ناصر الظاهري
ناصر الظاهري
كاتب إماراتي

تونس.. تقلبات الليل والنهار

آراء

– هذا صباحك يا تونس.. وهذه تباشيره، فكيف ما وليت فَثَمّ وجه للحرية، وثَمّ نور يغمر محياك، وثَم معنى للحياة، ومعنى للسرور، ومعنى لدوام الحبور، ومعنى لشتائك القادم، ولصيفك المولي، ولخريفك المقبل والبارد باستحياء هذا العام.. وكل عام، دفء الوطن السعيد والأخضر على الدوام، ولن يقدروا أن يحجِبوه أو يحجّبوه إخوان أو أعوان أو طيور الظلام، لقد وصلت الأمور في هذا البلد العربي الذي لا يستحق إلا كل الخير، ولو أن يُصار إلى قرار وطني تونسي تاريخي، باتر فاصل، فإما تونس والتونسيون والوطن الذي يريدون، وإمّا الضياع.
– هذا نهارك يا تونس، ونهار كل من مروا ووقفوا لعثمانيين وفرنسيين ومستوطنين، ولكل الخيارات الوطنية الخائبة، ميزة هذا البلد أنه دائماً يفعل الفتيل، ويصنع الفرق، وليس مثل هذا الوقت الدقيق الذي يغلي عليه الناس في تخبصات سياسية واقتصادية ومحن وكوارث صحية تكاد تزلزل كيان الدولة، والمتخاصمون والغرماء لا هم لهم إلا ما تكسب أيديهم.
تحية لمن ذهبوا بأكفانهم، لا فرق إن قالوا: مات محترقاً، وفي رواية قالوا: مات محروقاً، ومن سار طلباً لدمه ودمهم قالوا: نشهد أنه شهيد، انتفض واعظ السلطان ومفتي الديار، وبعد أن قبّل اليد العليا، قال: لا تجوز الصلاة عليه، ولا يدفن في مقابر الصالحين، فقد عجّل بحياته بموت بالنار في الدنيا، وسيصلى جحيماً في الآخرة، لم يصدق الناس مفتي الديار التونسية، وقالوا: الماء طهور، والدم أضحية، والفقر والحقر كفر، فكفنوه بدمه ورشوه بالماء، وساروا من وقتهم يطلبون حقهم، ويسألون، والمفتي يسمع: ما قول شيخنا فيمن مات تحت التعذيب، ولم يعرف أهله كيف يصلون إليه، ويصلّون عليه، ومن مات في ظلمة زرقاء بأجهزة قيمتها تطعم وتكفل آلاف الأسر، ولم يشاء الحرس أن يصلي عليه أحد، ولا يعرف بموته أحد، ومن اكتوى بالنار كل يوم، ومن نهبت أحلامه بمقامع من حديد، ومن رفع أصبعه يريد التشهد، فعدها الحرس: «لا» في الوجه، فنُهي المواطن وجُزم ورُجم.
– هذا يومك يا تونس.. يوم مكسو بجلال الفخر، وريح الصبر، تلك التي ترعد الجسد اليوم زهواً، يوم له طعم في الفم كالعسل وماء الزهر والسكر، يكفي أنه فيه حلم مختلف وجديد، وفيه ابتسامة رضا تعدل ضحكة الأم في الوجه، وأفق قابل للتحقق أمام العين.
– هذا مساؤك يا تونس.. مساء غير مرتجف، ولا يلزم من ينوي على حبك أن يحلف بالرأس والعين وألف يمين، مساء يمكن أن تسمع فيه صدى القلوب، ورجع الضلوع وتلك الضحكات الغائبة منذ زمن تدحرجها اللهجة الرطبة التي لا تملها الأذن.
– هذا ليلك يا تونس.. غير موحش ومقمر، يمكن فيه للفل أن يزهر بعطره وينثر سر رائحته، يمكن فيه للياسمين أن يتطاول بمرح على جدران البيوت البيضاء أو يتدلى مشاغباً على الأبواب الزرقاء، يمكن له أن يحتضن بدفء نافذة مواربة على صبية تتشكل بالفرح، قلبها وبصرها البحر أو تنتظر أن يرّش «الراشراش» لتطلق شعرها للريح الباردة والأحلام البعيدة.
– هذا تباشير فرحك الثاني يا تونس.. وهذا فنجان شاي بالصنوبر، وآخر بالقرنفل لفمك المعطر، وهذا عود فل، وهذا طوق ياسمين.. ليتك تسلمين.. يالخضراء.. يا شابّة!
المصدر: الاتحاد