آراء

الكتاب لا يختزل في عنوانه!

الجمعة ٠٩ مارس ٢٠١٢

أعرف أن من قالها أولاً لم يقصدها حرفياً. مخطِئ من يظن أن “الكتاب يقرأ من عنوانه”! تلك -قطعاً- قراءة ناقصة، إنها مثل الحكم على شخص نقابله للمرة الأولى. انطباع اللقاء الأول كثيراً ما يضللنا حتى وإن صادف أحياناً أن كان في محله. الأفكار تُقرأ بالعقل لا بالمشاعر وحدها. بعضنا يحكم على قضايا مهمة من خلال عناوينها. تماماً مثل من يقرأ الكتاب من عنوانه. الكتاب لا يقرأ من عنوانه إلا في المجتمعات المستعجلة في أحكامها. إنها مثل الفرد الكسول، لا يريد إشغال عقله ووقته بالقراءة والدراسة والبحث قبل الوصول لنتيجة. تلك هي ثقافة “النتيجة السريعة”. ننتقد الغرب كثيراً لإنتاجه ثقافة “الوجبة السريعة” وننسى أن فينا من ينتمي لثقافة الخلاصة السريعة. الوجبة السريعة تفضي إلى أمراض جسدية ونفسية كثيرة. وكذلك هي ثقافة الخلاصات والنتائج السريعة. إنها تنتج مجتمعات كسيحة فكرياً، أمراضها الثقافية والحضارية تجرجر أصحابها من هزائم فكرية إلى قائمة طويلة من هزائم سياسية وفنية ورياضية لا يُعرف أين تنتهي. ومن قال…

«وطنيون».. وقت الأزمات!

الخميس ٠٨ مارس ٢٠١٢

وقت الأزمات والأحداث الإقليمية المرتبكة، تظهر حولنا جماعات تظن أنها وحدها الوطنية وغيرها مجرد “قطيع” من الخونة. لغتهم شاتمة مشككة في النوايا ولا يسلم من أذاهم إلا من رحم ربك. يظنون أنهم من يدافع عن الوطن فيما هم أسوأ من يسيء له. في الأشهر القليلة الماضية تعرض العشرات من المثقفين في الخليج لبذاءات هذه الفئة التائهة في جهلها بالوطنية. هل من الدفاع عن الوطن أن تتبرقع بالاسم المستعار في مواقع التواصل الاجتماعي وتمارس القذف والشتيمة باسم الوطنية؟ وهل يخدم الأوطان من يسخر من أشكال المثقفين وأسمائهم وأصولهم فقط لأنهم آمنوا بالنقد من أجل تحسين أحوال أوطانهم؟ هذه الفرقة من محترفي الشتيمة تزايد – بقلة أدبها وجهلها – في “وطنيتها” حتى على بعضها البعض. لكن أدواتها لا تخرج عن تهم التآمر على الوطن والطعن في وطنية رموز تنويرية محترمة لأن تلك الرموز غالباً ما تتحدث لغة لا يفهمها هؤلاء البواسل المقنعين. الحمد لله أن هذه الفئة هي القليلة في الساحة وإلا…

حكمة الأولين

الأربعاء ٠٧ مارس ٢٠١٢

كان كبار السن في قريتنا – وكنا صغاراً لا نفكر في غير يومنا- يرددون على مسامعنا: “اغتنم شبابك لمشيبك”! وكعادة الصغير الذي يظن أن الكبار في واد والحكمة في واد آخر، ما كنا نبالي بنصائح الكبار وتجاربهم. تمر السنون وإذا بحكمة الكبار تطل برأسها، كأنها تصرخ فينا: لماذا تجاهلتموني وقتها وسخرتم بي؟ نقل عن الكاتب الأمريكي الشهير مارك توين أنه قال يوماً: حينما كنت مراهقاً كنت على قناعة أن والدي لا يفهم شيئاً. وحين كبرت قليلاً أدركت أن أبي رجل في غاية الذكاء! ما أن يبلغ المرء منا الأربعين حتى يؤمن أن أباه رجل أوتي الحكمة من أوسع أبوابها! من يشاركك الحكمة يختصر لك الطريق. ومن ينصحك اليوم كان قد لسعته تجارب الإخفاق في الأمس. في الحياة مشتركات إنسانية تنبع منها حكمة الكبار. لا فرق هنا إن كنت حاصل على أعلى الشهادات أم لا تقوى على فك الحرف، كبير عشيرتك أم صغيرها، كثير الغنى أم شديد الفقر. كم من حكمة…

اخلع عباءة العروبة!

الثلاثاء ٠٦ مارس ٢٠١٢

بدأت في كتابة هذه المقالة في براغ قبل سنة! أشعر بامتنان كبير للظروف التي هيأت لي أن أقضي إجازاتي خارج العالم العربي ولا تراودني أية مشاعر “بالذنب” لأنني – شخصياً – قد حسمت أمري منذ سنوات وقررت ألا أقضي إجازة، قصيرة أو طويلة، في أية مدينة عربية. و نصيحتي للأصدقاء بأن يقضوا إجازاتهم خارج العالم العربي أو يبقوا في بيوتهم معززين مكرمين بين أهلهم و ذويهم. يقول أهل قريتي، في غابر الزمان: “من خرج من داره قل مقداره”. لكنه مثل يجسد حال الإنسان العربي حينما يغادر داره إلى ديار “إخوانه” العرب. إن أجدادي من البدو و الحضر لو اكتشفوا العالم الجديد لعرفوا أن العربي يقل مقداره حينما يزور بلد أخيه العربي و يزداد مقداره حينما يزور بلدان العالم الآخر، خصوصاً خارج حدود البلاد التي ذبحتنا قياداتها بالحديث الطويل عن الأخوة والعروبة! في مدينة بولونيا الإيطالية ، شربت قهوتي في مقهى صغير ثم تركت قيمة القهوة على طاولتي وذهبت. في منتصف…

تسليح الجيش الحر

الإثنين ٠٥ مارس ٢٠١٢

بعد انكشاف جرائم بشار الأسد في حي بابا عمر قبل يومين، لم يعد مثار جدل أن نلح على أهمية تسليح الثوار السوريين الأبطال. الأسد يراهن على الحل الأمني. والحل الأمني في فهمه لا يتوقف فقط على مسح أحياء سورية كاملة عن وجه الأرض. إن المسألة بالنسبة لنظام الأسد هي مراهنة أخيرة على مواجهة ثوار سورية بكل ما أوتي من قوة أمنية تمارس عبرها “شبيحته” أبشع أشكال الجريمة وأمام العالم كله. لا حل في الأفق إلا بمواجهة مسلحة لنظام الأسد. وثوار سورية لا ينقصهم سوى السلاح وأجهزة الاتصال المتقدمة والدعم السياسي العلني كما تفعل اليوم دول مجلس التعاون. أما ما سوى ذلك فلا يخدم سوى الأسد الذي يعطي للخارج وعود الإصلاح الكاذبة فيما يمارس أبشع المجازر في الداخل. عار على العالم كله أن يستمر الأسد في ممارسة جرائمه ضد الشعب السوري وثمة من لايزال يبحث عن حلول سياسية مع نظام لا أمل في إصلاحه. بل إنه الآن -كما كتب قبل يومين…

مازن العليوي
مازن العليوي
كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة

“الرجل البخاخ” يغادر “بقعة ضوء” إلى الواقع

الأحد ٠٤ مارس ٢٠١٢

لم يتخيل خرّيج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق وكاتب السيناريو عدنان زراعي، أن فكرته "الرجل البخاخ" التي عرضت ضمن حلقات مسلسل "بقعة ضوء" الناقد عام 2008، سوف تقوده إلى السجن عام 2012 كما جاء في الأخبار منذ أيام، بعد أن أصبحت كل المدن والقرى السورية تقريبا لا تخلو من "رجل بخاخ" يكتب العبارات المناهضة للنظام ويدعو إلى الحرية وإسقاط النظام ورموزه. ومثل الشخصية الملثمة التي قدمتها الحلقة، امتلأت سورية بالملثمين الذين "يبخّون"، وكما عبّر الشاب "البخاخ" في "بقعة ضوء" عن رفضه للواقع الخاطئ والقهر والظلم بالكتابة على الجدران، فإن الرجال البخاخين في المدن السورية أعلنوا الرفض بالأسلوب ذاته. في "بقعة ضوء" لم يستطع "الأمن" القبض على "الرجل البخاخ" الذي نال شهرة وتعاطفا شعبيا لأنه أوصل صوت الشعب إلى المسؤولين، فصار حديث المجالس، وغيرت محلات اسمها التجاري إلى "الرجل البخاخ". لكن الرجل البخاخ في نهاية الحلقة سلم نفسه للأمن بعد حديث تلفزيوني للمسؤول الأمني يناشده فيه التعريف عن نفسه ويعطيه الأمان…

حدد موقفك!

الأحد ٠٤ مارس ٢٠١٢

على فنجان قهوة قبل أيام مع الزميل العزيز علي الظفيري كنا نتندر على أولئك الذين يفترضون في الكاتب أن يكون له موقف قاطع من كل قضية وخبر في محيطه أوخارجه. من قال إن الكاتب ملزم باتخاذ موقف من أي قضية في محيطه؟، تصلني أسئلة كثيرة من مثل: لماذا لم تقل رأيك في قطار مكة؟، قلت لسائلي: اللهم أكثر من قطاراتنا داخل مدننا وبين مناطقنا. آخر يسألني: ما موقفك مما يحدث في البحرين؟ وثالث يسأل: لماذا لم تقل رأيك في رحلة علي عبدالله صالح العلاجية لأمريكا؟، يسأل علي الظفيري: هل يظن من يلح عليّ بمثل هذه الأسئلة أنني وزارة خارجية عربية ملزمة بأخذ موقف من كل ما يحدث في المنطقة؟، آخرون يريدون الزج بك في جدالات أنت -في الأصل- تنأى بنفسك من الدخول في شباكها. أُفضل ألا يكون لي موقف من أي قضية على أن يكون لي رأي مستعجل طرت به في “عجة” التكالب المخيف على تسجيل النقاط وما يتبعها من…

جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

سورية الأفغانية

السبت ٠٣ مارس ٢٠١٢

يجب أن يسارع العالم وجيران سورية، الذين ضاقوا بنظامها، إلى التدخل وإنهاء الوضع المتفاقم هناك قبل أن يستيقظوا على أفغانستان وسط دولهم تهدد استقرارهم النسبي. عملت مراسلاً صحافياً لهذه الصحيفة وغيرها في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وقتها كانت أفغانستان منطقة ساخنة تجذب إليها الصحافيين والباحثين عن المغامرة. لم تكن الحكومة الأفغانية «الماركسية» والقوات الروسية التي غزت البلاد لحمايتها من السقوط موجودة في غير المدن الأفغانية الرئيسية، وفي قاعدتين عسكريتين، وما عدا ذلك كانت أفغانستان كلها مرتعاً للصحافيين والمغامرين، إضافة إلى مجاهدين من أهلها يقاتلون عدوهم تارة وبعضهم بعضاً تارة أخرى، والمدنيون هم الضحايا. لم يكن الدخول إليها صعباً، وقد دخلتها وغيري من الصحافيين مرات عدة. كان بإمكاني -لو أردت- أن أمضي حتى حدودها مع الصين أو جمهوريات آسيا الوسطى، فلم تكن هناك دولة حقيقية في أفغانستان رغم عتو الاتحاد السوفياتي وقوته، هو الذي دعم «حكومة عميلة» في كابل بأكثر من مئة ألف جندي وعدة وعتاد هائلين. الجيش الباكستاني كان…

جمال الشحي
جمال الشحي
كاتب و ناشر من دولة الإمارات

أحن إلى قهوة أمي

السبت ٠٣ مارس ٢٠١٢

“صحيح أنك لا تعرف قيمة ما تملك حتى تفقده، ولكن الصحيح أيضاً أنك لا تعرف ماذا ستفقد حتى تفقده”، لا أعرف من القائل، ولكني عندما قرأت هذه الجملة تذكرت الفقد، وأكتشفت أن من أهم ما نملكة هو الوقت. بعض الاكتشافات في حياتنا تأتي متأخرة جداً وأحياناً بعد ضياع الوقت. هذه الاكتشافات المتأخرة تضيف قلقاً مضاعفاً على مسيرتنا وأولوياتنا، ونتمنى، ونحن في دوامة التفكير، لو يعود الزمن ثانية لنفكر بطريقة أخرى أو نتخذ قرارات مختلفة. وتبقى معضلة الوقت المحرك الأساسي لحياتنا في عصر لا ينتظر، يتحرك بسرعة تفوق قدرتنا على مجاراته ويضعنا أمام خيارات صعبة وفارقة، ومنها أن ننتظر ونتركه يمضي من أمامنا أو نسابق الوقت ونسبقه ويسبقنا. قوة الوقت تجبرنا أن ننطلق معه بقوة كلما أعطينا الوقت مكانا أخذ منا زمانا. هذه التضحية دائماً تكون على حساب شيء آخر، هكذا نحن نفتقد البيت في العمل والأسرة في السفر. أحد أقدارنا أننا لا نستطيع أن نكون في مكانين في الوقت نفسه،…

ما عرفتني؟

السبت ٠٣ مارس ٢٠١٢

يرن هاتفك برقم لا تعرفه.. تجيب وأنت في زحمة العمل.. يأتيك صوت غريب يسأل إن كنت فلانا فتجيب: نعم. فيعود لتكرار مقدمات طويلة من مثل كيف الحال، وشو الأخبار، ويا الله كم أنت قطوع. يأتي دورك في السؤال: من معي؟ فيجيبك بسؤال آخر: معقولة.. ما عرفتني؟ فتجيب بلغة قاطعة أنك لم تعرف المتصل وتكرر السؤال: من معي؟، فيأتي الجواب: يا رجل.. حاول تعرف من أنا، تبلغه أنك مشغول أو على وشك الدخول لاجتماع، فيرد عليك: الله يا الزمن، صرنا مشغولين ونتكبر على الناس!، تسأل للمرة العاشرة: من معي؟، فيمتحنك: حاول تتذكر! ولا تصل معه لأي نتيجة. الفاضي يعمل قاضي كما يقال. ما الحل إذن؟ صديقي مازن العليوي يقفل الهاتف في وجه المتصل الذي يبادره بالسؤال: ما عرفتني؟، أما أنا فصرت بعد الدقيقة الأولى من اللت والعجن في: ما عرفتني أنهي الاتصال وسامح الله من أعطى رقمي لهذا المتصل الغثيث. ما الفائدة من امتحان ذاكرتي؛ لمعرفة إن كانت محتفظة بصوت المتصل…

ياسر حارب
ياسر حارب
كاتب إماراتي

ماذا فعلت بنا الطائرة!

السبت ٠٣ مارس ٢٠١٢

عندما كنت صغيراً كان ابن عمّتي خالد يدرس في أمريكا، وبما أنه كان الحفيد الوحيد، في تلك الأيام، الذي غامر وسافر عبر الكرة الأرضية للدراسة، فلقد كان سفره وعودته حدثين مشهودين في حياة العائلة كلها. ففي يوم سفر خالد كنا نجتمع في بيت عمتي لتوديعه.فالنساء يقبلنه ويحتضنه ثم يبكينه ويدعين له، أما الرجال فلقد كانوا ينطلقون خلفه بسياراتهم في موكب أشبه بتظاهرة عامة. وفي يوم عودته، كان أفراد العائلة يملؤون قاعة الاستقبال في المطار احتفاء بقدومه، ولم تكن عمتي تتهاون في صنع وليمة ضخمة لاستقباله وكل أفراد العائلة الذين أتوا لتهنئتها بسلامة وصوله. لقد كان السفر في الثمانينات عبارة عن حدث أسري واجتماعي، فلا يفوت المسافر، حتى وإن كان ذاهبا للسياحة، أن يزور أهله وأصدقاءه قبل السفر للسلام عليهم أو كما كان يُقال «لتوديعهم» في مشهد درامي مليء بالدموع؛ وكأنه ذاهب إلى حرب قد لا يعود منها. وغالباً ما كان يحدث ذلك إذا كان مسافراً بالطائرة، أما إن كان بالسيارة…

كيف كنا؟

الجمعة ٠٢ مارس ٢٠١٢

حينما كنا صغاراً كان الأكبر منا سناً يحدثنا عن تعب الحياة يوم كان في عمرنا. ظننا أننا أكثر حظاً ممن قبلنا. وحينما كنا نذهب للمدرسة في صندوق سيارة نقل قديمة كان الجيل الذي يكبرنا قليلاً يخبرنا كم كنا محظوظين لأننا لم نذهب للمدرسة على ظهر حمار أو مشياً على الأقدام. وتمر السنون وإذا بجيلي يخاطب من بعده بذات المنطق ونفس اللغة: يا لكم من جيل محظوظ: تذهبون للمدرسة بسيارات مكيفة! قبل أيام سمعت من يصغرني يتحدث عن معاناته أيام الدراسة: كيف استطعنا النجاح من دون إنترنت؟ وكيف كنا نذاكر من غير قوقل؟ ولن أستغرب لو جاء زمان يقول فيه بعضنا: محظوظ شباب اليوم: يطيرون بمركبات طائرة للمدرسة! الحقيقة أن الحياة تتجدد كل يوم بمعطيات التقنية ومنتجاتها. وما كنا نظنه ترفاً بالأمس صار اليوم ضرورة حياة. كل شيء حولك الآن يعطيك فرصة ذهبية لإثبات قدرتك على التجدد والتفاعل مع الجديد من المنتجات والأفكار. حتى في هذه اللحظة التي أكتب فيها ما…