لماذا لا يشوَّهون الجدران؟

الثلاثاء ١٦ أكتوبر ٢٠١٢

تجولت في طوكيو و صعدت جبل فوجي الشهير و لم أشاهد أي كتابة على الجدران. ثمة صخور و بعض الجدران على الممر الطويل الذي يأخذك إلى قمة فوجي و لم أجد هناك أي كلمة عابثة كتبت على صخر أو جدار. أجزم أن النظام الصارم ضد العبث بالأماكن العامة و تشويه المعالم من أسباب ردع العابثين. لكن ذلك لا يكفي. لا بد أن التربية هي لاعب مهم في سلوك الناس وتعاملاتهم. لماذا نحن فوضويون؟ و لماذا نتماهى مع الفوضى؟ وأسئلة أخرى سألتها خلال زيارتي القصيرة لليابان. كنت أراقب سلوك اليابانيين أثناء تنظيمهم المذهل للقاءات صندوق النقد الدولي و مجموعة البنك الدولي التي للتو انقضت في طوكيو. و لا أملك سوى الانبهار و الإعجاب الشديد بدقة التنظيم و صرامته. المنظمون كانوا في منتهى الجدية لكنهم يخجلونك بأدبهم وتقديرهم للنظام و للزائرين فلا يجاملون الضيف على حساب القانون و لا يصرخون في وجهه باسم النظام! الشوارع نظيفة و حركة السير منظمة و يكاد يشعر زائر المدينة أنه ضيف عزيز على كل مواطن في اليابان. النظافة و الأناقة و دقة التنظيم من عناوين المشهد الذي عشته لأيام قصيرة في طوكيو. لكنني ما توقفت عن المقارنة بأحوالنا سائلاً: أين الخلل؟ و لو كان لديك إجابة أثق أنك ستسأل: من أين أبدأ؟ أعرف أن في ثقافتنا…

الصين واليابان: الغني ومحدث النعمة

الإثنين ١٥ أكتوبر ٢٠١٢

لم يبهرني ما رأيت في اليابان قدر انبهاري بما رأيته في الصين قبل أسابيع قليلة. والسبب أنني توقعت ما رأيته في اليابان؛ هذه البلاد التي أدهشت العالم كله منذ عقود باقتصادها و صناعتها و سباقها مع الكبار. ما رأيته في زيارتي الأولى لليابان جاء تأكيداً لانطباعاتي المسبقة عنها. أما في الصين فما رأيته جاء عكس ما توقعته تماماً. أمة قررت أن تنهض و تتفوق. لكن من الظلم أن نتوقع أن تحقق الصين في سنوات قصيرة ما حققته اليابان بعد عقود طويلة من العمل و الكفاح. قراءتي المبدئية للفوارق بين التجربتين – وهي انطباعات أسجلها عبر المشاهدة السريعة – أستطيع تلخيصها في تشبيه اليابان بثري يتعامل مع الثراء بعقلية صاحب العراقة في التجارة و الرخاء. لم أشاهد في طوكيو ما رأيته في بكين من استعراض واضح في العمران الشاهق و في انتشار أفخم و أغلى السيارات الأوروبية. الماركات العالمية الشهيرة تشاهدها في أغلب شوارع و ميادين بكين الرئيسية. لكأن بكين تشبه «مُحدث النعمة». و هذا لا ينتقص من التجربة الصينية و لا من إعجابي و انبهاري بما رأيته بنفسي في أكثر من مدينة صينية. بل هي «ظاهرة» متوقعة في بلاد تحولت سريعاً إلى الرأسمالية، تماماً كما حدث في روسيا حينما لبست ثوباً رأسمالياً بعدما رمت ثوبها الاشتراكي القديم. المهم في التجربتين،…

بشت الوليد!

الأحد ١٤ أكتوبر ٢٠١٢

شاهدت عبر الفيديو تفاصيل افتتاح قمة الإعلام في أبوظبي التي اختتمت الخميس. لفت انتباهي خلو القاعة من «البشوت» إلا من بشت الأمير الوليد بن طلال وبعض من في معيته من أمثال صديقنا جمال خاشقجي. ولأن المتحدث الرئيسي كان بيل جيتس، وهو من هو في الثراء والإبداع وأعمال الخير، فلابد أن يثير إعجابنا بتواضعه وبساطته وعمق فكره. ليس للبشت «هيبته» في هكذا محفل. لكن الهيبة -إن كان لابد منها- هي للعلماء والمبدعين ممن بأفكارهم ومنجزاتهم نقلوا الإنسان من عصر إلى آخر. ولأن الأمير الوليد بن طلال من نجومنا الذين أبهرونا بجرأتهم ونجاحاتهم فلابد أن ننظر له دوماً كأبرز محفزي التغيير الإيجابي في منطقتنا. الوليد دائماً يسبق غيره في فتح أبواب كنا نظنها عصية. وهو الأكثر جرأةً في سلك طرق قليل من يسلكها قبله. ولهذا تساءلت: ماذا لو حضر الوليد افتتاح قمة أبوظبي بلا بشت؟ كيف سينظر له شباب السعودية؟ أعترف أنني شديد الإعجاب بالمسؤول الإماراتي، شيخاً ووزيراً ومدير إدارة، لتحرره من «عقدة» البشت التي لاتزال تكبل كثيراً من المسؤولين الآخرين في الخليج. ليبقى البشت حاضراً في المناسبات الرسمية الضرورية وفي المناسبات الاجتماعية. ولنحرر حركتنا -وتفكيرنا- من دلالاته وتعقيداته. ولكن من يجرؤ على هكذا مبادرة قبل الأمير الوليد؟ ليسامحني صديقي جمال خاشقجي إذ أعترف أنني ابتسمت حينما شاهدته يسأل بيل جيتس سؤالاً…

دروس الربيع العربي في طوكيو

السبت ١٣ أكتوبر ٢٠١٢

عبّر رئيس البنك الدولي، “جيم يونق كيم”، عن أهمية فهم دروس الربيع العربي خصوصاً الأسباب التي أنتجته. قال أمس في حوار معه نظمته “الوول ستريت جورنال” في طوكيو إن الاقتصاد هو محرك الثورات. ولكي يتحقق استقرار سياسي لأي بلد لابد من تحقيق نمو اقتصادي مستمر مع التركيز على الشباب و فهم تطلعاتهم ثم التخطيط الواعي للمستقبل. و في كلامه تكرار لما كتبه و ردَّده عدد كبير من المعنيين بالتنمية في عالمنا العربي منذ عقود. المشكلة: إن الجميع في منطقتنا – بما فيهم السياسيون – يكررون الكلام عن أهمية الانتباه لقضايا التنمية و الاقتصاد و الشباب والتخطيط للمستقبل. لكنه مجرد كلام قليلاً ما فُعّل و تُرجم إلى برامج عمل تحقق نتائجها على الأرض. ملّ المواطن العربي من الوعود الكبيرة. و لم يتعب صانع القرار في أكثر من بلد عربي من إعطاء الوعود التي لا تتحقق. من هنا نشأت أزمة الثقة بين الطرفين حتى اشتدت حالة التذمّر قبل أن يصل الأمر – في بلدان الربيع العربي – إلى نقطة الانفجار. الأزمة الأخرى التي لم يتطرق لها رئيس البنك الدولي، ربما لضيق الوقت، هي أزمة الإدارة في أكثر من بلد عربي. وأضيف لها أزمة الإرادة. فإن غابت إرادة التغيير وغابت معها الإدارة الفاعلة فأي فائدة للخطط التنموية الكبيرة و للكلام الكبير في التطوير…

العولمة في مفترق طرق!

الجمعة ١٢ أكتوبر ٢٠١٢

من ينقذ العولمة؟ كان هذا أحد الأسئلة الرئيسة التي طرحت صباح أمس في طوكيو. كرستيان لاقارد تؤكد أن ما يمكن إنقاذ العولمة هو التعاون الدولي الجاد لمواجهة الأزمات الاقتصادية. العولمة ليست موضوعاً اختيارياً نستطيع أن نكون جزءاً منه أو لا نكون. إنها قدر العالم اليوم وهي نتيجة طبيعية لهذا التداخل الكثيف في علاقات الدول التجارية وفي أنظمة الكون البنكية والمالية ناهيك عن تقنية التواصل المبهرة التي اختصرت الوقت وقصرت المسافات. لكن تظافر الجهود العالمية لابد أن ينصب على ما يوحد الجهد لمواجهة التحديات المهولة أمام الإنسانية في العقود القادمة على مستويات النمو الاقتصادي وتوفير الوظائف وتطوير البنى التحتية والخدمات الصحية. لكن واقع التنافس العالمي يناقض طموحات -ونظريات- الباحثين عن رؤية “إنسانية” عالمية لمواجهة تحديات العولمة وإشكالاتها. السياسيون منشغلون كثيراً بأجنداتهم السياسية. من هنا تأتي أهمية أدوار القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لخلق مبادرات خلاقة تحث وتشجع الأجيال الشابة على الابتكار وتسمح لهم بفرصة أكبر للمشاركة في صناعة مستقبلهم. هناك مبادرات شبابية ذكية يمكنها أن تحفز الشباب على التفكير في مستقبلهم بتفكير خارج صندوق المألوف والمعتاد. إلا أننا في العالم العربي لانستطيع المراهنة كثيراً على القطاع الخاص أو مؤسسات المجتمع المدني كون الحكومات ما تزال المؤثرة الأقوى في حراك المجتمع الاقتصادي. ولهذا تأتي أهمية التعاون الجاد بين القطاعين الحكومي والخاص لدعم…

لماذا يتقدمون؟

الخميس ١١ أكتوبر ٢٠١٢

ما إن وصلت طوكيو قبل يومين حتى بادرني ذات السؤال الذي يهجم علي في كل زيارة لي خارج العالم العربي: لماذا يتقدمون و نتأخر؟ الحقيقة أن في هذا السؤال وجها ناعما للسؤال الحقيقي: لماذا يزدادون تقدماً و نزداد تخلفاً؟ أتمنى لو يتفرغ بعض باحثينا المخلصين لدراسة أسئلة النهضة و البحث عن إجابة عملية لأسئلة من مثل: كيف تنهض الأمم؟ ما الذي يجعل أمة تتفوق في العلوم و سرعة الإنجاز و الانتقال من مرحلة تراجع إلى مرحلة تقدم و ازدهار؟ ذلك سؤال جوهري لطالما بحثت عن إجاباته. لكنني أعتقد أن الأمم تنهض بعد هزائمها عندما تعترف أولاً بالهزيمة ثم تشكل رؤيتها للمستقبل و تعمل من ثم كفريق واحد، لتحقيق أهدافها. و من يمتلك إرادة التغيير يستطيع – مهما كانت الصعاب – أن يصل لأهدافه. و ما ينطبق على الفرد يمكن أن ينطبق على الأمم. الفارق هنا أن الفرد يستطيع بنفسه أن يحقق إرادته و يصل لهدفه. أما الأمم ففي مرحلة ما من عمرها تحتاج لمن ينهض بها و يقودها لتحقيق طموحها الأكبر في النهضة و التفوق. بعد مأساة هيروشيما و ناجازاكي، سلك اليابانيون طريقاً مختلفا غير طريق القتال و الحروب. انتصر الياباني لنفسه حينما انتصر عليها و اعترف بالهزيمة. ثم رسم اليابانيون رؤيتهم الجديدة نحو المستقبل بعقلية جديدة تتطلع للمستقبل و…

ورطة إيران في سوريا

الأربعاء ١٠ أكتوبر ٢٠١٢

لو لم تتورط إيران في قتل العشرات من الثوار السوريين لقلنا إنها كانت تسعى للحفاظ على مكاسبها السياسية في المنطقة عبر سوريا. في السياسة كل خطأ يمكن تبريره وتجاوزه متى ما اقتضت المصلحة. لكن الحضور الإيراني في سوريا تجاوز كل الحدود السياسية التي يمكن أن نفهمها في سياق الصراعات السياسية الإقليمية. النظام الإيراني اليوم متورط الى أذنيه في جرائم مرعبة أستغرب أنها لم تصل بعد لمحكمة الجنايات الدولية. وكذلك حزب الله الذي يرسل مقاتليه بالمئات للمشاركة عملياً في تنفيذ جرائم ضد الإنسانية في سوريا. حان الوقت أن يتبنى الناشطون من المحامين العرب مشروعاً يرصد جرائم النظام الإيراني وحزب الله في سوريا وتوثيقها بما يدعم قبولها لدى المنظمات الدولية، خصوصاً محكمة الجنايات الدولية. نحن هنا معنيون بالتفريق بين النظام الإيراني والشعب الإيراني الذي يدفع اليوم فاتورة تورط حكومته في سوريا وفي غيرها. كثير من الأصوات الإيرانية تستنكر ألاعيب الحكومة الإيرانية وتدخلاتها في شؤون عربية معقدة مما أثقل كاهل الاقتصاد الإيراني وأساء للإيرانيين وعقد أمورهم داخل إيران وخارجها. ولهذا فإن أي موقف دولي صارم ضد المؤسسة الإيرانية الرسمية، وعلى المدى البعيد، سيصب في مصلحة الإيرانيين الذين يعانون أشد المعاناة من حماقات نجاد والحرس الثوري. لم يعد سراً أن الثوار السوريين يُقتلون برصاص وقنابل إيرانية. والجيش الحر أسر العشرات من المقاتلين الإيرانيين والتابعين…

المثقف والشأن العام

الثلاثاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٢

ما فائدة الثقافة إن لم تهبط من أبراج أصحابها العاجية لتعبر عن هموم الناس وقضايا المجتمع؟ المثقف الذي يعزل نفسه عن هموم مجتمعه مثله مثل “المسؤول” الذي لا يمكنه أن يفهم معاناة الناس لأنه لا يعيش كما تعيش الغالبية الساحقة من مجتمعه. و لهذا تجد أن شعبية أصحاب الخطابات الدينية في مجتمعاتنا كاسحة لقرب أصحاب هذا الخطاب من قضايا المجتمع وشجونه. يشتكي بعض المثقفين من عزلتهم الفكرية و من اتساع الفجوة بينهم و بين قطاع واسع من أبناء مجتمعهم. وتلك نتيجة طبيعية للفوقية التي يتعاطى بها بعض مثقفينا مع مجتمعاتهم. وفي المقابل، ثمة من ينتظر من المثقف أن يكون واعظاً يفتي و ينصح في كل شأن. هناك مثقف ينزوي عن العالم ليس تعالياً على المجتمع و لكن تفرغاً لبحثه و قراءاته وكتاباته. في العالم العربي – بشكل أخص – تتفاقم الالتزامات والمجاملات الاجتماعية بحيث إن لم تضع لها حداً صارت حياتك كلها مُسخّرة للزيارات و المناسبات ودعوات العشاء و الغداء. هذا لا يمنع من لوم المثقف إن اعتزل مجتمعه وبقي يخاطب نفسه و”شلته” في الوسط الثقافي. القرب من هموم الناس مسألة مفيدة للباحث و الكاتب لكي يفهم عن قرب حراك المجتمع و تعقيد قضاياه. و هي أيضاً مسؤولية أخلاقية أن يكون المثقف فاعلاً في مشاريع التطوير التي يحتاجها مجتمعه. بإمكان…

امسكوه: خائن!

الإثنين ٠٨ أكتوبر ٢٠١٢

قبل أشهر، قال جون سنونو، حاكم ولاية نيو هامبشير السابق ، خلال مؤتمر نظمته حملة المرشح الرئاسي رومني، منتقداً أوباما: «كنت أتمنى لو أن هذا الرئيس تعلم كيف يصبح أمريكياً». قامت الدنيا و لم تقعد قبل تقديم الاعتذارات. في كلام سنونو تهمة خطيرة ضد أوباما تشكك في انتمائه الوطني. لكنه أضطر صاغراً أن يعتذر من أوباما خوفاً من تبعات كلامه قانونياً. في البلدان التي تحتكم للقانون لا يمكن إطلاق التهم ضد الناس جزافا. ثمة قوانين تردع المتهورين و الحمقى وذوي المواقف العنصرية التي يرون فيها أنفسهم وحدهم حماة الوطن وغيرهم مجرد خونة و عملاء و دخلاء على الوطن. في عالمنا العربي، لو طبقنا القوانين المعتبرة عالمياً في حق من يتهم غيره بالخيانة و العمالة لرأينا العجب العجاب. فما أن تقول رأياً وطنياً أو فكرياً — أنت مقتنع به لكنك لا تفرضه على أحد – حتى يهب بعضهم لتخوينك و ربما إخراجك من الملة. من حقك أن تختلف معي. لكن ليس من حقك أن تتهمني بالخيانة لمجرد أن رأيي لم يتفق مع رأيك. لكننا في مرحلة انتهت فيها إمكانية إقناع محترفي الشتيمة و التخوين بالتعقل و محاسبة النفس. لقد تمادوا حتى أدمنوا تهم التخوين. هؤلاء لا تردعهم سوى قوانين صريحة و واضحة يُحتكم إليها. تعبنا و نحن نُذكّر أن من مصلحة…

في رحيل سليمان العيسى

الأحد ٠٧ أكتوبر ٢٠١٢

يرحم الله زميلنا الراحل سليمان العيسى. عرفته منذ أن كنت طالباً مبتدئاً في جامعة الملك سعود وحينما كنت أكتب متعاوناً في صحيفتي المسائية و الجزيرة. وعرفت الجانب الإنساني في شخصيته بشكل قريب بعد عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية. كان يتصل بي من وقت لآخر للسلام و الاطمئنان و السؤال.كان الراحل سليمان العيسى مثالا للإعلامي الوطني النبيل الذي لا يرضى و لا يسكت عن ظلم يقع على أي من زملاء المهنة. التقيته مراراً في مكتب الصديق سليمان العقيلي، حينما كان نائباً لرئيس تحرير «الوطن» في الرياض. وكان من حين لآخر يغمرني بلطفه و هو يبادر بالاتصال. أسفت جداً حينما سمعت نبأ وفاته الليلة قبل البارحة. ندمت أن ظروف السفر و مشاغل الحياة سرقتني عن زيارة نبلاء و أفاضل من أمثال سليمان العيسى. وفي مسيرتي الإعلامية، ينضم سليمان العيسى إلى قائمة الراحلين من أصدقاء و أساتذة كانت لهم أفضال كبيرة في مسيرتي الصحفية. كان أول الراحلين الدكتور محمد كامل خطاب و قد كان من الأساتذة الأفاضل الذين جمعوا بين التأهيل الأكاديمي والخبرة العملية خصوصاً في التقديم التلفزيوني. لم يتعالَ على مهنته بعد حصوله على الدرجة الأكاديمية. وكان من أكثر المشجعين لي على الكتابة و العمل الصحفي الميداني. ثم عرفت بعده الراحل الأستاذ معتوق شلبي الذي كانت له عليّ أفضال كبيرة أيام دراستي…

منتصف العمر

السبت ٠٦ أكتوبر ٢٠١٢

قرأت في صوته حزناً و شبه يأس. زاد إلحاحي في السؤال عن نبرة الحزن في صوته فاعترف: لعلها أزمة منتصف العمر! علّقت ساخراً: تقصد أزمة آخر العمر يا صديقي؟ فصرخ معاتباً: «الشرهة» على من اتصل بك ظاناً أنه سيجد ما يواسيه في مكالمتك! ضحكنا قبل أن يبدأ درسنا في فلسفة العمر و الحياة: عرفت شباباً في عز الشباب لكنهم يعيشون يومهم بعقلية «قدمه على حافة القبر». لا يرون في حياتهم سوى البؤس و الإحباط. يلومون العالم كله في سوء أحوالهم لكنهم لا يعترفون بأي مسؤولية و لا يقدرون على خوض أي تجربة أو مغامرة. و مهما تحسنت أحوالهم فزمنهم يتوقف عند الثلاثين أو الأربعين من العمر. و في المقابل عرفت من دخل السبعين من العمر بروح شابة وثّابة لا تتوقف حياتها عند سن معينة. قال لي صديق لوالدي بلغ الثمانين من عمره أو أكثر إنه يشعر بحيوية لا يشعر بها كثير ممن في سن أحفاده. أصدقه. رأيته دائم الابتسامة، متفائلا بالغد، لم يتوقف يوماً عن نشاطه في التجارة و زيارة الناس و حضور مناسبات الأقارب. هنا سر حيويته. إنه ينتمي لفكرة ترى في الحياة معركة ممتعة مهما هُزمنا في بعض فصولها. عرفت تجاراً دخلوا دائرة الإفلاس ثم نهضوا من جديد. لكنهم تعلموا من الخسارة أكثر مما تعلموه من الربح. قال…

في الوطنية

الجمعة ٠٥ أكتوبر ٢٠١٢

ليست الوطنية أن تمتدح كلَّ شيء في الوطن. و ليست وطنية أن تُخوّن كلَّ من يشير إلى مواقع الخلل. و فكرة “إما أن تمدح أو أنت خائن” لم تصلح حتى في زمن الديكتاتوريات الشمولية فما بالك بها في عصر الإعلام الجديد. بعضهم يسيىء للوطن ظاناً أنه ينتصر له. في الوطن – أي وطن – تيارات و أفكار متباينة. المهم أن تقف كلها عند خط أحمر هو أمن الوطن و سلامته. لنختلف فيما بيننا على أفضل السبل لمواجهة المخاطر المحتملة. لكن لا نستغل الوطن لتصفية حسابات فكرية أو شخصية باسم الوطنية و الدفاع عن الوطن. فينا من يرى في البطالة أكبر مهدد لأمن الوطن. وثمة من يرى مهددا آخر أكثر خطورة. فينا من يرى في تأخير تنفيذ مشاريع التنمية ما يدعو للحذر. و فينا من يرى أن التنمية ليست أولوية. و الدعوة لمحاربة الفساد و المطالبة بمشاركة فاعلة كلها أفكار إيجابية تصب في نهاية المطاف في مصلحة الوطن. و أن ترى في تحديات الداخل ما يهدد أمن الوطن أكثر من تحديات الخارج لا يعني إغفالاً لمخاطر الخارج. قوة الأوطان منظومة متكاملة من تطوير ظروف الداخل و تحصين الداخل من مخاطر الخارج. المهم هنا أن المصلحة الوطنية العليا هي الهدف مهما تباينت الأساليب و مهما اختلفنا حول الأولويات. أما الانشغال بخصومات وقودها…