الأحد ٢٨ أكتوبر ٢٠١٢
لنحيّد مفهومي “الوطنية” و”السيادة” من مسائل إجرائية تتعلق بإدارة الحج. ولسنا هنا في مجال التأكيد على حجم الإنفاق والجهد المبهرين للمملكة في خدمة الحجيج وتوسعة المرافق المقدسة. نحن هنا نتحدث عن إدارة “مناسبة” -فعالية- ضخمة يراقبها مئات الملايين حول العالم. الخطأ، أي خطأ، خلال هذه الفعالية قد يكون قاتلاً. السؤال: ما الذي يمنع شركات قطاع خاص مؤهلة أن تتولّى إدارة بعض فعاليات الحج؟ ماذا لو تسلمت شركة مؤهلة إدارة وتشغيل قطار المشاعر؟ ولماذا لا نستعين -ولو مؤقتاً- بشركة متخصصة من دولة مسلمة لها باع طويل في تشغيل القطارات داخل المدن وبينها؟ مع الوقت، يمكننا تأهيل شركات وطنية تسهم، بمهنية ومسؤولية، في إدارة الحج. الوزارات والأجهزة الحكومية لا يمكنها وحدها إدارة الحج. هي تضع اللوائح وتسن القوانين وتشرف على الأداء وتحاسب على التقصير. لكن الإدارة الفعلية -على الأرض- من مواصلات وتأمين مواد غذائية وتفعيل خطط الحج ربما يستطيع القطاع الخاص تأمينها أفضل من أي جهة رسمية أخرى. أعرف أن القطاع الخاص اليوم جزء فاعل من هذه العملية، ولا يمكننا في الحج أن نفصل تماماً بين أدوار القطاعين العام والخاص. ولكنني هنا أفكر بصوت مرتفع في منح شركات القطاع الخاص السعودية (ولا مانع من استشارات قادمة من شركات إسلامية ناجحة) أدواراً أكبر في إدارة فعالية ضخمة ومهمة مثل مناسك الحج. لنكن صريحين:…
السبت ٢٧ أكتوبر ٢٠١٢
كان العيد يأتي بما لا يأتي في سواه. ننتظره لكي نلبس فيه ثوبنا الجديد. ونتذوق فيه ما لا نحظى به إلا نادراً. عيدنا الكبير في الغالب كان عيدين. فما أن يعود الحاج إلى قريتنا حتى يبدأ الاحتفاء به. كنا نعد الأيام عداً في انتظار قدوم العيد. كبرنا وتزاحمت الأحداث حولنا. فقد العيد ذلك الوهج الذي عشناه أيام العيد. اليوم يأتي العيد ويذهب مثل أحداث كثيرة تمر بنا مرور الكرام. كانت الناس تقطع أسفارها عائدة لأوطانها من أجل العيد. صرنا الآن نهرب في العيد إذ نجد فيه فرصة للسفر والترحال والهروب. يمر يوم العيد كما تمر أغلب أيامنا. لا شيء يميّزه عن بقية أيام السنة سوى صلاة العيد وبعض الزيارات العاجلة ثم نكمل يومنا مثل ما نفعل كل يوم. أبحث عن فرحة العيد فلا أجدها. وأسأل: هل تغيّر العيد أم تغيّرنا؟ أم أنها الطفولة التي تجد في العيد مناسبة جديدة للفرح والاحتفال؟ ربما. لكن المؤكد أن عيدنا أيام الطفولة كان يأتينا بما لا نعرفه إلا نادراً. فالثوب الجديد كان عملة صعبة. والزائر، من القرى والمدن البعيدة، كنا لا نسمع منه إلا في العيد. وذبيحة العيد ربما كانت علامة فارقة في نظامنا الغذائي على مر السنة. أما وقد يسّر الله لنا لبس كل جديد، بمناسبة أو بدونها، وقد قرب البعيد بأدوات التواصل…
الجمعة ٢٦ أكتوبر ٢٠١٢
تبلغ نسبة المسلمين في الدولة الوليدة، جنوب السودان، 30 %. تمكن ألف حاج من جنوب السودان من أداء فريضة الحج هذا العام. المشكلة الرئيسة التي واجهتهم كانت في عدم وجود تمثيل دبلوماسي بين المملكة وجنوب السودان. قيادات المسلمين في جنوب السودان ثمنت تعاون الجهات السعودية المسؤولة مع حجاج الجنوب في تسهيل إجراءات السفر والحج. هذه خطوة إيجابية نأمل أن نبني عليها لما يعمق العلاقات الإيجابية مع مسلمي جنوب السودان في ظل المحاولات الإسرائيلية والغربية لاحتواء الدولة الوليدة بما يخدم مصالح إسرائيل أولاً. مسلمو جنوب السودان يمكن أن يشكلوا جسراً للمصالح المتبادلة بين العالم العربي ودولة الجنوب. وهم اليوم من صمامات السلام بين السودان ودولة الجنوب. طبيعي أن تبحث الدولة الوليدة عمن يساندها سياسياً و اقتصادياً خصوصاً في سنواتها الأولى. ولهذا ليس من الحكمة ولا من المصلحة البعيدة أن نبقى نتفرج على جنوب السودان يبحث عمن يسانده ثم نلومه على فتح أبوابه أمام بعض من لا نحب ممن قدم له يد العون. إذا كانت الخرطوم نفسها اعترفت بدولة الجنوب فما الذي يمنعنا في المملكة من الاعتراف بها وتأسيس سفارة وقنصليات هناك؟ أمامنا فرصة جيدة لفتح صفحة من التعاون الإيجابي مع دولة الجنوب خاصة بعد التعاون المثمر لتسهيل إجراءات حجاج الجنوب. وعلينا أن نستعجل في إجراءات التبادل الدبلوماسي خاصة أن مسلمي جنوب…
الخميس ٢٥ أكتوبر ٢٠١٢
يأتي العيد غداً ونحن في العالم العربي لانزال نطرح نفس الأسئلة التي نسألها منذ عقود: إلى متى نعيش في دوامة من العنف والمجهول؟ لماذا نعيش عصرنا خارج العصر؟ متى نعيد قراءة تاريخنا بمعرفة ومواجهة؛ لعلنا نفهم واقعنا ونبدأ في التفكير للمستقبل؟ بعض هذه الأسئلة، وإن اعترفنا سراً بشرعيتها، لاتزال في خطابنا محرمة. لكننا إن لم نسألها علانية ونلح في تذكير أنفسنا بأهميتها سنبقى ندور في دائرة الوهم، وسنبقى خارج التاريخ وخارج العصر. وسنبقى تائهين في قراءة ما بين السطور لا ما في السطور، وسنظل نكذب على أنفسنا حتى في تعبيرنا عن “فرحة” العيد. ثمة حقائق مرعبة عن تاريخنا وعن يومنا لابد من مكاشفة صادقة معها. العرب أكثر من قتل العرب. والعرب أكثر من يقتل العرب اليوم. العربي أسوأ من عادى العربي. وأكثر دموية في تصفيته حساباته مع العربي. وما أسس للجهل والبغض والحسد بين العرب مثل العرب أنفسهم. وإن سألنا لماذا فمع الأسف إن جزءاً مهما من الإجابة يرجع للماضي. لتاريخ العداء المتأصل بين العرب أنفسهم. وفي تلك دلالة أخرى على أننا لم نغادر تاريخ الخصومة العريق منذ عصور الجاهلية وما تبعها. نحن حقاً غارقون في الماضي بكل مآسيه وحروبه وثاراته. من هناك ظل العرب أعداء أنفسهم. قل عني إني جالد لذاته. قل إني متشائم. قل ما شئت. ثم عد…
الأربعاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٢
أفهم أن يكون لإيران أجندات سياسية تخدم بها مصالحها في المنطقة. لكنني عجزت أن أفهم لماذا يخلط البعض عندنا بين نقد السياسة الإيرانية وإثارة الطائفية. ما أن تنتقد سياسة إيران وتدخلاتها في العالم العربي حتى يظهر لك طابور يحذر من إثارة الفتنة الطائفية بنقدنا لإيران! وفي هذا الطرح ما يسيء لشيعة الخليج، إذ يربطهم بأجندات إيران في المنطقة. ليس صحيحاً أن نقدنا لإيران هو نقد لمذهب ديني أو رأي فكري. نحن لدينا مشكلة مع سياسات إيران في المنطقة واستغلالها للمذهب كورقة -من ضمن أوراق كثيرة- في لعبتها السياسية. إذن لماذا يربط البعض بين نقد إيران سياسياً وإثارة النعرة الطائفية؟ تلك في رأيي شكل من أشكال «المكارثية» في منطقتنا. فإن حذرنا من ألاعيب إيران في بلدان الخليج جاءنا من يقول: ويلكم؛ كيف تُحرضون على الطائفية؟ وإن نبهنا لخطر تدخلات إيران في اليمن والبحرين وغيرهما قيل لنا: أنتم تكتبون بنفس طائفي! نحن نكتب ونحذر من لعبة إيرانية سياسية تستغل طهران فيها كل ما يحقق أهدافها بما في ذلك منظمات وتيارات سنية مثل القاعدة وحماس. وتستغل أحياناً الطائفية من أجل إثارة الفتن في العالم العربي. ولن ينسى العرب، سنة وشيعة، إسهام طهران في مساندة ديكتاتور دمشق في قتله للآلاف من المدنيين وتدميره للمدن والقرى في سوريا. أنا على قناعة أن إيران تشكل «رأس…
الثلاثاء ٢٣ أكتوبر ٢٠١٢
في أشد البلاد العربية ديكتاتورية كانت كلمات “الديموقراطية” و”حكم الشعب” وما لف حولهما الأكثر ترديداً في خطابها السياسي. خذ القذافي مثالاً: كذب على الليبيين والعالم أربعين سنة وهو يردد “الديموقراطية” و”ثورة الشعب” ثم بدّل علم الدولة وغير اسمها مراراً وزاد عليه حتى صار أطول اسم “جمهورية” معاصرة. وأكثر من يزعم محاربة إسرائيل والوقوف أمام نزعتها الاستيطانية لم يسترد شبراً من الأراضي المحتلة ولم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل. قيادات تزعم الشرعية وقد جاءت للحكم على ظهر دبابة أو بمؤامرة. “جمهوريات” اختزلت الدولة كلها في العشيرة والمقربين. وأذاقت الناس كل أشكال الإهانة والألم. في هكذا مناخ، كيف لا يتفاقم الغضب حتى يصل إلى لحظة الانفجار؟ ما أكثرهم من تمنوا الإصلاح وفضلوه على الفوضى العارمة التي يشهدها الشارع العربي في أكثر من عاصمة. مخطئ من يضحي بالأمن – حتى في حدوده الدنيا – مقابل مشروع سياسي غير معروف الملامح. لكن حينما تفقد الناس الحدود الدنيا من كل شيء، فما الذي يبقى رادعاً لها أمام أي دعوة للمغامرة أو المجازفة. حينما يكون عند الناس مصالح حقيقية مستفيدين منها فمن الطبيعي أن يبذلوا كل الجهد للدفاع عنها. وإن لم يكن للمرء ما يخسره فماذا يضيره لو “تطربقت” الدنيا في وطنه “فوق تحت”؟ العالم العربي تحول، بسبب تراكم الإحباطات، إلى بيئة طاردة لكل شيء حتى…
الإثنين ٢٢ أكتوبر ٢٠١٢
إنها ضرورة تنموية أن نؤسس لمشروع يصنع «القدوة» في مجتمعاتنا. كم من تجربة إبداعية عندنا لو وُثقت لربما ألهمت غيرها بالنجاح والتفوق. على صعيد التجارة، ثمة عشرات القصص التي يستحق أصحابها دور «القدوة» ليس فقط لشبابنا ولكن لشباب المنطقة كلها. نسمع قصصا مبهرة لأسماء لمعت في التجارة وذات تجربة ثرية في الإصرار على النجاح من أمثال الراجحي وعبدالهادي القحطاني وسليمان العليان والجبر وغيرهم. وثمة قوائم أخرى لأسماء لمعت في الإدارة وتفوقت بإبداعها الإداري ووطنيتها ودورها في تخريج صفوف من قيادات جديدة في قطاعات شتى. من يوثق هذه التجارب، أو بعضها، لعلها تسهم في صناعة المثال «القدوة» لأجيالنا القادمة؟ والقدوة ليس بالضرورة من يكبرك سناً. إنه صاحب التجربة المتميزة في الإصرار على النجاح. وقد تكون في تجربة مختلفة لرجل أو امرأة من أبناء وبنات مجتمعك حيث يقود الإصرار مع التفكير خارج «صندوق» المعتاد والمألوف إلى تميز مبهر. لدينا مئات الحكايات والقصص لأناس تحدوا المستحيل من أجل تحقيق الأهداف. ولدينا نماذج خارقة في عصاميتها وتفكيرها وركضها الدؤوب وراء النجاح والتفوق. ولدينا اليوم شباب أثبتوا أنفسهم على الرغم من كل التحديات ونجحوا بامتياز في مجالاتهم. كل هؤلاء -إذا ما وثقنا وأبرزنا تجاربهم- جديرون بدور «الملهم» نحو التفوق. صناعة القدوة مشروع تنموي وحضاري بحاجة إلى جهد جاد كي يتحقق واقعاً على الأرض من خلال…
الأحد ٢١ أكتوبر ٢٠١٢
تحول الأخضر الإبراهيمي إلى مندوب سوري/إيراني يحمل تهديدات الأسد من دولة عربية لأخرى. لم تمر ساعات من تحذير الإبراهيمي حول خروج أحداث العنف من سوريا إلى دول الجوار حتى وقع تفجير الأشرفية. وجود الإبراهيمي يخدم الأسد و يطيل من عمر نظامه المهترئ. و هذا قد يعرض المنطقة لمزيد من حماقات الأسد و داعميه في طهران. لعبة الموت الأسدي لم تهدأ. بل وجد في الأخضر الإبراهيمي فرصة جديدة لإعادة ترتيب أوراقه سياسياً و عسكرياً. ففي اللحظة التي يجلس فيها رموز نظام الأسد مع الأخضر الإبراهيمي، تقوم قوات الأسد و شبيحته بقتل العشرات من المدنيين السوريين ودك البيوت في المدن و القرى السورية. ما الذي يمنع أن تسلك الدول الداعمة للثورة السورية سلوك الأسد فتستقبل الإبراهيمي و ترفع من دعمها العسكري للجيش الحر و ثوار سوريا؟ لا الأمم المتحدة و لا القوى الدولية ستحسم المعركة في سوريا. ثوار سوريا هم من سيحسمها. و لكنهم من دون أسلحة نوعية سيبقون عرضة لطائرات الأسد و دباباته. الحرس الثوري وحزب الله يدعمان قوات الأسد و شبيحته على الأرض. كل هذا سيطيل معاناة السوريين. الحل ليس في يد الإبراهيمي. الحل الأكيد في يد الجيش الحر و ثوار سوريا. و لهذا لا بد من دعم عسكري نوعي عاجل لثوار سوريا مما يدعمهم لحسم المعركة لصالحهم و يحمي…
السبت ٢٠ أكتوبر ٢٠١٢
لن أستغرب لو قيل لي إن السعوديين أكثر شعوب الأرض قاطبة حباً للسهر. ولا أستطيع أن أفهم سر تعلق السعوديين بالليل. لا تقل لي إنه الجو الحار حيث يجدون في الليل ملاذاً. فهم يسهرون الليالي حتى في عز البرد ويتدثرون بأغلظ البطانيات شتاءً وأعينهم لا تغادر شاشة التليفزيون حتى شروق الشمس. ولو كانت حرارة الجو مبرراً للسهر فلماذا لا يسهر بقية الخليجيين كما يسهر السعوديون؟ الآن توافد السياح السعوديون لقضاء إجازة العيد في دبي فاستقبلتهم دبي بما يعشقون: السهر! وهي خطوة عملية حيث نتناوب، نحن أهل دبي، مع الزوار السعوديين الحركة في دبي: النهار لنا والليل لكم! دبي قررت فتح أسواقها أمام السائح السعودي ليلاً. والفضل في هذا القرار يعود للزائر السعودي الذي كان يتجول طيلة الليل في «الممشى» ويلفلف بسيارته ذهاباَ وإياباً على شوارع الجميرة والوصل وغيرهما في ديرة والشارقة. أدركت دبي هوس السعوديين بالليل ففتحت لهم أسواقها طيلة الليل فكفتنا شر زحام الطرق في «السيرة والردة» من وإلى مكاتبنا نهاراً. غير أن أكثر ما أخشاه هذه الأيام أن يتصل بي زائر سعودي ليعرض عليّ فنجان قهوة في (دبي مول) بعد منتصف الليل. كيف أقنعه أننا في دبي قليلاً ما نخرج من بيوتنا بعد منتصف الليل وأننا – مثل بقية شعوب الله – نستيقظ مبكراً كي نذهب مبكراً إلى…
الجمعة ١٩ أكتوبر ٢٠١٢
وها نحن نعود نسأل ذات السؤال عند كل إجازة: لماذا يتسابق السعوديون للهروب إلى خارج حدود وطنهم ليلة كل إجازة؟ في ظني أن غالبيتهم لايذهبون للسياحة. إنهم يهربون تحت مظلة السياحة. ولا بأس في ذلك. فكلنا نحتاج أحياناً للهرب من ضغوط الحياة ومشكلاتها. وما الإجازة -أحياناً- إلا رحلة نهرب فيها من روتين العمل والمناسبات الاجتماعية. كتبتها قبل سنوات وغضب من غضب: العائلة السعودية لاتسافر خارج حدود وطنها من أجل السياحة قدر بحثها عن فرصة تعيش فيها حياة طبيعية بعيداً عن عيون المراقبة ولقافة الفضوليين. فرحلة عائلية للسوق أو السينما هي نمط حياة معتاد في دول الجوار. والذهاب مع العائلة لمطعم أو حديقة عامة ليست سوى فقرة على جدول العائلة الأسبوعي عند أهلنا في دول الجوار. نحن ينطبق علينا المثل الشهير: “يا من شرى له من حلاله علة”! فقد ورطنا أنفسنا في سلسلة من التعقيدات صارت لاحقاً محفزا كبيرا للهرب الكبير عند أي فرصة. وحينما نهرب منها في بلادنا نركض إليها خارج بلادنا. بعضنا يحلل خارج الحدود ما يحرمه داخل الحدود. فالسينما -مثلاً- حلال عنده في البحرين والدوحة ودبي لكنها عنده حرام في أبها وتبوك والرياض. والمطعم المختلط مقبول -بل مفضل- عنده في دبي لكنه مستحيل عنده في الرياض. ما يرفضه في السعودية، من نشاط عائلي جماعي، يبحث عنه -بل يهرب…
الخميس ١٨ أكتوبر ٢٠١٢
ليست سجون العراق تلك التي يقبع فيها بعض الشباب السعوديين من المحكوم عليهم بالإعدام. إنها سجون نوري المالكي، وفي سجون المالكي لا يمكن أن تضمن الحد الأدنى من المعاملة العادلة. لا نقصد هنا تبرئة الجميع ولكننا نسأل عن آلية المحاكمة وتفاصيل أوضح عن مبررات السجن؛ كي نفرز بين من تورط عملياً في “جريمة” تستوجب السجن، ناهيك عن الإعدام، وبين من ساقته ظروف المرحلة -ودهاليز الألاعيب الاستخباراتية- لأن يقع ضحية لعبة أكبر منه. نعرف أن المخابرات السورية ورطت العشرات من شباب عرب، غرر بهم خطاب الجهاد المضلل، واستغلتهم دول مجاورة كحطب جاهز في لعبتها السياسية. وهذا تحديداً ما كنا، كتاباً ومثقفين، نحذر منه فنوصف حينها بالعمالة والتغريب. باسم الجهاد اُستغل المئات من شبابنا في حروب استخباراتية إقليمية وبعضهم اليوم ينتظر الموت على أيدي قضاة المالكي وسجانيه، وحتى في سجنهم وأحكام الإعدام الصادرة بحق بعضهم ما زالوا يٌستغلون كأوراق سياسية يساوم بها وعليها المالكي وفريقه، نحن هنا نفرق بين شباب تورط في الدخول للعراق، وربما وجد نفسه في نفق لم يستطع الخروج منه، وبين آخرين ربما ثبت تورطهم، بوعي ومعرفة، فيما يستحق العقوبة، تمنيت أن قضية السعوديين في السجون العراقية تأخذ صداها محلياً وإقليمياً من أجل الضغط على حكومة المالكي للكف عن استخدام أولئك ورقة في أي لعبة سياسية. وهي أيضاً فرصة…
الأربعاء ١٧ أكتوبر ٢٠١٢
يخلط بعضنا أحياناً بين المثقف الحقيقي وبين “الملوسن” الذي يجيد “الكلام” بصوت عالٍ في المجالس والمناسبات. في مجتمعات “الظاهرة الصوتية” مهما تكن قدراتك العلمية وخبراتك الوظيفية فأنت ستبقى دوماً في الظل لأن “الملوسن” هنا هو المفكر والمثقف وصاحب الرأي السديد. في مجتمعاتنا، من يستطيع الكلام بصوت عالٍ يكون أكثر المؤهلين للصدارة! أما المثقف المحترم، الذي يزن الكلمة قبل النطق بها، والذي يخشى أن يحتكر الحديث في “المجالس”، فهو عندنا إنسان “بسيط” وعلى “قد الحال”. أنت تجيد رفع الصوت، أنت –إذاً– جدير بالمنصب ورأس المجلس! وإن كنت ممن تربى على أن من آداب المجالس الكلام بأدب وعدم الاستئثار بالحديث فأنت قد توصف كمثل من لا “يهش ولا ينش”! من “المَرجلة” في ثقافتنا الكلام بصوت مرتفع مع “فهلوة” في الحكايات والبطولات. وهذا المشهد ربما قبلناه لو كان من خلال مسلسل بدوي يعبر عن تجربة خلت. المشكلة أنها صارت ظاهرة حتى في أوساط مجتمع المثقفين وأهل الإعلام. لم يعد مقياس الكفاءة علمك وخبرتك وما يمكن أن تقدمه وتنتجه. المقياس هنا هو مستوى “صوتك” ومدى قدرتك على الاستحواذ بالكلام وما تضيف إليه من “بهارات” كالنكتة وشيء من النميمة والنفاق. ولكي تتفوق أكثر وتكسب أي منافسة محتملة مع أي “ملوسن” محتمل، عليك أن تضيف إلى “فهلوة الكلام” التي تجيدها جملاً بلغات أجنبية، وعنوان كتاب صادر…