علي أبوالريش
علي أبوالريش
روائي وشاعر وإعلامي إماراتي

متى تنتشر الفوضى؟

السبت ٠٩ يوليو ٢٠١٦

متى تنتشر الفوضى وتنمو آفة الحقد وتكبر حدقة الكراهية؟ الإنسان بطبعه يسعى للتمحور حول الأنا الأعلى، بدءاً من المرحلة الطفولية؟ ويمثل الأب والأم الأنا الأعلى وانتهاء بالأشخاص الأكبر الذين ما إن يعوا الحياة، فيتبعون خطوات الشخصية الجامعة، والمؤلفة، والقادرة على جمع كريات الدم في الجسد الواحد.. وفي حالة المجتمعات، فإنه ما من مجتمع وعمت فيه الفوضى وكل أسباب الدمار والخراب، إلا ونجد الفراغ، وغياب المحور والجوهر، والإنسان الذي تدور حول فلكه الكواكب، ويعيش المجتمع أي مجتمع حياة الأمن والاستقرار والرخاء الاجتماعي والثراء الاقتصادي إلا عندما تتوفر لديه القيادة، التي تتمتع بعوامل الزعامة، والسير بأفراد المجتمع نحو شواطئ آمنة مطمئنة، تحقق الطموحات وتلبي التطلعات، وتنجز مشاريع الإنسان المستقبلية، وبدون تعثر أو تبعثر.. الإمارات اليوم أصبحت مركزاً اقتصادياً إقليمياً ودولياً، بفضل ما لديها من إمكانيات نجاح أي مشروع اقتصادي، وبحكم ما تتمتع به من مساحات واسعة من الحرية الاقتصادية وكذلك الاجتماعية، الأمر الذي يشجع كل من لديه رغبة في بسط نفوذ عطائه الاقتصادي على أرض بسطت يد الرحمة والمحبة والتسامح. الإمارات استقطبت العالم بالحب، وألفت بين أكثر من مائتي جنسية بوازع التسامح والتعاضد، هذه المبادئ السامية نمت وترعرعت وتفرعت وأينعت بفضل الانتماء، وبفضل السخاء العاطفي الذي ينثره أبناء الإمارات، بالتوازي والتساوي ما بين الحاكم والشعب. هذا النهر العظيم، هو الذي زرع الطريق…

المغالون مفتون فاشلون (2)

الجمعة ٠٨ يوليو ٢٠١٦

نقرأ الواقع الإنساني، ونشاهد هذا الانحراف في الزوايا الحادة، ونرى بعقولنا أن الدين الإسلامي الحنيف حرم من أداء وظيفته السامية على يد مغالين، متطرفين، طارفين، مرتجفين، حوّلوا مسار النهر الإسلامي إلى غابات موحشة واستطاعوا في غفلة من الزمن أن ينصبوا أنفسهم ولاة بعصي مكهربة، ونصبوا رموزاً لهم، باعتبارهم السقف الذي لا يرتقى، والسارية التي لا تطال، فصار اللغو وصار اللهو، وصار العبث في أعظم رسالة سماوية، نالتها البشرية، هؤلاء المغالون، إنما هم حالات عصابية ونرجسية فتاكة تسلقت وتسلكت وتوغلت في نسيج المجتمعات، وصبغت الدين الحنيف بصفة المداهنة والمراهنة والمداهمة والمفاقمة، ما جعل الفكر الإنساني يخوض معارك خاسرة وسط ساحات ملغمة بالفحشاء والمنكر لأن النرجسيين يريدون أن يلونوا الدين بلون وجدانهم الحالك، وأن يشكلوا القيم الإسلامية كما هي عقولهم المضطربة الخربة التي تعاني هوس الانقلاب على الحقائق.. فعندما يتخلى الإنسان عن عقله فإنه يركب زورقاً مثقوباً.. يغرَق ويُغرِق معه الآخرين، وتصبح الحياة مجرد سائل مائي بدرجة حرارة تفوق تحمل البشر.. فالعقل هو المقياس وهو المتراس. يقول ابن رشد «بالعقل نصل إلى العلم اليقين، وبالعلم نصل إلى طريق السعادة في هذه الحياة، وما غرض الحياة في هذه الدنيا سوى تغليب العقل على الحواس والأهواء والشهوات، ومتى استطاع الإنسان هذا الأمر الصعب، فقد أدرك السعادة أياً كان مذهبه ودينه»، ولكن المغالين ليسوا معنيين…

وماذا بعد؟

الأحد ٠٣ يوليو ٢٠١٦

لم نكد ننتهي من آثار جريمة حتى يفجر الإرهاب جريمة أخرى، ولكن في البحرين لم تعلن «داعش» كعادتها مسؤوليتها عن الجريمة، ولكن مهما حدث، فلن تقيد الجريمة ضد مجهول، لأن المجهول معلوم وواضح، وأن ما يتم التخطيط له ضد مملكة البحرين وشعبها الآمن، هو من فعل دولة، وتواطؤ من تشرنقوا في جوف طائفية بغيضة، والهدف هو إشاعة الذعر ونشر التوتر وبسط نفوذ الحقد والخوف في نفوس الناس، وللأسف الشديد أن أرباب التزمت والتعنت لم يستوعبوا درس من حولهم، ولم يستفيدوا من التجارب الفاشلة في أماكن كثيرة ومختلفة، ولا يزال هؤلاء يصرون عن نجاح مشاريعهم التفتيتية، ولا يزال هؤلاء يعتقدون أن بقتل الأبرياء يستطيعون أن يخضعوا الناس، وأن يقودوهم إلى حظائرهم المسيجة باللون الواحد، والمدهونة بمعجون سيء ورديء، لا يمكن أن تتقبله الأعين، ولا يمكن أن تتلاءم معه القلوب والعقول.. وعندما يشعر هؤلاء الطائفيون بهذا الانحطاط، فإنهم يمعنون أكثر في الحقد، ويتوغلون أكثر في تفريغ ما في جعبتهم، فينتمون أكثر للعنف، منسحبين تجاهه في غيظ وفيض.. وللأسف الشديد أنه وإلى حتى الآن، لم يولد عقل رشيد يكبح هذا الجموح المجنون، ولم يستطع الطائفيون أن يستخدموا العقل قبل اللجوء إلى أحزان التاريخ وبكائياته، لأنهم وللأسف ثبتوا على مرحلة من المراحل، بفعل التراكم، ولا تزال تتوالد أفكارهم من الوعاء الرث نفسه، وبالتالي ستظل…

البحرين.. بحر العين

الجمعة ٠١ يوليو ٢٠١٦

البحرين في عمق البحر في عنق النحر، هي النقطة في آخر السطر هي الأول والآخر وهي روح الخليج وهي الجزر، هي محيط الدائرة، وهي القطر والوتر، هي الحلم والأبدية في ثنايا الوجد، وهي السفينة والسفر، وهي الشراع ببياضه وهي المرساة في عمق البحر، هي ديلمون وهي دانا وهي التاريخ العريق والضمير المستتر، هي المسافة ما بين الحاجب والحاجب، وهي فضاء الخليج المزدهر، هي الشيمة والقيمة وهي نخوة الجياد ساعة الظفر، هي فسحة العشاق، وقصيدة الأشواق، وهي المهد المعشوشب بموال السهر، هي جاهنا وجباهنا واتجاهنا، وهي القوس والنشاب وشقشقة الفجر. البحرين، لا يمكن أن تكون إلا القلعة والشمعة، وشعلة الوعي المنهمر، البحرين، لا يمكن أن تكون إلا المعصم والمبسم، والملهم، وشعشعة الفجر المزدهر.. البحرين هكذا هي ولن تكون غير ذلك، ومهما حاول المغالون والمفرطون في الخيانة والمسوفون في الادعاء لأنها فقط البحرين، ولأنها قامة الدهر وشامة السحر، وعلامة من علامات العروبة، فلا عمامة ولا جهامة ولا ذمامة تستطيع أن تخدش زجاجتها الصافية، وسماءها الوضاحة، وأرضها المغسولة بماء الزهر.. البحرين يحاول المدعون والمتطرفون والمنحدرون من سقامات وغدر أن يوجهوا البوصلة إلى حيث لا اتجاه إلا اتجاه الغدر، يحاول المدمنون على البيع بدون ثمن أن يجعلوا من هذا البلد ساحة للمقايضات، ونخاسات الفجور والكفر ولكن كيف يمكن للكذبة أن تستمر طالما هناك ضمير…

السقوط الأخير

الخميس ٣٠ يونيو ٢٠١٦

يعتقد البعض أن المبادئ طائرات ورقية، بالإمكان إطلاقها في أي اتجاه، لتصبح محلقة ويصير صاحبها قائداً مُلهماً.. هكذا يفعل الذين أرادوا أن يشذوا، وأن يدخلوا جحيم الفرقة، وألا يعتقوا أنفسهم من نار الخروج على وشم الوطن. ففي كل زمان ومكان تخرج فئة أو طائفة عن المجموع، وترفع صوت العصيان والنسيان والهجران، معتقدة بذلك أن ما تفعله هو الحقيقة الضائعة التي عثرت عليها ساعة إلهام، هذا الوضع يتكرر الآن نجده في المكان والزمان اللذين نعيشهما، ففئة من الناس أرادت أن تُعرف فأشهرت وشمرت وتورمت وتضخمت، وأخذت زاوية قصوى عند مكان حالك السواد، وقالت للوطن، «أنا ابن جلا» وابن جلا هذا، وقع للأسف في أتون النرجسية، وغاص عميقاً في شوائب الانحراف حتى أصبح الوطن في عينيه بحجم فص خاتم لا يراه عندما يكون في القمة، وفي غربلة القيم العابسة.. أحد هؤلاء الناس، عيسى قاسم الذي وضع إصبعه الملوث على الجنسية البحرينية واستعان بأهواء واغواء وأرزاء وأنواء، وفر راكباً عربة مخلخلة، فانحرفت فيه في دياجير الابتلاء والوباء. والبحرين كحكومة صبرت وصابرت وثابرت، وانتظرت طويلاً، لكن الذين في قلوبهم مرض لا جدوى من إصلاحهم، لأنهم توغلوا كثيراً في مستنقعات الطائفية، وانغمسوا أكثر في قمامات الأفكار العدوانية، وأول ما يوجهون نحوه سهامهم هو الوطن، كل ذلك من تدبير النفوس التي أبلاها سُم الحقد والكراهية، هؤلاء…

نور القيم وشعاعها

الأربعاء ٢٩ يونيو ٢٠١٦

خلال عقود البناء والتأسيس قدم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأم الإمارات حفظها الله، منارة القيم، وقيثارة للشيم، وأثمر الجهد القويم أشجاراً عملاقة على أرض الوطن، فكل ما نشهده ونلمسه من تقدم ورقي وتفان واستثنائية وتميز هو ثمرة ذلك الجهد من أب طوق الوطن بقلائد من حب وأم قلدت الأبناء بفرائد جعلت هذا الوطن يزهو بباقة الجمال ولباقة الكمال ولياقة النبل وأناقة الشهامة ورشاقة المقامة. زايد وأم الإمارات، الأسطورة والسطور المنقوشة بحروف من نبض، أحبا الوطن فحبب الله فيهم خلقه، واليوم عندما نقرأ عن تضحيات أبناء الإمارات في ميادين الحق، كما في منابر الحقيقة إنما ذلك من وحي رجل نبيل وعضيدة نجيبة، وضعا الإنسان في مقلة العين، وعند الرمش والحاجبين وسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك كانت العضد والسند والبعد الإنساني الرهيف الذي هفهف على رؤوس الأبناء والحد الرفيع الذي سن صقاله من أجل قطع دابر أي مضلة تواجه إنسان الإمارات والاتحاد النسائي العام، هو الصرح الذي ارتفع منه صوت المرأة الإماراتية معززاً ومدعوماً من سموها، مسنوداً من إرادتها القويمة، وهذا الشأن الرفيع لم يكن ليشمخ ويرسخ لولا وجود زعيم وضع كل إمكانياته المادية والمعنوية من أجل أن تأخذ المرأة مكانتها العالية وتتبوأ مركزها الاجتماعي وتخرج من ثوب التقوقع إلى فناء الحرية المدروسة والمقننة، التي تعطي المرأة…

التعصب لا دين له

الأحد ١٩ يونيو ٢٠١٦

يأتي اغتيال النائبة البريطانية عن حزب العمال، جوكوكس صرخة مدوية في وجه السلام النفسي وليعبر بوضوح وجلاء عن أن التعصب كائن أعمى، وأن الانحياز إلى الانغلاق وحش كاسر، يغوص في شرايين العشب الأخضر لاقتناص حياة الأبرياء، فلا دين ولا ملة ولا عرق ولا لون لهذا الكائن الناقم المتفاقم، المتعاظم في مجتمعات مختلفة ولا علاقة له بجغرافيا أو تضاريس لأنه موجود حيث توجد الاحتقانات، وحيث تتكاثف الأخلاق البذيئة والقيم الرذيلة، والمشاعر المبتذلة. النائبة البريطانية لم تحمل سلاحاً، ولم تتخندق في ثغر العدوانية، وإنما عبرت عن رأي ومن حق كل إنسان أن يفصح عن رأيه مهما كان نوع هذا الرأي، وعلى من يخالفه أن يأتي بالحجة الدامغة، والدليل على معارضته، لا أن يتسلل من خلف الحجب، فيطلق رصاصة الموت لينهي حياة إنسان بدم بارد، وروح خامدة، وضمير تجمد في صقيع اللامبالاة. في كل الأديان والأعراق، هناك شُذاذ الآفاق، وهناك ضيِّقو الصدور، وهناك عديمو الضمير، وهناك صغار العقول، هؤلاء الذين شيدوا حصوناً من الحقد، ونسجوا حبالاً من الكراهية، وبنوا أكواماً من العدوانية، وتسوروا خلف ركام من رماد الذات المتورطة في الكبت. ففي أي مجتمع من مجتمعات الدنيا، سواء كانت ديمقراطية أو شمولية هناك من شذوا في نار الأهواء والأنواء والأرزاء، وأطاحوا بالقيم الإنسانية، وهزموا الحقيقة كما هزمهم الحق، وباتوا نتوءات شاذة في مجتمعاتهم…

كيف نتخلص من التطرف؟

السبت ١٨ يونيو ٢٠١٦

المتطرفون والمتشددون متفقون على هدف واحد، ويسيرون نحوه من دون تردد أو تهاون، بينما العالم أجمع يصرخ من ضربات هذا التنظيم العدواني، ويحشد قواه العسكرية وغيرها، ولكن لم يتم بعد تحقيق النتائج المرجوة، والتي تعين أطفال العالم على الاستيقاظ صباحاً من دون أن يسمعوا هديراً أو زئيراً. لماذا العالم على الرغم من اتفاقه واقتناعه أن القوى المضادة متطرفة وشريرة ومتخلفة وعدوانية إلى درجة العدمية والعبثية، لكن هذا العالم نفسه وفي حدود كل دولة ينطلق من أجندات خاصة ومن شهادات حسن سير وسلوك خاصة، كما أن ألوان الإرهاب تختلف من دولة وأخرى، وكذلك أشكال الإرهاب ومراميه ومساعيه وأهدافه بحكم ارتباطه بتلك الدولة أو هذه.. إذاً لا يمكن التخلص من آفة والاختلاف والخلاف على أشده حول مادة التخلص وأدواتها، وفي حقيقة الأمر فإن داعش وأخواتها ما هي إلا وهم وخيال جامح، صنع بأيدٍ خفية، ويراد منه باطل وعاطل العالم الإسلامي، ولا أعتقد أن داعش تستطيع أن تحقق هذا الانتشار السحري والأسطوري لولا وجود قوى خفية، تغذي وتوزع «ساندويتشات» النمو والتكاثر. داعش ليس القوة الخارقة في ذاتها بل هي تتكئ على عوامل تغذية وتنمية خارجية، لأنه ما من عاقل يستطيع أن يصدق أن كل هذه الأقمار الصناعية والتقنيات المذهلة والجحافل العسكرية الفتاكة والأجهزة الدقيقة التي قيل إنها ترصد تحرك الذبابة ما بين فتحتي…

الصدمة

الخميس ١٦ يونيو ٢٠١٦

«الصدمة»..برنامج تليفزيوني خليجي استثنائي غير عادي، فيه إبداع وفيه فكرة وفيه جهد يجعلك في حالة انبهار ولا يستطيع أن تتحول عن الشاشة ولا تحولها عنك. «الصدمة» برنامج يعالج قضية إنسانية جوهرية، حساسة، ذات قيمة وشيمة، هذه القضية أصبحت معتادة في مجتمعاتنا العربية، فالأبناء يقعون ويهجرون ويعاقبون الآباء وأحياناً يعذبونهم ويتعاملون معهم كصغار مشاكسين ومشاغبين. في هذا البرنامج مشاهد ولقطات مؤثرة وأعتقد أن مثل هذه البرامج أصبح ملحاً وضرورياً، والحاجة ماسة إليها لأن العلاقات الإنسانية والاجتماعية شابها من اللغط والغلط والشطط ما يثير الدهشة، فأبناء شمروا عن سواعد الغلظة وأفسحوا عن أسنان التوحش واختلسوا من أفئدة الوحوش مشاعر ومن مخالبهم كواسر، لذلك، فقد جاء هذا البرنامج، برنامج الصدمة في الوقت المناسب والمكان المناسب والأوضاع الإنسانية، مطحونة بمشاعر جافة وضمائر ميتة.. وأنا أشاهد هذا البرنامج وأتابع نبسات ونبضات وحركات وخفقات الأشخاص الذين عاشوا الحدث التمثيلي، شعرت بمن يسكب ماء حاراً على وجهي وأحسست أن الجدران تتحرك وتقترب مني لتلتصق بي، ثم تقعدني ولا إرادياً طفرت دمعة من عيني، لأن الدور التمثيلي كان قوياً ومؤثراً والأشخاص الذين مثلوا الأدوار تقمصوا الشخصيتين بإتقان وحرفية ومهنية، فخرج الابن كما هو في الواقع، وكذلك الأب، الأمر الذي رسم صورة، صحيح أنها سوداوية تراجيدية، لكن هذا هو الواقع ولابد من إظهار الصورة كما هي من دون تدخل…

فوق أسنان الجبال تمضي الأسود

الأربعاء ١٥ يونيو ٢٠١٦

فوق أسنان الجبال، وعلى سنام الجمال، تصل هيئة الهلال الأحمر إلى حضرموت، وتغالب التضاريس الوعرة، بإرادة مستعرة تكسر عقبات التعب، وتحطم أشواك السغب بقلوب آمنت أن إسعاد الإنسان في أي مكان، هو المطلب وهو الهدف، ولا شيء غير إدخال الابتسامة على وجوه الذين أنهكهم الفقر، وقضَّ مضاجعهم ألم الحاجة.. الإمارات هناك في حضرموت، في حضن الجبال المكفهرة، والتضاريس المتهورة، ورجال هيئة الهلال يجازفون ويحذفون من بالهم السأم والملل، لأن المهمة وطنية بالدرجة الأولى ولأن القضية قضية حياة أو موت لشعب حاصرته الظروف القاسية من كل الجهات، وأصبح لا حول ولا قوة، شعب غدر به الأهل، واقتنص حقوقه الغريب، ولولا رحمة الله، وفزعة أهل الشرف الرفيع، لأصبحت حضرموت ومعها اليمن برمتها وحذافيرها بين الأيدي الآثمة، ولكن هبَّة الرجال الأفذاذ أوقفت النزيف، وأهدرت التحريض، ولجمت التخريف، وعادت الأمور إلى نصابها، وإلى صوابها، ولكن المواجهة الصعبة كانت لها الثمن الباهظ حيث نخر الحوثي عظام الشعب اليمني، وامتص دماءه، وأنهك اقتصاده، ودمر البنية التحتية بكاملها، الأمر الذي استدعى نجدة أصحاب القلوب الرحيمة والضمائر السليمة، ليقفوا إلى جانب الأشقاء وإغاثتهم وتقديم المساعدة لهم، ورفع المعاناة عن كواهلهم. ولأن يد الإمارات تمتد إلى كل مكان، يُسمع فيه أنه ضعيف أو صرخة مستغيث، فإنه من الطبيعي جداً أن يهب رجالنا إلى هناك إلى حيث تسترخي حضرموت بين…

العلماء السند المنيع

الثلاثاء ١٤ يونيو ٢٠١٦

العلماء هم السد والرد والصد، وهم الكلمة الفصل في العلاقة مع الآخر، وكذلك في مواجهة الجهل والتطرف. العلماء وحدهم المخولون، لحمل الراية ورفع الحوار إلى مستوياته السامية، من أجل صياغة ثقافة حقيقية قائمة على الإقناع لا على القناع، ثقافة تنتمي إلى الواقع، وتتجه نحوه، وتقوم على السهر من أجله، لأن ترك الأمور على علاتها وعواهنها، يفتح الباب واسعاً، لدخول الهواء الفاسد، والغبار والحشرات والفيروسات، أما أن نضع حداً للفوضى، وأن يتصدى أهل العلم، لكل معتدٍ أثيم، فهذه هي الطريقة التي يجب أن يسلكها أي مجتمع يريد سلامة وضعه وحماية منجزاته، ورعاية مشروعاته من دون تشويش أو تهويش، ولا يستطيع بلد من بلدان العالم، أن يعيش في معزل عن أدواته الدفاعية التي تطوقه بقلائد النجاة والحياة الكريمة، وأهم هذه الأدوات هم العلماء، علماء الدين بالتحديد لأنهم يملكون ناصية الكلام، ومتسلحون بالعلم الكافي الذي يجعلهم في مواجهة الأضداد، كباراً لا ينحنون، ولا ينثنون ولا يخنعون، ولا يخضعون إلا للوطن وحقوقه وفروضه. ولا يمكن أن ينهض مجتمع، ويتطور، ويحقق أمنياته وآماله إلا بخلو ساحته من المغرضين والمستهدفين والحاقدين والحاسدين، والعدوانيين، والذين في قلوبهم مرض، وهؤلاء آفة هذه الآفة لا يمكن الخلاص منها إلا بالتصدي لها، ولا يمكن ردعها ورفعها إلا بواسطة أصحاب الفكر المستنير، والعقول المضاءة بالعلم النافع، والقلوب المزروعة بالعشب القشيب، والنفوس…

يختفون في أوروبا

الجمعة ١٠ يونيو ٢٠١٦

عندما نسمع عن اختفاء عشرة آلاف طفل عراقي وسوري في أوروبا، هؤلاء الصغار الذين شرَّدتهم الحرب وطاردتهم عدوانية «داعش»، ونكَّلت بهم أنظمة جائرة فاجرة، لم تسع إلا إلى ترسيخ ثوابتها الاستبدادية على حساب جيل بأكمله.. السؤال الذي يطرح نفسه.. أين يذهب هؤلاء؟ تقارير الأمم المتحدة تقول إن النسبة العالية من هؤلاء يختفون في ظروف غامضة، ولكن هذه التقارير ترجح نفسها أنه ليس من المستغرب أن تلتقط هؤلاء الصغار عصابات التجارة بأعضاء البشر، وليس بعيداً أن تكون أذرع «داعش» قد أسقطت هؤلاء الصغار في شراكها، لاستخدامهم لأغراض عدوانية، ومن المعروف أن الكثير من أصحاب الأحزمة الناسفة في سوريا والعراق وغيرها من الأطفال والمراهقين. إذن.. ماذا فعل المجتمع الدولي إزاء كارثة كهذه قد تهز العالم، بداية من أوروبا نفسها وانتهاء بدول الشرق الأوسط؟.. ألا يكفينا تقارير البكائيات، ونشر الأخبار المفجعة فحسب، من دون تحريك ساكن لإنقاذ أناس كان من الأجدر أن يكونوا في صفوف مدرسية يتعلمون كيف يحبون وكيف ينتمون إلى الإنسانية، وكيف يكونون شركاء في المستقبل، لصناعة سلام الكون وأمنه؟.. وعندما يتفرج العالم على معضلة كونية كهذه، فإن ذلك ينذر بمستقبل ينتج أنياباً ومخالب وسط غابة متوحشة، ترتجف لها حتى الأشجار. ما يحدث لأطفال سوريا والعراق سبة في جبين العالم، ووصمة عار مخزية، لا يمكن أن توضع تحت أي ذريعة من…