التحالف «السعودي – الإماراتي».. حتمي ومصيري

مقابلات

حوار: أحمد عبدالعزيز

تقدمت العلاقة بين المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، بشكل كبير خلال العقد الماضي، وأصبحت نموذجاً للعلاقة المثالية التي تربط الدول بعضها بعضاً. هذا التحالف النوعي يتوقف عليه مستقبل المنطقة، فضلاً عن تجاوزه الأدبيات التقليدية القديمة لطبيعة التحالفات والبعد عن كل ماهو إنشائي، والإبداع في تشكيل نموذج لتحالف سياسي عسكري اقتصادي مرن قادر على تجاوز جميع التحديات التقليدية.

الدكتور فيصل عبيد العيان، نائب رئيس أكاديمية ربدان، يسلط في حوار مع «الاتحاد»، بمناسبة اليوم الوطني السعودي الثامن والثمانين، الضوء على حتمية التحالف بين المملكة والإمارات لمواجهة التحديات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.وقال الدكتور العيان: «دول المنطقة تواجه تهديدات تقليص الحضور الدولي، وسحب امتياز تقرير المصير لقوى إقليمية «غير عربية»، هذه الدول، غير العربية، بالإضافة إلى قطر، اعتادت التدخل في شؤون المنطقة، وساهمت في خلق فوضى سياسية عارمة اجتاحت عواصم عربية عدة، تحت إطار ما يسمى بالربيع العربي أواخر عام 2010، ومطلع 2011». وأضاف: «أصبحنا أمام واقع (غير عربي) بمشاريع أيدلوجية تهدف إلى هدم الدولة (الوطنية) وتحويلها إلى دولة (غير وطنية) أو كيانات مذهبية متصارعة، وبالتالي فإن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، في مواجهة إيران وأذرعها وميليشياتها، ودول أخرى توظف الإسلام السياسي، وتدعم التنظيمات المسلحة والإرهابية، هو تحالف حتمي ومصيري، وكان لا بد منه. فإما التمزق والانقسام وفرض إرادة إقليمية (غير عربية)، تعبث بمقدرات شعوب دول المنطقة وبقضاياهم وتاريخهم، أو الدفاع عن المكتسبات الوطنية والوجود والمستقبل وانتزاع الحقوق، ذلك بخلاف قطر التي تغلغل تنظيم الإخوان الإرهابي في أركانها، وأصبح يقود الأجهزة الاستراتيجية للدوحة».وأشار نائب رئيس أكاديمية ربدان، إلى أنه بعد ثورات الربيع العربي، بدأت أقطاب القوى العالمية بفرض استراتيجية مختلفة لتعاملها مع الواقع المتغير في المنطقة، البعض يعلل ذلك برغبته بعدم تكرار أخطاء الماضي. رأينا أيضاً إطلاق يد إيران في تهديد الأمن والمصالح العربية، وكذلك في الصراعات الميدانية، ولم يكن هناك استنكار أو رفض، بل تقارب سياسي غريب، وبالتالي فرضت طهران نفسها كقوة إقليمية مؤثرة.

العلاقات والتحالفات

وأضاف: «كان لا بد للمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، من إعادة تقييم التحالفات، خاصة بما يتعلق بمستجدات الصراعات والنزاعات التي تستهدف قضية من يقف بمصداقية وتجرد في خندق محاربة الإرهاب، فكان هناك تحالف عربي من خلال عاصفة الحزم لمواجهة نفوذ طهران وإجهاض الانقلاب الحوثي، وإعادة الاستقرار لليمن الشقيق».

وأوضح أن المنطقة كانت تشهد إقامة دولة «غير وطنية» في اليمن بقيادة ميليشيا خارجة عن القانون في تحدٍ صريح لشرعية النظام العالمي الراهن، تستعمل أدوات مختلفة لتقويض مراكز قوى الدولة «الوطنية»، هذه الميليشيا لا تعد إلا جماعة ضغط بالوكالة لدول إقليمية «غير عربية».

وقال: «أشار تقرير (Real Clear Defense) إلى جهود أميركية – عربية لتشكيل ناتو عربي يضم السعودية والإمارات ومصر والأردن، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية. ومما لا شك فيه أن الناتو العربي سوف يكون إضافة عسكرية نوعية للمنطقة ولواشنطن فيما يتعلق بالتوافق العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية وخلق منهج عسكري أمني مشترك ضد تحديات دولية فائقة الخطورة ومخاطر آنية مصيرية كإيران وداعش والقاعدة والحوثي والإخوان وغيرها من الجماعات أو الدول المتطرفة».

وأضاف: «أعتقد أن الجهود السياسية، سواء كانت في الرياض أو أبوظبي، قادرة على تشكيل تحالفات عسكرية دولية أو إقليمية، بالإضافة إلى التعاطي مع الواقع وتحدياته، فهي سياسية متناغمة، أكثر تقارباً وصدقاً، وتحمل ضمن طياتها أهدافاً مشتركة، ولا يمكن القول إلا أن العلاقة تزداد تميزاً يوماً بعد يوم، وهي علاقة استراتيجية بكل ما تعني الكلمة».

التكامل الاقتصادي

عن العوامل التي تسهم في تحقيق المصالح المشتركة، أوضح الدكتور العيان، قائلاً: «التكامل الاقتصادي دائماً ما يحقق مصالح مشتركة يستفيد منها الجميع، وستنعكس إيجاباً على العمق الوطني لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. وشهدنا ذلك في النموذج الأوروبي من خلال الوحدة الجمركية والتي عرفت باسم المؤسسة الاقتصادية الأوروبية، تطورت فيما بعد من منظومة تجارية لشراكة اقتصادية وسياسية، خلقت مبادرات ومؤسسات مختلفة كالبرلمان والمفوضية والمجلس الأوروبي واليورو ومشروع التكافل الاجتماعي تحت إطار الاتحاد الأوروبي».

وبيّن أن المنطقة اليوم بحاجة ماسة إلى تكامل سياسي عسكري اقتصادي ملموس، ولعل «استراتيجية العزم» والتي تم الإعلان عنها في يونيو 2018 من خلال مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، تعتبر خريطة طريق واضحة قائمة على المصالح المشتركة، ووحدة المصير والهدف.

ولفت إلى أن استراتيجية العزم ركزت على خلق قاعدة تصنيع عسكرية مشتركة، لتراعي خصوصية المملكة والدولة، وتلبي الاحتياجات الدفاعية والعسكرية. وتعد هذه الخطوة مظهراً مهماً من مظاهر السيادة الوطنية، وتوفر هامش مناورة حقيقياً لصناعة قرار سياسي مستقل لضمان تحقيق المصالح الوطنية والبعد عن أي ضغوطات وتأثيرات خارجية، والمملكة اليوم تحتل المركز الثالث عالمياً في معدل الإنفاق العسكري، ونحن نتحدث هنا عن 210 مليارات ريال سعودي.

وأضاف: نجحت الرياض وأبوظبي خلال 25 عاماً في تكوين شبكة من التحالفات المتميزة مع مؤسسات التصنيع العسكرية العالمية في مختلف أقطار العالم، وأسهمت هذا الخطوة في نقل التكنولوجيا العسكرية المعقدة إلى العمق الوطني ليصبح لدينا منتج عسكري تستند إليه القوات المسلحة في البلدين.

المصدر: الاتحاد