الثلاثاء ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٠
عرفت عبدالله في الثمانينات. رجل مرحب، لطيف، منفتح على النقاش في وقت كانت النقاشات المباشرة تمثل لي ضرورة حيوية. كان وقتها يعمل مذيعا ومتعاونا مع جمعية الثقافة والفنون. معه في الجمعية صديق مصري مثقف اسمه مختار الكسار، لا أدري ما عملت الدنيا به. كنت أختلف إلى مختارٍ هذا في المساء في زيارات ثقافية وأخرج معه أحيانا. في تلك الأجواء تعرفت على عبدالله الزيد. كانت تجربة التفاعل المباشر معه مفاجئة، فبعكس لغته الحادة والمفاصلة في مقالاته تجاه الاتجاه التقليدي في الأدب، كان الرجل في تفاعلاته المباشرة مع الناس هشاً، بشاً، يقطر لطافة. حين يتحدث، ينسدل على وجهه ماء اللين وطيب المعشر. بدا وكأن صورته المرفقة في مقالاته، ذات الملامح الصارمة والمتوافقة مع لغة مقالاته، كأنها محاولة منه لتقليل شيء من لطفه البدهي حين يتعامل مع البشر. يمكن القول إن التناقض بين حدة لغة مقالاته وشدة لطفه يمثل ظاهرة مبهمة. توثقت - في تلك الأيام - علاقتي به. كان عمله في الجمعية ينتهي في التاسعة مساء لينقلب إلى بيته الشعبي في حي صياح. لطالما زرته في الجمعية أو في بيته وقضينا وقتا طويلا في النقاشات التي يتخللها كثير من الاختلافات العميقة جدا. ولم أشهد أن هذا الاختلاف ينعكس على مفرداته أو لغة جسده. كان بعكس كثير من نجوم الإبداع الأدبي ذلك الوقت،…
الخميس ١٥ سبتمبر ٢٠١٦
الصديق والكاتب في جريدة «الحياة» أحمد الحناكي كتب مقالاً السبت الماضي بعنوان «مَن عدونا الحقيقي؟» يعترض فيه على تغريدة لي نصها «تطفح خطاباتنا بعداء الغرب، ميل تلقائي لهذا العداء، ما نعيشه يبين أن العدو الحقيقي هو روسيا. خطيئة الغرب تنحصر في دعم إسرائيل واللامبالاة»، وعلى تغريدتين أخريين للدكتور توفيق السيف ولي عن الموضوع نفسه. وإذ أشكر الصديق أحمد على إثارة الموضوع وتوسيع النقاش حوله، سأطرح في هذه المقالة رأياً موسعاً في الموضوع. الصور المشكلة لماهية أمريكا في أذهاننا مبنية على أساس حقائق تاريخية حول طبيعة حضورها في منطقتنا في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وليس على أساس حقائق خاصة بها كأمة ودولة عظمى. وعادة ما تتشكل المواقف والاتجاهات حيالها على أساس هذا الوعي المُثقل بحمولة التاريخ. هذا التشكل يجعل «المسألة الأمريكية» محفوظة أبداً داخل مقاربات لا تريم عن نعت أمريكا بأوصاف العداء أيًّا كان نهجها الآني في المنطقة. بالعودة إلى مقال الحناكي، يرى أحمد أن أمريكا «عاثت وتعيث فساداً في المنطقة منذ ذلك التاريخ (أي بعد أحداث سبتمبر الشهيرة) بشكل أكثر شراسة من قبل»، فيما يرى أن عدم تدخلها في سورية لأن «بقاء الوضع الفوضوي هناك في مصلحتها ومصلحة العدو المحتل». إنها الصورة الشائعة ذاتها: أمريكا شريرة لإرسال قواتها إلى العراق وأمريكا شريرة أيضاً لعدم إرسال قواتها إلى سورية.…
الإثنين ٢٨ أبريل ٢٠١٤
بدلاً من الاحتفال بعالم طب يضمه مستشفى سعودي، ضايقت وزارة الصحة الدكتور علي محمد زكي، مكتشف الفيروس الجديد من عائلة كورونا والذي سبق له أن تعرض لتحقيق ومضايقة سابقة من ذات الوزارة على اكتشافه وجود فيروس حمى الضنك في السعودية. سأقدم حكاية الدكتور علي زكي كما أخذتها من أفضل مصدرين حصلت عليهما في هذا الخصوص (جريدة اليوم، عدد الخميس الماضي، وإذاعة هولندا، الموقع الإلكتروني). سأبدأ بسرد حكاية الدكتور علي مع الفيروسات في بلدنا و»الرعاية» التي لقيها من وزارة الصحة جراء اكتشافاته. استقطب مستشفى الدكتور فقيه في جدة الدكتور علي زكي المتخصص في الأحياء الدقيقة سنة 1993 ليعمل في حقل الفيروسات. ويقول زكي أنه هو الذي أسس معملاً للفحوصات الفيروسية في المستشفى في ذلك الوقت. وبعيد سنة من عمله في جدة لاحظ أن بعض المرضى يكونون في حالة صحية سيئة لكن لم يكن ممكنا تشخيص حالتهم بسبب أن نتائج فحوصاتهم للأمراض المتوطنة بالمملكة تكون سلبية، أي أنهم سليمون. لم تكن تُجرى لهؤلاء المرضى فحوصات على حمى الضنك، لأن المملكة كانت تصنف بوصفها بلدا خاليا من هذا المرض. بعد سنوات، أي في 2005-2006، اكتشف زكي بمساعدة باحث فرنسي، أن هؤلاء المرضى تعساء الحظ مصابون بفيروس جديد من عائلة فيروسات حمى الضنك، وأطلق على الفيروس الجديد اسم «الخمرة» نسبة لمنطقة الخمرة في جدة،…
الأربعاء ١٥ يناير ٢٠١٤
منذ أشهر وأنا أفكر في الكتابة عن «داعش»، تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المهيمن كظاهرة على الجدل السياسي في منطقتنا خلال الأيام الماضية. باعثي على الدوام ليس تحليلاً سياسياً لهذا التنظيم، بل هو تأمل في جاذبية التنظيم لمن يحدّث نفسه بـ«النفرة» لـ«الجهاد» في سورية من شباننا. في الأيام الماضية، ومع انفجار الصراع العسكري بين «داعش» والتنظيمات العسكرية للثورة السورية، ظهرت كتابات كثيرة حول هذا التنظيم، إن بشكل مقالات في الصحف أم تغريدات في «تويتر». بعض هذه الكتابات وربما رغبة في تنبيه الناس لخطر «داعش»، طفقت تكتب عن علاقات ما يربط هذا التنظيم بالاستخبارات الإيرانية والعراقية والسورية، وأنه ليس إلا صنيعة إيرانية - عراقية - سورية. مع اقتحام بعض مواقع «داعش» في سورية، ظهرت صور على «الإنترنت»، يُقال إنها لجوازات إيرانية بقيادات «داعشية»، كما ظهرت أصوات سورية تؤكد، عبر تتبع نوعية العمليات العسكرية للتنظيم، أن «داعش» تنظيم مهموم بـ«تحرير» سورية من الثوار على الأسد بدلاً من تحريرها من نظام الأسد. ومن قراءة كل هذا، يمكن للمرء أن يلاحظ وظائفية تنظيم «داعش» لنظام الأسد. فعلى المستوى الدعائي، يؤكد «داعش» للعالم صدق ادعاءات الأسد بأن الثورة عليه ليست سوى إرهاب عبثي مجنون. وعلى المستوى العملياتي البحت، هو شوكة في خاصرة التنظيمات العسكرية المحاربة لنظام الأسد، إنه تنظيم مهموم بإقامة دولته على الأراضي…
الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠١٣
موت مانديلا أشعل الإشادات بكفاح الرجل وأسطورته وإرثه في مختلف الأمم والثقافات. وهكذا كان الحال لدينا أيضاً، لكن لا شك أن الاحتفاء الهائل والكاسح برمزية الرجل دفع البعض لمسألة هذه الرمزية وإثارة الأسئلة حولها في ثقافات مختلفة أيضاً. وأيضاً، هكذا كان الحال لدينا، فقد نشرت عدة مقالات تتساءل عن هذه الأسطرة وذاك الاحتفاء والاستحضار. أمامي ثلاث كتابات محلية «راجعت» أسطرة مانديلا، سأعمل في هذه المقالة على وصف المنظورات والطرق التي اتَّبعتها هذه الأعمال، محاولاً استنتاج الطرق التي تتبعها الاتجاهات الفكرية المحلية حين تقرر التوقف عند أسطرة مانديلا. بتعبير آخر، كيف كان كل تيار فكري سيقول لو طلب منه أن يتقدم بمراجعة نقدية لأسطرة مانديلا؟. المقالات هي للكُتَّاب، مرتبين حسب أسبقية النشر، محمد معروف الشيباني (جريدة البلاد/ السبت 7 ديسمبر/ بعنوان «عن مانديلا رحمنا الله»)، وفهد الشقيران (جريدة الشرق الأوسط/ الأحد 8 ديسمبر/ بعنوان «نيلسون مانديلا.. انغلاق زمن الأساطير»)، وسلطان العامر (جريدة الحياة 10 ديسمبر/ بعنوان «صناعة نيلسون مانديلا»). قبل أن أبدأ التعليق على محتوى المقالات الثلاث، أحب الإشارة إلى «معضلة» أخلاقية تبرز حين محاولة وصف كاتب محلي بأنه يمثل هذا التيار الفكري أو ذاك. ففيما لا تلحق إساءة مجتمعية بالفرد جراء وصفه بالإسلامي، فقد يكون الحال مختلفاً لو وصفت فرداً بالعلماني أو الليبرالي أو اليساري أو القومي…إلخ. يمثل عدم…
الأحد ٠١ ديسمبر ٢٠١٣
مات محمد أحمد الرشيد فقرأنا الثناء العاطر على الرجل وسيرته المحمودة إنساناً و مسؤولاً وتربوياً ذا رؤية وبصيرة، وإخلاصا في العمل وعفة في اللسان. مات محمد أحمد الرشيد فظهرت فجأة صورة ملائكية للرجل الذي وصف يوماً بأنه رأس حربة التغريب ومنفذ المؤامرات على الأمة و ثوابتها. مات محمد أحمد الرشيد فشهدت جنازته على قيمته وسط مجتمع ثمّن له خدماته بمشاعر صامتة لكنه لم يجرؤ على إنصافه من شانئيه. أليس هذا هو نفسه محمد أحمد الرشيد الذي قال فيه أهل الغيرة على الدين والأعراض أنه «لا تبرأ به الذمة». كان محمد أحمد الرشيد وزير التربية و التعليم، كان اسمها «وزارة المعارف» وقتها، إبان دمج رئاسة تعليم البنات بالوزارة. ولذا، فإن معارضي الدمج خاصموا الرجل ففجروا في خصومتهم، كما هي العادة، دعوني أوثق، حتى لا أتهم برمي القول جزافاً. خطب محمد الهبدان بعيد قرار الدمج خطبة سماها «شهيدة العصر» والموصوف بالشهيدة هي رئاسة تعليم البنات. أبكى الشيخ محمد الهبدان المصلين الخائفين على أعراضهم و بناتهم من أمر يدبر لهن بليل وتهدج صوته وهو يستشهد ببيتَي الشعر: حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدان لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان و وصف الدمج بأنه مؤامرة من «بني علمان لا كثر الله لهم جمعاً ولا…
الأحد ١٥ سبتمبر ٢٠١٣
ولع العرب بالشعر جعلهم يتركون تراثاً في المفاضلة و المنافسة بين القصائد أبيات الشعر. ومن أشكال هذه المفاضلات، اختيار بيت شعرٍ بوصفه أحسن ما قالته العرب في مجاله، حسب أغراض الشعر. فمن المعروف أن هناك أربعة أغراض رئيسة للشعر هي الفخر والهجاء والمديح والنسيب (الغزل). ولغرض المديح، مثلاً، اختار كثير من النقاد بيت جرير في مدح عبدالملك بن مروان الذي يقول فيه: ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راحِ بوصفه أمدح بيت قالته العرب، أو أفضل بيت شعرٍ قيل في المديح. وهكذا جرى المنوال في أغراض الشعر الأخرى. فيقال: «أهجى بيت قالته العرب»، و«أغزل بيت قالته العرب»، و«أفخر بيت قالته العرب». بل إن الأمر تعدى أغراض الشعر ليتم اختيار أفضل الأبيات في أغراض أخرى، كالرقة والوصف والصدق والكذب. فيقال: «أرق بيت قالته العرب»، و «أوصف بيت قالته العرب»، و «أصدق بيت قالته العرب»، و«أكذب بيت قالته العرب». تذكرت هذا التراث التصنيفي قبل أيام، حين دلني صديق عمري أحمد الحناكي الأسبوع الماضي على مقال كتب قبل تسع سنوات وجدت بعد أن قرأته أنه يستحق وبجدارة لقب «ألأم مقال كتبته العرب». وكلمة «ألأم»، صيغة أفعل لكلمة «لؤم»، كما هو الحال مع كلمات أمدح و أهجا وأغزل…الخ. المقال لصالح الشيحي. كتبه في جريدة الوطن بتاريخ2004/12/7 بعنوان «أكاديمية كحيلان 2-2». كتب الشيحي…
الإثنين ٠٩ سبتمبر ٢٠١٣
مع انطلاق دورة الرياض الودية الدولية لكرة القدم هذه الأيام، يتصاعد الجدل حول السماح للنساء بدخول الملاعب الرياضية. كالعادة و كلاكيت للمرة الألف، جدل و صخب و نقاش و ممانعات لإشراك النساء في منشط ما، من قيادة المرأة للسيارة إلى العمل في محلات بيع الملابس النسائية إلى…إلى…إلخ. غير أن الجدل هذه المرة ليس حول «مشاركة» النساء، بل حول السماح لهن بـ»الفرجة»! لم يخلُ الجدل من غموض. فتسري الأخبار مرة أنه سيُسمح للعائلات بحضور مباريات الدورة أعلاه. و ربما بسبب ردة فعل «أهل الغيرة»، جرى تلطيف للإجراء أعلاه بقصر حضور العائلات على العائلات غير السعودية فقط! و نظراً للقدر العالي من اللامعقولية في هذا الإجراء، فقد تم تلطيفه، وتضييق دائرة السماح أيضاً، بقصر السماح على عوائل أعضاء بعثات المنتخبات المشاركة، باستثناء المنتخب السعودي طبعاً! حالة الارتباك هذه حيال صيغ مشاركة الأنثى، أو تضييق مشاركة الأنثى، زوجها و أخاها و ابنها وأباها متعة مشاهدة نشاط رياضي ما، دفعتني لكتابة هذه المقالة كـ»قطة» مني في محاولة حل الإشكال. أقترح أن نسمح للنساء بدخول الملاعب السعودية. و لكي «يراعي» اقتراحي حساسيات الممانعين الغيورين، فقد حاولت الإتيان بصيغة تجد قبولاً عند الممانعين. يمكن اختصار هذه الصيغة تحت العنوان التالي: مباريات القلطة الثانية. و تعتمد هذه الصيغة على تراث محلي قديم في تنظيم تناول وجبات الولائم…
الأحد ٢٥ أغسطس ٢٠١٣
القصة باختصار: خطيب جامع الفردوس في الرياض دعا في خطبة الجمعة الماضية على وزير الدفاع المصري السيسي، بوصفه خلف عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، قائلاً: «اللهم اجتثَّ بشار والسيسي». بعض المصلين المصريين ممن يبدو أنهم من أنصار التغيير السياسي الأخير في مصر اعترضوا على هذا الدعاء، وحدث جدل انتهى -بحسب المقطع الذي شاهدته في اليوتيوب- بطرد مصلين سعوديين المصريين المعترضين من المسجد. كان منظراً مثيراً أن ترى مصلين يغادرون المسجد فيما الإمام يكبر إيذاناً ببدء الصلاة. زيادةً على الإثارة، كان منظراً حزيناً أيضاً. سآخذ هذه الحادثة الصغيرة لأُقارب مسألة أكبر، تلك هي المتعلقة باستخدام الأئمة والخطباء الصلوات والخطب من أجل حشد المصلين وراء منظوراتهم السياسية والفكرية والفقهية. ثمة فئات تعاني في السعودية من هذه المسألة ولم تتصرف مثل ما فعل مصريو مسجد الفردوس، بل ظلت صامتة تطوي المهانة والتجني. ما حدث في جامع الفردوس ذكرني بحادثة جرت لصديق قبل عشرين عاماً. ففي بداية عقد التسعينيات من القرن الميلادي الماضي، قرر عوض القرني أن الحداثة الأدبية -المكتسحة للمشهد الأدبي وقتها- محض مؤامرة عقائدية على الإسلام. أصدر عوض كتاباً شهيراً معنوناً بـ «الحداثة في ميزان الإسلام»، وكان «ميزان الإسلام» هذا هو ميزان عوض القرني حقيقة، صدر الكتاب في عز سيطرة الخطاب الصحوي على العقول والأفئدة وكان إيذاناً بحملة شعبوية مضادة للفكر…
السبت ٢٢ يونيو ٢٠١٣
كثيرا ما قرأت توصيفات لمواقف بعض قادة الصحوة ورموزها من النفرة إلى مواضع الجهاد العديدة في الفترة ما بين نهاية السبعينيات من القرن العشرين وحتى وقتنا الحاضر. على رأس هذه المواضع أفغانستان في طوري الاحتلال السوفييتي والأمريكي والبوسنة والشيشان والعراق وأخيرا سوريا. كنت أرى أن بعض هذه التوصيفات إما غير دقيقة أو متجنية. ومن أشكال هذا النوع من التوصيفات ما يُرمى به الشيخ سلمان العودة من أنه أحد المحرضين على النفرة إلى أفغانستان في طور مقاومة الاحتلال السوفييتي. على مدى العقد الماضي، كتب كثيرون واصفين الشيخ بأنه أحد المحرضين على النفور الشخصي للجهاد، وكان الشيخ ينفي ذلك على الدوام. وبرغم النفي المتكرر من قبل الشيخ لهذا الادعاء بل وإبرازه بعض أعماله الشفهية والمكتوبة، التي ترجع إلى بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، وبرغم عدم قدرة المتهمين على الإتيان بأي دليل، بحسب ما قرأت في هذا المجال، إلا أن الانطباع العام لدى فئة من الكتاب أن الشيخ سلمان كان من الداعين للنفور إلى مواضع الجهاد. وبناء على كل ما سبق، وخاصة حين قرأت بعض الآراء المتناثرة للشيخ التي يخالف فيها من يقول بكون الجهاد في أفغانستان فرض عين على كل مسلم، فإنه استقر لدي حكم أن متهمي الشيخ واهمون أو متحاملون. ولقد اطلعت مؤخراَ على المقالة الممتازة للكاتب حسن بن سالم…
السبت ٠٤ مايو ٢٠١٣
في سنة 1992 وبعد انقضاء عصر الحرب الباردة, قدم المفكر السياسي الأمريكي صموئيل هنتنجتون تنبُّؤه المثير للجدل حول عصرنا الجديد والذي ملخصه أننا، أي في ذلك الوقت, ندخل عصر صراع الحضارات بعد انقضاء عصر صراع الأيديولوجيات، والذي طبع فترة الحرب الباردة. متكئاً على مقولة هنتنجتون،أرى أننا في المنطقة التي تضم العالم العربي والمنطقة المسلمة من آسيا ندخل عصر صراع طائفي أخشى أن يكون ضارياً ومدمراً وبالطبع هو عبثي ولن يؤدي إلى أي نتيجة. الصراع الصفوي العثماني على طول خط الحدود الساخنة بين القوتين، والذي كانت أرض العراق مسرحه، يعد الحالة الأبرز لصراع طائفي إسلامي طويل. جذب احتلال أمريكا للعراق سنة 2003 تنظيم القاعدة، الذي بلور قائد أعماله في العراق الزرقاوي استراتيجية نشر الفوضى لهدم الأنموذج الأمريكي المزعوم لبناء نظام ديمقراطي بديل. إحدى آليات استراتيجية الزرقاوي كانت التفجيرات العبثية العشوائية لتجمعات الشيعة. في إحدى المناسبات الدينية الشيعية، حصد تفجير للقاعدة حوالي الألف قتيل. كان المنطق المرعب للزرقاوي يقوم على أساس أن الأغلبية الشيعية الطالعة تواً للحكم في عراق ما بعد صدام سترد على الحرب الدموية ضدها وستنتقم. وهكذا صار. وصلت الحرب الطائفية في العراق لذروتها في 2006 و2007 خاصة بعيد تفجير مقام الإمام العسكري. وقتها، وصل الأمر للقتل على الهوية في شوارع بغداد وحاراتها وظهرت أشكال بشعة جداً للقتل، مثل القتل…
السبت ٢٧ أبريل ٢٠١٣
يمكن للمتخصصين في علم الاجتماع تقديم تفسيرات مهمة لظاهرة الشهادات الوهمية في مجتمعنا، إذ إن هناك تخصصاً دقيقاً في علم الاجتماع يطلق عليه علم اجتماع العلوم Sociology of Science، وهو بالمناسبة المجال الذي تخصصت فيه. سأحاول في هذه المقالة تقديم مقاربة لظاهرة الشهادات الوهمية مستخدماً مقاربات ومفاهيم علم اجتماع العلوم. في الوقت الراهن، تنقسم الدراسات السوسيولوجية للعلوم (أي, دراسات علم الاجتماع) إلى فرعين بينهما تنافر كبير وقطيعة عميقة، هما علم اجتماع العلوم وعلم اجتماع المعرفة العلمية. تبلور علم اجتماع المعرفة العلمية قبل حوالي أربعة عقود على أيدي ثلة من المشتغلين في دراسات العلم ممن أرادوا الكشف عن مدى تأثر المعرفة العلمية المنتجة (والتي ينظر إليها بوصفها منزهة عن التأثر بغير العوامل العلمية نظراً لإنتاجها وفق مناهج صارمة) مدى تأثرها بالظروف الاجتماعية المحيطة بها من قبيل النوع (ذكر/ أنثى)، مصادر الدعم, طبيعة المنهج العلمي المستخدم، الانحيازات المنهجية والنظرية للعلماء وغيرها من العوامل. بتعبير آخر، لقد أراد رواد هذا التوجه فتح «صندوق الطماطم» المغلق للمعرفة العلمية. سيكون هذا الفرع قليل الصلة بالمقاربة التي أنوي تقديمها لظاهرة الشهادات الوهمية. سأستخدم فرع سوسيولوجيا العلم. تأسس فرع سوسيولوجيا العلم في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي (أي قبل ظهور تيار سوسيولوجيا المعرفة العلمية بعدة عقود) على يد عالم الوظيفية البنائية الكبير روبرت ميرتون. ينظر هذا الفرع…