الخميس ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٢
العالم بحاجة إلى تفسير مقنع لما يحدث مع كورونا. نحن في عصر الذكاء الاصطناعي و«الميتافيرس»، وشيء ثالث لا أذكر اسمه، ولكنني قرأت أنه سيريح الكتاب والباحثين والمحللين، ويخفف عنهم التفكير وبذل الجهد لجمع المعلومات، وعصر «أمخاخهم» ليجمعوا ما يراودهم حول موضوع ما، ثم يصيغونه ليربطوا فكرة بفكرة، وما عليهم إلا تقديم «رؤوس أقلام»، ثم يتركون الأمر للتطبيق ليخرج مقالاً أو بحثاً أو دراسة، ثقافية أو سياسية أو علمية أو رياضية أو اقتصادية، ويقال إنه تطبيق سيحدث ثورة. وسيترك الآلاف دون وظائف، وأذكره جيداً لأنني قد أكون من المتأثرين لو نزل هذا التطبيق، وكثيرون غيري، خصوصاً الذين يؤجرون أقلامهم للآخرين، مقابل مبالغ ضئيلة أو وظيفة من خلف الكواليس، وهم يكتبون وغيرهم يضعون تواقيعهم في الأسفل، كلنا سنكون بلا فائدة ما دام ذلك التطبيق سيوفر مقالات محكمة، بلا أخطاء إملائية أو نحوية، ولا «هنات» في التعبير، ولا قصور في إيصال المعلومة، وآخرون سيبعدون الحرج عن أنفسهم، وسيقدمون كتباً تثري المكتبات دون أن يفتضح أمرهم، فالتطبيق لا يتحدث ويثرثر على المقاهي ويكشف المستور! أقول لكم، دعونا نعود إلى كورونا وكل ما صاحبتها منذ بداية سنة 2020، فأمرها محير، ولم تمض ثلاثة أيام على إعلانات الصين عن إصابات يومية تدخل في خانة المليون، أي الأصفار الستة، وتهويل وكالات أنباء الغرب وصحفها، وبيان منظمة الصحة…
الأربعاء ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٢
يحاول السودان أن ينفض ما علق به من فترة حكم جماعة الإخوان ومن يؤيدها، والتي استمرت ثلاثة عقود انتهت بحراك وطني قادته قوى الحرية والتغيير حتى تحرك الجيش وأسقط البشير قبل حوالي ثلاثة أعوام، ولكن القوى الوطنية تصادمت مع بعضها، واستمرت المجموعات الإخوانية المتمكنة من مفاصل الدولة في إحداث الفوضى والعمل على العودة إلى الواجهة. وبالأمس تجلت الإرادة الوطنية، وحسمت الخلافات من قبل الرجال الذين يعملون من أجل السودان، وليس من أجل تنظيماتهم وأحزابهم ومصالحهم الشخصية، فأوفى البرهان و«حميدتي» بوعودهما، وسلما مع مجلس السيادة والمؤسسة العسكرية بكل فروعها إدارة البلاد إلى المكون المدني المتمثل في قوى الحرية والتغيير، تمهيداً للإعداد المنظم لانتخابات عامة يختار فيها الشعب السوداني من يرى أنه جدير بقيادة السودان إلى مرحلة استقرار وتنمية. يستحق السودان بعد عقود من تفرد جماعة الإخوان الفئوية، التي مزقت الدولة، وفرقت ناسها، ونهبت خيراتها، وتسببت في انفصال جنوبها، أقول لكم، يستحق السودان الاستقرار والالتفات إلى مرحلة إعادة البناء، وحماية الأموال العامة والثروات الوطنية، والعودة وبكل قوة إلى دوره الفاعل في محيطه العربي والأفريقي، فهذه مرحلة مهمة تتطلب اتحاد جميع القوى والمكونات الوطنية على كلمة واحدة، وهي «الوطن». السودان بشعبه كان ولا يزال ذخيرة الأمة وعمقها في قلب أفريقيا، وكان منارة علم وتحضر، ولكن الذين تكالبوا على حكمه وتبديد ثرواته أعادوه إلى…
الأربعاء ٣٠ نوفمبر ٢٠٢٢
اليوم نتذكر شهداءنا الأبرار، أبناء الوطن، الذين جادوا بأرواحهم في ساحات الواجب وهم راضون كل الرضا، ليرتقوا إلى جنة الخلد مع الصديقين، وهم باقون في قلوبنا، لا ننساهم، ولا يمر يومهم دون أن يحتفل الوطن ويحتفي بما قدموه من أجله، ونترحم عليهم. وفي الغد نحتفل، وهذا حقنا، عندما نتلفت حولنا نقف ونتذكر، ونحمد الله، نحمده لأنه وفر لنا من نعمه الكثير، ونحمده لأنه وهبنا قادة يزنون الأمور بموازينها، ولا يفعلون إلا ما ينفع شعبهم ووطنهم وأمتهم، نحمده لأنه اختار سبحانه وتعالى زايد، طيّب الله ثراه، على رأس هذه البلاد، ليعمل بإخلاصه وجهده وطموحاته ورؤيته للمستقبل ما لم يعمله غيره، نحمده أن سخر له عضيداً شد من أزره، ووقف معه وقفة الرجال عند الشدائد، ولم يتوان لحظة واحدة منذ أن وضع يده في يد أخيه، إنه راشد، عليه رحمة الله، الذي بنى وطناً يتفاخر به أبناؤه وأحفاده، ونحمده أن جعل قلوب حكام الإمارات كلها على قلب رجل واحد، هو زايد، فقاد زايد السفينة باقتدار. نحتفل باليوم الذي صفت فيه النوايا وسادت المحبة بعد أن تلاقت الأرواح الساعية إلى عزة هذا الوطن ومجده، الثاني من ديسمبر يوم أشرقت فيه الشمس ولم تغب، انظر حولك، متع كل خلايا فكرك وذاكرتك، وعد إلى الوراء، عد خمسين عاماً وفوقها عام آخر، يوم أن كانت العيون…
الخميس ١٠ نوفمبر ٢٠٢٢
وماذا بعد المباركة والتهليل؟ هل نلغي الاحترازات الشخصية ونتصرّف وكأن شيئاً اسمه «كورونا» لم يكن موجوداً؟ نذهب إلى المراكز التجارية دون حذر، وننسى الكمامات والتعقيمات، ونحشر أنفسنا وسط التجمّعات، فالجهات الرسمية قالت إن جميع القيود والإجراءات الاحترازية قد ألغيت، هكذا يقول البعض، رغم أن أحداً منا لم يسمع أن كورونا قد انتهت، «زالت هي وأذاها»، بل ما قيل انحصر في انخفاض عدد المصابين، وسرعة الشفاء، لكنها موجودة، الفيروسات ما زالت تحلّق في الأجواء، تضرب هذا، وتقاوم تطعيمات ذاك، وما زال هناك من ليست لديهم مناعة، يدخلون المستشفيات، ويتضرّرون من جراء التقاطهم المرض أو الوباء، وكبار السن عرضة للإصابة إذا لم يحتاطوا. علينا الحذر وعدم التهاون، التجارب طوال الأعوام الثلاثة علّمتنا ذلك، فمن يضمن مجتمعه لا يضمن المجتمعات الأخرى، ومن يعرف أهله لا يعرف رواد المناسبات والأسواق والمطارات والطائرات، نحن كأفراد نتحمّل المسؤولية اليوم، ننتبه لخطواتنا وللأماكن التي نزورها، ولا أقول هنا أن نقيّد أنفسنا، بل أدعو إلى الاحتفاظ بعلب الكمامات المكدّسة في البيت والسيارة، ونستخدمها في أي مكان يساعد على انتقال فيروسات كورونا، أن نضع الكمامة لأنها ستنفعنا، وليس في استخدامها أي ضرر، وأن نتريّث قليلاً في «السلام الساخن»، نؤخره لفترة كما فعلنا منذ بدايات عام 2020، ولا أتحدّث عن السلام بالكوع أو قبضة اليد، لا نريد العودة إلى مرحلة…
الإثنين ٠٤ يوليو ٢٠٢٢
عندما حكمت المحكمة العليا الاتحادية في الولايات المتحدة الأمريكية بعدم دستورية إباحة الإجهاض ألحقت فقرة في غاية الأهمية، وهي أن المحاكم العليا في كل ولاية من حقها اتخاذ القرار الذي تراه داخل حدودها، ومن ذلك يتبيّن لنا أن المحكمة الاتحادية تملك حق إقرار القوانين أو نقضها إذا رأت أنها مخالفة للدستور، وفي الوقت نفسه لا تستطيع أن تجبر الولايات على تنفيذ ما يخالف رأي غالبية مواطنيها، وتركت مسألة حسم قضية الإجهاض بتحليله أو تجريمه في يد السلطات المحلية وقرار المحكمة العليا التي تملك حق تقدير الموقف في كل ولاية على حدة. ذلك يحدث في الدولة التي تصدر للعالم الأفكار الجديدة أو المستحدثة الناسفة للمعتقدات المستقرة، والمعتقدات كما قلنا من قبل إما أنها مستقاة من تعاليم الأديان أو نتاج لعادات توارثتها الأجيال حتى ترسّخت في المجتمعات واستقرت، وكلٌ يحاول أن يدافع عن معتقده الذي يراه الأنسب إليه. ولم نرَ الرئيس «المنفتح جداً» جو بايدن يعارض قرار المحكمة الاتحادية العليا بإبطال الباطل، ولم نسمع «أم كوع» نانسي بيلوسي زعيمة الأغلبية في الكونجرس، صاحبة اللسان الطويل والمنفلت، والتي لم تتحمل وقوف طفلة بالقرب منها لتتصور معها، فأزاحتها بضربة جانبية، أقول لكم، لم نسمعها تحتج وتثير غضب جماهيرها ضد المحكمة العليا وقرارها، ولم يعلق أحد الديمقراطيين أصحاب نظرية «أوبن مايندز»، والتي تعني «العقول المتفتحة»،…
الخميس ١٦ يونيو ٢٠٢٢
شيء لا يستوعبه العقل، ويثير تناقضات كثيرة، فالولايات المتحدة الأمريكية تملك أكبر قوة مسلحة في العالم، مخازنها في أراضيها وفي مجموعة من الدول منتقاة بعناية، تتكدس فيها أسلحة تدميرية تكفي لإزالة كل بلدة وقرية على وجه الأرض، وأساطيلها تجوب البحار والمحيطات لحماية المصالح الأمريكية كما يقولون، ولديها قواعد في دول حليفة التزمت بالدفاع عنها، ومع ذلك كله لا تستطيع هذه الدولة العظمى حماية المدارس من هجمات المراهقين اليائسين أو الحشاشين! جرائم قتل وإرهاب تقع كل بضعة أيام، ببنادق توجه إلى الأطفال وهم في صفوفهم المدرسية، يقتلون ومعهم بعض المدرسين والمدرسات، والرئيس يحضر مراسم التأبين حزيناً، ولكنه لا يتخذ أي إجراء ضد السلاح المنتشر. ويستمر الجدل في أروقة مجلس النواب ومجلس الشيوخ حول تقنين بيع الأسلحة، وتقنين تراخيصها وحملها واستخدامها، وهو جدل يدور منذ عقود يتلهى به النواب، ولكنهم لا يحسمونه، والسبب أن الحزب الجمهوري يرفض تغيير القوانين الراسخة منذ عصر «الكاوبوي»، والحزب الآخر المسمى بالديمقراطي يؤيد التغيير والتقنين، ولكنه لا ينجح في تمرير القوانين، تعرقله موازين القوة الداخلية، وتدخلات شركات تصنيع السلاح، فهي من أكبر وأغنى التكتلات، فتموت مشاريع القوانين اختناقاً في الأدراج، ويستمر موت طلاب المدارس ورواد مراكز التسوق، ولا تجد الإدارات المتعاقبة على الحكم بداً من التعايش مع المآسي التي أصبحت ظاهرة منتشرة، ما جعل عدداً من الولايات…
السبت ٠٩ أبريل ٢٠٢٢
خطوات تدعو إلى التفاؤل، فاليمن يستحق أن ينهي عشر سنوات من التيه في دهاليز التحزّبات وتدخل أصحاب الأطماع السياسية والمذهبية في شؤونه. خطوة الشرعية تأخذ الأزمة اليمنية إلى مربع التفاوض المباشر مع الطرف الآخر، والذي يمكن أن نقول إنه الطرف الحوثي ونترك الاستنتاجات لكم، ويمكن أن نكون أكثر وضوحاً ونوجه البوصلة نحو طهران، ونقول لكم وللعالم بأن «هؤلاء هم مشكلة اليمن»، فإن وصلوا إلى قناعة بأنهم لن يحققوا غير الدمار لليمن ولن يصلوا إلى حدود السعودية لأنها محصنة، وأن العبث بمقدّرات الشعوب والمنطقة بأكملها من أجل تحقيق ما يدور في مخيلاتهم سيضرهم قبل أن يضر غيرهم. تشكيل مجلس قيادة رئاسي ليكون مرجعية الشرعية يعني أن اليد وضعت على الجرح، فأزمة بحجم أزمة اليمن لا يمكن أن تدار بمجموعة متنافرة ومتناقضة في رؤيتها للحل، وخيراً فعل الرئيس «المتنحي» عبدربه منصور هادي عندما أصدر قراره بإعفاء نائب الرئيس علي محسن الأحمر من منصبه، فهذا القرار يؤشر إلى أن كل الذين تسندهم الأحزاب المتخاذلة وقت الشدة والباحثة عن نصيبها عند تحقيق الانتصار يجب أن يبعدوا، ويعودوا إلى حجمهم الطبيعي، فهم معرقلون يبحثون عن مصالح ذاتية، ولا ينظرون أبداً إلى المصلحة الوطنية. كل من يحبون اليمن ويريدون له الاستقرار، وخاصة دول مجلس التعاون، يتطلعون إلى «مجلس رئاسي» خالٍ من أصحاب الانتماءات الضيقة، فاليمن أكبر…
السبت ٢٦ مارس ٢٠٢٢
تخفيف الإجراءات والقيود الاحترازيّة لا يعني أن «كورونا» اختفت وما عادت تشكّل خطراً. هي ما زالت موجودة، وأقصد فيروسات «كوفيد 19»، كما يحلو للبعض أن يطلقوا عليها، موجودة وتتحرك، وتصيب من تصيب، وتسجّل أرقاماً تضاف إلى الحصيلة المجمعة، حيث نتأرجح في دائرة «300» حالة يومية، ووفيات أصبحت شبه معدومة والحمد لله، وذلك كله جاء نتيجة الثقافة العالية التي اكتسبها السكان خلال السنتين الأصعب والأكثر إيلاماً لهذه الجائحة، ثقافة توّلدت من العلاقة التي تربط الناس بالسلطات المعنية، سواء كانت جهات إشراف أو جهات علاج أو مؤسسات إنفاذ القانون، عشنا أجواء الثقة المتبادلة، وهي التي جعلتنا نتعايش بهدوء وثبات مع كل الصدمات، من الخوف، وهو أمر مشروع، خاصة لمن يواجهون شيئاً قد يقتلهم في لحظة تقصير أو استهتار، وكان تغيير السلوك العام صدمة كبرى، ربما لم تستوعب في البداية، ولكنها تحوّلت إلى «طباع» ساعدت الدولة على اجتياز الأزمة والعودة تدريجياً إلى الحياة الطبيعية. وبمناسبة الحديث عن الحياة الطبيعية، أقول لكم، الكل مقبل عليها مع الحذر، وهذا ما نريد أن نؤكد عليه، فالجائحة لم تنتهِ بعد، ونحن اعتدنا على الإجراءات المصاحبة لها، فإذا خففت بقرارات وبروتوكولات جديدة لا يعني أن نتصرّف وكأن شيئاً لم يكن، ولن يضرنا أبداً أن تكون «الكمامة» ملازمة لنا في الأماكن المزدحمة، سواء كانت مغلقة أو مفتوحة، ووسائل التعقيم…
الأربعاء ٠٩ مارس ٢٠٢٢
التحضر ليس بدلة وربطة عنق، وليس حقيبة يد بعشرة آلاف دولار، وحذاء بأربعة آلاف، وليس حساباً يثقل صناديق البنوك، وليس المضاربات في أسواق الأسهم، وليس يختاً وطائرة خاصة، وبيتاً يشار إليه بالبنان، ولا يمكن أن يكون في البارات والحريات الشخصية، والمكملة للتفسخ البشري. التحضر سلوك نفسي، وطباع مترسخة، يتعلمها الإنسان من الذين عاش في كنفهم، ودرسوه كيف يكون إنساناً، بعد آلاف السنين، والتنقل من مرحلة إلى أخرى، اختفى ذلك الكائن المتوحش، الذي يمشي على رجلين، والذي لا يزال يعتبر أكثر الكائنات على وجه الأرض قساوة، دعكم من الأسود والنمور والذئاب والضباع، وأسماك القرش أو الأفاعي السامة والعقارب، فكل هذه المسميات، اخترع لها الإنسان مصيدة ومبيداً ورصاصة، وانتصر عليها. التحضر يعني التخلص من حياة الغاب، فهذه الأرض، تبيّن أنها تستوعب الجميع، جميع البشر والكائنات، بأشكالها وأنواعها وأدوارها في إحداث التوازن البيئي، فهي، وإن كانت مؤذية للإنسان في بعض الأحيان، إلا أنها تحقق له منافع كثيرة، وتنوع الدول والبلدان والقرى والمدن، يحقق ذلك أيضاً، فكل مجموعة من الناس في أرض أو جهة من جهات الكون، لها طباعها ولغتها، وتتشكل ملابسها حسب العادات المكتسبة، أو ما تفرضه البيئة المحيطة، وكل فئة أو مجموعة تتفاخر بما لديها، ليس هناك شعب كاره لأرضه وناسه ولغته وعاداته، ومن وجهة نظره، وإن كان يعيش في منطقة منقطعة…
الخميس ٠٣ مارس ٢٠٢٢
هذه هي الحرب فلا تستغربوا تضارب الأخبار واختلاف الروايات، فكل الأطراف في المواجهات المباشرة لا تقول الحقيقة، وأقصد هنا الحقيقة المحايدة والمجردة من العواطف، ولا يمكن أن تطالب بذلك، لأنها تنطلق من رؤية وطنية لحدث مصيري، حيث يصطف الجميع خلف جيش بلادهم، ويدعمون مواقف قياداتهم، دون أن يناقشوا الخطأ والصواب، فتلك «السفسطات» يحين وقتها بعد أن تعود الأسلحة إلى مخازنها والجنود إلى ثكناتهم. أوروبا تريد من «روسيا اليوم» و«سبوتنيك» أن تكونا محايدتين في حرب أوكرانيا وألا تنحازا لبلادهما، وهذا طلب يثير الدهشة، فأوروبا هي أول من اخترع فنون استخدام الإعلام في المعركة كما يقولون، وكان الراديو فاعلاً في الحرب العالمية الثانية، منها كان يستقي الناس تطورات الأحداث ومتغيراتها، ويستمعون إلى تطمينات القادة، ويتابعون تراجعات الأعداء وهزائمهم في الجبهات، سواء كان ذلك واقعاً أو من نسج خيال معد التقارير الجالس خلف مكتبه في الإذاعة، وفي المقابل كان «غوبلز» وزير الدعاية النازية وصاحب قواعد التأثير النفسي للإعلام خلال الحرب يواجه بقية أوروبا بإذاعات ناطقة بكل اللغات تستقطب المتعاونين والمتعاطفين حول العالم، ولهذا بدأت أوروبا قراراتها بمقاطعة روسيا بإدراج وسائل إعلامها لمنعها من الوصول إلى الرأي العام الغربي، وقطع بث تلك الوسائل، وفي المقابل قرر بوتين أن يسكت الإعلام الأوكراني، فأنذر ثم نفذ بقصف طال مبنى التلفزيون بقذائف مدمرة يوم الثلاثاء، والمبرر أن…
الخميس ٢٤ فبراير ٢٠٢٢
«سلاح في يد مرتجفة لا يخيف عدواً». هذه حالة أزمة أوكرانيا، فالذين استند عليهم الرئيس الأوكراني مترددون، يخشون التقدم خطوة واحدة إلى الأمام، يلوحون بأسلحتهم التي يمكن استخدامها إذا حدث غزو أو احتلال، ويتراجعون في لحظة، يغيرون اللهجة، يخففون من درجة ارتفاعها ووضوحها، ويستبعدون التدخل المباشر، لحماية دولة كانت مستقرة لثلاثين سنة، ولكنهم استخدموها، أرادوها طعماً لاصطياد الدب الروسي، فاصطادهم بوتين. ضبابية الموقف الأمريكي والأوروبي، كانت واضحة من البداية، وأقصى ما توصلوا إليه لو حدث تدخل روسي مباشر في أوكرانيا، العقوبات الاقتصادية، فالرئيس الأمريكي يؤكد، ويؤيده وزير خارجيته ووزير دفاعه «لا تدخل عسكري»، وهذا يعني أن تترك تلك الدولة لمصيرها، وهو مصير محتوم، إذا ما نظرنا إلى حجمها وقوتها، مقابل حجم وقوة خصمها، هي ليست أكثر من لقمة سائغة. و«الناتو»، ذلك الحلف الذي كان «أسداً» على نظام القذافي، أصبح «فأراً» في مواجهة روسيا، يتهرب من وعوده، ويتناسى تحريضاته، وما زال يتساءل عن الذي يحدث في أوكرانيا، هل هو تدخل مباشر أو غير مباشر؟ وهل هو غزو أو تأييد ومساندة سياسية للقوى الانفصالية في الإقليم الشرقي؟ فالرئيس الروسي تركهم واقفين عن الأبواب، يحرسونها، ويراقبون تحركات الجيوش المحتشدة بالقرب منها، وأنجز المهمة عن بعد، في خطوات «دراماتيكية» أدارت الرؤوس، وجعلت الأيدي ترتجف قبل القلوب، قال لهم «قدمت لكم النصائح مجاناً، ولم تستفيدوا…
الخميس ١٧ فبراير ٢٠٢٢
وقف العالم على شفا حفرة من النار طوال الأيام الماضية، كان الجميع يحسبون الساعات والدقائق في انتظار الطلقة الأولى، انقضى موعد «بلومبيرغ» دون أن تظهر «سندريلا» وحذاؤها المرصّع بالألماس، وضحكت عليها «زاخاروفا» المتحدثة الروسية الرسمية، وكان ذلك يوم 14 من الشهر والذي يصادف «يوم الحب» عند المتراصين على حدود أوكرانيا، ثم جاء الموعد الأخطر والذي قالت عنه صحف بريطانيا العظمى إنه مستوحى من تقارير استخبارية رفيعة المستوى، وكان محدداً في الساعات الأولى من يوم 16 المصادف فجر يوم أمس. الكل كان يراقب حدود أوكرانيا والحشود الروسية التي تطوّقها، ويضعون سمّاعات لاقطة ومكبّرة للأصوات، ولم تخرج الطلقة الأولى، ولن تخرج، وقد ذكرت ذلك قبل أسابيع قليلة، قلت بأن دول الغرب والشرق مجتمعة لا تريد أن تصل إلى نقطة اللاعودة، ولا نية لديها لأن تفتح أنهار الدم والدمار لأنها لن تكون قادرة على وقفها إذا جرت سيولها، ومازلت عند موقفي، فهذا الذي نراه ليس إلا استعراضاً للقوة، كل طرف يحاول أن يثبت مقدرته ويرفع أوراقه في وجه الطرف الآخر، هذا يحشد تحت ذريعة المناورات والتدريبات فيثير موجة قلق مستفزّة، وذاك يلوّح بعقوبات لا نظير لها عبر التاريخ، ويرسل شحنات أسلحة قد توجع وتؤلم الطرف الآخر ولكنها لن توقف احتلاله لأوكرانيا، ولم يترك الرئيس الروسي مناسبة دون أن يثبت للعالم كم هو واثق…