عبدالله بن زايد: سرديات الوالد وأحاديثه كوّنت شخصيتي

مقابلات

أكد سموّ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، أن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، أسس السياسة الخارجية لدولة الإمارات، المستوحاة من حكمته الشخصية، مراعياً تحقيق مبدأ الاعتدال، استناداً إلى ضرورة ضمان مراعاة التوازن في العلاقات الدولية، والدفاع عن الحقيقة وتكريس العدالة، ومراعاة استخدام لغة الحوار والتفاهم مع جميع الأطراف، مشيراً إلى أنه كان يتمتع بصفات نادرة اشتهر بها لدى جميع المجتمعات، مثل الحب والعطف والرحمة والعطاء غير المحدود، وفي عالم تعصف به الصراعات والأزمات، حيث كان رجل سلام من الطراز الأول، عمل على بناء جسور الانفتاح والتسامح والعطاء وتعزيزها قولاً وعملاً. ونال الشيخ زايد ثقة الزعماء الأجانب والعرب على السواء، ما جعلهم يطلبون منه التوسط في كثير من النزاعات المعقدة بين الدول، فضلاً عن شهرته العالمية، بكونه إنساناً رحيماً محباً لعمل الخير والعطاء.

وقال إنه كان أباً لكل مواطني الدولة والمقيمين فيها، مشيراً إلى أنه استثمر كثيراً في تنمية الدولة وتطويرها، ومد يد الصداقة ومساعدة الناس من جميع شعوب العالم.

وأكد سموّه، في حوار بمناسبة «معرض الاتحاد الأوروبي- الإمارات: الشيخ زايد وأوروبا»، أن بعض الذكريات حاضرة ولا تنسى بزياراتي معه إلى الخارج، ومن بينها أولى رحلاته إلى سويسرا، حيث إنه كان يحب القصص الملأى بالعبر، والأمثلة التي يسوقها في سردياته، كانت عميقة الأثر في تكوين شخصيتي.

** هل لسموّكم أن تخبرنا عن رحلتك الأولى إلى أوروبا بصحبة الوالد المؤسس الشيخ زايد، رحمه الله؟ وهل تشاركنا بعض الذكريات التي لا تنسى عن هذه الزيارة؟

– كانت رحلتي إلى سويسرا أولى الرحلات التي قمت بها، برفقة الوالد رحمه الله، ومن أفضل الذكريات عن هذه الزيارة، تجوالي برفقته سيراً على الأقدام في شوارع مدينة لوزان، وتبادلنا الحديث. كان رحمه الله يحب سرد القصص المملوءة بالعبر، حيث لم يكن يوجهني بشكل مباشر، حتى لا أنسى، أو ربما ليرفع عني الإحراج، وكانت الأمثلة التي يسوقها في سردياته عميقة الأثر في تكوين شخصيتي. وما زالت سويسرا تحظى بسمعة رائعة في دولة الإمارات، وهي المكان المفضل الذي يقصده الإماراتيون للزيارة.

** ما الذي تريد من جيل الشباب أن يعرفوه عن الوالد المؤسس، رحمه الله، ودوره كشخصية عالمية بارزة، وأب؟

– يتساءل الكثير عن سر الإعجاب والحب الذي يحظى به الشيخ زايد، رحمه الله، سواء من المواطنين في الإمارات، أو من الناس في مختلف أرجاء العالم، وأحب أن أقول باختصار، إن السر يكمن في الصفات النادرة التي اشتهر بها الشيخ زايد، والمتمثلة بالحب والعطف والرحمة والعطاء غير المحدود. وفي عالم تعصف به الصراعات والأزمات، كان الشيخ زايد، رحمه الله، رجل سلام من الطراز الأول، حيث عمل على بناء جسور الانفتاح والتسامح والعطاء وتعزيزها قولاً وعملاً.

وفي دولة الإمارات، كان الشيخ زايد، كما يعرف كثير من الناس، ليس والدي فقط، بل أب لكل مواطني الدولة والمقيمين على أرض الإمارات. وقد كان، رحمه الله، ملتزماً التزاماً تاماً بتحقيق رفاهيتهم وجلب السعادة لكل من يسكن معنا. كما أنه قد استثمر كثيراً في تنمية دولة الإمارات وتطويرها، لضمان تقديم الخدمات المثالية لشعبه كبناء المدارس والجامعات والمستشفيات وملاجئ الأيتام، وفي الوقت نفسه، مد يد الصداقة والمساعدة للناس والشعوب في مختلف مناطق العالم. وقد عمل بشكل دؤوب على منح المرأة الحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل، وخلق الفرص لمواصلة تعليمها العالي والالتحاق بسوق العمل.

وكان مجلسه، رحمه الله، مجمعاً للحوار والنقاش الصريح والمباشر، مفتوحاً على الدوام للجميع، كما كان يشجع الناس للحضور إليه شخصياً، لمناقشة أي مشكلة، صغيرة كانت أم كبيرة.

وعالمياً، أرسى الشيخ زايد، رحمه الله، أسس السياسة الخارجية لدولة الإمارات، المستوحاة من حكمته الشخصية، مراعياً تحقيق مبدأ الاعتدال، استناداً إلى ضرورة ضمان مراعاة التوازن في العلاقات الدولية، والدفاع عن الحقيقة وتكريس العدالة، ومراعاة استخدام لغة الحوار والتفاهم مع جميع الأطراف. وأصبح هذا النهج المتوازن السمة الرئيسية لسياسة دولة الإمارات الخارجية.

وقد نال الشيخ زايد ثقة الزعماء الأجانب والعرب على السواء، ما جعلهم يطلبون منه التوسط في كثير من النزاعات المعقدة بين الدول. كما نال شهرة عالمية بكونه إنساناً رحيماً محباً لعمل الخير والعطاء، قدم دعماً غير منقطع لعدد كبير من القضايا الإنسانية في كل أرجاء العالم.

** تمحورت المواضيع الرئيسية في معرض الشيخ زايد وأوروبا الذي نظمته بعثة الاتحاد الأوروبي إلى الدولة، حول الصداقة والوحدة في ظل الاختلاف والتنوع؛ كيف ترون أهمية عقد مثل هذا المعرض؟ وما النتائج التي تأملون سموّكم بأن يحققها؟

– شعرت بسعادة بالغة حين علمت أن بعثة الاتحاد الأوروبي لدى الإمارات، نظمت المعرض. إنه لشرف عظيم لي أن أكون راعياً لهذا المعرض المشترك الذي يعد اليوم الأكثر رمزية في أوروبا.

ويجسد المعرض، الاحتفال بالإنجازات، كما يعد وسيلة رائعة للاحتفال بالصداقة التي تجمع بين دول الاتحاد الأوروبي والإمارات.

وهو مميز بالنسبة لي، لكونه إشادة بوالدي الشيخ زايد، رحمه الله، لدوره الفاعل في إقامة العلاقات المتينة بين دولة الإمارات والاتحاد الأوروبي، استناداً إلى قيم الصداقة والوحدة والتعاون.

** تعود العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات إلى زمن بعيد، حتى قبل قيام الدولة، كيف تنظرون إلى أهم المعالم البارزة لتلك العلاقة التاريخية؟

– تجمع بين أوروبا ودول الخليج روابط وعلاقات تاريخية عميقة، وقد طورت دولة الإمارات، بصفتها منتجاً رئيسياً للنفط ومركزاً مالياً وتجارياً استراتيجياً، علاقات متينة مع عدد من الدول الأوروبية وكانت ثنائية في بداية عهدها، ومع ذلك، أُقيمت العلاقات الرسمية بين الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات في بادئ الأمر، ضمن إطار اتفاقية مجلس التعاون الأوروبي- الخليجي عام 1988، وكانت علاقات بين منطقة وأخرى. وقد تطورت العلاقات بيننا وبين الاتحاد الأوروبي منذ ذلك الوقت، ليس عبر أجندة اقتصادية قوية ترتكز على التجارة والاستثمار فقط، بل بتقوية التعاون المتواصل بين الجانبين في الأمن والتنمية والمساعدات الإنسانية والطاقة والتعليم والثقافة.

وفي وقتنا الحاضر، تجمع بين الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات، علاقات دبلوماسية متينة ترتكز على المصالح السياسية والإقليمية المشتركة، حيث يعد الاتحاد الأوروبي أحد أهم شركاء الإمارات التجاريين، كما تستضيف الإمارات سفارات 25 دولة من الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2013، أقام الاتحاد الأوروبي بعثة في أبوظبي، ما يعدّ شاهداً على الصداقة التي تربط الجانبين، والزخم الملحوظ في تطور العلاقات.

ومن المعالم البارزة الأخرى لهذه العلاقة التاريخية، قرار الاتحاد الأوروبي في مايو 2015، بإعفاء الإماراتيين الذين يرغبون في زيارة دول «الشنغن» من متطلبات الحصول على تأشيرة الدخول المسبقة، ما جعل الإمارات أول دولة عربية تحصل على الإعفاء من التأشيرة. وفي الآونة الأخيرة، وقّعنا اتفاقية تعاون في يناير 2018، بين الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية ووزارة الخارجية والتعاون الدولي، ما سيعزز علاقاتنا بزيادة وتيرة الحوار السياسي والتعاون في القضايا الاستراتيجية الرئيسية والمصالح المشتركة التي تهم الجانبين.

ويجمع بين دولة الإمارات والاتحاد الأوروبي اهتمام ومصلحة مشتركة في وجود شرق أوسط يسوده الاستقرار، وما زالت دولة الإمارات تؤدي دوراً فاعلاً إقليمياً ودولياً، ما يدل على أنها شريك قوي وموثوق للاتحاد الأوروبي في العديد من المجالات ومن ضمنها مكافحة الإرهاب، والطاقة، والبيئة، والتغير المناخي ومنع انتشار الأسلحة الكيماوية والنووية. كما يسعدني الإشارة إلى أن تعاوننا في مكافحة الإرهاب، تطور بشكل بارز في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد الاتفاق على عقد جلسات حوار سياسي منتظمة. كما يوجد تعاون وثيق بين الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات في الأمن البحري، ونثمن عالياً الدور القيادي البارز الذي يؤديه الاتحاد الأوروبي في الجهود الدولية لمكافحة القرصنة في المحيط الهندي. فضلاً عن ذلك، لدينا مصالح مشتركة في القرن الإفريقي، ونعتقد أنه يجب الحفاظ على أمن الممرات البحرية الدولية وسلامتها في جميع الأوقات، كما آمل بأن نواصل سوياً تعزيز شراكتنا في تلك المجالات، وفي مجالات أخرى في المستقبل.

** شهد المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان، مرحلة بناء الاتحاد الأوروبي، هل تخبروننا عن رؤيته وتصوره لفكرة إنشاء الاتحاد الأوروبي؟ وهل هناك شخصيات أو قادة أوروبيون أحبهم الشيخ زايد تحديداً، أو جمعته بهم علاقات ودية مميزة؟

– كانت بداية الاتحاد الأوروبي، شراكة اقتصادية بين دول أوروبية عدة، وتوسعت لتصبح شراكة سياسية واقتصادية تغطي معظم دول أوروبا. ومنذ البداية، قامت هذه الشراكة على رؤية ومصالح وقيم وموارد مشتركة، والتزام مشترك نحو تحقيق السلام والازدهار. والتقت رؤية الاتحاد الأوروبي وتناغمت مع رؤية الشيخ زايد الشخصية، نحو توحيد الأراضي والمناطق التي تشكل دولة الإمارات حالياً، كما كانت هذه الرؤية الدافع والمحرك الرئيسي لفكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي، وقد شكل ما رآه الشيخ زايد في أوروبا أثناء رحلاته إلى الخارج في الخمسينات والستينات، مصدر إلهام له، فعقد العزم على أن تنعم دولته وشعبه بما لمسه من تطور ونهضة هناك.

ومع تدفق الإيرادات المالية الجديدة التي وفرتها مبيعات النفط، استطاع البدء بالمشاريع الإنشائية والتنموية المهمة في دولة الإمارات، لضمان أن ينعم الناس برفاهية اجتماعية عالية، ويحصلوا على فرص للنمو وتحقيق طموحاتهم.

وقد التقى الشيخ زايد، معظم الزعماء الأوروبيين في عصره، وعمل على تطوير علاقات ودية وصداقة معهم جميعاً. وكان من بينهم رؤساء دول، كالملكة إليزابيث، ملكة بريطانيا وملوك إسبانيا وبلجيكيا، والمستشارين الألماني والنمساوي، والرؤساء الفرنسيين على التوالي. كما كان من بين القادة والزعماء سياسيون ورؤساء وزراء، كإدوارد هيث، ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر.

** لو أُتيح لسموّكم أن تختاروا واحدا أو اثنين من أقوال الوالد المؤسس، رحمه الله، التي ينبغي على كل المواطنين حفظها، واتخاذها المثل الأعلى، ما ذا ستكون تلك الأقوال الحكيمة؟

– «إن التعامل مع كل شخص بصرف النظر عن عقيدته أو جنسه، روحاً ونفسا بشرية، سمة من سمات الإسلام». وبالنسبة لي شخصيا، تدلل هذه الكلمات الحكيمة، على إيمان عاطفي بمفهوم الإنسانية وقيمها، كما تضيء على سعي الشيخ زايد دون كلل لتحقيق المساواة والكرامة للجميع دون استثناء، لذلك آمل بأن تشكل هذه الكلمات مصدر إلهام للآخرين كما هي بالنسبة لي شخصياً.

** لو قُدر للشيخ زايد، رحمه الله، أن يرى ما وصلت إليه دولة الإمارات اليوم، فماذا يمكن أن يقول؟

– ولد والدي، رحمه الله، قبل 100 عام تماما، ولم تكن دولة الإمارات حينها دولة كما هي الآن، غير أنه وفي وقت قصير نسبياً، نجح بتوحيد سبع إمارات في اتحاد فيدرالي، كما حوّل الأراضي الصحراوية إلى دولة عصرية. أنا متأكد تماماً بأنه سيكون فخوراً جداً بالمكانة التي وصلت إليها دولة الإمارات اليوم، وبالشوط البعيد الذي قطعته في تحقيق رؤيته. كما سيكون فخوراً دون أدنى شك بنتائج استبانة الشباب العربي، حيث أبدوا رغبتهم في أن تحذو بلادهم حذو دولة الإمارات، وبأن دولة الإمارات هي الوجهة المفضلة للزيارة لكثير من الناس في العالم، ولكونها دولة أصبحت مركزاً عالميا للسلع والبضائع والخدمات، وللناس من مختلف أنحاء العالم وللأفكار الرائدة التي تسهم بفاعلية في خلق مجتمع يقوم على المعرفة، والاستثمار بشدة في مجالات كالطاقة المتجددة والذكاء الصناعي. وفي السنة الماضية، استضفنا نحو 20 مليون زائر. وقد أصبحت دبي اليوم، من أشهر المدن العالمية للسياحة أسوة بعواصم عالمية كلندن وباريس. كما سيكون والدي فخوراً بالناتج المحلي الإجمالي الذي يصل إلى ما يقرب 400 مليون دولار أمريكي، حيث يعد اقتصاد دولة الإمارات ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، والأكثر تنوعاً في المنطقة.

كانت هذه رحلة ومسيرة تحول هائل لأمة اعتمدت لعقود طويلة على صناعة اللؤلؤ الموسمية في الكثير من تجارتها، وأعتقد أن الأهم من ذلك كله، سيكون والدي رحمه الله فخوراً أكثر من أي شيء آخر، بوجود نحو 200 جنسية يعملون ويعيشون في دولة الإمارات، جنبا إلى جنب، في انسجام ووئام اجتماعي وديني تام.

المصدر: الخليج