علي أبوالريش
علي أبوالريش
روائي وشاعر وإعلامي إماراتي

القادم أفضل

الأحد ١٣ مارس ٢٠٢٢

كأنه ابتسامة البراءة، كأنه لغة العفوية، كأنه حلم الطير، كأنه نسق العناقيد عند هامات النخيل، هو ذاك المستقبل البراق، والغد المشرق، والقادم المتألق، بمحفظة التاريخ، وصندوق المشاريع العملاقة، وحزمة الطموحات التي لا ينطفئ لها ومیض، ولا يخبو بصيص. هي هذه الإمارات التي توحدها رؤية قيادة، استطاعت في عمق الأزمات أن تكون المصباح المنير، الذي يضيء الطريق للذاهبين إلى المستقبل، وأن تكون القاموس المحيط للغة التواصل بين الأنا والآخر، وأن تكون الموجة التي تحمل على كاهلها مراكب السفر إلى مناطق الأحلام البعيدة. اليوم عندما نلف خيوط الذاكرة، ونلتفت نحو القماشة الملونة، نجد أنفسنا أمام فسيفساء كونية، رهيبة، مذهلة، لا يمكن أن يمر عليها الخاطر من دون أن تسيل منابع البهجة في أعماقه، وتنهمر شلالات الأبيض الناصع من علو كعب الكرامة والتي تواصلت درجاتها العلا، كما هي خصلات الخيل عند جيد، وعنق، وعندما نتأمل اللوحة التشكيلية المعلقة بين السماء والأرض، نفهم جيداً بأن العالم لا تنمو فواصله بین الجملة والأخرى، إلا عندما تكون العبارة من لدن حنكة، وفطنة، وفي الإمارات يطفو الواقع على صدر سحابة، تأخذه إلى تربة خصبة، ولا يمر يوم إلا ونسمع، ونشاهد سنابل الخير ترفع هامات، وتفضي إلى الوجود بجمال، وكمال، حيث يختفي السؤال، لا يبقى إلا جواب الأفعال قبل الأقوال، في كل يوم الإمارات تستقبل خبراً مثل ما…

قطار الاتحاد..أهداب الحرير بين الرموش

الإثنين ٠٧ مارس ٢٠٢٢

هو هكذا يبدو في الحياة، وهو هكذا يمعن في غزل الحرير بين الرمش والرمش، هو هكذا يستدعي المشاعر كي تحضر، وكي تخيط قماشة الوجد، والسد، وتعمل على تلوين شرشف الرفاه بلون كزرقة السماء، وذهبية الصحراء، وبريق البحر. الإمارات وهي تشب نحو المستقبل ترنو إلى الماضي بيعين لا تغشيها غاشية، الأمر الذي يجعل من التناغم بين الإمارات كما هو التناغم بين موجات موسيقى قيثارة الكون التليد. ربط أبوظبي ودبي بالخط الرئيس القطار الاتحاد، هو فتل لخصلات الضفيرة الواحدة، هو خيط السلسال في العنق، يضيء النحر، ويملأ الصدر رحابة، كأنها وعي السحابة في ضمير الوجود، هكذا يشعر المتأمل لهذا السعي، وكيف يسير بالركب نحو غايات لم تبلغها الشمس، ولم ينل ودها القمر، لأن الإمارات وجه له سحنة العفوية، وله سمة الأبدية في صياغة الجمال، وصناعة المشاريع ذات الدهشة المجلجلة، والبريق المذهل. اليوم ونحن ننعم بمذهلات القرن الواحد والعشرين، نشعر بأن للإمارات أجنحة من بيارق النجوم، وأشرعة من نسيج الغيوم، تحلق في الفضاءات ريانة بالمجد، مزدانة بالسؤدد، حالمة بعالم لا تسوده إلا مشاعر الفراشات وهي ترفرف عند بتلات الزهور، ولا تلامس وجناته سوی نسمات صحراء جللت أنفاسها طائفة من أغصان الغاف، وكللت نعيمها جملة من سعفات النخيل، هذا هو نهج الإمارات، وهذا هو منطقها، وهذا هو عرفها، وسجيتها، منذ البدء وهي ترفع سبابتها…

الإمارات.. يد تمنح البلسم وتداوي

السبت ٠٥ مارس ٢٠٢٢

في الوقت الذي ترتعد فيه الفرائص، من شديد ما تبديه الطلقات من فحش، وتوحش، نجد الإمارات بحزمة الأخلاق العالية، والقيم الرفيعة، تحضر وفي الأيدي بلسم التداوي، وأكسير الحياة، وفي وقت نفض فيه العالم يديه متفرجاً، مبهوتاً لما يحدث على أرض من سكنی البشر، نجد الإمارات تكسر حاجز الصوت، وتمضي قدماً متأزرة بإرادة الأوفياء، متأبطة حالتها الإنسانية من دون وجل، أو توجس، حيث الواجب الإنساني يغلب على كل الاعتبارات، ويفوق كل التصورات، فها هي تطور الديار، وتنعم بقيمها، وشيمها، وقدرتها على اختراق نواصي الخلافات بين الدول، مقتنعة بأن الحل هو أن تتواصل الدول، وأن تعمل جاهدة على كنس غبار الأحقاد، ليحل السلام، وتمتلئ جعبة الكون بعطر التسامح ونهج الكرماء في هذا الوقت الذي تدور فيه رحى الكراهية، وتطحن أرواح الأبرياء، وتخوف الأطفال، وتروع النساء، تدخل الإمارات من نافذة العفوية، وبراءة الأصفياء لتضع يداً على جبين من فقدوا المأكل والمسكن، وتعضد من فقد الأمن والطمأنينة. الإمارات في الزمن الذي تتأكل فيه شحمة الأحلام الزاهية، تخرج على العالم بضمادة الجروح، متداعية كأنها العضو الساهر على عضو أنهكته العلل، وهتكت سلامه الأمراض والعصبية، والتعصب، وانهيار الذات العاقلة. الإمارات في هذا الوقت من زمن الحروب الطائفية والعرقية، والأيديولوجية، والسياسية، تقف عند قارعة الوعي، وتقول لكل من أضنته الحروب كفا نقف ونتأمل المشهد الإنساني، وكيف فعلت…

للمكان عطر الزعفران

السبت ٢٦ فبراير ٢٠٢٢

المكان في الذاكرة قنينة عطر، وزعفران معتق، المكان في المخيلة قصيدة عصماء لا تنتهي فصولها، بانتهاء الخطوات على الأرض. هناك في الوعي تكمن صورة مثلى لوجوه، وبوح، هناك حلم يتمشى على جفون اللاشعور، ويضع مرود الكحل أثمداً بارعاً في رتوشه على رمش الحياة. الله كم هي الحياة جلية، وجليلة، وهي تشخب الروح بسطوتها اللذيذة، وهي تسكب دماءها حرى على مدمع، وجرح، لونه من لون شفاه لمياء، ورقته من رقة وجنات، في سحنتها ورد، وشهد. المكان هو ذلك الخيط الواقع بين الوتين وتينة الفؤاد، هو ذلك الجذر في أتون التراب هو ذلك النبع في ضلع الأرض الأيمن. المكان باب موصد أو منفتح، هو نافذة العبور إلى الماضي، كما أنه خليج المرور إلى المستقبل، ونحن العشاق في المابين موجة لا تتوه بوصلتها، بل تتهادى كي تصل، وترد نبعاً، أو ربيعاً في ثنايا الأمنيات العريضة. هو هذا مكانك أيها السارد، الشارد في بطون القصائد، وفي صدرها، وعجزها، أيها المغرد عند آفاق، أو أخفاق، أيها المنشد المعنى، هو هذا مكانك، وأنت فيه ريشة، أو حتى جناح، تخطب ود الريح كي تحملك إليه، إلى ذلك المكان، رغم القرب، ورغم الاتساع في رصيف الذهاب والإياب، فإنك تشتاق، ويعتريك الهلع عندما تنظر إلى ساعة العمر، فتجد أنها قد قاربت الغروب، وأن الشمس لم تعد تمد خيوطها المشعة…

تحفة الحياة تحتضن متحف المستقبل

الثلاثاء ٢٢ فبراير ٢٠٢٢

كسوار عملاق يطوّق معصماً لدناً، كخلخال يحيط بساق مدملج، كقرط يسدل بريقه عند جيد مجود، هو ذلك متحف المستقبل، بحله وحلله، وجلّه وجلاله، يكلل وجنة دبي، ويتوج رؤوس الناظرين إلى البهجة المعمارية، بحروف الضاد، وما جادت به من بلاغة النطق ونبوغ المعرفة. هو ذاك المتحف منتصب كنسر خرافي، أو هو كنجم أسطوري لم يكتشفه العالم بعد، ليبقى في الأسرار موال بحث عن ذات شعب، وعن وسم قيادة، وعن تاريخ بلد علمته الصحراء أن يكون في الدنى وعياً أبدياً، وأن يصير في العالم منطقة الضوء حيث العالم محيط مدلهم، تعوزه المصابيح المشرقة. متحف المستقبل يكنس وعي النجوم ليصبح هو في العالمين كوناً مضاءً بأحلام الذين لا تنتهي أحلامهم عند حد، ولا تتوقف طموحاتهم عند نقطة نهاية. فلا نقاط نهاية في دبي، ولا محطات استراحة في هذا البلد سوى استراحة العقل عندما يتأمل مشهداً استثنائياً مثل هذه الأيقونة، مثل هذا النفير الذهني، والطواف الوجداني حول ما هو مدهش، وما هو مذهل، وما هو مقلق إلى حد الانفتاح على عالم سريالي، ممنهج يدخلك في عوالم غامضة إلى حد الوضوح، يخرجك من ذاتك ليعيدك إليها بخضاب الفرح، وأنت المعني بالجمال، يحدوك الأمل دوماً بأن يتحلى العالم بمجمله بجمال هذا السهم المنصوب في الوعي البشري كذاكرة، ومخيلة ترسم للإنسانية صورة الابتكار، ومعالم الإبداعي الوجودي على…

تركيا.. ذراع في الغرب وأخرى في الشرق

الثلاثاء ١٥ فبراير ٢٠٢٢

تركيا التي في الغرب لها تاريخ مؤزر بوجود جغرافي وإنساني، وفي الشرق مظلة تخبئ تحت مخملها دفء الأحلام الثقافية، هي اليوم تبدو في الأنام راحة ممدودة باتجاه السلام، وتنمية الحياة بالحب، والانسجام مع الآخر على غرار ما تقوم به الفراشات ساعة رفرفتها عند بتلات الأزهار. اليوم وفي الزيارة الراهنة لدولة الإمارات، يقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بتأسيس رحى قمحة العلاقات الحانية مع الإمارات التي ما برحت مناطق الأحلام الزاهية، وما انفكت تبني علاقاتها مع العالم على بنى السلام وطمأنينة الأفئدة، وافتراش ملاءات التنمية الاقتصادية بين الدول، كون الاقتصاد هو الحقيبة التي تختبئ بداخلها دفاتر المجد، وأقلام السعد، وكتب الرغد، كل ذلك يحدث اليوم في الإمارات التي تستقبل قادة العالم على رحب وسعة، ودون استثناء، مستندة بذلك إلى تاريخ من العمق في الوعي بأهمية أن نكون مثل بياض الموجة، مثل سخاء الشجرة، مثل بريق عيون الطير، حتى حفظ الود مع الغد، وحتى نمتلك ناصية التطور من دون هنات، ولا زلات، ولا خفقات. الإمارات سعت منذ عقود، في التاريخ إلى بناء علاقاتها مع دول العالم على أسس الاحترام المتبادل، والعدل، والمساواة من دون إفراط ولا تفريط في الثوابت. وتدل على ذلك هذه السجادة الممتدة عبر التضاريس الكونية منسوجة من وحي فهم بأهمية العلاقات بين الدول كي يسود السلام، ويعم الأمن، وتتحرر…

المكتبة الوطنية منارة وقيثارة

السبت ١٢ فبراير ٢٠٢٢

ميلاد مكتبة وطنية بحجم ما للإمارات من صيت في البناء، وصوت في العالم، يعد حدثاً كونياً يساوي ما يحدث في البلد من منجزات تخلب اللب، وتذهل الوجدان. المكتبة، هي بيت الكتاب، وهي حضنه، وحصنه، وأمنه، وقرة عين كل من يعيش حالة القراءة، كما يعيش الطير في سف عش الأبدية. مكتبة في العاصمة تعني ترتيب وجدان الكلمة، تعني تضفير جدائل الحلم، تعني سبك القلائد على نحر وصدر. هكذا علمتنا بلادنا على السير قدماً نحو الإزهار، والإثمار، وجعل الحياة كتاباً مرموقاً، يتلو آيات حروفه، عشاق الكلمة، ونساك الجمال. هكذا علمتنا بلادنا على توظيف الطاقات، واستثمار القدرات، في إضاءة الدرب وتعبيد الطريق، بأسود الحبر، وأبيض الفكر، منتمين إلى تاريخ أمة علمت العالم النون والقلم، وأبهجت الدنيا بمصابيح الفكر، والمفكرين، ولم يكن ابن رشد إلا سليل كتاب علمه كيف يقول للعالم تعالوا إلى كلمة سواء، فالدين الحقيقي هو الدين الذي يضيء سماوات الذهن بنور الوعي، هو دين الفضائل، لا دين القبائل. عاصمتنا علمتنا كيف يحيك قماشة الوعي، وكيف تجعل من الثقافة، سقفاً، ومرفأً، وكيف تصنع من الكتاب معطف دفء، وشراع سفر، وجناح تحليق، وغصن رفرفة. عاصمتنا علمتنا كيف نصنع حياتنا من رونق التلاقي بين دفتي كتاب، كما تتلاقى الأنهار عند سفح، يرتخي بخيلاء كما ترتخي الموجة للسواحل الرضية. ميلاد مكتبة وطنية في بلد اعتادت…

في بلد سبأ تغتال الحقيقة

الخميس ٢٧ يناير ٢٠٢٢

في الثمانينيات، كنت في زيارة عمل إلى اليمن، والتقيت بالشاعر الكبير عبد العزيز المقالح حيث أشار، وبلوعة العاشق لبلده، قائلاً، إذا لم يهرع العالم لإنقاذ اليمن، فإنه سوف ينقرض، لأن المخالب العدائية، والعصاب القهري سوف يفتك بوحدة بلدنا. اليوم شعت تلك الصرخة في رأسي، واجتاحتني القشعريرة وأنا أستدعي كلام الشاعر الكبير، وأحسست أن ما قاله يتحقق اليوم على الأرض، حيث الشوفينية تتفشى في عقول شريحة من أبنائها، وحيث الهلع يتمادى في قلوب بعضهم، وحيث الشهية مفتوحة على آخرها لاغتصاب السلطة، والسيطرة على مفاصل اليمن تحت ذرائع واهية، وحجج باهتة، وأساليب مخادعة كأنها السراب. الحوثي اليوم يتشدق بمبادئ ربما لا تقل عن أنها مجرد تخرصات كائنات بشرية، فقدت الصواب، وانتعلت الأرض البطحاء حذاءً لتقضي على الضرع والزرع، لينتهي اليمن إلى بلد فاشل، مترامٍ في جوعه وعيشه، ليس لأن اليمن فقير الموارد، بل هو بلد ثري بمدخرات أرضه، وشعبه الفرد الأبي، فالأمر يتعلق بزمرة من الناس حلمت أنها الوحيدة المنسوب إليها كل اليمن وأنها الفريدة في زمانها التي لها أحقية الاستيلاء على اليمن، وهويته، وموارده، وثرواته وحرية شعبه، وهذا ما حدث، والطوفان مستمر في قلع الأشجار، وتهشيم الأفكار، وكسر عظمة الترقوة لهوية بلد عروبتها ضاربة الجذور، وثقافتها في الأطناب، والأسباب رسمت على مدى الدهر، صورة اليمن السعيد، ومن دون منازع. اليوم عندما…

القناة

الإثنين ١٧ يناير ٢٠٢٢

كانت زيارتي لها ليلاً، ولكنها برزت في الضوء الملون بالزهو، كأنها الزمن الفضي يستعيد لغة الجمال، في مدينة اعتادت لبس فساتين الفتنة، واستمرأت الحلم في منازل النعيم، كنت بين الممشى والممشى الآخر، أمر منها لأعبر هناك، وكان المشهد المبهر يغدق الزوار بهجة، وفرحاً، كنت أشعر وكأني أهبط من سطح نجمة، لأضع خاطري على مهد حضارة بشرية محدثة لم أر مثلها من قبل، لأن المنظر يخطفك، والأشكال الهندسية، تسلبك لبك، والبساط الأخضر، المنمق بعشب أشبه بسجادة من حرير، ووجوه تنصع بابتسامات أخاذة، ورائحة الثمار، الغريبة، والأزهار تفترش عطرها، مرحبة بالزائرين، وكنت وكأني أفتش عن ذاتي، في مجمل الخضم الرحب من الرجال والنساء من كل حدب وصوب أتوا ليعيشوا هذه الأيام الشتوية الفسيحة، وهي تغدق الكون الإماراتي بروعة الجمال هنا في القناة، تسكن الأشياء، وتمضي في نثر فوانيسها المدهشة، على الوجوه، وكأنها الفنان الذي يلون لوحاته بأجمل الألوان. عندما تطل من خلال السور المعدني لترى البحر، يداهمك هذا الأغر، بمسحة من ملاءة خضراء تعكس الأضواء النافذة من مصابيح مطوية تحت أجنحة القوالب الأسمنتية، فلا تعلم من أين ينبثق الضوء، ومن أين تتسرب الألوان، وكيف تنصع، وتسطع، وتطلع أمام العيون كأنها الأجنحة المطلية بأحلى الألوان، كأنها العيون الشاسعة، تلمحك ببريق رباني مهيب، وأنت السائل لمحات، وقسمات، وبصمات، أنت المنغمس في التفاصيل، تدهشك هذه…

إنسانية الإمارات

الأربعاء ١٢ يناير ٢٠٢٢

تحت زخات المطر، وبين أكناف البرد القارس، وفي عراء الزمن الرديء، ينام عراة مراحل ما بعد الفراغ، نازحين، معوزين، بلا مأوى ولا مأكل، ولكن إذا كان الواقع الإنساني قد محل، واضمحل في ربوع كثيرة، فإن واقع الإمارات يقول لا، فإن الأنامل السخية تذهب في الأقاصي باحثة عنها كي تخفف من وطأتها، سائلة عن مكان لفقير لم تجف دمعته، نابشة بين الخرق المهترئة التي يخبئ بها النازحون أجساداً متعبة، كل ذلك تفعله الإمارات، لإزاحة الهم، والغم، والضنك عن كاهل هؤلاء البشر، رافعة عن أكتافهم معاناة سحتت إجسادهم، ونخرت عظامهم، هؤلاء هم بشر القرن الواحد والعشرين الذين توارت عنهم عيون العالم، واختبأت ذاكرتهم خلف لحف، ودثر، ولم يجدوا من يفكر في أحوالهم سوى هذه الدولة التي أخذت على عاتقها مسؤولية الدفاع عن حقوق الإنسان في كل مكان، ومن دون السؤال عن عرق أو دين، بل كل الاهتمام ينصب على آدمية البشر، وعلى أوضاعهم، ومعاناتهم، وتعبهم، وهكذا تستمر القافلة الإماراتية، قافلة الحب محملة بكل ما يحفظ ستر هؤلاء الناس، ويصون كرامتهم، ويمنع عنهم شقاء الظروف القاسية، وسغب الأيام العسيرة. الإمارات تقوم بذلك لأنه واجب إنساني لا بد وأن تتبوأه، ولا تخفي في ذلك منة، ولا تميزاً، الإمارات تفعل ذلك انطلاقاً من مبادئها الدينية والإنسانية، والأخلاقية التي تربت عليها القيادة، وترسخت في ذاكرة جيل…

عندما تجود الغيمة

الأربعاء ٠٥ يناير ٢٠٢٢

عندما تجود الغيمة، تصبح المدينة وردة برية تتوضأ بالبلل، والشارع ساقاً تمتد مسترخية عند مهد البراءة، والناس فراشات تغسل وعيها بالجمال، وتمضي نحو القطرات، وكأنها امرأة بدوية تغادر المضارب كي تلحق بركب الجاثيات عند نبع، ببلاغة السماء، ونبوغ السحابات السخية. لا شيء يملأ العين غير ذاك الرحيق السماوي المنسدل خيوطاً، فضية كسلسال على نحر، أو أسور يطوق اللدن من بضاضة الجسد الغض. الله كم هي الغيمة رخية، ورضية، وعطية، وندية، تجتاح الضمير الكوني بفصوص من نفيس السماء، وتمتطي صهوة جموحها، سارجة خيول المحبة، باتجاه تعشيب، وتخصيب، وتخضيب، وترطيب، كي يغفو العالم على نغمات المطر، وسيمفونية الوجود المرنمة بفعل قيثارة جياشة، من صنع طبيعة خلابة، مهابة، لا تعرف سوى النث، والحث، والبث. الله كم هي الغيمة رهيبة في معانيها، كم هي مهيبة في مغزاها وطياتها واعطافها، تتهادى عند خصر، وقد، وخد وتحبك قصتها مع الجمال في رواية بثيمة ممتلئة بالأحلام، حيث القطرة، تتبع قطرة، وحيث النقرة تلاحق نقرة، كأنها قلب السماء يثري الحياة نعومة، ويمنحها البهاء، وكأن الوجود يستولد نبضه من وحي تلك الغيمة المتحدرة من نسل الأبجدية الكونية، حيث كان الخلق في تشكله بدأ من دفقة، وحيث التداخل بدأ من شهقة لغيمة في الأعماق تسكن في التلافيف، وتستقر عند التجويف الأبعد. الله.. الله كم هي الغيمة أسطورية في شالها الشفيف،…

مدينة خليفة الرائقة

الأربعاء ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١

تحت السماء الصافية، وهي ترتدي وشاحاً أزرق منمقاً بفصوص النجوم الفضية، في الليل المنسدل كخيمة عملاقة، تخبئ أسرارها في معطف الذين تبهجهم قصيدة الطير الهاجع في أعشاشه تحت مخمل الأوراق الندية، هنا تشعر وكأنك في رحلة سرمدية، في سفر عبر مشاعر توهجت، وأسفرت عن حالة استثنائية تجعلك تمارس النيرفانا، وكأنك تلبس قبعة زمن سريالي عميق الجذور. فجأة تنفجر بالونة مدوية وأنت في كونك المغمور في حاشية العزلة، تنهض من مكانك مفزوعاً، ضجراً، متذمراً برماً، وقد ارتعدت فرائصك، وارتعشت أطرافك، وتحولت السكينة إلى قيامة مفتعلة، الجاني فيها شخص ما فكر أن يتسلى في الشارع، فصار يسحق الأسفلت، بمخالب مركبة أشبه بطبق طائر، مشوه، حيث بدت تلك المركبة، بمعالم غامضة، وحتى لو حاولت تقصي شكلها لعجزت عيناك أن تفند مكونات هذه المركبة التي فكر صاحبها في أن يحولها إلى كائن مبهم، مريع، بدءاً من العجلات الأشبه بكائن ضخم، غريب، عجيب، مريب، رهيب، حط من علٍ، ونزل على الأسفلت يحفر القار، كما يمخر أفئدة الساكنين، أما جسم العربة فيبدو مثل الجرادة الخضراء، وهي تمتص السكينة، لتحيلها إلى فوضى عارمة، وتجعل الناس في حيرة من هذه القيم المنبعثة من نفايات التاريخ، والمنبجسة من قمامات يرميها أشخاص خرجوا من منازلهم، تاركين ضمائرهم في صناديق الفضلات، ويسيرون في الشوارع مثل الهوام، مثل كائنات تركت أصحابها، وهامت…