عبده خال
عبده خال
كاتب و روائي سعودي

ظهور المهدي المنتظر

آراء

أدوات التواصل الحديثة تشعرك بارتجاج عنيف، إذ ليس هناك شيء مستقر في مكانه.

في كل دقيقة وأنت في حال، فتقلبات الأحداث تجعل من جريانها أداة تحريك مستمر، ولأن الواقع السياسي يغلي في بقاع مختلفة من عالمنا العربي، وهو واقع استخدم فيه الدين من جميع الأطراف بحثا عن التأيد والاستقطاب، وحول هذا الوضع انقسم الناس بين مؤيد ورافض لذلك الواقع، وتفلتت أعصاب المختلفين، مستخدمين لغة حادة في التراشق لا تتناسب مع الحجج الدينية المرسلة من الأطراف المتجادلة، وغدا الجميع إما مدافعا أو مهاجما مسخرا كل الإرث الديني لاظهار صدق دعواه في ذلك الاختصام الحاد.

ولأن واقعنا سريالي، كان لا بد من ظهور نماذج سريالية مصاحبة له تتناسب مع الوضع القائم.

فمع انطلاق الدعوة للجهاد في سوريا من قبل مجموعة من المشايخ (والتي أسقطت شرط أن يكون إعلان النفير من قبل الحاكم) تسابقت الأصوات المؤيدة في إشعال جذوة الحماسة في روح الشباب من غير أن يكون للداعين تواجد على أرض المعركة!!

ومع تطاير غبار الكلمات باسم الدين ظهر المهدي المنتظر ليخلصنا من واقعنا المر… هكذا.

إذ بدأت تصل روابط لموقع إلكتروني يعلن فيها المهدي المنتظر عن ظهوره والمطالبة ببيعته، مبينا موقفه من الدعوة للجهاد في سوريا.

والمهدي المنتظر هذا أغفل العلامات الكبرى التي تسبق ظهوره ضاربا بها عرض الحائط، ولم يكترث بأن يكون اسمه متطابقا لما جاء في المرويات العديدة، ولم يكترث بمكان ظهوره، المهم أنه أعلن عن ظهوره من خلال موقع إلكتروني، ولأن الامور مميعة وذائبة، فيتساوى ظهوره من موقع إلكتروني، أو من جبال أصفهان.

وأقول لأن الدين غدا لبوسا لمن يريد التجارة أو الوجاهة أو السلطة، فالكل مدعٍ لبوسا يتناسب مع الحال التي نعيشها، وما ظهور المهدي المنتظر إلا لبوس جديد.

ولا أشك أن هناك من سوف يصدق هذا الدعي، فهناك عشرات الأدعياء ممن يسرق عواطف الناس باسم الدين وبصور مختلفة، والكارثة أن هؤلاء المسروقين ينقادون بسهولة لا توصف ولا يكلف ــ المرء منهم ــ نفسه بالقراءة حيال أي واقع يواجه لكي يستبين أين يضع رجله، فالغالبية منساقون، ليس انسياقا فحسب، بل تجدهم مروجين لأقوال الآخرين كميكروفونات حديثة الصنع من غير تدبر لما يقال أو تنبه إلى أن الدين لا يريد من المنتمى له أن يكون إمعة.

فهل سيهدأ الواقع السياسي قبل أن يظهر شخص آخر ويدعي أنه المسيخ الدجال، وتتسابق الميكرفونات في إعلان ظهوره، أم تكتفي المرحلة بالمهدي المنتظر السابق ظهوره لكل العلامات؟.

المصدر: عكاظ