ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

عالَمٌ ورَقيًٌ رقميٌّ

الأربعاء ٢٦ مايو ٢٠٢١

أعجَب من أمة العرب تناقش اليوم، بشدة وبحماسة، غياب الكتاب الورقي، وحضور الكتاب الرقمي، وتأثير ذلك على أجيالنا، ونحن أمة لا تقرأ، لا الورقي ولا الرقمي، وتخوض في مسائل تخطاها الإنسان في الغرب، ورضي بتلك المقاربة بين الرقمي والورقي، حتى تتغير بفعل قرار من الأجيال المقبلة. لكن رغم تلك النظرة الواقعية لواقعنا العربي، دعونا هذه المرة ننظر بمنظور أخضر صديق للبيئة، ونحاول أن لا نسقط ذواتنا على مجريات حياتية في يوم المواطن العربي، ونقول إن كل ما يصاحب أمورنا قابل للتفسير الإيجابي، وقابل لأنْ نحيّد كل ما يضرها أو يعيق تطورها لصالح الإنسان والمجتمع، وأن ثمَّة أشياء جميلة في هذه الحياة، يمكنها أن تدفع بالعربي إلى الأمام. مشروع الترجمة الضخم الذي تتبناه هيئة أبوظبي للثقافة، يمكن أن يجسّر الهوّة السحيقة بين قرّاء العربية، وقرّاء اللغات العالمية الأخرى، ويمكن أن يصنع جيلاً متواصلاً مع الآخرين، ومع مشاريعهم الفكرية الإنسانية والعلمية، ويمكن أن يضيف للمكتبة العربية الكثير، ويمكن أن يضعنا على خريطة الثقافة والتواجد الحضاري مع الآخرين، ويمنع زحف المفردات القديمة في ذهنيتنا التحريمية والتجريمية. جائزة الشيخ زايد للإبداع والكتاب يمكن أن تحفّز الأقلام العربية على الإنتاج والعطاء والتميز الإبداعي في كل الفروع والمجالات، ويمكن أن تضمن للمبدع العربي شيئاً من العيش الكريم، والتفرغ لمشروعه الأدبي والثقافي، ويمكن أن تخلق تلك الروح…

مقابسات رمضان

السبت ٠٨ مايو ٢٠٢١

قبل البدء كانت الفكرة: الفرق بين المسلسلات الاجتماعية السعودية وبين الكويتية والخليجية الأخرى، أن المسلسلات السعودية خارجة من بطن الواقع الاجتماعي المعيش، حالاً ولهجة، ذاهبة للنقد والتصحيح من خلال الواقع، أما المسلسلات الكويتية وغيرها، فهي تهوم في الفانتازيا والواقع الاجتماعي المركب، يختلط التهريج بالنكتة بالدراما بالبكائيات وبالطيران بعيداً عن الخصوصية المحلية. خبروا الزمان فقالوا: - قيل لأعرابي من سيدكم؟ قال: فلان، فقالوا: بِمَ ساد؟ قال: احتجنا إلى علمه، واستغنى عن دنيانا. - ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالاً على الله. - ولو كانت الأرزاق تجري على الحِجَى هلكن إذن من جهلهن البهائم ورد ذكرهم في القرآن: «مؤمن آل ياسين» اسمه «حبيب النجار»، ورد ذكره في القرآن تلميحاً، لا تصريحاً: «وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين»، وقصته حينما أرسل الله رسولين لأهل «أنطاكية» لترك عبادة الأوثان، فكذبوهما، فعززهما برسول ثالث، لكنهم بغوا وطغوا، فأخرجوا منها، فوجدوا رجلاً في أقصى المدينة مجذوماً، وبه علة أبعدته عن الناس، ونبذوه، وكانت مهنته النجارة، ويحسن للناس ويتصدق مما يكسب، عبد الأصنام سبعين عاماً، لكي تبرئه من سقمه، لكن بلا رجاء، فدعوه إلى الإيمان، فآمن، وتعافى من مرضه، وأصبح يتصدق بنصف رزقه، وحين همّ أهل «أنطاكية» بقتل الرسل، ذهب إليهم داعياً…

غاب عنّا.. لم يغب منّا

الخميس ٢٥ مارس ٢٠٢١

هِيَ الدُّنْيـا تَطُـوفُ بِهـا الحُتُوفُ فَتَـأتي دونَ غـايَـتِـنـا الظُّـرُوفُ تَـمُــرُّ كَـمِثْــلِ أحْـــلامٍ تَـوارَتْ فَـلا بَـقِيَ الرَّبِيـعُ ولا الخَـرِيفُ فَقَدْ رَحَلَ الذي في الخَيْرِ أعْطَى وَصَدَّقَ واتَّقَى رحَلَ الشَّـريـفُ على (حَمْدانَ) فَلْتَبْكي البَواكي فَـإنَّ لِـفَـقْــدِهِ تَـأْسَى الألُــوفُ هكذا فُجعت الإمارات بنبأ رحيل واحدٍ من رجالاتها الكبار، وأحد المؤسسين للعمل الوطني الاتحادي، والنشاط الاقتصادي والمالي، على المستويين المحلي والاتحادي، هكذا تباكت عليه منازل ودور أهلها في الإمارات، فقد كان يشكل ركيزة قوية في مؤسسات الدولة، وأحد الوجوه التي تستبشر بها الناس حين تجده يحاذي أخاه الشيخ محمد بن راشد، وله شورة في الصغيرة والكبيرة، وهكذا برحيل الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم تفقد الإمارات واحداً من رجالها المخلصين والعاملين بقوة في تشييد بنائها لسنوات طوال تخطت الخمسين عاماً، كان سنداً يُعتمد عليه، وعضداً يُتكأ عليه، كان مع والده المرحوم الشيخ راشد بن سعيد، ومع أخيه المرحوم الشيخ مكتوم بن راشد، وأخيه الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله ورعاه، في العمل المحلي الذي يخص دبي أو في العمل الاتحادي الذي يخص الإمارات، كان سديد الرأي، حصيفاً، صارماً، تزينت عملتنا الاتحادية بتذييل اسمه طوال السنين المنصرمة، كأقدم وزير مالية في العالم استمر على رأس عمله حتى وافته المنية، وللشيخ حمدان بن راشد، رحمه الله، أعمال كثيرة في مجالات العمل الإنساني والخيري والتعليمي، وكانت له…

«معهد الضاد الثقافي»

الأحد ٢٠ ديسمبر ٢٠٢٠

هناك شعوب تتمنى، وهناك شعوب تفعل، شعوب تحلم، وشعوب تحقق الحلم، هناك شعوب سخرت الثقافة لخدمتها، وتحسين صورتها، وحافظت على لغتها.. هويتها الحقيقية، وحده وطننا العربي الكبير تتعثر جهوده في ذلك، بالرغم من أنه يزخر بالكثير من الأفراد المتنورين، والمؤسسات الثقافية والفكرية الواعية التي تقوم بجهود مختلفة ومحمودة في تنمية العقل العربي، والنهوض بفكره، لكنها جهود متفرقة، لا يربطها رابط، ولا توجه مؤثر، وفاعل بصفة تراكمية تخدم الحضارة العربية، وما لحق بها من تشويه، وما ألصق بصورة العربي وشخصيته النمطية في وسائل الإعلام الغربية والأميركية، وما يهدد لغتنا الجميلة من معاول تهدم فيها من الداخل والخارج، ولو أن العرب اجتهدوا لاستطاعوا أن يتبنوا مشروعاً قومياً عربياً أو ربما إسلامياً كبيراً، لا تختلف التسمية، بشرط أن يكون مشروعاً غير سياسي، وإنما مشروع ثقافي حضاري، يخدم لغتنا، حاضنتنا، وينشرها وفق معايير الثقافة الناعمة، على غرار ما فعلته بريطانيا مثلاً بتأسيسها المجلس الثقافي البريطاني منذ عهد بعيد جداً «بريتيش كونسيل»، أو ما فعلته فرنسا بإطلاق الرابطة الفرنسية «لا أليانس فرانسيز»، أو ما صنعته إسبانيا بتأسيس معهد «ثير فانتيس»، أو ما أقدمت عليه ألمانيا بإنشاء معهد «غوته»، أو ما كان يقوم به الاتحاد السوفييتي السابق في ترسيخ الثقافة الروسية ونشر لغتها وآدابها وفنونها بما يعرف بالمركز الثقافي الروسي، أو ما قامت به اليابان بتكوين…

البحرين موطن الطيبة

الأربعاء ١٦ ديسمبر ٢٠٢٠

تبقى ذكريات أول سفرات العمر ماكثة في الرأس، ولا تبرح مكانها، وإن غابت بعض من تفاصيلها، غير أنها سر الدهشة الأولى، والتي ربما تحملها مع سنينك، رغم تعدد الأماكن والاكتشافات وتعدد آفاق المتعة والدهشة فيما بعد، رحلتي الأولى في النصف الثاني من الستينيات كانت إلى البحرين، وعمري ثماني سنوات، هي رحلة فرضتها الظروف حينها، نتيجة تعرضي لكسور شديدة ومعقدة في القدم اليمنى، لوقوعي في بئر مطوعتنا ومعلمتنا حياة «كنّه» الله يرحمها، استحال علاجي في العين أو أبوظبي، فأمر المرحوم الشيخ زايد بسفري إلى البحرين على وجه السرعة، وحمّل أبي ورقة إلى المرحوم الشيخ عيسى بن سلمان، هي مفتاح كل شيء، حينها لا سفارات ولا مكاتب صحية، لكن ما أن حللنا في المنامة، إلا ووجدنا الأبواب مشرعة، والتسهيلات تسبقنا، فأمر المرحوم الشيخ عيسى بن سلمان أن أدخل «مستشفى نعيم» على الفور، وتقديم كل الخدمات الممكنة والعمليات الجراحية، لقد أحيتني تلك الكلمة «ولدنا ناصر» التي تضمنتها «بروة الشيخ زايد» إلى المرحوم الشيخ عيسى بن سلمان، طيّب الله ثراهما. في ذلك المستشفى الذي كان يعد من أكبر المباني وقتها، ومن نافذتي المطلة على البحر، رأيت أشياء كثيرة كنت أراها لأول مرة: - متعة استرجاع الشعور والدهشة أن تكون على متن طائرة محلقة لأول مرة، وتظل تلك الطائرات المحلقة التي تمر وتسمعها وترى بعضها…

أزمة في غير وقتها

الثلاثاء ١٠ نوفمبر ٢٠٢٠

لعله عطفاً على ما كتبت الزميلة «عائشة سلطان» بشأن تلك الأزمة التي يعيشها اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، بعد وفاة رئيسه «حبيب الصايغ»، الذي كان يمسك بكل الخيوط في يديه، ويعرف التعامل مع كل الأهواء والأجواء. بعد وفاته المفاجئة عليه الرحمة قبل عام، ودخولنا في وقت الجائحة، واجه مجلس الإدارة مسألة داخلية تخص الاتحاد نفسه، ومسألة خارجية تخص اتحاد الكتّاب العرب، كون الإمارات هي الرئيس، متمثلة في شخص الشاعر «حبيب الصايغ» الذي ترك لهم تركة ثقيلة قد لا يعرفون تفاصيلها، ولا خطوطها المتشابكة بقدر ما كان يعرفها هو، ويتصرف حيالها وفق الموجود، ووفق ما يمكن أن يتدبره بسعيه هنا وهناك، وحده كان قادراً على أن يرضي ويراضي الجميع، ويسد الفراغات بين السطور، ويجتهد في الموازنة بين المدخول والمصاريف، عضّده في ذلك دعم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، والوقوف الدائم لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، وسخاؤه المستمر، ومتابعته كرئيس فخري للاتحاد، وحرصه على أن يكمل الاتحاد منظومة الثقافة والمعرفة لمدينة الثقافة والمعرفة الشارقة، وتمثيل الإمارات خير تمثيل في المحافل العربية والدولية. المشكلة الأساسية في اتحاد الكتّاب أنه عمل تطوعي، وهذا يعيق عمل المخضرمين بعد أن أدوا أدوارهم مشكورين، لكن اليوم لا…

المعاداة.. والإرهاب المتأسلم

الأحد ٠١ نوفمبر ٢٠٢٠

لمَ العربات الفارغة هي أشد ضجيجاً، وحدها المحملة تأخذ طريقها دون أي ضجيج، هكذا هي أمور الحياة، لا يبقى فيها إلا ما انتصرنا له من قيم إنسانية سامية، وأخلاق ربانية جاءت بها رسائل وشرائع السماء، صوت الحق يعلو على صوت الشر، والخير دوماً هو المنتصر، وإن تأخر قليلاً، وحين يتراجع الحكماء والمتنورون وأهل الحل والعقد عن دورهم، يتقدم الرعاع خطوة إلى الأمام، ويحاولون سد ذاك الفراغ، ولأنهم من فراغ، يعضدون أنفسهم بالضجيج والجلبة، وتثوير الأمور، واختيار نقاط ضعف الإنسان، وما يمكن أن يجرح عاطفته، ولأن الرعاع محتاجون دوماً لعقول تدفع بهم، لا يجدون من يقوم بذاك الدور إلا الشريرين، ومن لهم مطامع لا تتحقق إلا في وجود الفوضى العارمة، وهنا المكسب، ومن يطعم الفائدة يحب أن يزداد منها، لذا من مصالحهم إبقاء الأمور تغلي وتعميم الفوضى وخلق التوتر والاحتقان، هكذا يجب أن نقرأ المشهد من داخل فرنسا، ومن خارج فرنسا، لأن المسألة ليست كما صور لنا، وشبّه لنا، وأرادوا إقناعنا به، صوراً مسيئة، وبالتالي معاداة الإسلام والمسلمين، ولا الثأر لتلك القضية بالنحر والطعن وجز الرؤوس في بيت للعبادة، وبالتالي ترسيخ مفهوم الإرهاب الإسلامي لدى الشعوب الأخرى، ونحن ندافع ونصرّ على أنه إرهاب متأسلم، لأن وراءه أجندات سياسية لبعض من الدول، ومنافع لبعض من الأحزاب المتشددة والمتدينة فكراً سياسياً، وهي وراء…

صباح أمير الإنسانية

الأربعاء ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٠

صباح الكويت اليوم خال من «صباح» ذلك الوجه البشوش الذي كان يستبشر به الكويتيون والعرب، وواحد من أقدم الدبلوماسيين على مستوى العالم، كان الجميع يثق بحكمته، وحنكته السياسية، لا سيما وقد قضى حوالي 40 عاماً وزيراً للخارجية، كان العالم خلالها يضج بالكثير من المشكلات السياسية، والأزمات، وبؤر التوتر، وقد مرت الكويت والمنطقة بقلاقل وزلازل حروب مدمرة، قاد خلالها سياسة الكويت خارجياً، وقد كانت الكويت حينها بحاجة لذلك الدعم الدولي الخارجي، وهنا بدأت رحلاته المكوكية إلى الجهات الأربع من أجل مناصرة الحق الكويتي، واستعادة الشرعية، واستتباب الأمن والاستقرار فيها، كذلك عرفته العواصم العربية في عز أزماتها وتوتراتها خلال سنوات عمله الدبلوماسية، كان عروبياً حتى الصميم، وعميد الساسة العرب، ارتبط بكل أطراف النزاع بتلك العلاقة الحريرية الناعمة، فكان دوره خليجياً وعربياً ودولياً فاعلاً ومؤثراً وناجحاً في معظم الأمور، لذا انتقل بمكانته المحلية من الكويت والخليج والعرب ليصبح تلك الشخصية العالمية والإنسانية. العزاء للكويت وطناً وشعباً، ولكل أسرته الخليجية التي تكنّ له دوام التقدير والاحترام في غياب أمير الكويت «صباح الأحمد الصباح» كقائد وزعيم عربي من الجيل الرائد والمؤسس للعمل الوطني والقومي، آملين للكويت المحكمة دستورياً كل الخير والرفاه، وانتقال سلس للحكم، فالكويت الآن أشد ما تكون متلاحمة ومتعاضدة ضد أي توجه خارجي أو أجندات أجنبية لا تريد لها العافية والشفاء مما فيها…

أشياء سنفتقدها في رمضان

الأربعاء ٢٢ أبريل ٢٠٢٠

ستغيب عنا أشياء هي غالية في رمضاننا هذا، وسنشتاق لأشياء جميلة كانت جزءاً من طقوسه، ومسك لياليه، أشياء كانت تدخل علينا البهجة، وتعودنا عليها، وكأنها من رائحة رمضان، أشياء متشابهة.. أشياء مختلفة، لكن الجميع سيحنّ لها، وقد تثقل على قلوبهم، خاصة في أيامه الأولى: ◆ سنفتقد طقس انتظار رؤية الهلال، وفرحة الناس ليلاً، والشوارع المكتظة بالمشترين. ◆ سنفتقد صباح الموظفين في أول يوم رمضاني، وهم لا يدرون أين يقبلون بوجوههم المتغير صباحها. ◆ سنفتقد قبلة على رأس الأم البعيدة، مباركين لها دخول الشهر الكريم. ◆ سنفتقد هدوء نهار المنزل الخالي من الأطفال، اليوم مدارسهم عن بُعد، ومحتلون زوايا البيت. ◆ سنفتقد سحر الساعات الأخيرة من كل يوم في رمضان، تلك الساعات التي تمضي بك نحو أماكن بسيطة تحبها، مشتريات لأشياء تشتهيها قبل الإفطار فقط، حين تأكل بعينيك. ◆ سنفتقد صلاة التراويح جماعة في مسجد الحي الذي تفوح منه روائح العود والبخور، ورؤية وجوه الناس الرطبة بذكر الله، الطيبة بإحسان رمضان. ◆ سنفتقد مساءات رمضان، وساعاتها الممتدة في الزيارات والتواصل، غبقة في هذا المجلس، لعب ورقة في ذاك، سوالف في مجلس فلان، والسحور عند مجلس علان. ◆ سنفتقد خيمة الشيخ نهيان بن مبارك، تلك الخيمة المعتادة كل رمضان، والتي كانت تضيء ليالي أبوظبي بالمحبين والمودّين. ◆ سنفتقد طيران الناس في الدقائق…

رائحة الخوف

الأربعاء ٠٥ فبراير ٢٠٢٠

لا أحد يدرك متى بدأ خوف الإنسان الأول، هل حين زمجرت الطبيعة في وجهه، فصنعت ذلك الخوف من المجهول، ولجأ إلى عبادة ما كان يخيفه من رعود وبروق وبراكين؟ أم حين حلّ الليل عليه بصمته وسكونه وسواده، وخلق لديه حالة من الترقب والتوجس والانتظار؟ هل بدأ الخوف الأول عند الإنسان حين رأى الدم يراق لأول مرة، حين شهدت الدنيا أول جريمة عليها؟ هل الخوف طبيعة في الإنسان أم هو شيء مكتسب من الحياة وظروفها والتجارب الطفولية؟ هل الخوف يلازم الروح أم الجسد؟ هل الخوف مركب في النفس، وينزل معنا، ونشعر به حال قطع حبل السرة؟ لمَ يظل الخوف يرافقنا في مراحل عمرنا، الخوف من الماضي، والخوف من الحاضر، والخوف من المستقبل؟ هل الجبن هو خوف من الخوف نفسه؟ هل للخوف رائحة تميزه، لا يدركها صاحبها، وله علامات فاضحة، ترجف الجسد، وتجحظ العين، وتفغر الفم، وتجف اللسان، وتزلزل أحشاء المعدة؟ لِمَ يبالغ البعض من مظاهر الخوف؟ وهل الخوف درجات؟ وهل يختلف الخوف عن الفزع، عن الجزع، عن الذعر، عن الرعب؟ هل ينتقل الخوف بالعدوى من إنسان لآخر، أو من إنسان لحيوان؟ تلك الأسئلة تتبادر على الذهن، حين نرى العالم كله وهو يعيش حالة من الخوف الجماعي، والهستيري بسبب تفشي فيروس ما، كيف يتغير حال العالم بين ليلة وضحاها، الحروب تفعل ذلك،…

عشها كما تشتهيها

الأربعاء ٢٩ يناير ٢٠٢٠

لا تجعل الناس البعيدين عما تكنه دواخلك، ونفسك الحرة يسلبونك عافية الحياة، ولا الحياة المتعافية، الحياة كما ينبغي وتحب أن تعيشها، بعيداً عن كل الأسوار والأسلاك والوصايا التي يحوطك الناس بها، وكأنها هي منقذتك من تيه الضلال، كنْ نفسك، ودَع الآخرين يحرثون البحر، ففي ساعة وجعك، ودمعك، وتعبك الحقيقي، لا أحد أقرب لك ولرأسك غير مخدتك، هكذا كنت أتأمل في قرار الأمير «هاري وميجان» التخلي عن كل الموروث الملكي، وكل ما يمكن أن يحاصر قرارهما بالعيش كيفما يريدان بحرية مشتهاة. قد لا يفهم تلك المعادلة الصعبة التي اتخذاها «الزوجان الملكيان» لا الفقراء المتطلعون لحياة الرفاه ورغيد العيش، وتلك الامتيازات المخملية، ولا الأغنياء أيضاً يفهمونها، وهم المتطلعون للتفرد والتميز وحب التملك لأقصى حدّ، الناس طبعهم عجيب غريب، قلما تعجبهم الأشياء التي يقدم عليها الآخرون، فهم يحبون ما يشتهون، لذا تجدهم يتراءون للآخرين أثناء اتخاذ قراراتهم المصيرية التي هم مسؤولون عنها، وعن شجاعة اتخاذها، وفرض حريتهم، والدفاع عن اختياراتهم، ولو تألم الآخرون، فالناس هم أول من اعترض على زواج «هاري» ذي الدماء الزرقاء من «ميجان» التي فيها عرق زنوجة من أمها، وأبوها سيرته سيئة، وهي متزوجة من قبل ولديها أولاد، وربما تكبره في العمر، تماماً مثلما اعترضوا على طلاق أبيه «تشارلز من ديانا»، حتى إن الكثير وقف ضد «تشارلز»، متناسين أخطاء وخطايا…

أصحاب الهمم العالية

الأربعاء ١٣ مارس ٢٠١٩

هم لا معاقون، ولا معطوبون، ولا مشلولون، ولا غيرها من تلك الكلمات التي قدر الإنسان في اللغات كلها أن يرتقي بها، ويختار أجملها وأقلها حملاً على النفس الإنسانية، لأن أصحابها جزء منا، ومن حياتنا، وفي حياتنا، والإعاقة لا تعني الحكم بنهاية أمور الحياة، وعدم المشاركة في صنعها، إنهم أصحاب الهمم العالية، والجباه المرفوعة، والنفوس القوية، هم من نسيج المجتمع، وهم أفضل من الأصحاء في مكابدة الحياة وأمورها، لأنهم يحاربون على جبهتين، جبهة هزيمة الإعاقة، وجبهة صنع شيء مختلف في الحياة. وطوال المسيرة الإنسانية، وسير الحضارات، كانوا هنا.. وهناك دائماً، وكانوا متميزين، وكانوا غالباً ما يصنعون الفرق، فظهر منهم عباقرة في شتى العلوم والفنون، أثروا البشرية بعطائهم وبمنجزاتهم، وبروحهم المحبة للحياة، والاندماج فيها، والإعاقة ليست بالضرورة جسدية، فأحياناً نفسية، وعلينا التعامل معها بروح من التضحية والمثابرة والفخر بهم وبأمثالهم. وأتذكر مهندساً إيطالياً علمني درساً لن أنساه قبل أربعة عشر عاماً، يومها كنا نبني مبنى لوسيلة إعلامية صحفية، فاشترط لكي يقوم بالعمل أن يضع مدخلاً خاصّاً لأصحاب الهمم، ودورات مياه خاصة، معدلة ومجهزة، وسلالم ودرجات تسهل عليهم التعامل معها بكراسيهم المتحركة، ومواقف لسياراتهم قريبة من المدخل، يومها لم تكن كل تلك التسهيلات والتشريعات موجودة، فأكبرت فيه عمله، ولكنني سألته من باب التأكد، وزيادة المعرفة، مذكراً إياه بأن هذه الأمور تعد هدراً في…