامتيازات في الرواتب والخدمات الأخرى، فلماذا نستغرب إن قبل بعروض عمل خارج بلاده؟ من حقه أن يبحث عن مكان آخر -حتى خارج وطنه- يحترم تفوقه ويمنحه قدره في الراتب وبقية الامتيازات. لكننا إن لم نعمل بصدق وحس وطني على حل الإشكالات التي تدفع بالطبيب السعودي المتميز للهجرة فإننا فعلاً نهدر الاستثمارات الكبيرة التي أنفقت على أطبائنا ونخسر طاقات وطنية مهمة مجتمعنا أولى…