هكذا غيرت «الإنترنت» وجه العالم

منوعات

كيف غير هذا المارد الذي يبلغ من العمر الآن 25 عاماً وجه العالم؟ الإنترنت هذا «المارد» الذي حقق أحلاماً وأنجز مهام كانت تعد من المعجزات، وصار العالم بفضله عند أطراف الأصابع: الأخبار والمعلومات والصور والدراسات. لم يعد المسافر يشعر بالغربة وابتعاده عن الأهل والأصدقاء، كما كان الأمر سابقاً؛ إذ بات بإمكانه أن يعيش تفاصيل حياتهم اليومية عبر الشبكة العنكبوتية.. الصحافة الإلكترونية أحدثت قفزة نوعية في تداول الأخبار والمعلومات، وأوجدت ما يسمى ب«صحافة المواطن».

التعليم والتجارة أصبحا نشاطاً يمكن ممارسته في المنزل أو أي مكان، عبر الشبكة المهيمنة على جميع العلاقات.. هذه وغيرها إيجابيات الإنترنت، لكن الأمر لا يخلو من السلبيات، هنا نحاول توضيح ما لهذا الساحر وما عليه، بعد أن أطل علينا من عالمه الافتراضي ليغير واقعنا. تصف حنان محمود، موظفة، شبكة الإنترنت بأنها «الصديق اللدود» لكل أسرة، تقول: هي الصديق لأنها تسهل علينا الكثير من الأعمال، وفي مقدمة ذلك الوصول إلى المعلومات بسهولة وسرعة. كما ساعدت على تخفيف شعورنا بالغربة؛ لأننا باستخدامها نستطيع التواصل مع الأهل في كل مكان، ونطمئن عليهم عبر تطبيقات عززت الروابط. ولكنها في المقابل جعلت أفراد الأسرة الواحدة يعيشون في جزر منفصلة داخل المنزل نفسه، لإدمانهم تصفح الإنترنت ومتابعة الأخبار من حولهم، من دون الاهتمام بمعرفة أخبار الذين من يقيمون معهم تحت سقف واحد.

الملجأ و المعلم

أما نانسي إبراهيم، طالبة جامعية، فتقول: لا أتصور حياتي من دون الإنترنت، فهي بالنسبة لي المعلم والملجأ عندما أحتاج إلى أي معلومة في إعداد ورقة بحثية أو مشروع جامعي. تضيف: أشعر فعلاً بأنها صديق مقرب، بمجرد لمسة تجيبني عن أي سؤال، وتمدّني بالصور والفيديوهات والشرح، في الجد والهزل تساندني، ففي أوقات فراغي عندما أحتاج إلى ترفيه وأبحث عن أغنية أو فيلم، يكون صديقي الإنترنت دائماً إلى جانبي يمنحني أفضل وأحدث ما لديه، ففي وجود الإنترنت لا يمكنني الشعور بالملل. تتابع: لو أردنا الحديث عن عيوبه، لا يحضرني منها سوى أنه صديق أناني، لا يتركك حتى يتملكك تماماً وتصبح مرتبطاً به ومستسلماً له لدرجة الإدمان.

وتؤكد سوزان فتحي أنها استفادت كثيراً من استخدام الإنترنت على المستويين الشخصي والعملي، تقول: ساعدتني في تسويق منتجاتي التي أصنعها يدوياً عبر صفحتي على «فيس بوك»، ما حقق لي دخلاً مقبولاً. ولكن في المقابل وكمستهلك قمت بشراء بعض المنتجات التي يتم الترويج لها عبر الإنترنت، لا يوجد أي ضمان لجودة المنتج وحفظ حقوق المستهلك،ما يزيد من حالات الغش التجاري.

الإدمان أخطر سلبياتها

طوال 25 عاماً أحدثت الإنترنت تأثيرات نفسية واجتماعية، تحدثنا عنها د. رشا عبد الله، أستاذ مساعد علم النفس الاجتماعي، فتقول: انطلاق الثورة المعرفية والتطور التكنولوجي المتسارع، عموماً، والمتعلق بوسائل الاتصال خصوصاً، وفي مقدمتها «الشبكة العنكبوتية» أو شبكة الإنترنت، أسهم في إطلاق عصر جديد من عصور الاتصال والتفاعل بين البشر، ووفرة المعلومات والمعارف، وسرعة الحصول عليها لجميع المستخدمين. ولكن في المقابل ظهر الكثير من الآثار السلبية النفسية والاجتماعية والثقافية، على جميع شرائح المجتمع.

تضيف: نعم أسهمت الإنترنت في توفير المعلومات التي يحتاج إليها الإنسان، كما أنها أسهمت بشكل أو آخر في تخفيف الشعور بالوحدة لدى البعض ممن يعانون عدم القدرة على الاندماج مع المجتمع، حيث منحهم التواصل مع العالم الافتراضي الفرصة للمشاركة والتعبير عن آرائهم في الموضوعات المختلفة. لكن سوء استخدام شبكة الإنترنت، متمثلاً في قضاء وقت طويل في التفاعل معها، والانسحاب من العالم الوقعي، أوجد ما يسمى «إدمان الإنترنت» كظاهرة لا مجال لتجاهلها أو نفي آثارها.

وتفصل د. رشا الحديث عن «إدمان الإنترنت» بالقول: يؤدي هذا الإدمان إلى اضطرابات نفسية يمكن الاستدلال عليها بمجموعة من الأعراض، منها القلق والاكتئاب والتوتر والعزلة الاجتماعية. وقد أكد العديد من البحوث النفسية أن الاستخدام المبالغ فيه لشبكة الإنترنت، يسبب إدماناً نفسياً يشبه نوعاً ما في طبيعته إدمان المخدرات والكحوليات. وتشير إلى أن «إدمان الإنترنت» لم يصنف بعد ضمن قائمة الأمراض النفسية المعروفة، حيث لا يزال الغموض يحيط بهذه الظاهرة، إذ لم يتفق أطباء النفس على وجود هذا الإدمان كمرض قائم بذاته، حيث يعتبر البعض أنه اشتقاق من حالات إدمان أخرى مثل الإدمان على الشراء. وأول من وضع مصطلح «إدمان الإنترنت» هي عالمة النفس الأمريكية كيمبرلي يونغ، وهي من أوائل الأطباء النفسيين الذين اهتموا بدراسة هذه الظاهرة في الولايات المتحدة منذ العام 1994. وتعرف يونغ «إدمان الإنترنت» بأنه استخدام الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعياً، وقد أظهرت نتائج إحدى الدراسات التي قامت بها على عدد 500 مستخدم للإنترنت، حول ما يعانونه عند التوقف عن استخدامها، أن أكثر من 90% من المشاركين قالوا إنهم يعانون أعراضاً نفسية مثل الاكتئاب والقلق وسوء المزاج.

وتتحدث د. عبد الله عن أعراض إدمان الإنترنت، خصوصاً لدى الشباب والمراهقين، النفسية والاجتماعية والجسدية. تقول: أظهر العديد من الدراسات أن تلك الأعراض تتضمن: الوحدة، الإحباط، الاكتئاب، القلق، التأخر الدراسي، إيذاء النفس الذي قد يصل في بعض الحالات إلى الانتحار. أما الأعراض الجسدية فتشمل التعب والخمول والأرق، والحرمان من النوم، وآلام الظهر والرقبة، والتهاب العينين. إضافة إلى مخاطر الإشعاعات الصادرة عن شاشات أجهزة الاتصال الحديثة، وأيضاً تأثير المجالات المغناطيسية الصادرة عن الدوائر الإلكترونية والكهربية.وتختم د. رشا بتأكيدها أن الحديث عن الآثار السلبية للإنترنت، لا يعني التوقف عن استخدامها أو تجاهل وجودها، بل يعني استخدامها بشكل معتدل، مع ضرورة متابعة وتوجيه الآباء للأبناء عند هذا الاستخدام.

الإنترنت أضافت الكثير للإعلام

كان للإنترنت تأثيرها في المجالات المهنية المختلفة، خصوصاً مهنة الصحافة، إضافة إلى تأثيرها في الأفراد والمجتمعات. عن هذه التأثيرات تقول د.مها عبد المجيد، خبيرة مختصة بالصحافة الإلكترونية: على مستوى الممارسة المهنية، تأثرت – ولا تزال – الصحافة بشبكة الإنترنت في جميع مراحل إنجاز العمل الصحفي، بدءاً من الحصول على المعلومة، والتقاط أفكار القصص والموضوعات الصحفية، مروراً بالمعالجة المادة الصحفية تقنياً، وانتهاء بأساليب نشر المادة الصحفية، وطرق عرضها للجمهور، ثم تفاعل الجمهور وتجاوبه مع المادة الصحفية. 

تتابع: أعتقد أن الصحافة أكثر مجالات الإعلام تأثراً بشبكة الإنترنت، لأنها جعلت الصحافة تتجاوز حدود الكلمة المطبوعة والصور الثابتة، لتتحول إلى ما يشبه قاعدة بيانات ومعلومات ثرية بالتفاصيل والوسائط المتعددة، قادرة على نقل الأحداث فور وقوعها، وتزويد الجمهور بجديد الأخبار وتحديثاتها أولاً بأول.

وتضيف د. عبد المجيد أن هذه التأثيرات منها ما هو إيجابي، ومنها ما هو سلبي، فمن أوجه التأثيرات الإيجابية للإنترنت في ممارسة الصحافة: تنوع ووفرة مصادر المعلومات، سواء من المصادر البشرية أو الوثائقية، وسواء كانت رسمية أو غير رسمية. وأيضاً سرعة حصول الصحفيين على المعلومات، وإمكانية تدقيق المعلومة وتأكيدها من أكثر من مصدر. كما قدمت الإنترنت إمكانية عرض المادة الصحفية للقراء عبر عدة منصات إلكترونية مرتبطة بها، مثل الهواتف الذكية والحاسب اللوحي، ومن ثم ظهرت فنون وقوالب جديدة في كتابة المادة الصحفية، لتناسب طبيعة الوسيلة الجديدة التي أصبح القارئ يحصل من خلالها على هذه المادة

تقول: وبذلك تغيرت ممارسة الصحافة جذرياً، وأصبحت صحافة الإنترنت بكل ما تحمله من إمكانات غير مسبوقة، وقدرة على تجاوز مزايا التلفزيون والإذاعة والصحافة الورقية، والاستفادة منها جميعاً، تهديداً حقيقياً للصحافة الورقية التي لا تزال تعاني مشكلة تناقص أعداد القراء مع ارتفاع تكلفة إنتاجها، ما أدى بعدد من المؤسسات الصحفية إلى اتخاذ القرار بالاكتفاء بمواقعها الإلكترونية على الإنترنت، وإيقاف إصداراتها الورقية، في ما عرف بظاهرة «انتحار الصحف الورقية».

لكن هل أثرت الإنترنت سلباً في الصحافة؟ تجيب د. مها عن هذا السؤال بطريقة قاطعة: بكل تأكيد توجد تأثيرات سلبية، من أهمها فوضى وتخمة المعلومات التي تضع الصحفي في مأزق شديد، للتأكد من صحة المعلومات التي بين يديه. أيضاً وجود مصادر معلومات غير دقيقة وغير موضوعية، وصعوبة تمييزها إلا من خلال مهارات التدريب والعمل الصحفي العالية. 

تضيف: من السلبيات أيضاً انتشار ممارسات صحفية غير أخلاقية، مثل اقتباس مواد صحفية كاملة ونشرها في أكثر من موقع، من دون مراعاة حقوق الملكية الفكرية وأمانة الاقتباس. كذلك يعد الجانب السيئ في “صحافة المواطن” من السلبيات، وتحديداً عندما تنشط هذه الصحافة لنشر شائعات أو إثارة فتن وخلافات، وعرض الأحداث مجتزأة من سياقها العام، ويتصل بذلك ما يتعلق بخصوصية الأفراد، حيث يغيب عن ذهن الكثيرين من المشتغلين في “صحافة المواطن” قواعد هذه الخصوصية، وأهمية الحفاظ عليها.

مجالات جديدة

إلى جانب الحديث عن تأثيرات الإنترنت، يمكن الحديث عن المجالات الجديدة التي استحدثتها في مختلف القطاعات، ويعدد المهندس محمد عريقات، خبير أمن وحماية المعلومات، بعض هذه المجالات: نجحت الإنترنت في دعم نظام اقتصادي جديد يقوم على التجارة الإلكترونية، وتشير الأرقام والإحصاءات إلى أن عدد مستخدمي التجارة الإلكترونية في ارتفاع مستمر، لعدة أسباب: 

– التطور الكبير الذي أدخلته التقنيات الحديثة، في أسلوب عرض وإدارة محتوى المتاجر الإلكترونية. 

– عدم الحاجة إلى التقيد بمكان أو زمان محددين للتسوق.

– زيادة عامل الأمان لدى المستهلك عند قيامه بالتعاملات المالية من خلال الإنترنت.

– الوصول إلى عدد أكبر كثيراً من الزبائن، مع انخفاض تكلفة إنشاء وإدارة تلك المتاجر الإلكترونية مقارنة بالمتاجر الاعتيادية.

يضيف: وبنظرة سريعة على الأرقام، كان نصيب التجارة الإلكترونية في العام 2016 نحو 8.7٪ من حجم تجارة التجزئة عالمياً، مع توقع أن تصل هذه النسبة إلى 14.6٪ في العام 2020. وقد شهدت دولة الإمارات طفرة في السنوات الماضية في ما يخص مجال التجارة الإلكترونية، فطبقاً لموقع kippreport.com«كيبريبورت.كوم»، بلغ حجم تجارة التجزئة في العام 2015 نحو 230 مليار دولار، كان نصيب التجارة الإلكترونية منها 4.9 مليار، وأن نصف عمليات التجارة الإلكترونية التي تمت في منطقة الشرق الأوسط، كانت في الإمارات، وهذا يرجع إلى البنية التحتية والمعلوماتية المتقدمة في الدولة، كما يقول عريقات. 

المجال الآخر الذي استحدثته الإنترنت، ويتحدث عنه محمد عريقات، هو التعليم الإلكتروني، الذي صار يوفر الكثير من نفقات الدراسة مقارنة مع الطرق التعليمية التقليدية. يقول: في العام 2011، شكل دخول كبريات الجامعات العالمية: «ستانفورد» و«هارفارد» و«معهد ماساتشوستس» وغيرها إلى سوق التعليم الإلكتروني، نقلة نوعية في هذه السوق، حيث قامت هذه الجامعات بعرض وتدريس العديد من دوراتها التدريبية، من خلال مواقع التعليم الإلكتروني، مثل موقع (edx.org) الذي أنشأه كل من «جامعة هارفارد» و«معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» بالشراكة مع كبريات جامعات العالم، ويشابهه في التأسيس والمحتوى موقع (coursera.org)، وبذلك توفر للدارس الحصول على شهادة معتمدة من تلك الجامعات مقابل رسوم أقل. 

يتابع: ووفق تقرير لموقع (classcentral.com) فإنه في العام 2015، كانت سوق التعليم الإلكتروني تحتوي على أكثر من 500 جامعة عالمية، وأكثر من 4200 دورة تعليمية في مختلف المجالات، شارك في إحداها أكثر من 35 مليوناً، مشيراً إلى أن موقع (coursera.org) يعد من أكبر مواقع التعليم الإلكتروني في العالم، إذ يحتوي على أكثر من 17 مليون دارس. ويلفت إلى منطقة الشرق الأوسط تشهد نمواً في سوق التعليم الإلكتروني بنسبة 8.2٪ سنوياً، وحققت أرباحاً وصلت إلى 560 مليون دولار في 2016 حسب تقرير مؤسسة (docebo.com).

المصدر: الخليج